مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وسلام علي عباده الذين اصطفي، سيدنا محمد وآله الطاهرين.
جري في مجلس الوزير السيد - أطال الله في العز الدائم بقاءه، وکبت [1] حساده وأعداءه - کلام [2] في غيبة (صاحب الزمان) [3] ألممت بأطرافه؛ لأن الحال لم تقتض الاستقصاء والاستيفاء، ودعاني ذلک إلي إملاء کلام وجيز فيها يطّلع به علي سر هذه المسألة، ويحسم مادة الشبهة المعترضة فيها، وإن کنت قد أودعت الکتاب الشافي في الإمامة وکتابي في تنزيه الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) من الکلام في الغيبة [4] ما فيه کفاية
[ صفحه 32]
وهداية لمن أنصف من نفسه وانقاد لإلزام الحجة، ولم يحر تحيّر[اً] عانداً عن المحجة [5] .
فأولي الأمور وأهمها: عرض الجواهر علي منتقدها، والمعاني علي السريع إلي إدراکها، الغائص بثاقب فطنته إلي أعماقها، فطالما أخرس عن علم، وأسکت عن حجة، عدم من يعرض عليه، وفقد من تهدي إليه، وما متکلف [6] نظماً أو نثراً عند من لا يميز بين السابق واللاحق [7] والمجلي والمصلي [8] إلا کمن خاطب جماداً أو حاور مواتاً [9] .
وأري من سبق هذه الحضره العالية - أدام الله أيامها - إلي أبکار المعاني، واستخراجها من غوامضها، وتصفيتها من شوائبها، وترتيبها في أماکنها، ما ينتج [10] الأفکار العقيمة، ويذکي [11] القلوب البليدة، ويحلّي
[ صفحه 33]
العلوم والآداب في أفواه من أمرت [12] في لهواته [13] ، وشحطت [14] عن خطواته، وشق عليه ارتقاؤها واعتلاؤها.
فصار أکبر حظ العالم والأديب وأسعد أحواله أن ترضي منه فضيلة اکتسبها ومنقبة دأب لها، وأن ينتقدها عليه ناقد الفضائل [15] فلا يبهرجها [16] ويزيّفها، وأن تنفق في السوق التي لا ينفق فيها الثمين [17] ولا يکسد فيها إلاّ المهين.
ونسأل الله تعالي في هذه النعمة الدوام، فهي أکبر وأوفرمن الاستضافة إليها والاستظهار بغيرها، وهو ولي الإجابة برحمته.
وإنّي لأري من اعتقاد مخالفينا: «صعوبة الکلام في الغيبة [18] وسهولته علينا [19] ، وقوته في جهتهم، وضعفه من جهتنا» عجباً!
والامر بالضد من ذلک وعکسه عند التأمل الصحيح، لأن الغيبة فرع لأصول متقدمة، فإن صحت تلک الأصول بأدلتها، وتقررت بحجّتها، فالکلام في الغيبة أسهل شيء وأقربه وأوضحه، لأنها تبتني علي
[ صفحه 34]
تلک الأصول وتترتب عليها، فيزول الإشکال.
وإن کانت تلک الأصول غير صحيحة ولا ثابتة، فلا معني للکلام في الغيبة قبل إحکام أصولها، فالکلام فيها من غير تمهيد تلک الأصول عبث وسفه.
فإن کان المخالف لنا يستصعب [20] ويستبعد الکلام في الغيبة قبل الکلام في وجوب الإمامة في کل عصر وصفات الإمام، فلا شک في أنه صعب، بل معوز متعذر لا يحصل منه إلاّ علي السراب.
وإن کان (له مستصعباً) [21] مع تمهد تلک الأصول وثبوتها، فلا صعوبة ولا شبهة، فإن الأمر ينساق سوقاً إلي الغيبة ضرورة إذا تقرّرت أصول الإمامة.
پاورقي
[1] جاء في هامش «ب» ما نصه:
الکبت: الصرف والإذلال، يقال: کبت الله العدو، أي: صرفه وأذله.
[2] جاء في هامش «ب» ما نصه: فاعل جري.
[3] في «ب»: الإمام.
[4] الشافي 1 / 44 - 54، تنزيه الأنبياء والأئمة: 180.
[5] ما أثبتناه هو الأنسب معي، ويمکن أن تقرأ العبارة هکذا:
«ولم يحر تحيّر عاندٍ عن المحجة».
وکان في «أ»: «ولم يجز بخبر عامداً...».
وفي «ب»: «ولم نحر نحير عامداً...»
وعند يعند- بالکسر- عنوداً، أي: خالف ورد الحق وهو يعرفه، فهو عنيد وعاند. (الصحاح2 / 513-عند).
[6] من هنا تبدأ نسخة «ج».
[7] السابق: هو الذي يسبق من الخيل (لسان العرب 10 / 151 - سبق).
اللاحق: الفرس إذا ضمرت (لسان العرب 10 / 328- لحق).
[8] المجلّي: السابق الأول من الخيل. والمصلّي: السابق الثاني منها (لسان العرب 14 / 467 - صلا).
[9] في «ب»: جاور مواتاً.
[10] في «ب»: سنح. وسنح لي رأي في کذا: عرض لي أو تيسر. (الصحاح 1 / 377، لسان العرب 2 / 491 - سنح).
[11] في «أ» و «ب»: يزکي.
[12] أمر، کمرّ، فعلّ من المرارة - ضدّ الحلاوة-؛ أنظر: لسان العرب 5 / 166 - مرر.
[13] اللهوات، جمع اللهاة. وهي الهنة المطبقة في أقصي سقف الفم. (الصحاح 6 / 2487، لسان العرب 15 / 261-262- لها).
[14] الشحط: البعد. (الصحاح 3 / 1135، لسان العرب 7 / 327 - شحط).
[15] في «ج»: للفضائل.
[16] البهرج: الباطل والرديء من الشيء (الصحاح 1 / 300 - بهرج).
[17] في «ب»: اليمين.
[18] أي من جهة اعتقادهم بعدمها.
[19] کذا العبارة في النسخ الثلاث، وفي «رسالة في غيبة الحجة» المطبوعة في المجموعة الثانية من رسائل الشريف المرتضي، ص 293، هکذا: فإن المخالفين لنا في الاعتقاد، يتوهمون صعوبة الکلام علينا في الغيبة وسهولته عليهم،....
[20] في «أ» و «ب»: يستضعف.
[21] في «ج»: يستصعبها.