کلمة المؤسسة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وعلي أهل بيته الطيبين الطاهرين.
وبعد:
فإذا سلمنا متوافقين بأنه لم تستغرق قضية عقائدية قط - طوال حقب وقرون متلاحقة - مساحة کبيرة في الافق الفکري الاسلامي ما استغرقته مسألة الخلافة والامامة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فان مااستتبعته بعد ذلک من امتدادات متفرعة مثلت الحلقات المتصلة والممتدة من خلالها، نالت ايضاً من کل ذلک الاحتدام والمنازلة الفکرية الحظ الاوفر، والنصيب الأکبر.
[ صفحه 6]
وقد مثلت مسألة خلافة وامامة الإمام الثاني عشر (عليه السلام)، وغيبته، وما يرتبط بها، الحلقة الأوسع، والميدان الارحب، بل واکثرها خضوعاً للجدل الفکري، والنزال الکلامي المتواصل، والذي ندر أن جالت خطي المتناظرين في التحاجج بمعتقد - بعد أصل الامامة الذي أشرنا اليه - قدر ما جالت في جوانبها وأبعادها، مراراً متلاحقة ومتوالية، بحيث لم تترک شاردة ولا واردة إلا وأقامتها بحثاً لها عن الحجة والدليل، والبينة والبرهان.
ولا مغالاة - قطعاً - في القول بأن لمفکري ومتکلمي الإمامية طوال حقب الجدل والمناظرة الفکرية المتلاحقة هذا الباع الطويل، والمدي العميق الغور في إثبات وإقرار معتقداتهم، وإفحام خصومهم بحججهم القائمة علي الأدلة المتينة والثابتة القوية.
نعم، فإذا ثبت بالدليلين العقلي والنقلي صحة مقولة الشيعة الإمامية بأصل الإمامة، وعصمة الإمام، وأنسحاب ذلک کله علي إمامة الإمام الثاني عشر (عليه السلام)، وما يعينه ذلک من احتوانه لمبدأ الإقرار بالغيبة الحاصلة له (عليه السلام)، وما تشتمل عليه وتحيط به، فإن ذلک يستلزم تبعاً لذلک - ونتيجة الخلاف العقائدي في التعامل معه من قبل غير الشيعة من الفرق الإسلامية المختلفة - توفر ووسائل المحاجة المستندة علي هذين الدليلين المتقدمين، والتي تتجسد في أوضح صورها بما نسميه بـ: علم الکلام، الذي يراد منه إثبات حقيقة وصواب هذه العقائد.
ولعل الاستقراء المتأني لمجمل هذه المساجلات الکلامية الي اضطلع بها مفکرو الإمامية، وبالتحديد ما يتعلق منها بمبحث غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) يظهر بجلاء بين قدرتهم الکبيرة في إدارة حلقات البحث هذه، وإمساکهم بجدارة لا تساجل زمامها وقيادها، وتسليم الخصم - إقراراً وإذعاناً - بذلک، وطوال سنين ودهور امتدّت منذ بداية عصر الغيبة الکبري في عام 329هـ،
[ صفحه 7]
وحتي يومنا هذا.
والرسالة الماثلة بين يدي القارئ الکريم عينة صادقة من تلک المناذج الفاخرة التي أشرنا إليها، والتي أبدع يراع علم کبير من أعلام الطائفة في تسطيرها وإعدادها، وهوالسيد المرتضي علم الهدي علي بن الحسين الموسوي رحمه الله تعالي برحمته الواسعة، حيث تعرض فيها إلي الکثير من المفردات الخاصة بغيبة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، مجيباً من خلالهاعلي مجمل التساولات المثارة في هذا الصدد، بأسلوب رصين، واسدلال متين، أقرّ به من طالعه وتأمل في فحواه، بل وأصبح من المراجع المهمة التي اعتمدها أعلام الطائفة في بحوثهم ومؤلّفاتهم، حيث أشار محقق هذه الرسالة إلي جملة وافرة من تلک الموارد.
ولا يعد قطعاً إطلاق هذا القول من قبيل ما يوصم بأنّه علي عواهنه، إذا إن الدراسة الموضوعية لمباحث هذه الرسالة، وموارد النقاش التي تعرضت لها، وعرضها علي الظروف الفکرية التي کانت سائدة آنذاک علي سطح الساحة الفکرية الإسلامية بمداخلاتها المتعددة، وتشابکاتها، المعقدة، وما رافقها من بروز جملة مختلفة من التيارات الفکرية، التي بدت أوضح صورها وأثقلها في مدرستي الأشاعرة والمعتزلة العريقتي القدم، کل ذلک يقطع بجلاء علي عمق المباني والأطروحات التي اعتمدها المؤلف (رحمه الله) فيها.
ولا يخفي علي القارئ الکريم مناهج البحث والمناظرة التي کانت سائدة آنذاک بين أعلام ومفکري الفرق الإسلامية، وما تستتبعه بعد من ترکيزٍ وإقرار للأطروحات الغنية محل البحث، ورفض وإعراض عما سقم وقصر منها، وحيث تدور رحاها في مجالس العلم والمذاکرة التي تکتض بالعلماء والمفکرين، فلا غروأن يستحث کل طرف من المتباحثين قدارته وإمکانياته في إثبات مدعاه، ودفع خصمه إلي الإقرار به، وإقناع الآخرين
[ صفحه 8]
بذلک.
ومن هنا فلسنا بمغالين قطعاً إذا جزمنا بمتانة وقوة استدلالات هذه الرسالة، ودقة مباحثها، ورصانة مبانيها، وحيث يبدو ذلک جلياً لمن طالعها بتأن، وجال بتدبر في مطاويها.
وأخيراً:
ونحن إذا نقدم هذه الرسالة القيّمة بين يدي القارئ الکريم، فإنا بذلک نواصل منهجنا باستلال جملة من الرسائل المنشورة علي صفحات مجلة «تراثنا» خلال سنوات عمرها الماضية، وکانت هذه الرسالة قد نشرت محققة علي صفحاتها في عددها السابع والعشرين، الصادر في شهر ربيع الآخر عام 1412 هـ، بتحقيق المحقق الفاضل السيد محمدعلي الحکيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وعلي أهل بيته الطيبين الطاهرين.
مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)
لإحياء التراث
[ صفحه 9]