بازگشت

حياة المهدي الخاصة


من حيث صفته و مکانه و مقدار عمره، و عدد من خصائصه الشخصية خلال غيبته الصغري.

شکله:

کان سلام الله عليه و عجل فرجه، يوم وفاة أبيه، حين رآه الناس يصلي علي ابيه..صبيا بوجهه سمره، بشعره قطط باسنانه تفليج کما سبق أن سمعنا.

ثم يصفه من رآه بعد ذلک خلال غيبته الصغري، بانه شاب حسن الوجه طيب الرائحة، هيوب؛ و مع هيبته متقرب الي الناس. قال الراوي: فتکلم، فلم أر احسن من کلامه و لا اعذب من منطقه في حسن جلوسه. [1] وفي رواية اخري: انه شاب اسمر لم ار قط في حسن صورته و اعتدال قامته [2] وفي رواية ثالثة: فتي حسن الوجه



[ صفحه 541]



طيب الرائحة يتبختر في مشيته. [3] و في رواية رابعة: انه ليس بالطويل الشامخ و لا بالقصير اللازق بل مربوع القامة مدور الهامة صلت الجبين ازج الحاجبين، اقني الأنف، سهل الخدين. علي خده الايمن خال [4] الي غير ذلک من الروايات. [5] .

و نسمع من سفيره محمد بن عثمان رضي الله عنه، حين سئل عن رويته للمهدي (ع)..يصف عنقه في حسنه و غلظه، فيشير بيده و يقول: و عنقه هکذا [6] او قال: و رقبته مثل هذا. [7] و انما اکد علي صفة عنقه ليدل علي صفة الرجولة فيه، و انه لم يبق کما عهده الناس في حياة ابيه صبيا صغيرا، أو غلاما عشاريا عليه رداء تقنع به. [8] .

اذن فهو عليه السلام، قد تقدم و تطور من حيت شکله، فأصبح شابا بعد ان کان غلاما و قويا بعد ان کان ضعيفا و کبيرا بعد ان کان صغيرا. و کان سفراوه يواجهونه في شبابه هذا.

ففي زمان العمري السفير الثاني، حاول شخص أن يقابل المهدي (ع) فوفر له العمري فرصة المقابلة. فرآه شابا من أحسن



[ صفحه 542]



الناس وجها و اطيبهم رائحة. بهيئة التجار، وفي کمه شي ء کهيئة التجار. [9] .

و کونه عليه السلام بهيئة التجار، يدلنا علي لباسه خلال هذه الفترة بل علي عمله أيضا..و هو التجارة، حيث يستطيع أن يواجه الناس کتاجر من التجار من دون أن يعرف الناس حقيقته. و لعله تاجر مستقبل عن تجارة سفيره أو يعمل سفيره في تجارته. و قد عرفنا مما سبق أن هيئة الکثير من علماء الخاصة بما فيهم السفراء أنفسهم و وکلائهم، و عملهم الاجتماعي الظاهر، کان علي ذلک.

و من هنا اتخذ قائدهم و امامهم نفس العمل و الملبس، و هو أمر أبعد ما يکون عن الفات النظر و اثارة الشکوک.

ثم يوصف لباسه حال الاحرام للحج: و هو عليه السلام يحضر الموسم کل سنة، يري الناس و يعرفهم، و يرونه و لا يعرفونه [10] و يکون في أثناء حجه متزرا ببردة و متشحا بأخري، وقد عطف بردائه علي عاتقه، [11] شأنه في ذلک شأن کل حاج محرم يلبس ثياب الاحرام. وفي رواية اخري عليه ازاران. [12] .

مکانه و انتقالاته:

کان حال حياة أبيه عليهما السلام في سامراء. دلت علي ذلک جميع



[ صفحه 543]



الروايات الناقلة لمشاهدته في تلک الفترة. و قد سبق أن سمعنا قسطا کبيرا منها. و من الطبيعي أن يبقي في سامراء يوم وفاة أبيه يصلي علي أبيه و يقابل وفد القميين، ليحولهم علي بغداد، حيث يعين لهم سفيرا جديدا.

و يبقي في سامراء ردحا من السنين بعد ذلک، کما تدل عليه حوادث تحويل السفيرين الأولين بأموال الوفود الي سامراء، کما سيأتي في الحقل الخاص بذلک. و يدل عليه أيضا بعض مقابلاته هناک، علي ما يأتي. و يدل عليه أيضا ما قامت به السلطات من المطاردة له و الکبس علي داره في سامراء من قبل المعتمد و المعتضد. حيث يکون عليه السلام موجودا هناک و لکنه يستطيع التخلص و الهرب. اذن فهو الي زمان خلافة المعتضد التي تولاها عام 279. کان ساکنا في دار أبيه في سامراء فلو فرض -کما هو المظنون -ان الکبس الذي أمر به المعتضد کان في أول عام من خلافته، فمعني ذلک أن المهدي عليه السلام بقي هناک تسعة عشر سنة بعد وفاة أبيه عليه السلام.

و قد أبعد المهدي (ع) عن نفسه کل الآثار، و کل ما يلفت النظر و يثير الشک، حتي وکلاوه أصبحوا بعيدين عنه، لکي لا يوجهوا الأنظار اليه أولا، و لکي يعيشوا في قلب الحوادث الاجتماعية شأن کل من يريد أداء الخدمة الصالحة لمجتمعة و أمته، ثانيا. و لکي يبعدوا هم بدورهم عن أرصاد الدولة و عاصمة الملک حال کونها في سامراء خلال هذه التسعة عشر سنة ثالثا.



[ صفحه 544]



أما هو فلا ينبغي أن يعيش الحوادث و لا أن يختلط بالناس. بل يبقي بعيدا يکتفي بسماع الأخبار و الاطلاع علي الآثار، يعيش هموم الأمة الاسلامية ذهنيا ان لم يستطع أن يعيشها خارجا...حتي تهدا النائرة، و يندمل الجرح و تخف المطاردة، و بمضي الردح الأول من الغيبة الصغري ليستطيع بعد ذلک أن يقوم بعمل جديد.

و المتتبع لخروج التوقيعات و البيانات عن الامام المهدي عليه السلام خلال الفترة الأولي من غيبته، يري بوضوح قلتها وندرتها. الي حد لا يکاد ينقل عن السفير الأول، بل السفير الثاني في أول سفارته توقيع دو بال، الا في حدود قليلة و عند الحاجة الکبيرة. و ما ذلک الا لأن الحاجة الي الحذر في هذه الفترة ألزم، و البعد ما بين المهدي (ع) و سفرائه من حيث المکان أکثر.

و حين تنتهي هذه الفترة الحرجة، و لا يزال محمد بن عثمان سفيرا في ذلک الحين، تنفتح له عليه السلام، فرصة جديدة في الخروج و التجول بنحو لا يمکن أن يعرفه الناس و لا أن يشار اليه بحقيقته.فان أکثر الناس لم يروه في حياة أبيه. و من رآه منهم کان قد رآه طفلا أو صبيا و الآن قد أصبح شابا و سيما، فلا تکاد ملامحه أن تکون محفوظة معروفة بعد مرور هذه الفترة. علي أن جيلا من الناس قد مات و جيلا واجه الحياة من جديد، و هو لا يعرف من شکل المهدي شيئا.و کلما طالت المدة ابتعدت صورته عن أذهان الناس و ذابت ذوبانا کليا.

و من هنا انفسحت للمهدي (ع) فرصة جديدة، لأن يدخل بغداد



[ صفحه 545]



لنراه تارة بزي التجار. [13] و أخري آمرا محمد بن علي بن بلال، أن يدفع ما لديه من الأموال الي سفيره العمري. [14] و أصبح يحضر موسم الحج في کل عام، کما سمعنا، ماشيا. [15] بل أصبح يخالط الحجاج من خواصه و يحدثهم [16] و يعلمهم الأدعية و يعطيهم التعليمات. [17] بل انه ليکشف حقيقته أمام البعض اذا اقتضت المصلحة و لم يکن في ذلک خطر. [18] و کان يسکن خلال فترة الحج في تلک الديار المقدسة. و من هنا سنري أن جملة من مقابلاته تمت هناک، من قبل الباحثين عنه المريدين التشرف بلقائه.

و کما يذهب الي الحج،فانه يذهب الي کربلاء لزيارة جده سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام، يوم عرفة، فيوصل الي أحدهم مالا [19] علي ما سيأتي.

بل انه يصل الي مصر، علي ما يظهر من بعض الروايات، و ينزل الاسکندرية في خان ينزله الغرباء، يصلي في مسجده بأهل ذلک الخان. ثم يسافر مع أحدهم،و يأخذ طريق البحر. [20] .



[ صفحه 546]



ثم انه يعود من هذه الأسفار الي بغداد ليباشر الاتصال بسفرائه، و ادارة مصالح المجتمع و الوقوف في وجه المنحرفين، عن طريق التوقيعات و البيانات.

هذا و نسمع قول المهدي (ع) -في رواية علي بن ابراهيم بن مهزيار-يا ابن المازيار! أبي أبو محمد عهد الي أن لا أجاور قوما غضب الله عليهم و لعنهم، و لهم الخزي في الدنيا و الآخرة، و لهم عذاب أليم. و أمرني أن لا أسکن من الجبال الا وعرها و من البلاد الا عفرها. و الله مولاکم أظهر التقية، فوکلها بي. فأنا في التقية الي يوم يوذن لي فأخرج. [21] .

و هذا الخبر لو صح لکان معارضا لعدد من الأخبار أهمها طريقة استحصال التوقيعات منه عليه السلام، الا ببعض الفروض البعيدة أو الاعجازية التي نحن في غني عن افتراضها، و المهدي (ع) في غني عن اتخاذها. و معه تکون تلک الأخبار مقدمة علي مدلول هذا الخبر. و قد سبق أن عرفنا أن الحذر و التقية يتم مع سکناه المدن أيضا لعدم معرفة الناس بشکله و عدم الالتفات الي حقيقته. و ليست التقية متوقفة علي سکني الجبال و عفر البلاد. ان لم يکن ملفتا للنظر و جالبا للشک أحيانا. و الله العالم بحقائق الأمور.

عمره الشريف:

ولد عليه السلام في النصف من شعبان عام 255، کما عرفنا، فيکون عمره حين وفاة أبيه في شهر ربيع الأول من عام 260 کما سبق.



[ صفحه 547]



اربع سنوات و حوالي سته اشهر. وقال السمعودي و ثمانية اشهر. [22] .

و لعله مبني علي رواية اخري لم نأخذ بها. و في هذا العمر تولي منصب الامامة و قياده الامة و آتاه الله الحکم صبيا.

و قد عرفنا انه لم يکن شکله يوم وفاة ابيه موافقا مع هذا العمر، بل کان صبيا يافعا يقول من يراه انه ابن ثمان او عشر سنين. و قد اعطينا لذلک التبريرات الکافية فيما سبق و يکون عمره الشريف حين شوهد في الحج عام 293،شابا اسمر، قال الراوي: لم ار قط في حسن صورته و اعتدال قامته.. [23] ثمان و ثلاثون عاما.

و يکون عمره عند وفاة سفيره الرابع الشيخ السمري، عام 305 خمسين عاما غير ثلاثة اشهر. و عند وفاة سفيره الثالث الحسين بن روح رضي الله عنه عام 326 واحدا و سبعين عاما.

ويکون عمره وفاة سفيره الرابع الشيخ السمري، عام 329، و انتهاء فترة الغيبة الصغري..اربعا و سبعين عاما. قضي منها اربع سنين و نصف في حياة ابيه عليهما السلام. و تسعة و ستين عاما و نصف و خمسة عشر يوما في الغيبة الصغري. ثم بدأت الغيبة الکبري حيث لا ظهور الا ان يأذن الله تعالي بالفرج لکي يملأ الأرض قسطا و عدلا کما ملئت ظلما و جورا.

و يکون عمره يوم انتهي المسعودي من کتابه اثبات الوصية، و هو



[ صفحه 548]



عام اثنتين و ثلاثين و ثلاث مائه..اي بعد انتهاء الغيبة الصغري بثلاث سنوات..يکون عمره الشريف ستا و سبعين سنة واحد عشر شهر و نصف شهر، کما ذکر المسعودي. [24] .

هذا بحسب عدد السنين. و اما بحسب شکله، فکان عليه السلام لا يزال شابا، يقدره الناظر بحوالي العشرين عاما علي ما يستفاد من مجموع اوصافه. و هذا امر ممکن بل ضروري الثبوت، بأعتبارين:

احدهما، و هو الامر الاساسي، الايمان بقدرة الله تعالي الذي خلقکم اول مرة، و الذي يحي العظام و هي رميم، و بيده ملکوت کل شي ء، و هو علي کل شي ء قدير.

فاذا عرفنا المصلحة الکبري المتوقفة علي وجود المهدي (ع) و المسوولية الکبري المناطة به. و انها من الاهمية و الرسوخ في الاسلام الي حد يعمل الله عزوجل اراداته الخاصة في تنفيذها..نعرف کيف يمکن ان يحفظ الله تعالي المهدي (ع) لاجل ذلک الهدف الکبير.

ثانيهما: نموه البطي ء في غيبته الکبري بحيث يقدر له من العمر حين ظهوره اربعين عاما کما ورد في الروايات. [25] .

اذن، فهو بالرغم من نموه السريع في صغره في حياة ابيه، حتي نما في الاربع سنوات، ما ينمو به الانسان خلال ثمان او عشر سنين.. اصبح نموه يتباطا بعد ذلک. ففي خلال السبعين عاما لغيبته الصغري نما بمقدار حوالي العشر سنين من العمر الطبيعي، حيث کان في اولها



[ صفحه 549]



يقدر بحوالي عشر سنوات، و کان في آخرها يقدر بحوالي العشرين.

ثم هو في السنوات المتطاولة المتمادية في غيبته الکبري ينمو بمقدار العشرين الباقية من سن الاربعين الطبيعي للانسان، ليظهر في آخرها و هو کابن الاربعين. و هو السن الذي يکون فيه الرجل في غاية الرشد و النضج و الحنکة.

ثم ان المظنون ان نموه امام الناس بعد ظهوره سوف يکون طبيعيا کشخص له اربعون سنة، فما فوق.

و من طريف ما ورد في هذا الصدد، ما في عقد الدرر عن ابي عبد الله الحسين عليه السلام، انه قال: انه لو قام المهدي لا نکره الناس، لانه يرجع اليهم شابا موفقا و ان من اعظم البلية ان يخرج اليهم صاحبهم شابا، و هم يظنونه شيخا کبيرا. [26] و المراد من قوله، يرجع اليهم انه يظهر لهم بعد غياب، لا انه يکون شيخا ثم يتحول شابا بطريق اعجازي.

هذا کله، بحسب المصالح الالهية الکبري، المذخورة ليومه الموعود.

فهذه لمحات من حياته الخاصة، و ستعرف جملة أخري من تفاصيلها في الحقول التالية.


پاورقي

[1] غيبة الشيخ ص 152.

[2] المصدر ص 153.

[3] غيبة الشيخ ص 159.

[4] المصدر ص 161.

[5] انظر المصدر ص 156 و ص 163 و ص 182 و غيره من المصادر کثيرة.

[6] المصدر ص 215.

[7] المصدر ص 219.

[8] المصدر 155.

[9] غيبة الشيخ ص 164.

[10] المصدر ص 221.

[11] اکمال الدين المخطوط.

[12] غيبة الشيخ الطوسي ص 156.

[13] غبة الشيخ الطوسي ص 164.

[14] المصدر ص 246.

[15] المصدر ص 258.

[16] انظر المصدر نفسه ص 152.

[17] المصدر ص 156.

[18] المصدر ص 152.

[19] المصدر ص 181.

[20] المصدر ص 183.

[21] غيبته الشيخ الطوسي ص 161.

[22] اثبات الوصية ص 263.

[23] الغيبة ص 153.

[24] انظر اثبات الوصية ص 263.

[25] انظر الغيبة للشيخ الطوسي ص 258 و کتاب المهدي ص 8.

[26] کتاب المهدي ص 208 و انظر عقد الدرر المخطوط.