بازگشت

تحليل مجابهة الانحراف


کان الاهتمام الکبير للامام المهدي (ع) و سفرائه في الوقوف ضد هذا التيار، أکبر من الوقوف ضد أي تيار آخر. و ذلک لعاملين أساسيين:

أحدهما، لا حظناه مما سبق، من کون هذا العمل مما ينسجم و سياسة السلطات. فلا يکون منافيا لمسلک الحذر و التکتم. و حيث کان في ردع القواعد الشعبية الموالية عن هولاء المزورين مصلحة کبري کما هو معلوم، و لا مانع منه من قبل السلطات..اذن فمن المنطق أن ننتظر ازدياد نشاط السفراء و الوکلاء في ذلک، و تعدد التوقيعات بخصوصه.



[ صفحه 536]



ثانيها: و هو الأهم، المبتني علي قاعدة عامة في منطق الجماعات البشرية، تقول: ان الهدم الناشي ء في داخل الجماعة يکون أضر بها و أشد عليها من الهدم الوارد عليها من الخارج، في الأعم الأغلب. بل ان المنحرفين في کل جماعة، ليمثلون خط المناوي ء جنبا الي جنب مع الجماعات الأخري المعادية.

و من ثم کان المنحرفون عن الاسلام، و المتاجرون باسمه، أشد علي الاسلام من الکفار و المشرکين، و أکثر تأثيرا في الابعاد عنه. و هم -في واقعهم - يد عاملة في مصلحة القوي العالمية المناوئة للاسلام.

و لذلک، کان هولاء المنحرفون، المدعون للسفارة زورا، أشد علي القواعد الشعبية و أضربها- لو استفحل امرهم - من السلطات المنحرفة لانهم و يتاجرون باسم الامام المهدي عليه السلام، و يدخلون الي عقول السذج عن طريق مهم معتاد بالنسبة اليهم و هو السفارة عنه و قبض الاموال بالوکالة عنه. ثم انهم يزرقون من عقائدهم المنحرفه و سلوکهم الباطل في نفوس الآخرين، تحت هذا الشعار، ما يحلو لهم و ما يشاءون.

علي حين ان السلطات لا تملک الا الحديد و النار و السجون، و لم تکن هذه الامور يوما بصالحة في القيام ضد العقيدة و التأثير عليها. لا تستطيع السلطات ان تدخل الي اذهان الموالين للائمة عليهم السلام، عن طريق ديني باي حال من الاحوال. و ليس ادل علي ذلک، من رفض المعتمد لعمالة جعفر بن علي، حين کان يائسا من تأثيره في فرض عمالته علي موالي اخيه عليه السلام.



[ صفحه 537]



فکان من الواجب الوقوف ضد هذا التيار الداخلي المنحرف، الذي کاد ان يبلغ مبلغا عظيما، لو لا ما بينه الامام المهدي عليه السلام من بينات و ما قام به السفراء من نشاط مضاعف کبير. الي جانب شعور الدولة بالمعادات مع هولاء المنحرفين و مطاردتها لهم. ولم يخطر لها ان تستفيد منهم في سبيل هدم الجماعة الموالية و تفريق شملها و تشتيت کلمتها مما اوجب تظافر نشاط السفراء و الدولة علي حربهم و مطاردتهم.

و لم تکن الدولة بقادرة علي جرهم الي جانبها و الاستفادة منهم في مصلحتها لعدة عوامل.

الأول: ان دعوتهم -علي الأغلب- کانت خارجة عن أصل الاسلام بشکل مکشوف واضح، لدي عموم الناس، بحيث لا يمکنهم التأثير الکبير. و لا ينفعون السلطات حتي لو أرادوا ذلک.

الثاني: ان توقيعات الامام عليه السلام و موقف سفرائه، کان قويا فعالا في التأثير علي الجماعة الموالية. بحيث لم يبق لهولاء المزورين باقية، يمکن أن تصلح سندا للدولة، حتي لو أرادت استخدامها.

الثالث: ان الدولة، کانت تخاف علي قواعدها الشعبية من التشتت و الانهدام.فانها علي أي حال قائمة علي أساس الالتزام بالاسلام، و منتفعة في أصل وجودها من شعاراته. فاذا دخلتها الدعوات المنحرفة عنه بشکل علني صريح، کان ذلک مضرا بها لا محالة.

الرابع: ان الدولة کانت تخاف-في حدود ما تفهم -بأن يوثر هولاء المنحرفون، بشکل أو آخر، في صرف بعض قواعدها الشعبية



[ صفحه 538]



عن مذهبهم و تقريبهم الي خط الأئمة عليهم السلام..ولو باعتبار أن هولاء المنحرفين مدعين للسفارة عن الامام المهدي عليه السلام، و هو القائد الفعلي لذلک الخط. و هو الخط الذي تفرق منه السلطات و تخشاه. وقد سبقت بعض الشواهد علي ذلک. [1] .

الخامس: ان هولاء المنحرفين، کانوا في الأعم الأغلب، مشترکين مع خط الأئمة و السفراء، في الشعور بظلم السلطات و عدم الاعتراف بشرعيتها. و هذا الشعور بنفسه يجعلهم يرهبون أن يبيعوا ضميرهم للسلطات و يکرسوا نشاطهم من أجلها. وهم يشعرون بکل عمق، انهم لن يحصلوا من القواعد الشعبية أحدا، لو شعر الناس منهم مثل هذا الاتجاه.

و هذا هو الذي جعلهم طرفا للعداء مع السلطات و مع السفراء علي حد سواء. ولم يکن في مستطاعهم، و هم يمثلون أضيق الاتجاهات و أضعفها، أن يحاربوا في جبهتين، و يبذلوا نشاطهم في أکثر من ميدان واحد. مما عجل في خاتمة أمرهم و انهاء حسابهم، و توفيق الله للامة الاسلامية عموما و الموالين خصوصا للخلاص منهم.



[ صفحه 539]




پاورقي

[1] انظر الکامل ج 6 ص 87.