بازگشت

منهجنا في التمحيص


نستطيع الخروج، من مأزق جهالة حال الرواة، بعدة أمور:

أولا: الأخذ بالروايات الموثوقة سندا، ان فرض کون رواتها مذکورين و منصوص علهم بالوثاقة.

ثانيا: الاخذ بالروايات المشهورة في طبقة أعلامنا المولفين، أو في الطبقات المتقدمة عليهم، اذ لعل کثرة روايتها منهم، دال علي اطمئنانهم بوثاقة راويها أو الظن بمطابقتها للواقع. ولعل الشهرة تصل الي حد تکون بنفسها موجبة للاطمئنان الشخصي بصحة السند و صدق المضمون فتکون بذلک اثباتا تأريخيا کافيا.

ثالثا: الأخذ بالروايات التي قام شاهد علي صدقها من داخل مضمونها أو بضم قرائن خارجية اليها. کتلک الروايات التي وردت في تاريخنا الخاص، و تضمنت ذکر بعض الحوادث و الحقائق التاريخية العامة، کالقرامطة أو ابن طولون، أو بعض الخلفاء العباسيين أو بعض وزرائهم، أو تاريخا لحادثة معينة، مما نجده صادقا عند مراجعة



[ صفحه 47]



التاريخ العام فيکون ذلک دليلا علي صدقها و صحتها لا محالة.

کما قد نستطيع أن نحصل علي قرائن من بعضها علي البعض، أو من مناسبتها لمقتضي الحال، أو نحو ذلک، علي ما سوف يأتي في البحوث الآتية:

رابعا: الأخذ بالروايات المجردة عن کل ذلک، اذا کانت خالية عن المعارض، و لم تقم قرينة علي کذبها و عدم مطابقتها للواقع. و کانت الي جانب ذلک مما يساعدنا في تذليل بعض المشکلات أو الاجابة علي بعض الاسئلة المطروحة علي بساط التاريخ، فاننا نضطر الي الأخذ بها بصفتها المصدر الوحيد للجواب.

و لا يبقي بين أيدينا الا الرويات التي هناک شاهد علي کذبها، و الا الروايات المتعارضة التي نشير اليها في النقطة الآتية.

و لا يخفي ان کل ذلک، انما هو بالنسبة الي الحوادث الجزئية التي يحتاج اثباتها التاريخي الي شاهد. و أما الأمور التي هي من ضروريات مذهبنا، أو قام عليها التواتر في النقل، فاننا نعتبر ذلک اثباتا تاريخيا کافيا. بالرغم من أن ضرورة المذهب لا تکون ملزمة لمن لا يلتزم بالمذهب. الا ان المراد حيث کان هو التعرض لتاريخ الامام المهدي (ع) في غيبة الصغري من تاريخنا الخاص کما نومن به وصرح به مورخو الامامية، صح لنا الاعتماد علي مثل هذه القرينة.

النقطة السادسة: ان اعلامنا المولفين، بذوقهم الموسوعي و اتجاههم



[ صفحه 48]



الي حفظ سائر الحديث، اوردوا بعض الروايات المتعارضة، کالروايات الواردة في جواب: ان المهدي (ع) ماذا نطق في اول ولادته. او الواردة في جواب: أن الشلمغاني هل کان وکيلا للسفير الثالث للامام المهدي (ع) او لم يکن؟، و غيرها.

و الانصاف ان من العجيب و الطريف الموجب للاعجاب و الاکبار لهولاء المولفين الاعلام، اننا نجد ان تعارض الروايات علي هذا الصعيد اقل منه بکثير مما هو في الفقه مثلا. اذ يعاني الفقيه عناء کبيرا للتوفيق بين المتعارضات و حمل بعضها علي بعض، و التوصل في النتيجة الي الحکم الشرعي المنشود. أما علي هذا الحقل التاريخي، فبالرغم من وفرة الروايات و جهالة جملة من رواتها، فالروايات متفقة و متعاضدة و يندر فيها ما يکون من قبيل المتعارضات الا اقل القليل.

و علي أي حال فاننا اذ نکون بحاجة الي تذليل الصعوبة الناتحة عن التعارض، لننتفع من نتائج الحل في بحوثنا التاريخية، لا بد لنا ان نسير علي احدي الخطوات التالية:

أولا: اذا کانت احدي الروايتين أصلح سندا أو أشهر نقلا، أخذنا بها وطرحنا مدلول الرواية الاخري، بمقدار التعارض.

ثانيا: اذا کانت الشواهد و القرائن متوفرة علي صدق احدي الروايتين دون الاخري، أخذنا، بما قام الشاهد علي صحته و طرحنا الآخر.



[ صفحه 49]



ثالثا: اذ فقدنا المرجحات بين المتعارضين، اسقطناهما معا عن قابلية الاثبات التاريخي، و لم يکن الأخذ بأي منهما. ولکن الاسقاط يختص بحدود التعارض في المدلول لا محالة، و لا يعني -بمقتضي القواعد- اسقاط سائر ما دلت عليه الرواية، فيوخذ به، مع توفر سائر الشرائط فيه.

فهذه هي أهم نقاط الضعف، في أساليب أعلامنا المورخين مع بيان النهج الذي سنحاول السير عليه في بحوثنا الاتية.

ثم أننا سنواکب التاريخ مقتبسا من هذا القسم الأخير من أعلامنا المورخين، لنحظي بعدة فوائد دفعة واحدة:

الفائدة الاولي:

أن نعرف تاريخ الأئمة عليهم السلام و أصحابهم، من المورخين المومنين بهم الموالين لهم و صاحب البيت أدري بالذي فيه. و من المحتمل بل المعلوم تسرب بعض الحقائق الي کتبهم مما حجب عن کتب الاخرين أو تعمدوا الي ترکه. فان نشاط الأئمة (ع) و عامهم و أقوالهم، کانت -بلا شک -بالنسبة الي أصحابهم أکثر مما هي بين الاخرين. وقد وصلت الي أجيالهم المتأخرة دون الاخرين.

الفائدة الثانية:

ان نحظي بزيادات کثيرة غير موجودة في کلام غيرهم، فان کلام أعلامنا هو المصدر الوحيد لکثير من الحقائق التي تحل لنا المشکلات و تذلل



[ صفحه 50]



لنا العقبات و تملأ فجوات التاريخ الي حد کبير؛ و هي حقائق اهملها الاخرون عندما اقتضبوا الکلام في هذا الحقل، من التاريخ الاسلامي، للدواعي السابقة التي أسلفناها. فلم يکن من الممکن لهذا الحقل أن يکون تاما و أن تملا ما به من فجوات، بتخصيص الاعتماد علي کتب أخوتنا أهل السنة، في التاريخ العام و غيره.

علي اننا سوف نعتمد علي کتب هولاء المفکرين ممن تعرض لهذا التاريخ، کابن خلکان و ابن الجوزي و الخوارزمي و غيرهم. لنستفيد من اقوالهم في تحديد العصر الذي نورخه، و خاصة في ما سقط من کلام اعلام مورخينا غفلة أو عمدا.

الفائدة الثالثة:

اننا نقتبس هذا التاريخ من اهله، واضحا صافيا خاليا من الدس و نقاط الضعف و الخرافات، بنحو نستطيع به -بکل سهولة-ان نناقش ما انفتحت به الألسنة من مناقشات و اشکالات، و نواجه به سائر الباحثين من مسلمين و غير مسلمين، فان سائر ما قيل ناشي امام من الجهل بالتارخ و عدم الرجوع الي مصادره الحقيقة، و اما من الاعتماد علي الروايات الشاذة و الظنون الواهية التي لا تستند علي اساس. فاذا عرضنا التاريخ صريحا واضحا ممحصا، لم يبق أمامنا اشکال، و لم يرد عليه أي سوال.



[ صفحه 51]



و بعد هذه المقدمة، لا بد لنا من الدخول في تفاصيل التاريخ؛ و حيث کنا بصدد عرض تاريخ الامام المهدي عليه السلام، في ولادته و غيبته الصغري، لا بد أن نلتفت الي الوراء بقليل لنتعرف علي تاريخ أبيه و جده عليهما السلام، لنستطيع أن نلم بوضوح بکل الأسباب التي أدت الي الحوادث في العصر الذي نورخ له.

ومن ثم قسمنا هذا التاريخ الي قسمين:



[ صفحه 55]