خطوط من تاريخ الشلمغاني
هناک بعض التفاصيل التي ينبغي تحديدها قبل التعرض الي حادثة قتل الشلمغاني. و هي تتلخص في عدة امور:
[ صفحه 523]
الامر الأول: اننا سمعنا من تاريخنا: ان الشلمغاني کان وکيلا صالحا لابن روح حال استتاره عن المقتدر. [1] .
و سمعنا ايضا ان التوقيع الذي ارسله الامام المهدي (ع) منذوصل الي ابن روح و هو في سجنه في دار المقتدر. فاوصله ابن روح الي ابن همام. فوزعه الأخير بين مشايخ أصحابه.
اذن فاستتار ابن روح متقدم زمانا علي سجنه، و انحراف الشلمغاني واقع ما بين هاتين الحادثتين. و نحن و ان کنا نعلم تاريخ سجن ابن روح، و هو عام 312 کما سبق. الا اننا لا نعلم تاريخ استتاره و لا مدته لکي نحدد عام انحراف الشلمغاني. و غاية ما يمکن تحديده هو انه انحرف في زمان خلافة المقتدر و هو تاريخ غير کاف في نفسه.
و علي أي حال فالمهم هو معرفة تاريخ البيان الذي صدر ضده، و لا بد ان يکون بعد انحرافه بقليل، بحيث لا يبقي له مجال للعمل العام بالوکالة عن ابن روح خلال ذلک، و تاريخ صدوره مضبوط بعام 312 نفسه.
الأمر الثاني: أخرج الشيخ في الغيبة عن أبي علي محمد بن همام، و هو الذي سمعناه انه وزع بيان الامام المهدي (ع) في لعن الشلمغاني علي المشايخ. انه قال: ان محمد بن علي الشلمغاني لم يکن قط بابا-وکيلا-الي أبي القاسم و لا طريقا له. و لا نصبه أبو القاسم لشي ء من ذلک علي وجه و لا سبب. ومن قال بذلک فقد أبطل -يعني قال بالباطل -و انما کان
[ صفحه 524]
فقيها من فقهائنا، و خلط و ظهر عنه ما ظهر، و انتشر الکفر و الالحاد عنه. فخرج فيه التوقيع علي يد أبي القاسم بلعنه و البراءة ممن تابعه و شايعه و قال بقوله. [2] .
و هذا خلاف ما سمعناه في الرواية الأخري [3] من أن الشلمغاني کان حين استقامته و استشار الشيخ ابن روح، سفيرا بينه وبين الناس في قضاء حوائجهم و مهماتهم، و کانت التوقيعات تخرج علي يديه عن طريق ابن روح.
و قد أشرنا فيما سبق أنه لا تنافي بين الانحراف المتأخر و الوکالة حال الاستقامة. فان الاستقامة ما دامت موجودة تترتب عليها کل الآثار الاسلامية کقبول روايته و امکان وکالته. و خاصة و ان ابن همام في الرواية الأولي يعترف باستقامته في مبدأ أمره. و تنتفي هذه الآثار بانحرافه. و علي أي حال فقد عرفنا أن النقل بثبوت الوکالة أکثر و معه يکون الآعتماد عليه أکثر.
الأمر الثالث: نسمع من التاريخ العام [4] أن أبا جعفر الشلمغاني اتصل بالمحسن بن أبي الحسن بن الفرات في وزارته الثالثة.
و قد سبق أن عرفنا ان أبا الحسن بن الفرات هذا هو علي بن محمد بن موسي بن الفرات، الذي وزر للمقتدر ثلاث مرات کانت وزارته
[ صفحه 525]
الثالثة عام 311. [5] و کان ولده محسن بن علي هو الغالب علي الأمور في هذه الوزارة [6] حتي عزل عام 312 و اختفي ولده محسن و صودر ابن الفرات علي جملة من المال مبلغها الف الف دينار. [7] .
و قد عرفنا ابن الفرات هذا، فرعا من أب و أخ منحرفين، اتبعا محمد بن نصير النميري الذي ادعي السفارة زورا، و خرج فيه من الامام العسکري (ع) توقيعات شديدة اللهجة.
و کان ابنه المحسن وقحا سي ء الأدب ظالما ذا قسوة شديدة، و کان الناس يسمونه: الخبيث ابن الطيب. [8] و يروي له في التاريخ أثناء وزارة أبيه الثالثة عدة شنائع في التعذيب و المصادرات. [9] .
فهذا هو الذي اتصل به ابن ابي العزاقر، فانظر بمن يستجير و علي من يتکل، و کيف يهرب من الحق و الباطل، صريحا و بلا مواربة. ومن الراجح انه اتصل به عام 312، الذي رجحنا فيما سبق أنه عام انحرافه.
و علي أي حال، فبعد عزل ابن الفرات استوزر المقتدر عبدالله بن محمد ابن عبيدالله الخاقاني [10] و ذلک عام 312. [11] فطلب الشلمغاني و طارده
[ صفحه 526]
و حاول القبض عليه. فاستتر الشلمغاني و هرب الي الموصل. فبقي سنين عند ناصر الدولة الحسن بن عبدالله بن حمدان في حياة أبيه عبدالله بن حمدان. [12] و يروي النجاشي في رجاله أنه أخبر بقائمة کتبه عند استتاره بمعلثايا. و هي قرية من أعمال الموصل.
فانظر الي ضعف الدولة و ضيق سلطانها، اذ نري حکومة بغداد لا تستطيع القبض علي شخص بالموصل،و يکون في امکان بعض أمرائها اجارته منها و ابعاده عنها.
و نعرف من هذا السياق أيضا، ان التوقيع الذي صدر ضده من الامام المهدي عليه السلام، کان قبل اختفائه في الموصل. فانه أيضا کان عام 312، کما عرفنا. و من المعلوم صدوره حال وجوده في بغداد و اختلاطه بالناس. کما أن محاولته للمباهلة مع ابن روح، کانت بعد عوده الي بغداد، قبل مقتله بعدة شهور.
و ذلک انه انحدر الي بغداد واستتر، و ظهر عنه ببغداد انه يدعي لنفسه الربوبية. و قيل انه اتبعه علي ذلک: الحسين بن القاسم بن عبدالله بن سليمان بن وهب، الذي وزر للمقتدر عام 319 [13] و أبو جعفر و أبو علي ابنا بسطام [14] و ابراهيم بن محمد بن أبي عون و ابن شبيب الزيات و أحمد بن عبدوس. کانوا يعتقدون الربوبية فيه.و ظهر ذلک
[ صفحه 527]
عنهم، و طلبوا ايام وزارة ابن مقله حين وزر للمقتدر عام 316 [15] فلم يوجدوا. [16] .
اذن فالشلمغاني هرب الي الموصل عام 312 و عاد الي بغداد عام 316. و سلطات المقتدر بالرغم من انها حاولت القبض علي الحسين بن القاسم بن عبدالله بن سليمان بن وهب عام 316 بتهمة اتباع الشلمغاني و اعتقاده الربوبية فيه. فان المقتدر استوزره عام 319، کمارأينا. و هو معني ما قلناه من ان الدولة کانت تويد من طرف خفي خط الانحراف الداخلي في خط الموالين للأئمة عليهم السلام.
مقتله
اتفق تاريخنا الخاص و التاريخ العام علي ان الراضي قتله عام 322. [17] و ذلک انه لما کان في شوال لهذا العام ظهر الشلمغاني من بعد استتاره ببغداد. فقبض عليه الوزير ابن مقلة. [18] و کان هذا أول عام من تولي الراضي للخلافة. و کان ابو علي محمد بن علي مقله هو اول وزرائه. [19] .
فقبض عليه الوزير ابن مقله و سجنه، و کبس داره، فوجد فيها رقاعا و کتبا ممن يدعي عليه انه علي مذهبه يخاطبونه بما لا يخاطب به البشر بعضهم بعضا. و فيها خط الحسين بن القاسم. فعرضت الخطوط
[ صفحه 528]
فعرفها الناس. و عرضت علي الشلمغاني، فاقر انها خطوطهم وانکر مذهبه، واظهر الاسلام، و تبرأ مما يقال فيه.
و اخذ ابن ابي عون و ابن عبدوس معه واحضروا معه عند الخليفة وامرا بصفعه فامتنعا. فلما اکرها مد ابن عبدوس يده. و صفعه. و اما ابن ابي عون فانه مديده الي لحية و رأسه، فارتعدت يده. فقبل لحية الشلمغاني و رأسه. ثم قال: الهي و سيدي ورازقي.
فقال الراضي: قد زعمت انک لا تدعي الالهية، فما هذا؟. فقال: و ما علي من قوله ابن ابي عون؟ و الله يعلم انني لا قلت انني اله قط. فقال ابن عبدوس: انه لم يدع الالوهية، و انما ادعي انه الباب الي الامام المنتظر مکان ابن روح، و کنت اظن انه يقول ذلک تقية.
ثم أحضروا عدة مرات، و معهم الفقهاء و القضاة و الکتاب و القواد و في آخر الايام افتي الفقهاء باباحة دمه. فصلب الشلمغاني، و ابن ابي عون في ذي القعدة و أحرقا بالنار. [20] و کان الحسين بن القاسم بالرقة فارسل الراضي اليه فقتل آخر ذي القعدة، و حمل رأسه الي بغداد. [21] .
و بذلک، انتهي حساب الشلمغاني، تجاه الدولة و قواعدها الشعبية و تجاه المومنين به، و تجاه السفير الشيخ أبي القاسم بن روح رضي الله
[ صفحه 529]
عنه، و بالتالي تجاه الامام المهدي عليه السلام نفسه، و قواعده الشعبية. و انتصر الامام المهدي (ع) و سفيره، من حيث اراد الله تعالي لهما النصر.
پاورقي
[1] غيبة الشيخ ص 183.
[2] الغيبة للشيخ الطوسي ص 250.
[3] المصدر ص 183 و ما بعدها.
[4] الکامل ج 6 ص 241.
[5] الکامل ج 6 ص 173.
[6] مروج الذهب ج 4 ص 214.
[7] الکامل ج 6 ص 177.
[8] المصدر ص 174.
[9] انظر المصدر و الصفحة.
[10] مروج الذهب ج 4 ص 214.
[11] الکامل ج 6 ص 178.
[12] الکامل ص 241.
[13] انظر ص 264.
[14] الکامل ج 6 ص 215.
[15] الکامل ج 6 ص 192.
[16] انظر المصدر ص 241.
[17] انظر غيبة الشيخ الطوسي ص 187 و ص 250. و الکامل ج 6 ص 241.
[18] الکامل نفس الصفحة.
[19] المروج ج 4 ص 231.
[20] الکامل ج 6 ص 241.
[21] المصدر ص 242.