محمد بن علي الشلمغاني
المعروف بابن أبي العزاقر او العزاقري. ابو جعفر. نسبته الي شلمغان، وهي قرية بنواحي واسط. [1] .
کان شيخا مستقيم العقيدة و السلوک صالحا [2] متقدما في اصحابنا [3] حتي ان الشيخ ابا القاسم الحسين بن روح نصبه وکيلاعنه عند استتاره من المقتدر. و کان الناس يقصدونه و يلقونه في حوائجهم و مهماتهم. [4] و کانت تخرج علي يده التوقيعات من الامام المهدي عليه السلام عن طريق ابن روح. [5] .
[ صفحه 513]
له من الکتب التي عملها في حال الاستقامة: کتاب التکليف. قال الشيخ الطوسي: اخبرنا به جماعة من ابي جعفر ابن بابويه عن ابيه عنه الا حديثا واحدا منه في باب الشهادات انه يجوز للرجل ان يشهد لاخيه اذا کان له شاهد واحد من غير علم [6] کان الشلمغاني يکتب بابا بابا من هذا الکتاب، و يعرضه علي الشيخ ابي القاسم رضي الله عنه فيحککه، فاذا صح الباب خرج فنقله و أمرنا بنسخه. يعني أمرهم ابن روح [7] فکثرت نسخه عند الاصحاب.
و في رواية اخري: انه لما انتهي من الکتاب طلبه ابن روح لينظر فيه. فجاءوا به فقرأه من أوله الي آخره، فقال: ما فيه شي ء الا وقد روي الأئمة عليهم السلام الا موضعين أو ثلاثة، فانه کذب عليهم في روايتهما لعنه الله. [8] .
و له کتاب «التأديب». اخذه الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه منه. وانفذ الکتاب الي قم، و کتب الي جماعة الفقهاء بها. و قال لهم: انظروا في هذا الکتاب و انظروا فيه شي ء يخالفکم. فکتبوا اليه: انه کله صحيح، و ما فيه شي ء يخالف، الا قوله: الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام. و الطعام عندنا مثل الشعير کل واحد صاع. [9] .
[ صفحه 514]
فمن هنا نجد ان في کل من هذين الکتابين، قد دس الشلمغاني فرعا فقهيا مخالفا لما عليه مذهب الاصحاب، و ان کان مستقيما مومنا و هذا يدل علي ما قلناه من وجود ضعف في ايمان کل شخص ينحرف في حياته، بحيث يکون من الاول قابلا لهذا الانحراف عند اجتماع ظروفه و شرائطه.
و يمکن ان نفهم وضوح ذلک لابن روح رضي الله عنه، حين کان يتوجس من کتب الشلمغاني، فيحاول ان يشرف عليها او يعرضها علي الموثوقين من أصحابه و علماء مذهبه.
و للشلمغاني أيضا کتاب الغيبة، روي عنه الشيخ الطوسي في الغيبة. [10] و له کتاب الاوصياء، روي عنه الشيخ أيضا في الغيبة. [11] .
وله عدة کتب اخري رواها النجاشي في رجاله [12] و لم يعلم ان هذه الکتب، مما کتبه في حال استقامته أو بعد انحرافه.
ثم انه حمله الحسد لابي القاسم بن روح، علي ترک المذهب، و الدخول في المذاهب الرديه [13] و ظهر منه مقالات منکرة [14] و اصبح غاليا [15] يعتقد بالتناسخ و حلول الالوهية فيه. [16] .
[ صفحه 515]
و کان من عقائده انه يعتقد القول بحمل الغد. و معناه انه لا يتهيأ اظهار فضيلة للولي الا بطعن الضد فيه، لانه يحمل سامعي طعنه علي طلب فضيلته،فاذا هو أفضل من الولي، اذ لا يتهيأ اظهار الفضل الا به. و سأقوا المذهب من وقت آدم الاول الي آدم السابع. لانهم قالوا: سبع عوالم و سبع أو ادم. و نزلوا الي موسي و فرعون و محمد و علي مع ابي بکر و معاوية. [17] .
قال أبو علي بن همام: سمعت محمد بن علي العزاقري الشلمغاني يقول:الحق واحد، و انما تختلف قمصه. فيوم يکون في أبيض و يوم يکون في أحمر و يوم يکون في أزرق. قال ابن همام: فهذا أول ما انکرته من قوله، لانه قول اصحاب الحلول. [18] .
و کان يقول لاصحابه و تابعيه: ان روح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم انتقلت الي ابي جعفر محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه. و روح أمير المومنين علي عليه السلام انتقلت الي بدن الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه. و روح فاطمة الزهراء عليهما السلام انتقلت الي ام کلثوم بنت ابي جعفر العمري رضي الله عنهما. و کان يزغم لهم ان هذا سر عظيم و يأخذ عليهم ان لا يکشفوه لاحد. الي معتقدات غريبة اخري [19] لا حاجة الي الاسهاب فيها.
[ صفحه 516]
و کان ابن ابي العزاقر وجيها عند بني بسطام. و ذلک: ان الشيخ أبا القاسم بن روح رضي الله عنه، کان قد جعل له عند الناس منزلة وجاها. فکان عند ارتداده يحکي کل کذب و بلاء و کفر لبني بسطام، و يسنده عن الشيخ ابي القاسم رضي الله عنه. فانکره و أعظمه، و نهي بن بسطام عن کلامه و امرهم بلعنه و البراءة منه. فلم ينتهوا، و اقاموا علي توليه. و ذاک انه کان يقول لهم: انني اذعت السر، و قد اخذ علي الکتمان،فعوقبت بالابعاد بعد الاختصاص. لان الأمر عظيم لا يحتمله الا ملک مقرب او نبي مرسل او مومن ممتحن، فيوکد من نفوسهم عظم الامر و جلالته.
فبلغ ذلک أبا القاسم رضي الله عنه، فکتب الي بني بسطام بلعنه و البراءة منه و ممن تابعه علي قوله و أقام علي توليه. فلما وصل اليهم و أظهروه عليه، بکي بکاء عظيما. ثم قال ان لهذا القول باطنا عظيما و هو ان اللعنة الابعاد. فمعني قوله: لعنه الله، اي باعده الله من العذاب و النار. و الآن قد عرفت منزلتي. و مرغ خديه علي التراب. و قال: عليکم بالکتمان لهذا الامر. [20] .
و قد ترتب علي بعض هذه العقائد ان الکبيرة ام کلثوم بنت ابي جعفر العمري رضي الله عنهما، دخلت علي ام ابي جعفر بن بسطام، فاعظمتها غاية الاعظام حتي انها انکبت علي رجلها تقبلها. فلما انکرت ذلک منها، اخبرتها بما قاله لهم العزاقري من العقائد، و ان روح الزهراء عليهما السلام قد تجسدت فيها، فکيف لا تعظمها
[ صفحه 517]
و تکبر شأنها؟! و لم يفد تکذيب الکبيرة ام کلثوم لهذه العقائد، وردعها لتلک المرأة عنها، لما سبق من العزاقري بانه سر عظيم و قد أخذ عليهم انه لا يکشفونه لاحد.
و حين رأت الکبيرة ام کلثوم ذلک، بادرت الي ابي القاسم بن روح رضي الله عنه، فاخبرته بالقصة، فقال: يا بنيه! اياک ان تمضي الي هذه المرأة بعد ما جري منها و لا تقبلي لها رقعة ان کاتبتک و لا رسولا ان انفذته اليک، و لا تلقيها بعد قولها. فهذا کفر بالله تعالي و الحاد. قد احکمه هذا الرجل الملعون في قلوب هولاء القوم ليجعله طريقا الي ان يقول لهم: بان الله تعالي قد اتحد به وحل فيه کما يقول النصاري في المسيح عليه السلام. و يعدو الي قول الحلاج لعنه الله.
قالت: فهجرت بني بسطام،و ترکت المضي اليهم، و لم أقبل لهم عذرا، و لا لقيت امهم بعدها.
و شاع هذا الحديث في بني نوبخت، فلم يبق احد الا و تقدم اليه الشيخ ابو القاسم و کاتبه بلعن ابي جعفر الشلمغاني و البراءة منه، و ممن تولاه و رضي بقوله او کلمه. ثم ظهر توقيع من صاحب الزمان عليه السلام يلعن ابي جعفر محمد بن علي و البراءة منه و ممن تابعه و شايعه و رضي بقوله و أقام علي توليه، بعد المعرفة بهذا التوقيع. [21] .
و کان خروج التوقيع ضده عام اثني عشر و ثلاثمائة، يقول الامام المهدي (ع) فيه: ان محمد بن علي المعروف بالشلمغاني، و هو ممن
[ صفحه 518]
عجل الله له النقمة، و لا امهله، قد ارتد عن الاسلام و فارق، و الحد في دين الله، و ادعي ما کفر معه بالخالق جل و علا و افتري کذبا وزورا و قال بهتانا و اثما عظيما.کذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا و خسروا خسرانا مبينا.
و اننا قد برئنا الي الله تعالي و الي رسوله و آله صلوات الله و سلامه و رحمته و برکاته عليهم منه، و لعناه عليه لعائن الله تتري من الظاهر و الباطن في السر و العلن و في کل وقت و علي کل حال. و علي من شايعه و تابعه أو بلغه هذا القول منا و أقام علي توليه بعده.
و أعلمهم اننا من التوقي و المحاذرة منه علي ما کنا عليه ممن تقدمه من نظرائه من الشريعي و النميري و الهلالي و البلالي و غيرهم. و عادة الله عندنا جميلة، و به نثق، و اياه نستعين و هو حسبنا في کل أمورنا و نعم الوکيل.
و قد صدر هذا التوقيع حين القي القبض علي الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه، و أنفذه من السجن في دار المقتدر الي أحد أصحابه: شيخنا أبو علي بن همام، فوزعه أبو علي توزيعا عاما، و لم يدع أحدا من الشيوخ الا أقرأه اياه و کتب بنسخته الي سائر الأمصار. فاشتهر ذلک، في الطائفة، فاجتمعت علي لعنه و البراءة منه. [22] .
قال الراوي: وجدت بخط أحمد بن ابراهيم النوبختي و املاء أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه، علي ظهر کتاب فيه جوابات
[ صفحه 519]
و مسائل أنفذت الي قم، يسأل عنها: هل هي جوابات الفقيه عليه السلام -يعني الامام المهدي (ع) -أو جوابات محمد بن علي الشلمغاني لأنه حکي عنه انه قال: هذه المسائل أنا أجبت عنهأ. فکتب اليهم علي ظهر کتابهم:
«بسم الله الرحمن الرحيم، قد وقفنا علي هذه الرقعة و ما تضمنته فجميعه جوابنا، و لا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقري -لعنه الله -في حرف منه. و قد کانت أشياء خرجت اليکم علي يدي أحمد بن بلال [23] و غيره من نظرائه. و کان من ارتدادهم عن الاسلام مثل ما کان من هذا عليهم لعنة الله».
و أراد الراوي أن يتأکد، عما اذا کان ما خرج من هولاء المنحرفين قبل انحرافهم عن الامام المهدي (ع)، هل هو صحيح أو مزور أيضا. قال الراوي: فاستثبت قديما من ذلک، فخرج الجواب:«علي من استثبت، فانه لا ضرر من خروج ما خرج علي أيديهم. و ان ذلک صحيح» [24] فانه لا تنافي بين الانحراف المتأخر و صحة القول و النقل المتقدم حال ايمان الفرد و استقامته.
و مثل هذا التثبت، ما سئل الشيخ ابن روح رضي الله عنه، عن کتب ابن أبي العزاقر بعدما ذم و خرجت فيه اللعنة. فقيل له: فکيف نعمل بکتبه و بيوتنا منها ملاء. فقال: أقول فيها ما قاله أبو
[ صفحه 520]
محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما و قد سئل عن کتب بني فضال فقالوا: کيف نعمل بکتبهم و بيوتنا منها ملاء. فقال صلوات الله عليه خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا. [25] .
فنري ابن روح يعقد مقارنة بين کتب العزاقري و کتب بني فضال، حيث يفهم من کلام الامام العسکري (ع) قاعدة عامة، و هي: ان الانحراف في العقيدة لا ينافي امکان صحة الرواية.
فما علي الفرد الا أن يأخذ بما رووا من أخبار و يدع ما رأوا و اعتقدوا من العقائد المنحرفة و الطرق الضالة. لا يفرق في ذلک بين بني فضال و ابن أبي العزاقر.
و حين أحس الشلمغاني بالتحدي و المجابهة من قبل الشيخ ابن روح و المجتمع الموالي له، أراد أن يباهل ابن روح حتي يضع المجتمع أمام حد الواقع،و ذلک: انه بعد أن اشتهر أمره و تبرأ منه ابن روح،اجتمع الشلمغاني بجماعة من روساء الشيعة في مجلس الوزير ابن مقله - وزير الراضي عام 322-. [26] فوجدان کل فرد منهم يحکي عن الشيخ أبي القاسم لعنه و البراءة منه. فقال: اجمعوا بيني و بينه حتي آخذ بيده و يأخذ بيدي فان لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه،و الا فجميع ما قاله في حق.
فبلغ ذلک الي الراضي، فأمر بالقبض عليه، و قتله فقتل. و استراحت الشيعة منه. [27] .
[ صفحه 521]
يدلنا ذلک علي ما أشرنا اليه فيما سبق من أن الخليفة الراضي کان عارفا للحق وفيا له، في حدود قدرته و مصلحته. و قد سبق أن ربطنا ذلک باتصالات شخصية کان يقوم بها الخليفة قبل خلافته مع الخاصة من موالي الامام و علمائهم.
کما اننا نفهم من ذلک بکل وضوح، کيف ان هولاء الخاصة يجتمعون في دار الوزير و يتناقشون فيه. و هذا ان دل علي شي ء فانما يدل علي ما سبق منا من وجود الاتصالات الواسعة بينهم و بين سائر بني الاسلام من علماء و وجهاء. فان الفرد من علمائنا في تلک الفترة لم يکن يفرق في وضعه الاجتماعي عن أي فرد آخر، ليس له طبقية خاصة أو نطاق معين، غير ما يمليه عقيدته و دينه. فهو-في الأغلب -تاجر يتصل بالبائعين و المشترين، و يتصل بالشريف و الوضيع و له علاقات مع سائر بني الاسلام من علماء و وجهاء.
و لکننا يجب أن لا ننسي في هذا الصدد مسلک الحذر و التقية التي کانوا يسيرون عليه، فنحن نلاحظ: اولا: ان الحسين بن روح لم يکن معهم في مجلس الوزير، زيادة في التکتم و الحذر، و لو کان معهم لما زاد حاله عن ذلک، کما سمعناه منه في مجالس اخري عند المقتدر و غيره.
ثانيا: ان المناقشة في الطعن علي الشلمغاني و لعنه،لم يکن ينافي الحذر و التقية، اذ أن مسلک الدولة منذ أعوام علي معادات الشلمغاني و مطاردته، کما سنسمع بعد قليل.
[ صفحه 522]
کما ان هذا النقل التاريخي يدلنا بوضوح علي ان مقتل الشلمغاني من قبل الخليفة، کان من اجل انحرافه عن ابن روح. و هذا هو ما احتملناه فيما سبق من ان الدولة المتمثلة في شخص الخليفة کانت تشعر بالفعل في قتلها للشلمغاني -و ربما للحلاج ايضا-بانها تقوم بعمل مشترک تتفق عليه مع خط السفراء رضوان الله عليهم.
و من خبر آخر عن مباهلة الشلمغاني، قال الراوي: انفذ محمد بن علي الشلمغاني العزاقري الي الشيخ الحسين بن روح يسأله ان يباهله.و قال: انا صاحب الرجل - يعني المهدي (ع).
وقد امرت باظهار العلم. و قد اظهرته باطنا و ظاهرا، فباهلني! فانفذ اليه الشيخ -رضي الله عنه-في جواب ذلک: أينا تقدم صاحبه فهو المخصوم. فتقدم العزاقري فقتل و صلب و اخذ معه ابن ابي عدن. و ذلک في سنة ثلاث و عشرين و ثلاثمائة. [28] .
و قد اثبتت هذه المباهلة، ضد مقصود الشلمغاني فانه اراد ان يضع المجتمع بازاء الواقع نتيجة للمباهلة. فحصل ذلک و ثبت ما هو الحق و الواقع، لکن الي جانب الشيخ ابن روح رضي الله عنه، و ظهر کون الشلمغاني مخصوصا مبطلا.
پاورقي
[1] الکامل ج 6 ص 241.
[2] انظر الغيبة ص 183 و رجال النجاشي ص 293 و فهرست الشيخ الطوسي 173.
[3] رجال النجاشي ص 293.
[4] الغيبة ص 183.
[5] الغيبة ص 184.
[6] الفهرست ص 173.
[7] الغيبة ص 239.
[8] المصدر السابق ص 252.
[9] نفس المصدر ص 240.
[10] انظر الغيبة ص 240.
[11] انظر ص 208 و ما بعدها.
[12] انظر ص 294.
[13] رجال النجاشي ص 293.
[14] فهرست الشيخ ص 173.
[15] انظر رجال للشيخ ص 512.
[16] الکامل في التاريخ ج 6 ص 241.
[17] الغيبة للشيخ الطوسي ص 250.
[18] المصدر 251.
[19] انظر الکامل ج 6 ص 241 و ما بعدها.
[20] انظر الغيبة للشيخ الطوسي ص 249.
[21] انظر کل ذلک في الغيبة م ص 248 الي ص 250.
[22] انظر کل ذلک في الغيبة من ص 254-252.
[23] لعل المراد: احمد بن هلال. فان ابن بلال اسمه محمد بن بلال. لا احمد. کما سبق.
[24] غيبة الشيخ الطوسي ص 228.
[25] غيبة الشيخ الطوسي ص 239.
[26] الکامل ج 6 ص 238.
[27] الغيبة ص 250.
[28] غيبة الشيخ ص 186.