بازگشت

مناشي ء التزوير


السفارة الکاذبة في واقعها تشويه منحرف لمفهوم السفارة الصادقة العادلة. ومن هنا جاءت متأخرة عنها بسنوات. و ذلک: لان القواعد الشعبية الموالية في زمان الامامين الهادي و العسکري عليهما السلام. و ان کانت قد اعتادت علي وجود السفراء عن الامام عند احتجابه عن الناس تمهيدا للغيبة الصغري کما عرفنا. الا انه من المحتمل اساسا للفرد العادي -لو التفت الي ذلک -ان يحتجب الامام المهدي (ع) عن



[ صفحه 490]



قواعده الشعبية، و لا يوکل عنه شخص علي الاطلاق.

و انما ثبت عزمه عليه السلام علي التوکيل خلال هذه الفترة، عن طريق تصريحه هو عليه السلام و تصريح ابيه العسکري عليه السلام و اعمال السفراء في اثبات وکالتهم. و قد استعرضنا کل ذلک بالتفصيل.

فاذا ثبت عزمه عليه السلام علي ايجاد الوکالة او السفارة عنه.

انفتح باب امکان دعوي السفارة الکاذبة و تزوير الدعوي بالاتصال بالمهدي (ع). خاصة بعد معلومية ان الاتصال به سر لا يمکن لاحد الاطلاع عليه او السوال عن مکانه و زمانه. فتکون دعوي الاتصال به سرا بمکان من الامکان. و لن يمني المزور بصعوبة و احراج من هذه الجهة.

يعضده في ذلک عدة امور: احداها: ضعف الأيمان لديه و سوء الاخلاص و قابليته للانحراف. ثانيهما: الطمع بالأموال التي يحصل عليها عن هذا الطريق. اذ يتخيل المزور ان الحقوق الشرعية التي تدفع الي السفير الصادق ستدفع اليه.

ثالثها: فسح المجال للشهرة الاجتماعية و التقدم بين الناس، و التحکم في القواعد الشعبية الموالية للامام عليه السلام. و أصدار الأوامر و النواهي فيها بزعم انه صادر عنه عليه السلام.

و لايهم بعد ذلک، ان نفهم ان مدعي السفارة الکاذبة، هل کان يعتقد ضمنا بکذب السفير الصادق، کما صرح به الشلمغاني بالنسبة الي السفير الثاني، علي ما سنسمع. او کان المزور يعتقد بکذب فکرة



[ صفحه 491]



السفارة أساسا. اذن فلا فرق في نظره بينه و بين ذاک السفير، فکما ادعي غيره السفارة يمکن له ايضا ذلک.

أو کان المزور يعتقد بصدق السفارة و صدق السفير، و لکنه کان طامعا بالمصالح الشخصية التي أشرنا اليها،فأدعي السفارة تقديما لمصالحه الشخصية علي المصالح الدينية شخصية و اجتماعية.

لايهمنا اثبات مثل هذه الأتجاهات لمدعي السفارة، بعد ثبوت کذبهم في الدعوي، علي أي أساس کان.

يبقي هناک عدة اتجاهات للمزور قد تخطر في الذهن، يحسن التعرض لها و مناقشتها.

الاتجاه الاول: أن يرسل الأمام المهدي (ع) سفيرا و يأمره بتبليغ بعض التعليمات، ثم يکذبه و ينفي سفارته بلسان سفير آخر. و هذا غير محتمل أساسا،لما نعتقده في الامام المهدي (ع) من العصمة التي هي في حقيقتها عمق في العدالة و الاخلاص و الايمان، و معه يکون أجل و أعظم من أن يقوم بمثل هذا التغرير و الغدر. فان مثل هذا العمل غدر بمثل هذا السفير المفروض. و تغرير بالجهل بالنسبة الي القواعد الشعبية الموالية..وکلاهما ظلم يجل عنه المعصوم و يتنزه.

الاتجاه الثاني: ان يرسل الامام المهدي عليه السلام، سفيرا علي أساس الدوام و الاستمرار، و يکون السفير في مبدأ أمره عادلا صادقا. و لکن هذا السفير لقلة اخلاصه و ضعف ايمانه، يتأثر بالأموال و المغريات فيصبح منحرفا و تظهر منه العقائد و الأعمال الباطلة. فيعلن الأمام



[ صفحه 492]



المهدي (ع) علي يد سفير آخر عزله عن السفارة و لعنه.

و هذا مما لم يحدث بالخارج. و انما الذي حدث ان الشلمغاني کان وکيلا عن السفير ابن روح، فعزله السفير بعد انحرافه، علي ما سنسمع و لم يکن سفيرا للمهدي بحال. علي ان هذا غير ممکن أساسا، بحسب ما عرفناه من سياسة الامام المهدي (ع) في تعيين السفراء، من أن السفارة موقف دقيق و خطر، فلا بد ان يکون شخص السفير بمرتبة من الأخلاص بحيث لو کان المهدي عليه السلام تحت ذيله و قرض بالمقاريض ليکشف الذيل عنه لما کشفه، و هذه المرتبة من الاخلاص لا يحتمل توفرها بالنسبة الي من ينحرف بعد ذلک ويفسد حاله عقيدة و سلوکا.

فان الفسق بعد الايمان، لايکون الا من نقطة ضعف مرکوزة في نفس الفرد، ناشئة من تقصيراته و سوء اختياره. و من الصعب جدا بل غير الممکن عادة ان نتصور شخصا مومنا حقا من دون ان يشوب ايمانه و اخلاصه نقص او تقصير..ثم ينحرف انحرافا کبيرا بحيث يکون مستحقا للعنة و التشنيع.

اذن، فالشخص القابل للانحراف في مستقبل امره، لا يکون قابلا للسفارة اساسا. و ضعف الايمان أمر لا يخفي علي الفرد الواعي فضلا عن الأمام المهدي (ع).اذن فکيف يرسله سفيرا؟ و خاصة أنه من المحتمل أن يکشف عن المهدي (ع) و يدل السلطات عليه بعد الانحراف. و هذا خطر، کان يخطط الامام دائما للتقضي عنه و التحذر منه.

علي أنه لو کان الفرد سفيرا حقا في مبدأ امره، لأمکن له ان يتلقي



[ صفحه 493]



من تعاليم الأمام المهدي (ع) و توجيهاته، ما يصون به ايمانه من الانحراف و عقيدته من الاسفاف. و قد عرفنا کيف کان السفراء الصادقون يتلقون العلوم و التوجيهات منه عليه السلام، لأجل تکميلهم و تعميق ثقافتهم الأسلامية بغض النظر عن المصالح العامة.

الاتجاه الثالث: ان يرسل الامام المهدي (ع) سفيرا في قضايا معينة ازمات محددة، لا علي اساس الدوام و الاستمرار. و هذا مما يحتمل حدوثه. و هو في واقعه من السفارة الصادقة، لا من الکاذبة. و هذه السفارة تنتهي عادة باداء العمل الموکل الي الفرد، ولا تستتبع الانحراف بعدها علي اي حال.

الاتجاه الرابع: أن نتصور ان مدعي السفارة کاذبا. لا يعلم بکذب نفسه، بل يتخيل نفسه صادقا. و ذلک: لانه استطاع احد المحتالين الماکرين ان يخيل له انه هو المهدي، فيجتمع به في الخفاء و يعطيه التعاليم و يقبض منه الأموال بزعم کونه هو المهدي. و يبقي السفير معتقدا بصحة سفارته، و هو کاذب في الحقيقة، و خاصة و هو لم يشاهد الأمام المهدي عليه السلام قبل ذلک، و لم يحمل من شخصه أي فکرة سابقة الا أن هذا و ان کان محتملا في حق بعض البسطاء مبدئيا لعدة ايام او لعدة اشهر-مثلا-و لکن مثل هذا التزوير غير قابل للبقاء. لان هذا السفير المغرر به، سينکشف له خلال الزمان ما في صاحبه الماکر من هفوات و نقص و قصور..بحيث يثبت لديه انه ليس مهديا بل رجل ماکر محتال:



[ صفحه 494]



و اذا لم ينتبه انتبه الناس الي ذلک، و خاصة العلماء الموالين لخط الائمة عليهم السلام و مفکريهم و مبرزيهم..فاننا لاننسي بهذا الصدد الأجوبة و البراهين و الحجج التي اعتاد الناس صدورها من السفراء الأربعة، و کانوا يتطلبونهامن کل مدع للسفارة. فاذا عجز السفير او عجز صاحبه عن اقامة الحجة، ثبت تزويره لا محالة.

علي ان مثل هذه السفارة، بل کل سفارة کاذبة، تکون مبتورة الاول عادة، غير منصوص عليها من قبل شخص سابق قام الدليل علي صدقه. و انما تکون قائمة فقط علي اساس زعم المدعي. علي حين عرفنا کيف ان السفارة الصادقة منصوص عليها من قبل الامام المهدي (ع) و ابيه العسکري (ع). مضافا الي نص بعضهم علي بعض، و ما ظهر علي ايديهم من الحجج و البراهين.