بازگشت

في تفاصيل أعمال السفراء


سبق ان قلنا اننا خلال هذا البحث لا نحاول استقصاء کل ما ورد في تاريخهم من اخبار، بل حسبنا أن نعطي لکل عنوان نعقده من الامثلة ما يجليه، من دون تطويل.

کما اننا حين نتحدث عن نشاط السفراء، نتحدث عنهم بنحو عام



[ صفحه 461]



لانهم لا يکادون يتميزون في الاساليب، باعتبار صدورهم من منبع واحد، هي توجيهات الامام المهدي عليه السلام. وکل ما يستقل به بعض السفراء من خصائص راجع الي اختلاف المصالح التي يراها المهدي (ع) في ذلک، بحيث لو کان السفير الآخر في محله لقام بنفس العمل لا محالة.

وفي هذه الحدود يقع الکلام في أعمال السفراء، ضمن عدة نقاط:

النقطة الأولي: اقامة الحجة علي اثبات صدقهم باظهار المعجزات علي المستوي الذي سبق ان عرفناه و بحثناه، ينقطع لسان الطاعن و يزداد يقين المتيقن.

و وجه الحاجة الي مثل ذلک علي العموم، هو ان منصب السفارة عن الامام المهدي عليه السلام، منصب مهم جليل تصبو اليه الانظار و تتشوق اليه النفوس. و من ثم لم يکتف جماعة ممن لا حريجة له في دينه بمجرد الأمل بالحصول عليها. بل ادعي جماعة السفارة فعلا عن الامام المهدي (ع) کذبا و زورا، استدرارا للأموال و استجلابا للانظار، فلحقته لعنة الله و المهدي و التاريخ..علي ما سنعرف في الفصل القادم.

و من ثم احتاج السفراء الي اقامة الحجة علي صدقهم من ناحيتين:

احداهما: کون السفير صادقا في قوله، و غير طامع بالزعامة المزيقة في دعواه للسفارة.

و هذه الناحية، و ان کانت تثبت بامور عديدة، منها: وثاقة السفير



[ صفحه 462]



في نفسه بحسب التجربة التي يعيشها الناس معه. و منها: مدح الأئمة عليهم السلام للسفيرين الأولين.. وقد کان ذلک مشهورا معروفا بينهم و منها: ايعاز کل سفير الي خلفه امام جمع من الخاصة. الا أن المعجزة -علي أي حال -ذات أثر حسي مباشر أقوي في ازالة الشک للشاک و انفع في التأثير علي اولئک الوافدين الذين لم يعيشوا تلک الامور و انما نقلت اليهم بعضها بنحو السماع الظني.

ثانيتهما: افحام المدعين للسفارة زورا و اظهار کذبهم و دجلهم و ذلک لانه اذا اتضح للفرد جليا قدرة السفير علي اقامة خوارق العادة و عجز الآخر عن ذلک، تعين لديه صدق الأول و کذب الثاني لا محالة.

و قد سبق أن حملنا عن بعض المعجزات فکرة مختصرة، و نعرض له الآن، بشي ء من التفصيل مقرونا ببعض الأمثلة:

فمن ذلک: ما قاله الحسين بن روح للراوي الذي ناقشه في بعض الأمور العقائدية، فغدا عليه من الغد و هو يقول في نفسه: أتراه ذکر لنا يوم أمس من عند نفسه؟..فابتدأه ابن روح، بدون سبق الکلام قائلا: يا محمد بن ابراهيم لئن آخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مکان سحيق، أحب الي من ان أقول في دين الله برأيي و من عند نفسي. بل ذلک من الأصل و مسموع من الحجة صلوات الله و سلامه عليه. [1] .

انظر کيف اقترنت أمور ثلاثة انتجت نتيجة واضحة.احدها:



[ صفحه 463]



شک المخاطب. و الآخر: التأکيد الذي ذکره ابن روح في کلامه و الثالث: ان ابن روح ابتداه بالکلام بما في نفسه قبل أن يعرب عنه و هو خرق للنواميس الطبيعية، و علم للغيب ببعض مراتبه. و بذلک ارتفع شکه، و لم يکن شکه ليرتفع دون ذلک.

و من ذلک: ان ابن روح رضي الله عنه،تکلم مع امرأة من أهل آبة، بلغة قومها. فانها جاءت تحمل معها ثلثمائة دينار لکي تسلمها الي السفير، و استصحبت معها مترجما، ليکون واسطة في التفاهم بينهما و لکن أبو القاسم بن روح أقبل عليها و تکلم معها بلسان آبي فصيح بادءا بسوال أحوالها و حال صبيانها. فاستغنت عن الترجمة، و سلمت المال، و رجعت. [2] .

انظر لهذه الحجة الساذجة البسيطة، التي تزيل ما قد يکون علق في قلب هذه المرأة الوافدة من الشک، أو من ثقل المسوولية بدفع المال اليه.

و من ذلک اخبار السمري بوفاة علي بن الحسين بن بابويه القمي فکتب المشايخ تاريخ ذلک اليوم، فورد الخبر انه توفي في ذلک اليوم. [3] .

و من ذلک: ان ابا جعفر العمري اخرج الي محمد بن متيل، ثويبات معلمة، و صريرات فيها دراهم. قال له: تحتاج أن تصير نفسک الي



[ صفحه 464]



واسط في هذا الوقت، و تدفع ما دفعته اليک الي أول رجل يلقاک عند صعودک من المرکب في واسط. [4] و بعد أن ينفذ ابن متيل هذا الأمر يري الشخص المقصود، کما وصفه العمري، و يظهر له من تصاعيف الحادثة ان صرة الثياب هي کفن لمحمد بن عبيدالله الحايري، و صرة الدراهم کراء الحمالين و الحفار.

و من ذلک: ان أبا جعفر العمري رضي الله عنه وصله رسول من قم الي بغداد يحمل أموالا للامام عليه السلام.و عندما دفعها اليه و أراد الانصراف، قال له أبو جعفر: قد بقي شي ء مما استودعته، فاين هو؟. فقال له الرجل: لم يبق شي ء يا سيدي في يدي الا و سلمته. فقال له أبو جعفر: بلي قد بقي شي ء فارجع الي ما معک و فتشه و تذکر ما دفع اليک.

فمضي الرجل و اجهد نفسه أياما في البحث و التفکير، فلم يفلح فعاد الي ابي جعفر يائسا. فقال له أبو جعفر: فانه يقال لک -يعني من قبل المهدي (ع) -: الثوبان السردانيان اللذان دفعهما اليک فلان ابن فلان، ما فعلا. فقال له الرجل: أي و الله يا سيدي لقد نسيتهما حتي ذهبا عن عقلي. و لست أدري الآن، أين وضعتهما.

و بحث الرجل عنهما طويلا، و سأل کثيرا فلم يقف لهما علي خبر فرجع الي ابي جعفر فاخبره. فقال له أبو جعفر. يقال لک: امض الي فلان بن فلان القطان الذي حملت اليه



[ صفحه 465]



عدلي القطن، في دار القطن، فافتق أحدهما، و هو الذي مکتوب عليه کذا و کذا، فانهما في جانبه.

فتحير الرجل مما أخبر به ابو جعفر، و مضي لوجهه الي الموضع ففتق العدل المذکور، فاذا الثوبان في جانبه، قد اندسا مع القطن فاخذهما وجاء بهما الي ابي جعفر و سلمهما اليه. [5] .

انظر الي صراحة ابي جعفر رضي الله عنه، بأن هذه التعليمات ليست منه، و انما هي أوامر الامام المهدي (ع) و تعاليمه. و هذا معني ما قلناه من ان ما يخبر به السفراء من الأمور الغائبة، انما هي بتعليم منه عليه السلام.و هي تدل بوضوح -امام هذا الرسول القمي -علي صدق صفارة السفير و حقانية دعواه. بل علي جلالة شأنه، و عناية الامام المهدي به.

و انظر الي هذا التزريق التدريجي للاخبار عن الثوبين الضائعين اذ اخبره اولا عن شي ء ضائع، ثم اخبره عن جنسه و هو انهما ثوبان سردانيان. ثم اخبره عن مکانهما، و کان يفصل بين کان أخبار و آخر عدة ايام. و هذا يوفر حشدا نفسيا من التوجه الذي يمهد طريق اليقين بالنتيجة و الشعور بضعف النفس وتفاهتها أمام هذا التيار الجارف من الحجج الدامغة..التي لا تفسير لها الا کونها واقعة في طريق الله عزوجل رب العالمين العلي العظيم.

و من ذلک: ان الشلمغاني بعد انحرافه و تزويره، ارسل الي الشيخ



[ صفحه 466]



الحسين بن روح يسأله ان يباهله. و قال: انا صاحب الرجل- يعني الأمام المهدي (ع) -، وقد أمرت باظهار العلم. وقد اظهرته باطنا و ظاهرا. فباهلني.فانفذ اليه الشيخ رضي الله عنه في جواب ذلک: اينا تقدم صاحبه فهو المخصوم. فتقدم العزاقري، فقتل و صلب. و أخذ معه ابن ابي عون. و ذلک في سنة 323. [6] و سيأتي تفصيل ذلک ان شاء الله تعالي في مستقبل هذا البحث.

النقطة الثانية: المساهمة في اخفاء المهدي (ع). و هو ما کان کل واحد من السفراء، يکافح في سبيله و يوکد عليه مليا. و کيف لا، و هو علي مستوي المسوولية التي عبر عنها بعض الخاصة من معاصريهم بأنه لو کان الحجة تحت ذيله و قرض بالمقاريض ليکشف الذيل عنه، لما کشفه کما سبق ان سمعنا.

فمن ذلک: ان عبدالله بن جعفر الحميري و احمد بن اسحاق الاشعري و هما من اجلاء علماء الاصحاب و خاصة الموالين لخط الأئمة عليهم السلام. کما عرفنا من القسم الاول من هذا التاريخ طلبا من ابي عمرو عثمان بن سعيد السفير الاول ان يخبرهما عن اسم الامام المهدي عليه السلام فقال: نهيتم عن هذا. [7] .

و في رواية اخري عن نفس الواقعة انه قال: محرم عليکم ان تسألوا عن ذلک. و لا اقول هذا من عندي و ليس لي ان احلل و احرم و لکن عنه عليه السلام. فان الامر عند السلطان ان ابا محمد(ع) مضي



[ صفحه 467]



و لم يخلف ولدا و قسم ميراثه و اخذه من لا حق له، و صبر علي ذلک. وهوذا عياله يجولون و ليس أحد يجسر أن يتعرف اليهم او ينيلهم شيئا. واذا وقع الاسم وقع الطلب. فاتقوا الله وامسکوا عن ذلک. [8] .

و قد درسنا فيما سبق بکل تفصيل الظروف المقتضية لهذا النهي المشدد عن ذکر الاسم، حتي أمام مثل هولاء الخاصة. خوفا من أن يتسرب ببطء-و لو عن غير مقصد-الي اصحاب النيات السيئة و النفوس المريضة من عملاء الدولة أو ممن يلين لها و يخاف من سطوتها، فيصرح بسره و يکشف ما في نفسه.

و خرج التوقيع من المهدي (ع) الي محمد بن عثمان العمري السفير الثاني رضي الله عنه، ابتداء من غير مسألة: ليخبر الذين يسألون عن الاسم: أما السکوت و الجنة، و أما الکلام و النار. فانهم ان وقفوا علي الاسم اذاعوه. و ان وقفوا علي المکان دلوا عليه. [9] .

انه عليه السلام يأمر سفيره ان يخبر اولئک الفضوليين الذين يسألون عن الاسم.. انهم مأمورون بالسکوت.فانهم ان تقدموا بشي ء في هذا السبيل، فالنار مثواهم و بئس المصير.

و انظر الي العلة التي يذکرها..انه يشير الي ضعف الاخلاص والارادة عند الفرد المسلم. و ان کان سائرا في خط الأئمة عليهم السلام فانه ان أطلع علي الأسم افشاه، و صرح به تحت الضغط الحکومي العالي



[ صفحه 468]



و ان عرف المکان دل عليه الناس و السلطات.

و قد أثيرت هذه التساولات في أغلب أمرها، في السنوات الأولي من فترة الغيبة، و هذا ملحوظ مما نقلناه من أن التحريم صادر عن السفيرين الأولين، و لم يصدر من السفيرين الاخيرين شي ء ملحوظ في ذلک.

و علي أي حال، فقد کان المتسائلون يغفلون أو يتناسون التبليغات القديمة من الأئمة الماضين عليهم السلام. کقول الامام الهادي الذي سمعناه في القسم الأول من هذا التاريخ: انکم لا ترون شخصه و لا يحل ذکره باسمه. قال الراوي: فقلت فکيف نذکره؟ فقال: قولوا: الحجة من آل محمد (ص). [10] و قول الامام الصادق (ع): صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه الا کافر. [11] .

و علي أي حال، فهذا الکتمان الشديد، منوط بعدم وجود مصلحة کبري في الدلالة علي مکان الامام عليه السلام و مقابلته، أما لو وجدت مثل هذه المصلحة، لم يکن الي ذلک من بد.و مما يندرج في ذلک: ان ابا جعفر العمري رضي الله عنه، حين رأي ان ابا طاهر بن بلال، و هو أحد مدعي السفارة زورا، يحتکر الاموال التي للامام (ع) و لا يدفعها الي سفيره الحق. اصطحبه و ادخله الي بعض دوره. يقول أبو طاهر: فاشرف علي من علو داره فامرني بحمل ما عندي من المال اليه. فقال



[ صفحه 469]



له أخوه: و من اين علمت انه صاحب الزمان. قال: قد وقع علي من الهيبة له و دخلني من الرعب منه ما علمت انه صاحب الزمان. [12] .

فکان المهدي عليه السلام -فما تدل عليه هذه الرواية-يري المصلحة في أن يقابل المدعي المزور وجها لوجه، و يأمره بدفع الاموال و عدم احتکارها. فکان ان ذهب به السفير الي بعض دوره، و تمت المقابلة هناک. و کانت المقابلة قصيرة و رهيبة بالنسبة الي هذا المزور..و هو يعلم بکذب نفسه، و سوء تصرفه.

و الطريف في أمره انه اضطر الي الاعتراف بعدم معرفته بصاحب الزمان المهدي (ع) شخصيا، بالرغم من انه يدعي السفارة عنه. و هذا يدل بکل وضوح علي کذبه و افحامه.

و کان المهدي عليه السلام يعلم بان هذا الرجل، بالرغم من سوء تصرفه، فانه لن يدل السلطات عليه -في واقعه - يعيش باسم السفارة عن المهدي (ع) و يقبض الاموال من الناس و يتکلم معهم علي هذا الاساس..فمن غير المنطقي بالنسبة اليه أن يدل السلطات علي تلک الدار التي تمت فيها المقابلة. مضافا الي أن اتصاله بالسلطات قد يکون سببا لا نزالهم العقاب عليه و تجريده من امواله، بصفته مدعيا للسفارة. مضافا الي ما يفکر به هذا الشخص، بشکل اليقين أو الظن علي الاقل. من أن الايعاز الي السلطات بذلک، سوف لن يجدي نفعا



[ صفحه 470]



في القبض علي المهدي (ع). فانه يستطيع أن يخفي نفسه بمختلف السبل و لن يکون هذا باهم من حوادث الکبس التي وقعت علي دوره عليه السلام، فلم يتهيأ للسلطات القبص عليه بحال.

النقطة الثالثة: التزام السفراء بالتکتم و الحذر. و قد سبق أن عرفنا هذا المسلک، و حملنا عن أسبابه و نتائجه فکرة کافية، و غاية غرضنا في هذه النقطة ان نعرض امثلة من ذلک، في حدود ماوردنا من تاريخ.

فمن ذلک: ما سمعناه من ان ابا جعفر العمري رضي الله عنه.. وقد کان الامر حادا جدا و السيف يقطر دما..کان يتسلم الاموال الراجعة الي الامام (ع) من اصحابها بصفته تاجرا من التجار، و لا يدفع بها وصلا لئلا يتسرب الي السلطات.

و کان ما يحمل الي ابي جعفر من المال، لا يقف من يحمله علي خبره و لا حاله. و انما يقال له: امض الي موضع کذا و کذا، فسلم ما معک، من غير أن يشعر بشي ء.و لا يدفع له کتاب لئلا يوقف علي ما تحمله منه.

و حين نص ابو جعفر قبل موته بسنتين أو ثلاث علي الحسين بن روح، و أمر بتسليم الاموال اليه. کان يطالب ابن روح بالوصول. فشکا ذلک الي ابي جعفر.قال الراوي،-وهو احد حملة المال اليه -فامرني أن لا اطالبه بالقبوض -يعني الوصولات -..و قال: کل ما وصل الي أبي القاسم فقد وصل الي. فکنت احمل، بعد ذلک، الاموال اليه و لا اطالبه بالقبوض. [13] .



[ صفحه 471]



و حين آلت السفارة الي الحسين بن روح بعد وفاة العمري، ازداد تمسکا بالحذر و الکتمان، الي حد اظهار التدين بمذهب أهل السنة و الجماعة و الدفاع عنه. وقد سمعناه يظهر تأخير أميرالمومنين علي بن ابي طالب عليه السلام في الأفضلية علي جميع الخلفاء الراشدين الثلاثة.

و لم يکتف ابن روح باظهار ذلک، بل شمل لطفه و عطفه معاوية بن أبي سفيان ايضا..فقد بلغه ان بوابا له قد لعن معاوية و شتمه فأمر بطرده و صرفه عن خدمته. قال الراوي: فبقي مدة طويلة يسأل في امره. فلا و الله مارده الي خدمته. [14] .

ان ابن روح لم يمدح معاوية..و لکنه في نفس الوقت لايري من صالح عمله کسفير عن الأمام المهدي (ع)، وجود من يلعن معاويه في بيته أو عند بابه.. حتي لايکون هذا مستمسکا ضده عند الدولة في يوم من الأيام.

و کان رضي الله عنه، يستعمل نفس هذا الأسلوب مع سائر الناس ماعدا من يعلم باخلاصه و قوة ايمانه. حتي انه کان عشرة ذاهبين الي ابن روح تسعه يلعنونه و واحد يشکک، فيخرجون من عنده، تسعة يتقربون الي الله بمحبته و واحد واقف. [15] .

و هم انما اصبحوا من محبيه، باعتبار افاضته في فضائل الصحابة و دعوته الي مذهب الخلفاء الراشدين. لاباعتبار انه قد اثر علي هولاء في



[ صفحه 472]



جلبهم الي خط الأئمة عليهم السلام، و جعلهم مخلصين له. و لذا يقول الراوي: لانه کان يجارينا في فضل الصحابه مارويناه و مالم نروه فنکتبه لحسنه عنه، رضي الله عنه.

و لهذا المسلک فائدة جمة في ابعاد النظر عنه، و حسن ظن العامة به و احترام الخليفة المقتدر له. الا انه مع ذلک ينج من السجن أياما يسيره في دار المقتدر عام 312. [16] و بالطبع کان لمسلکه هذا، الأثر الکبير في تخفيف السجن عليه و قصر مدته.

النقطة الرابعة: اخراج توقيعات الامام المهدي (ع) و حل المشکلات و تذليل العقبات التي قد تصادف بعض قواعدهم الشعبية في طريقها.

و في الحقيقة ان المشکلات انما تحل و الحاجات انما تقضي نتيجة لتعاليم الامام المهدي (ع) الواردة في توقيعاته، و من هنا يعتبر التوقيع عملا من أعماله، و ان استند الي السفير باعتبار اظهاره و العمل علي تطبيقه کما سبق أن قلنا.

و علي أي حال، فنحن ذاکرون العناوين العامة للتوقيعات مع مثال واحد لکل منها، محيلين التفصيل الي ما سنسمعه في الفصل الخاص باعمال المهدي عليه السلام من هذا التاريخ.

و نحن اذا لا حظنا اثر التوقيعات من الناحية الاجتماعيه في حل المشکلات و قضاء الحاجات، نراها تندرج ضمن عدة امور:

الامر الأول: حل المشکلات العائلية،و تحويل الاسرة الي اسرة



[ صفحه 473]



سعادة و هناء.

فمن ذلک: أن زوجا حمل زوجته الي بيت ابيها، فأقامت فيه سنين، لا يسمحون لها بالرجوع الي منزل زوجها، و لا تجدي محاولات الزوج في ذلک، ثم انه اتي بغداد و سأل الدعاء من الأمام عن طريق الحسين بن روح. فخرج التوقيع: و الزوج و الزوجه فاصلح الله ذات بينهما. فسهل الله له نقل زوجته بايسر کلفة، و أقامت معه سنين کثيرة وانجبت منه اولادا.

قال الزوج (و هو الراوي): و أسأت اليها اساءات استعملت معها کل ما لا تصبر النساء عليه، فما وقعت بيني و بينها لفظة شر ولا بين أحد من اهلها الي ان فرق الزمان بيننا. [17] .

الامر الثاني: تيسير الشفاء لامراض قد أزمنت و طال علاجها.

فمن ذلک: ان شخصا خرج به ناسور، فعرضه علي الأطباء وانفق في التداوي عليه مالا. فلم يجد فيه شيئا. فکتب رقعة الي الأمام (ع) يسأل فيها الدعاء. فخرج التوقيع اليه قائلا: البسک الله العافية و جعلک معنا في الدنيا و الآخرة.

يقول: فما أتت علي جمعة حتي عوفيت، و صار الموضع مثل راحتي. فدعوت طبيبا من اصحابنا وأريته اياه.فقال: ما عرفنا لهذا دواء. و ما جاءتک العافية الا من الله بغير احتساب. [18] .



[ صفحه 474]



الامر الثالث: طلب الولد.

فمن ذلک: ان علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي، ارسل الي ابي القاسم بن روح بواسطة أبي جعفر محمد بن علي الأسود، يسال الأمام المهدي عليه السلام ان يدعو له ان يرزقه ولدا ذکرا. فسأله ابو جعفر الأسود لابن بابوية و لنفسه. فاخبره ابن روح بعد ذلک بثلاثة ايام: أنه عليه السلام قد دعا لابن بابويه و أنه سيولد له ولد مبارک ينفع الله به، و بعده أولاد. و لکنه لم يدع له و قال: ليس الي ذلک من سبيل. فلم يولد له. [19] .

الامر الرابع: سوال الدعاء لمهام الأمور:

فمن ذلک: أن القاسم بن العلا، و هو من الوکلاء في اذربيجان علي ما سنسمع في مستقبل الأمر، ولد له عدة بنين فکان يکتب الي المهدي (ع) يسال الدعاء لهم. فلا يجاب بشي ء في امرهم. فماتوا کلهم فلما ولد له ولده الحسين، کتب يسأل الدعاء له. فاجيب الي ذلک. و بقي ابنه في الحياة. [20] .

الامر الخامس: الاستئذان بالسفر.

فمن ذلک: ان رجلا يمانيا کان في بغداد، فاراد ان يخرج مع قافلة يمنية متهيئة للخروج. فکتب يستأذن في الخروج. فخرج التوقيع قائلا: لا تخرج معهم فليس لک في الخروج معهم خيرة. واقم بالکوفة



[ صفحه 475]



فامتثل الامر و اقام بالکوفة. و خرجت القافلة متوجهة الي اليمن. فخرجت عليهم بنو حنظلة فاجتاحتهم و استأصلتهم.

فکتب هذا الرجل يستأذن في رکوب البحر، فلم يوذن له. فبقي متطلعا سائلا عن اخبار المراکب التي خرجت في تلک السنة. فعرف بعد ذلک انها جميعا قد غرقت و تقطعت من الرياح البوارح، و لم يسلم مرکب منها. [21] .

الأمر السادس: الاستئذان بالخروج الي الحج.

فمن ذلک: ان رجلا من بني نوبخت عزم علي الحج في احدي السنين و تأهب له. فخرج اليه من المهدي (ع) خطاب يقول نحن ذلک کارهون فاغتم الرجل و ضاق صدره. و کتب الي الناحية: أنا مقيم علي السمع و الطاعة، غير اني مغتم بتخلفي عن الحج. فخرج اليه الجواب: لا يضيقن صدرک، فانک تحج من قابل. فلما کان من قابل -أي السنة الآتية-کتب الرجل يستأذن فورده الاذن. فکتب الي الناحية: اني عادلت محمد بن العباس و انا واثق بديانته و صيانته. فورد الجواب: الاسدي نعم العديل فان قدم فلا تختر عليه. قال الراوي: فقدم الاسدي فعادلته. [22] .

انظر کيف يتوخي الامام المهدي (ع) مصالح أصحابه و مواليه يذلل مشاکلهم و يحل مصاعبهم بسعة صدر و انفتاح علي الحوادث. حتي



[ صفحه 476]



انه يختار لهذه الرجل عديله و رفيق سفره، فينهاه عن شخص و يعين له شخصا آخر. و هو الأسدي. و الظاهر انه ابو الحسين محمد بن جعفر الاسدي، الذي کان وکيلا للسفراء في تلک الفترة.

الأمر السابع: طلب الناس تزويدهم باکفان و حنوط.

فمن ذلک: انه کتب محمد بن زياد الصيمري يسأل المهدي (ع) کفنا. يتيمن بما يکون من عنده، فورد الجواب: انک تحتاج اليه سنة احدي و ثمانين. فمات- رحمه الله تعالي-في الوقت الذي حدده و بعث اليه بالکفن قبل موته بشهر. [23] .

و المظنون ان المراد بالسنة المحددة، هو سنة احدي و ثمانين و مأتين. و ان کان يحتمل ان يراد به السنة الحادية و الثمانين من عمره علي ما ذکره المحلسي. [24] .

و هذه طلبات کثيرا ما نجدها في الروايات، والسر في ذلک واضح و هو ان المومن يهتم بطبيعة الحال بما بعد موته، لتأمين راحته و سعادته هناک، و ان أفضل الطرق لذلک عند الموالين للامام (ع) هو ان يکون لهم کفن مسته يد الامام و برکته انفاسه و اشتري بماله، يدفع بها ضغطة القبر و سوء الحساب.

اضف الي ذلک ان طلبا من هذا النوع، بعيد کل العبد عن الأمور السياسية. و المهاوي الاجتماعية، و انما هي مسألة شخصية محضة. يعذر الانسان ان رعاها و بذل اهتمامه بها. کما ان الکفن المدفوع من قبل



[ صفحه 477]



السفير ليس فيه أي دلالة علي المهدي (ع) أو علامته علي مکانه، و لا يمکن أن يکون ملفتا للنظر، و ان وصل الي السلطات. بخلاف التوقيع، فان خط المهدي عليه السلام و لحن خطابه واضح فيه. فيکون مصدرا للخطر ان وقع عند السلطات.

و من ثم انفسحت فرصة حسنة، في توزيع السفراء للأکفان الصادرة عن الامام (ع) بين مواليه و عارفي فضله.

الأمر الثامن: تحذير الوکلاء من السلطات.

فانه خرج الي الوکلاء في بعض الايام أمر بان لا يأخذوا من أحد شيئا و ان يتجاهلوا بالامر. فلم يعلم الوکلاء السبب.

يقول تاريخنا الخاص: و کان السبب ان وصل الي مسامح عبدالله بن سليمان الوزير، وجود وکلاء للمهدي عليه السلام في بغداد و غيرها من النواحي. فهم بالقبض عليهم. فنصحوه ان يرسل لکل وکيل شخصا يدعي انه له مال يدفعه للامام. فمن قبض من الوکلاء شيئا قبض عليه.

فقام الوزير بهذه المحاولة، الا ان تعاليم الامام المهدي (ع) کانت قد سبقته الي الوکلاء.فتنصل الجميع من الوکالة و تجاهلوا أمرها فحبطت موامرة الوزير، و نجا الوکلاء من براثن السلطات. [25] .

و هذا، بشکل عام واضح کل الوضوح، فانه يعکس تطرف السلطات، ضد هذا الخط المقدس. کما انه يدل علي تعدد الوکلاء في



[ صفحه 478]



بغداد و غيرها. و هو معني الذي قلناه من انهم وکلاء للسفير لا للمهدي مباشرة. و ان کان المهدي (ع) حريضا علي سلامتهم اجمعين.

الا ان الاعتراض الذي يرد علي هذه الرواية، هو ان خلفاء هذه الفترة، ابتداء بالمعتمد و المعتضد و انتهاء بالراضي و المتقي، ليس من وزرائهم من يدعي: عبدالله بن سليمان. لکن قد يراد به، بنحو من التجوز في التعبير: ابا جعفر محمد بن القاسم بن عبيدالله بن سليمان الذي استوزره القاهر ابان خلافته. [26] و معه فتصح هذه الرواية.

و علي أي حال، فهذه أمور ثمانية، لا علي وجه الحصر، مما کان السفراء فيه الواسطة الامينة الرحيمة، بين الامام المهدي و قواعده الشعبية، في حل مشکلاتهم و قضاء حوائجهم.

النقطة الخامسة: قبض السفراء للأموال و توزيعها و ايصالها الي حيث يجب دفعها.

و هو من واضحات وظائفهم و مهمات أعمالهم، بصفتهم حلقة الوصل بين الامام و قواعده الشعبية، و تتمثل هذه الاموال بما يملکه الامام من الحقوق الشرعية الاسلامية في أموال الناس.

وقد عرفنا من تاريخ الفترة السابقة، کيف ان الموالين لخط الأئمة عليهم السلام، کانوا يحملون من أطراف البلاد الاسلامية هذه الاموال الي الأئمة (ع)، و کانت الوفود تفد اليهم حاملة الاموال و الاسئلة فتسلم اليهم الاموال و تستقي منهم أجوبة المسائل و حل المشکلات.



[ صفحه 479]



و کان الامام عليه السلام في اول مقابلة يصف للوفد المال قبل قبضه و يذکر جنسه و کميته و دافعه و غير ذلک. الزاما للحجة تجاه الوفد فاذا علم الوفد بامامته، و ورد عليه في السنوات الاخري حاملا بعض الاموال له يحتج الي ذلک.

حتي ان الامام العسکري (ع) اثناء حياته کلف ابنه المهدي (ع) ان يصف اموالا حملها احد الوفود من قم، ففصل القول في اوصافها [27] لاجل اقامة الحجة علي الناس في امامة المهدي عليه السلام و قد سمعنا المهدي (ع) و هو يصف المال لوفد القميين الذي ورد الي سامرا يوم وفاة الامام العسکري (ع).

و استمرت الوفود تصل بالاموال الي السفراء من بعيد، الي جانب اموال اخري يحملها الافراد من قريب اليهم. و يکون من وضيفة السفراء ازاء ذلک حين يتسلمون المال ان يصفوه ايضا و يذکروا خصائصه. لاجل اقامة الحجة علي الاخرين، و اثبات صدق السفير. و ذلک بتعليم من الامام المهدي (ع).

فمن ذلک: ان محمد بن ابراهيم بن مهزيار سلم مالا جليلا الي رسول الامام (ع) بدلالة الوصف [28] و دفع احمد بن محمد الدينوري الي وکيل المهدي (ع) ستة عشر الف دينار من اهل الدينور، دفعها بدلالة الوصف ايضا. [29] .



[ صفحه 480]



و ظاهر بعض الروايات، ان الاموال کانت تحمل في السنوات الأولي من الغيبة الصغري، الي سامراء حيث يکون من يقبضها هناک و يسلمها الي المهدي. و ذلک بدلالة من السفير نفسه. کما فعل ابو جعفر العمري مع الدينوري المشار اليه. [30] .

ثم انقطع ذلک، و استمر السفير علي قبض المال بنفسه مع اعطاء الوصل به [31] و ربما اقترن بالدعاء للمالک ايضا [32] و ربما اقترن بالتذکير بمال يجب دفعه الي الامام، نسيه الحامل. [33] .

و لم ننس لحد الآن تلک المرأة من اهل آبة التي حملت للحسين بن روح ثلثمائة دينار فکلمها بلسان آبي فصيح [34] کما لم ننس ذلک الرجل الذي ورد قم الي بغداد باموال ليدفعها الي ابي جعفر العمري، فذکره ابو جعفر بالثوبين السردانيين. [35] .

کما لا ينبغي ان ننسي الرسل الحاملين للاموال ممن کان يحولهم ابو جعفر العمري في اعوامه الاخيرة علي الحسين بن روح. و کان احدهم حاملا لاربعمئة دينار. [36] و طولب ابن روح بدفع الوصولات فشکا ذلک الي ابي جعفر. قال الراوي: فامرني ان لا اطالبه بالقبوض و قال: کل ما وصل الي ابي القاسم فقد وصل الي. فکنت احمل بعد



[ صفحه 481]



ذلک الاموال اليه و لا اطالبه بالقبوض. [37] .

و انما امتنع السفراء عن دفع الوصولات باعتبار صعوبة الوقت و کان السيف يقطر دما في زمان المعتضد کما سبق ان سمعنا. و کان ما يحمل اليه من الأموال لا يقف من يحمله علي خبر ابي جعفر و لا علي حاله بل ينفذه اليه کما ينفذ التجار الي أصحابههم علي يدمن يثقون به. و کان يقال للفرد: أمض الي موضع کذا فسلم ما معک، من غير ان يشعر بشي ء و لا يدفع اليه کتاب، لئلا تطلع السلطات عليه. [38] .

و من هنا نستطيع أن نعرف ان الوصولات لم تدفع الا لفترة قليلة نسبيا من عهد الغيبة الصغري. حيث بدأ المعتضد خلافته عام 279 أي بعد تسعة عشر عاما من مبدئها. و المظنون انها لم تدفع بعد ذلک خلال الخمسين عاما التالية الي نهاية هذه الفترة.

فهذا هو حال قبض الاموال من قبل وکلاء المهدي (ع) و سفرائه ثم لا يهمنا ان نفکر في ان هذه الاموال هل تبقي لدي السفراء ام تدفع الي المهدي (ع).لانها علي اي حال تکون تحت اشرافه و رهن تعليماته فانها ان دفعت اليها مباشرة فهو غاية المطلوب. و ان بقيت في يد السفارة، فلا مانع منه فان يد الوکيل کيد الاصيل.

و علي أي حال، فمن الموکد-عادة-وصول جملة من الأموال الي الامام المهدي (ع) مباشرة.بل ظاهر بعض الروايات ان وظيفة



[ صفحه 482]



السفير في قبضه للأموال هو ايصالها اليه (ع). [39] .

و بهذه الاموال کان المهدي (ع) يزجي حاجاته الشخصية، و يوزع منها علي عدد من مواليه، عند مقابلته شخصيا أو بدون ذلک. و کان عليه السلام لا يجيز رد المال الذي اعطاه و يعتبره أمرا ينبغي الاستغفار منه. [40] و تکون من هذه الاموال قيمة الاکفان التي يدفعها الي مواليه و الاموال التي يعطيها کاجرة للحمال و الدفان، [41] و ما کان يجريه لبعض مواليه جريا علي ما کان عودهم عليه أبوه العسکري. [42] .

و أما توزيع السفراء للمال، فهو- في التاريخ الخاص - نادر الوجود. مع العلم انه کان مما يحدث جزما لوجوب ايصال الاموال و الحقوق الشرعية الي مستحقيها شرعا، أو صرفها في سبيل الله و المصالح الاسلامية العامة. و قد عرفنا الظروف التي اوجبت الکتمان و الحذر. و فهمنا الخطر الذي کان يحيق بالسفراء لو انهم وزعوا الاموال علنا. و لا ينبغي أن ننسي بهذا الصدد الکلام الذي سمعناه عن السفير الاول، عن حال عائلة الامام المهدي عليه السلام:«و ليس أحد يجس أن يتعرف عليهم أو ان ينيلهم شيئا».

فالتوزيع کان يقع سريا للغاية بعيدا عن أعين الدولة، و لا يصرح به الا نادرا، و من هنا لم تصلنا اخباره. و لعل الاغلب هو توزيع



[ صفحه 483]



الاموال علي الاسلوب التجاري، أي يعطي الفرد بصفته دائنا مثلا حتي لا يکون مثارا للشک لا لدي السلطات.

و من هذا النادر ما دفعه الشيخ ابن روح رضي الله عنه، من المئة درهم الي أحدهم مع حنوط واکفان [43] حتي لا يکون ملفتا للنظر.

و الطريف في هذا الصدد ان الاموال التي کان يوزعها المهدي عليه السلام، لمن شاهده و غيرهم، بحسب نقلها في التاريخ أکثر جدا مما وردنا توزيعه عن طريق السفراء. و سيأتي التعرض لذلک في الفصل الخامس الخاص بالمهدي (ع).

النقطة السادسة: الجهاد العلمي للسفراء.

حول المناقشات العقائدية و حلول المشاکل العلمية التي کان يقوم بها السفراء، سواء من ذلک ما کان لتوجيه أصحابهم و صقل أفکارهم. أو لأجل الاحتجاج ضد الشبهات التي يثيرها الآخرون، و الدفاع عن الحق بلسان مخلص سليم.

و نحن في هذا الصدد لا بد ان نعرض صفحا عن امرين لهما محلهما في الفصلين الآتيين من هذا التاريخ:

احدهما: المناقشات و التوجيهات الفقهية و العقائدية و الاجتماعية الصادرة علي أيدي السفراء من الامام المهدي (ع) فان ذلک يعتبر من اعمال المهدي نفسه و يأتي التعرض له في الفصل الخامس من هذا التاريخ.



[ صفحه 484]



ثانيهما: مناقشة السفراء لمدعي السفارة أو الوکالة عن المهدي زورا فان هذا مما نذکره عن قريب في الفصل الآتي.

تبقي بين يدينا التوجيهات و المناقشات التي يذکرها أحد السفراء الاربعة، من عند انفسهم، باعتبار ما يعرفونه من الحق. في حدود تعاليم الامام المهدي (ع) و مسلکهم العام.

يندرج في ذلک، ما سمعناه عن السفير الاول في النهي عن التصريح باسم المهدي، و الشکوي من جور السلطات و سطوتهم. وقد سبق ان سمعناه أکثر من مرة.

و للشيخ ابن روح مناقشات عديدة، فمن ذلک مناقشته لبعض المتکلمين المعروف بترک الهروي، في فضل الزهراء علي سائر بنات النبي (ص).حتي قال الهروي: فما رأيت أحدا تکلم و اجاب في هذا الباب باحسن و لا أوجز من جوابه. [44] .

و من ذلک مناقشته لرجل حول مقتل الامام الحسين عليه السلام بيد اعداء الله عزوجل. و قد اجابه بجواب مطول، أکد فيه ان حکمة الله عزوجل قد جرت في ان انبيائه و أوليائه يکونون في حال غالبين و اخري مغلوبين و في حال قاهرين و اخري مقهورين. و لو جعلهم عزوجل في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين و لم يبتلهم و لم يمتحنهم لا تخذهم الناس آلهة من دون الله عزوجل، و لما عرف فضل صبرهم علي البلاء و الاختيار.



[ صفحه 485]



و لکن جعل أحوالهم في ذلک کأحوال غيرهم، ليکونوا في حال المحنة و البلوي صابرين و في حال العافية و الظهور علي الاعداء شاکرين و يکونوا في جميع احوالهم متواضعين غير شامخين و لا متجبرين..الي آخر کلامه.

و حين شک الراوي في ان هذا الکلام، هل قاله من عنده أم هومن تعاليم الامام المهدي (ع). قال له ابن روح: يا محمد بن ابراهيم! لان آخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح من مکان سحيق احب الي من ان أقول في دين الله برأيي و من عند نفسي بل ذلک من الاصل و مسموع من الحجة صلوات الله و سلامه عليه. [45] .

و من تعاليمه رضي الله عنه، ما قاله لاحمد بن محمد الصفواني: ان يحيي بن خالد سمم موسي بن جعفر عليه السلام في احدي و عشرين رطبة و بها مات. و ان النبي (ص) و الأئمة (ع)، ما ماتوا الا بالسيف أو السم. و قد ذکر عن الرضا (ع) أنه سم. و کذلک ولده و ولد ولده. [46] .

انظر کيف بت رضي الله عنه، في هذه المسألة التي کانت و لا زالت محل الخلاف بين المسلمين عموما و المورخين خصوصا، من ان النبي (ص) هل مات مسموما أولا. فقد جزم ابن روح بکونه (ص) مات مسموما، ليس هو فقط، بل عدد من الأئمة (ع) أيضا. و الباقون ماتوا



[ صفحه 486]



بالسيف علي ايدي أعداءالله و رسوله.

و لعلک لا حظت معي ان امثال هذه المناقشات مما لا ينافي مع جو التقية و الحذر، الذي کان يسلکه السفراء علي العموم و الشيخ ابن روح علي الخصوص، اذ ليس في هذه المسائل «فتوي رسمية» للدولة أو وجهة نظر خاصة لعلماء العامة، ينبغي له التحرز من مناقشتها و مجابهتها.

و لکننا لا زلنا نذکر: ان الثقافة المعطاة منه رضي الله عنه ليست هي دائما الثقافة التي تتفق مع خطه و اعتقاده. بل قد يمتزج بها غيرها، لو اقتضي ذلک مصالح عمله کسفير مود لواجبه تجاه أمامه (ع) و مجتمعه.

و لعل أهم مثال لذلک، ما سمعناه فيما سبق مختصرا، و نذکره الان تفصيلا، من انه تناظر في بعض مجالس العامة اثنان. فزعم احدهما ان أبابکر أفضل الناس بعد رسول الله (ص) ثم عمر ثم علي. و قال الآخر: بل علي أفضل من عمر. فزاد الکلام بينهما. فقال ابن روح رضي الله عنه: الذي اجتمعت عليه الصحابة هو تقديم الصديق ثم الفاروق، ثم بعده عثمان ذو النورين ثم علي الوصي. و أصحاب الحديث علي ذلک، و هو الصحيح عندنا.

فجعل عليا أميرالمومنين (ع) دون عثمان في الفضل بحسب ظاهر کلامه. و هو ما لم يکن مقصودا لکلا المتناقشين، و انما اختلفا في تفضيله علي عمر، مع اتفاقهم علي تفضيله علي سائر البشر بعده.

و حيث کان يعلم الراوي،الذي يسمع هذا الکلام أن هذا مخالف



[ صفحه 487]



لخطه و بعيد عن اعتقاده..فوقع عليه الضحک، و لم يستطع ان يمنع نفسه، رغم محاولته، حتي خشي أن يفتضح. فقفز خارجا عن المجلس.

وانتبه اليه ابن روح و عرف قصده. فبادر اليه بعد خروجه من المجلس، و قصده في داره، فطرق عليه الباب، و انبه علي ضحکه و قال له: يا أبا عبدالله -ايدک الله -لم ضحکت؟! فاردت ان تهتف بي کان الذي قلته عندک ليس بحق. قال الراوي: فقلت له: کذلک هو عندي! فقال لي: اتق الله ايها الشيخ، فاني لا اجعلک في حل.

تستعظم هذا القول مني فقلت:يا سيدي. رجل يري بانه صاحب الامام و وکيله، يقول ذلک. لا يتعجب منه و يضحک من قوله هذا!! فقال لي: و حياتک لئن عدت لا هجرنک..وودعه و انصرف. [47] .

فانت تري ان المناقشة بين هذا الرجل و ابن روح، قائمة علي تخيل الراوي المناقضة بين مسلک ابن روح و بين کلامه. و الفرد انما يکون وکيلا للامام و سفيرا عنه مع الانسجام مع خطه و اخلاصه له..دون ما اذا کان مظهرا لغير ما يبطن، و لهذا اظهر الرجل التشکيک -جدلا-بالسفارة، لا باعتبار کونه معتقدا لهذا التشکيک کما هو معلوم.

وکان کلام ابن روح منصبا علي التاکيد من طرف خفي علي الانسجام بين خطه الاصلي و کلامه، و ان ما قاله انما هو باعتبار



[ صفحه 488]



الاخلاص له و الالتزام به. باعتبار المصالح التي يستطيع ان ينالها و المشاکل التي يذللها بمثل هذا الکلام..و توجيهات الامام المهدي (ع) المتعلقة بذلک. و هو معني قوله: کان الذي قلته عندک ليس بحق. و الله العالم.

ثم انه رضي الله عنه أکد علي ذلک، و هدد الرجل بهجرانه. لئلا يکون هذا الرجل و امثاله، عائقا أمام مسالک ابن روح و مصالحه و تطبيقات أوامر امامه (ع). فقد يسبب له خرقا کبيرا في المجتمع قد تترتب عليه من الاضرار و تنتفي من المصالح ما لا سبيل الي تدارکه.

فهذا هو مهم الکلام في أعمال السفراء و نشاطهم و مسالکهم العامة و به ينتهي القسم الثاني من هذا الفصل الثالث: و به ينتهي هذا الفصل و الحمدلله رب العالمين.



[ صفحه 489]




پاورقي

[1] انظر الغيبة للشيخ الطوسي ص 199.

[2] الغيبة ص 195.

[3] انظر الغيبة ص 242 و منتخب الأثر ص 399.

[4] انظر منتخب الاثر ص 396. و اکمال الدين المخطوط.

[5] غيبة الشيخ الطوسي ص 179.

[6] الغيبة ص 187.

[7] المصدر ص 215.

[8] الغيبة ص 219. و انظر أصول الکافي (المخطوط).

[9] الغيبة للشيخ الطوسي ص 222.

[10] انظر أصول الکافي (المخطوط).

[11] المصدر السابق (المخطوط).

[12] الغيبة الشيخ الطوسي ص 246.

[13] المصدر ص 180.

[14] انظر غيبة الشيخ الطوسي ص 237.

[15] المصدر ص 238.

[16] المصدر ص 252 و ص 187.

[17] الغيبة للشيخ الطوسي ص 186. و انظر ص 197 أيضا.

[18] الارشاد ص 332.

[19] انظر الغيبة ص 195 و انظر أيضا ص 188.

[20] انظر الارشاد ص 331.

[21] انظر الارشاد ص 332.

[22] الغيبة للشيخ الطوسي ص 257.

[23] انظر الغيبة ص 181.

[24] انظر البحار ج 13 ص 83.

[25] انظر اعلام الوري ص 421.

[26] انظر المروج ج 4 ص 221 و الکامل ج 6 ص 229.

[27] انظر اکمال الدين المخطوط.

[28] انظر غيبة الشيخ الطوسي ص 171.

[29] انظر البحار ج 13 ص 79.

[30] البحار ج 13 ص 79.

[31] الارشاد ص 335.

[32] اکمال الدين (المخطوط).

[33] الارشاد ص 335.

[34] غيبة الشيخ ص 195.

[35] المصدر 179.

[36] المصدر ص 224 و ص 225.

[37] غيبة الشيخ ص 226.

[38] المصدر السابق أيضا ص 180.

[39] غيبة الشيخ ص 178.

[40] الارشاد ص 333.

[41] انظر الغيبة ص 193 و منتخب الاثر ص 396.

[42] غيبة الشيخ الطوسي ص 219.

[43] غيبة للشيخ ص 193.

[44] غيبة الشيخ ص 239.

[45] انظر غيبة الشيخ ص 199. و الاحتجاج ص 288.

[46] غيبة الشيخ ص 239.

[47] الغيبة للشيخ الطوسي ص 237.