ابوالحسن علي بن محمد السمري
هو الشيخ الجليل ابوالحسن علي بن محمد السمري او السيمري او الصميري. و المشهور جدا هو الاول مضبوطا بفتح السين و الميم معا. و الاخرين مضبوطين بفتح اولهما و سکون الياء و فتح الميم و ربما قيل بالضم ايضا.
لم يذکر عام ميلاده، و لا تاريخ فجر حياته، و انما ذکر اولا کواحد من اصحاب الامام العسکري عليه السلام [1] ثم ذکر قائما بمهام
[ صفحه 413]
السفارة المهدوية ببغداد، بعد الشيخ ابن روح، بايعاز منه عن الامام المهدي عليه السلام. [2] .
ولم يرد في هذا الايعاز خبر معين، و انما يعرف بالتسالم و الاتفاق الذي وجد علي سفارة السمري بين الموالين، الناشي ء لا محالة من تبليغ ابن روح عن الامام المهدي (ع). و قد سبق ان قلنا ان مثل هذا التسالم و الاتفاق، کانت القواعد الشعبية الموالية للامام (ع) تعتمده و تتبعه فيتبع في ذلک الجاهل العالم و البادي الحاضر. و وجود هذا التسالم مأخوذ في التاريخ جيلا بعد جيل عن جيل الغيبة الصغري، مما يعلم بوجوده و يحرز تحققه بالقطع و اليقين.
تولي السفارة من حين وفاة ابو القاسم بن روح عام 326، الي ان لحق بالرفيق الاعلي عام 329 في النصف من شعبان [3] فتکون مدة سفارته عن الامام المهدي عليه السلام ثلاثة اعوام کاملة، غير ايام.
ولم ينفتح للسمري، خلال هذا الزمان القصير، بالنسبة الي اسلافه القيام بفعاليات موسعة، کالتي قاموا بها، و لم يستطع ان يکتسب ذلک العمق و الرسوخ في القواعد الشعبية کالذي اکتسبوه. و ان کان الاعتقاد بجلالته و وثاقته کالاعتقاد بهم.
فما ذکره بعض المستشرقين، من انه -أي السمري -ربما أدرکته
[ صفحه 414]
الخيبة، فشعر بتفاهة منصبه و عدم حقيقته کوکيل معتمد للامام المفترض.. [4] ناشي ء من عقيدة ذلک المستشرق في انکار الاسلام و انکار وجود المهدي عليه السلام. و الا فأي تفاهة في مثل هذا المنصب الخطير الذي عرفنا خطوطه واهميته. و هو يمثل القيادة العامة للملايين، بالنيابة عن امامهم، في ظروف معاکسة خطرة، و دولة مراقبة و مطاردة لهذا الخط و للسائرين عليه.
کما ان الشعور بعدم حقيقة الوکالة، أمر لا معني له علي الاطلاق بالنسبة الي موقفه المباشر من الامام المهدي عليه السلام، و تلقي التعليمات و التوقيعات منه، و استيثاق قواعده الشعبية و علماء الطائفة يومئذ به، و رکونهم اليه. و انما کلام هذا المستشرق ناشي ء من عقائده الخاصة ولله في خلقه شوون.
نعم، لا يبعد أن يکون لما ذکره ذلک المستشرق من کون تلک السنوات «مليئة بالظلم و الجور و سفک الدماء» [5] دخل کبير في کفکفة نشاط هذا السفير، و قلة فعالياته. فان النشاط الاجتماعي يقترن و جوده دائما، بالجو المناسب و الفرصة المواتية. فمع صعوبة الزمان و کثرة الحوادث و تشتت الأذهان، لا يبقي هناک مجال مهم لمثل عمله المبني علي الحذر و الکتمان.
و هذا بنفسه، من الأسباب الرئيسية لانقطاع الوکالة بوفاة السمري
[ صفحه 415]
و عزم الامام المهدي عليه السلام علي الانقطاع عن الناس، کما انقطع الناس عنه، و فرقتهم الحوادث عن متابعة و کلائه..الي أسباب اخري نشير اليها في فصل آت من هذا التاريخ.
و لذا نجد السمري رضي الله عنه، يخرج الي الناس قبل وفاته بايام، توقيعا من الامام المهدي عليه السلام، يعلن فيه انتهاء الغيبة الصغري و عهد السفارة بموت السمري، و يمنعه عن أن يوصي بعد موته الي أحد ليکون سفيرا بعده.
و يقول عليه السلام فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم:
يا علي بن محمد السمري! أعظم الله أجر أخوانک فيک. فانک ميت ما بينک و بين ستة أيام، فاجمع أمرک و لا توص الي أحد فيقوم مقامک بعد وفاتک. فقد وقعت الغيبة التامة. فلا ظهور الا باذن الله تعالي ذکره، و ذلک بعد طول الأمد و قسوة القلوب، و امتلاء الأرض و جورا.
و سيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة، الا فمن أدعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة، فهو کذاب مفتر. و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.
فکان هذا آخر خطاب خرج من الامام المهدي عليه السلام، عن طريق السفارة الخاصة، و آخر ارتباط مباشر بينه و بين الناس في الغيبة الصغري.
[ صفحه 416]
قال الراوي: فنسخنا هذا التوقيع و خرجنا من عنده. فلما کان اليوم السادس عدنا اليه و هو يجود بنفسه. فقيل له: من وصيک من بعدک؛فقال: «لله أمر هو بالغه» و قضي. فهذا آخر کلام سمع منه، رضي الله عنه و ارضاه. [6] .
و أودع الأرض في قبره الذي هو في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع المحول، قريب من شاطي ء نهر ابي عقاب. [7] .
أقول: وله الآن في بغداد مزار معروف.
تلخيص و تطبيق:
ظهر مما سبق أن فترة الغيبة الصغري دامت علي التحديد تسعا و ستين عاما و ستة أشهر و خمسة عشر يوما. شغل منها السفير الأول: عثمان بن سعيد، حوالي الخمس سنوات. أي انه لم يتعد فترة خلافة المعتمد. فکما عاصر هذا الخليفة وفاة الامام العسکري (ع) عاصر أيضا وفاة السفير الأول رضي الله عنه.
و شغل السفير الثاني: محمد بن عثمان حوالي الاربعين عاما منها عاصر فيها بقية خلافة المعتمد، ثم خلافة المعتضد، ثم خلافة المکتفي ثم عشر سنوات من خلافة المقتدر. حين توفي عام 305 من الهجرة.
و شغل السفير الثالث: الحسين بن روح، بعد وفاة سلفه، أحد و عشرين عاما. عاصر فيها بقية خلافة المقتدر، و قسما من خلافة الراضي
[ صفحه 417]
حيث خلفه السفير الرابع علي بن محمد السمري، حيث بقي في السفارة ثلاث سنين، و توفي عام وفاة الراضي نفسه، و ان عاصر خلفه المتقي مدة خمسة أشهر و خمسة أيام.
فما ينقل عن بعضهم من ان مدة الغيبة الصغري أربعما و سبعين سنة. [8] مبني علي التسامح في الحساب. أو علي ادعاء ان الغيبة الصغري تبدأ من حين ميلاد الامام المهدي (ع) نفسه عام 255. أي قبل خمس سنوات من عام وفاة الامام العسکري (ع). فاذا اضفناها الي التسع و ستين سنة، کان المجموع 74 عاما.
الا ان هذه الدعوي، مبنية علي التسامح في الاعتبار أيضا. فان الامام المهدي (ع) و ان کان غائبا في حياة ابيه عليهما السلام، کما سبق ان عرفنا، الا ان هذه الغيبة لا تعد من الغيبة الصغري البتة. لأن المهدي (ع) کان طوال مدتها معاصرا لأبيه عليه السلام، و الامام في زمان ابيه غير متحمل للمسوولية، و لاتربع علي منصب الامامة، و انما يتولاها-علي أي حال -بعد أبيه لا محالة، اذن فالامام المهدي عليه السلام، انما تولي الامامة بعد وفاة ابيه عليهما السلام.
و نحن انما نتحدث عن غيبته عن قواعده الشعبية بصفته اماما مفترض الطاعة عليهم، حيث يکون المفروض -لو لا الغيبة- ان يکون مرتبطا بهم و قائدا لهم و موجها لمجتمعهم، و هذا مما لم يتحمل
[ صفحه 418]
المهدي (ع) مسووليته في حياة ابيه، اذن فيتعين القول: بان الغيبة الصغري للامام المهدي (ع)، هي غيبته بصفته اماما، مع اقترانها بفکرة السفارة. و معه تکون مدتها ما قلناه لا ما أدعوه.
[ صفحه 419]
پاورقي
[1] رجال الشيخ الطوسي ص 432. بعنوان الصيمري. و انظر کشف الغمة ج 3 ص 207.
[2] اعلام الوري ص 417.
[3] انظر غيبة الشيخ الطوسي ص 242. وفي اعلام الوري انه توفي عام 228. ص 417. و المعتمد ما ذکره الشيخ الطوسي.قده.
[4] عقيدة الشيعة لرونلدسن. ص 257.
[5] المصدر و الصفحة.
[6] غيبة الشيخ الطوسي ص 243.
[7] المصدر و الصفحة.
[8] انظر البحار ج 13.