بازگشت

محمد بن عثمان بن سعيد العمري


هو الشيخ الموثوق محمد بن عثمان بن سعيد العمري، أبو عمرو الأسدي. و انما سمي العمري نسبة الي جده. وقد قال قوم من الشيعة: ان أبا محمد الحسن بن علي العسکري عليه السلام قال: لا يجمع علي أمري بين عثمان، و أبو عمر، و أمر بکسر کنيته فقيل: العمري [1] بفتح العين و سکون الميم.

و يقال له العسکري أيضا، لأنه کان من عسکر و هي سامراء و يقال له: السمان لأنه کان يتجر بالسمن تغطية علي الأمر. و کان الشيعة اذا حملوا الي ابي محمد عليه السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال



[ صفحه 397]



انفذوا الي ابي عمرو، فيجعله في جراب السمن وزقاقه، و يحمله الي ابي محمد (ع) تقية و خوفا. [2] .

له من الأولاد: محمد و هو السفير الثاني، و احمد [3] .

لم يرد في المصادر التاريخية تحديد عام ولادته، و لا عام وفاته. و انما يرد أسمه أول ما يرد کوکيل خاص للامام الهادي عليه السلام [4] و کان يستوثقه و يمدحه بمثل قوله: هذا أبو عمر الثقة الأمين. ما قاله لکم فعني يقوله، و ما أداه اليکم فعني يوديه. [5] .

و هذا النص بنفسه، يدل علي سنخ النشاط الذي کان يقوم به ابو عمرو، و هو نقل المال و المقال من الامام الهادي (ع)، و اليه فکان يمثل مع جماعة اخرين دور الوساطة بينه وبين قواعده الشعبية، في الفترة التي عرفنا ان الامام (ع) بدأ بتطبيق مسلک الاحتجاب عن مواليه تعويدا لهم علي الغيبة التي سوف يواجهونها في حفيده المهدي (ع).

و حين يلقي الامام الهادي عليه السلام ربه عام 254، يصبح ابو عمرو و وکيلا خاصا موثوقا للامام العسکري عليه السلام، ذا نشاط ملحوظ و براعة في العمل. فقد سمعنا کيف کان يحمل المال في زقاق السمن، و يسير علي المسلک الذي يخطه له الامام في الاخفاء و التکتم. و يظهر امام الناس کتاجر اعتيادي بالسمن، تغطية علي حاله و مسلکه و عقيدته.



[ صفحه 398]



و کان الامام العسکري عليه السلام يکثر من مدحه و الثناء عليه في مناسبات مختلفة، و امام اناس کثيرين.

فمن ذلک انه (ع) قال: هذا ابو عمرو الثقة الامين. ثقة الماضي و ثقتي في المحيا و الممات. فما قاله لکم فعني يقوله، و ما ادي اليکم فعني يودي. [6] و قال امام وفد من اليمن: امض يا عثمان، فانک الوکيل و الثقة المامون علي مال الله.. [7] .

حتي اشتهر حاله و جلالة شأنة بين الشعب الموالي. قال ابو العباس الحميري: فکنا کثيرا مانتذاکر هذا القول، و يعني مدح الامام العسکري له، و نتواصف جلالة محل ابي عمرو [8] و قال وفد اليمن حين سمع من الامام مدحه: يا سيدنا ان عثمان لمن خيار شيعتک، و لقد زدتنا علما بموضعه من خدمتک و انه وکيلک و ثقتک علي مال الله تعالي. [9] فلم تزل الشيعة مقيمة علي عدالته [10] و تتسالم علي وثاقته و جلالة قدره.

و حين يولد للامام العسکري عليه السلام ولده المهدي يبعث الي ابي عمرو يأمره بان يشتري عشرة آلاف رطل خبز و عشرة آلاف رطل لحم و يفرقه علي بني هاشم، و ان يعق بکذا و کذا شاة. [11] .



[ صفحه 399]



و ينص الامام العسکري (ع) في مجلس حافل بالخاصة، يعدون باربعين رجلا، عرض فيه ولده المهدي عليه السلام و نص فيه علي امامته و غيبته..ينص علي وکالة عثمان بن سعيد عن المهدي (ع) و سفارته له قائلا: فاقبلوا من عثمان ما يقوله، و انتهوا الي امره، او اقبلوا قوله فهو خليفة امامکم والامر اليه. [12] .

و حين يلقي الامام العسکري عليه السلام ربه، عام 260، يحضر ابو عمرو عثمان بن سعيد تغسيله، و يتولي جميع امره في تکفينه و تحنيطه و اقباره. [13] و برر الشيخ الطوسي ذلک بانه کان «مأمورا بذلک للظاهر من الحال التي لا يمکن جحدها و لا دفعها الا بدفع حقائق الاشياء في ظواهرها». [14] يشير الي اختفاء المهدي عليه السلام، و عدم تمکنه من القيام بتغسيل والده و القيام بامره. و لکننا-علي اي حال -سبق ان سمعنا کيف ان الامام المهدي عليه السلام، اقام الصلاة علي ابيه بنفسه، و دفع عن ذلک عمه جعفر امام جماعة من الناس، منهم عثمان بن سعيد السمان نفسه. و من ثم يمکن القول: بانه يمکن للامام المهدي عليه السلام، ان يغسل اباه في داره سرا، قبل ان ينقل جثمانه امام الجمهور. و ظاهر عبارة الشيخ قيامه عليه السلام بالتغسل بحضور ابي عمرو. ثم قيام ابي عمرو بنفسه بباقي شوونه من تکفين و تحنيط و اقبار. و الله العالم بحقائق الامور.



[ صفحه 400]



و علي اي حال، فهو يصبح من ذلک الحين السفير الاول المهدي عليه السلام، بنص الامام العسکري عليه السلام، کما سمعنا، و نص الامام المهدي عليه السلام امام وفد القميين، کما سبق في القسم الاول من هذا الکتاب..فيضطلع بالمهمة العظمي في ربط الامام بقواعده الشعبية و تبليغ توجيهاته و تعاليمه و انحاء تدبيره و ادارته اليهم. و ايصال اسئلتهم و مشاکلهم و اموالهم اليه و تنفيذ اوامر الامام و توجيهاته فيهم.

و يبقي ابو عمرو مضطلعا بمهام السفارة، و قائما بها خير قيام،الي ان يوافيه الاجل. فيقوم ابنه ابو جعفر محمد بن عثمان بتغسيله و تجهيزه. [15] و يدفن-کما قال ابو نصر هبة الله بن محمد-في الجانب الغربي من بغداد، في شارع الميدان في اول الموضع المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب، يمنة الداخل اليه، و القبر في نفس قبلة المسجد.

قال الشيخ الطوسي: رأيت قبره في الموضع الذي ذکره، و کان بني في وجهه حائط، به محراب المسجد، و الي جنبه باب يدخل الي موضع القبر في بيت ضيق مظلم. فکنا ندخل اليه ونزور مشاهرة. قال: و کذلک من وقت دخولي الي بغداد و هي سنة ثمان و اربعماه الي سنة نيف و ثلاثين و اربعمائه.

ثم نقض ذلک الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج، و ابرز القبر الي برا-أي الي الخارج - و عمل عليه صندوقا، و هو تحت سقف يدخل اليه من اراده و يزوره.



[ صفحه 401]



قال الشيخ: و يتبرک جيران المحلة بزيارته، و يقولون: هو رجل صالح، و ربما قالوا: هو ابن داية الحسين (ع). و لا يعرفون حقيقة الحال فيه. و هو الي يومنا هذا-و ذلک سنة و اربعين و اربعمائة-علي ما هو عليه. [16] .

أقول: و قبره الآن مشيد معروف ببغداد، يزار و يتبرک به.

و نستطيع ان نعرف من جهالة لحقيقة قبره في زمان الشيخ الطوسي «قده» مقدار الغموض و الکتمان الذي کان يحيط السفارة المهدية، في حياة السفير و بعد مماته، بل بعد ما يزيد علي مائتي سنة علي دفنه.

و لم يفت أبو عمرو قبل وفاته، أن يبلغ أصحابه و قواعده الشعبية، ما هو مأمور به من قبل المهدي عليه السلام، من ايکال السفارة بعده الي ابنه محمد بن عثمان، و جعل الأمر کله مردودا اليه. [17] .

و يکون لوفاته رنة اسي في قلوب عار في فضله و مقدري منزلته و خاصة الامام المهدي (ع) نفسه، فنراه يکتب الي ابنه السفير الثاني يعزيه بابيه قائلا: انا لله و انا اليه راجعون. تسليما لأمره و رضاء بقضائه. عاش أبوک سعيدا و مات حميدا، فرحمه الله و الحقه بأوليائه و مواليه عليهم السلام. فلم يزل مجتهدا في أمرهم ساعيا فيما يقربه الي الله عزوجل و اليهم. نضر الله وجهه و أقال عثرته.



[ صفحه 402]



و في فصل آخر من کتابه اليه اليه يقول عليه السلام: اجزل الله لک الثواب و أحسن لک العزاء، رزيت و رزينا و أوحشک فراقه و أوحشنا فسره الله في منقلبه. کان من کمال سعادته ان رزقه الله تعالي ولدا مثلک يخلفه من بعده، و يقوم مقامه بامره، و يترحم عليه. و أقول: الحمدلله. فان الانفس طيبة بمکانک و ما جعله الله تعالي فيک و عندک. اعانک الله و قولک و عضدک و وفقک، و کان لک وليا و حافظا وراعيا و کافيا. [18] .

و في هذين النصين، من المعاني الاسلامية السامية، في أسلوب الترحم علي المومن و الدعاء و الثناء عليه،ما فيه بصيره لمن القي السمع و هو شهيد.


پاورقي

[1] الغيبة للشيخ الطوسي ص 214.

[2] المصدر السابق ص 214.

[3] نفس المصدر ص 256.

[4] انظر غيبة الشيخ الطوسي ص 215 و رجاله ص.

[5] غيبة الشيخ الطوسي ص 215.

[6] الغيبة للشيخ الطوسي ص 215.

[7] نفس المصدر ص 216.

[8] نفس المصدر ص 215.

[9] المصدر نفسه ص 216.

[10] المصدر و الصفحة.

[11] الاکمال المخطوط.

[12] غيبة الشيخ ص 217.

[13] المصدر 216.

[14] المصدر و الصفحة.

[15] الغيبة للشيخ الطوسي ص 221.

[16] المصدر ص 218.

[17] غيبة الشيخ الطوسي ص 221.

[18] المصدر ص 220- و ما بعدها.