بازگشت

مشکلات تاريخنا الخاص


و تتلخص المشکلة التي نواجهها في حقلنا، و هو تاريخ الأئمة عليهم السلام و أصحابهم، ان المورخين الذين تعرضوا لهذا التاريخ، علي ثلاثة أقسام:

القسم الأول:

المستشرقون: ومن حذا حذوهم و حاول تقليدهم من الشرقيين المسلمين.

و ديدنهم العام علي أن ينظروا الي التاريخ الاسلامي من زوايا خاصة، تتلخص فيما يلي:

الأولي: الزاوية المادية التي يومنون بها ايمانهم بالحضارة الغربية و وجهة نظرها الي الکون و الحياة، تلک الوجهة التي نتجت بعد عصر النهضة، و انتجت فصل الدين عن الدولة و الکفر بسائر القيم الروحية و الاخلاقية.

الثانية: الزاوية المسيحية: التي تفترض سلفا، و من دون اعطاء أي فرصة للمناقشة، ان الدين الاسلامي باطل، و أن محمد بن عبدالله



[ صفحه 34]



صلي الله عليه و آله ليس بنبي، و أن القرآن ليس کتابا سماويا؛فضلا عن أصحابه و خلفائه و ائمتنا عليهم السلام. فضلا من أفکار غيبية قد نومن بها، کالمعجزات و وجود المهدي، و غيرها.

الثالثة: الزاوية الاستعمارية - فان جملة منهم عملاء من حيث يعلمون أو لا يعلمون؛ للدول التي ينتمون اليها أو للحضارة التي يعيشون فيها: فالمستشرق اما مأجور حقيقة أو «عضو شرف»في قائمة الدس و التلفيق، حديث يشعر بضرورة الانتصار لدولته أو مصالح دينه أو قومه أو لأي شعار من الشعارات المعادية للاسلام.

علي أن الأجر المبذول للتبشير الاستعماري المسيحي، ليس بالقليل و لا الضئيل،بل هو مما يعد بملايين يسيل لها لعاب کثير من المفکرين، و تشتري بها عقول عدد من الباحثين.

و من ثم لم تصلح کتب المستشرق لاعطاء الباحث صورة واضحة سليمة عن التاريخ الاسلامي.و انما غاية الباحث في الاطلاع علي ما کتبوه، هو التعرف علي ما فيها من النقد و الدس و التلفيق، و محاولة الجواب عليه، و تذليل ما عرضت فيه من مشکلات.

القسم الثاني:

المورخون العامة: من مورخي الاسلام غيرالشيعة الامامية اولئک الذين يذکرون تاريخ ائمتنا عليهم السلام، و هم لا يومنون بامامتهم الذين يذکرون تاريخ ائمتنا عليهم السلام، و هم لايومنون بامامتهم و لا طاعتهم و لا قيادتهم.

و هذا القسم من المورخين، هو الذي تولف مولفاتهم الجزء الأکبر



[ صفحه 35]



والأهم من التاريخ الاسلامي العام أو التراجم أو الحديث التاريخي، و أقصد به الروايات التي تتضمن حوادث تاريخية معينة. کالطبري و ابن الأثير و أبو الفداء وابن خلکان و ابن الجوزي و ابن الوردي؛ و بعض ما تتضمنه الصحاح الستة من الحديث التاريخي.

و أعدل ما يقال بالنسبة الي تعرض هولاء المورخين و امثالهم الي حياة الأئمة عليهم السلام: انه تعرض موجز عابر، يکتفي بالحادثة الواحدة و الفکرة الشاردة، و يتجنب بحذر متعمد الخوض في تفاصيل تواريخهم عليهم السلام.

والسبب في ذلک، فيما أري، يعود الي عدة أمور:

السبب الأول: التعصب المذهبي الذي يتجلي علي أشکال متعددة في ذهن مورخ و آخر:

الشکل الأول:

عدم الايمان بقدسية الائمة عليهم السلام و کما لهم.بل الميل الي ضد ذلک من الطعن فيهم و التنزيل من شأنهم.

الشکل الثاني:

ان المورخ و ان کان يومن بقدسيتهم و کما لهم؛ الا ان ضيق نظره و ضحالة تفکيره، تقوده الي الاعتقاد بأن شيعتهم أعداء تقليديين له و لأهل مذهبه، اذن فمن عطل القول أن يهتم بتمجيد قادة اعدائه و أئمتهم.

الشکل الثالث:

انه و ان کان التعصب علي ذهن المورخ قليلا، باعتبار وعيه



[ صفحه 36]



الاسلامي الصحيح؛ الا انه علي أي حال مناصر لمذهبه، يود زيادة مويديه و رسوخ عقيدتهم فيه. وهو يحتمل -علي الاقل - انه ان اسهب في بيان تاريخ أئمتنا (ع) و أطال في ذکر أقوالهم و أفعالهم، فانه قد يميل بعض ابناء جلدته اليهم و يجد ما يدعوه الي الايمان بامامتهم و هذا ما لا يريده المورخ بأي حال من الأحوال. فهو يترک الاطالة في تاريخهم تمسکا بمذهبه و محافظة عليه.

السبب الثاني:

ان تاريخ الأئمة عليهم السلام، لا يعيش في أذهان هولاء المورخين الا قليلا، وفي زاوية مهملة من زواياه فان الذي يستجلب انظارهم و يستقطب اهتمامهم نحوان من الاشخاص:

النحو الأول:

الاشخاص السياسيون الذين تسنموا منصبا في الدولة أو داروا في فلک الخلافة أو کانوا أعداء لها و تولوا الحروب ضدها.و بالجملة کل من سلک مسلک الحکم و السلطان.

النحو الثاني:

الاشخاص الدينيون و العلماء المسلمون الذين يقتضي مذهب هولاء المورخين الايمان بهم و الدعوة اليهم.ولم يکن ائمتنا -وفي غالب أمرهم - من يندرج في أحد هذين النحوين. اذن فلا يجد المورخ حاجة في نفسه الي ذکرهم بأکثر مما تعرض اليه.

السبب الثالث:

ما يعود الي الجهاز الحاکم المعاصر للمورخ.



[ صفحه 37]



فانه من المعلوم ان الصدر الاول من المورخين العامة، کالذين سبق ان سميناهم، کانوا يعيشون في عهود الدولة العباسية، التي کانت بمسلکها العام معلنة العداء مع مسلک أهل البيت عليهم السلام و عزل أصحابهم عن المسرح الاجتماعي و السياسي بالکلية.

و من ثم يتخذ المورخ، أحد موقفين.

الموقف الاول:

الحذر من السلطات و اتقاء شرها. بذلک بالتجنب عن الخوض فيما لا يحبون و ترک التعرض الي ما يکرهون. و ذلک: اما بترک ذکر تاريخ أئمتنا و أصحابهم أساسا، کانهم ليسوا اناسا کانوا في الوجود و قدموا الي البشرية و الاسلام اجل الخدمات.و اما أن يذکرهم لکن بأقل القليل، من الجانب الذي يکون خاليا من الخطر، بنحو لا يثير علي المورخ حقدا أو يحرک نحوه عاطفة.

الموقف الثاني:

ان يسير المورخ في رکاب الحکام، يواکبهم في أفکارهم، و يجاذيهم في اساليبهم؛ فينخرط اما اجيرا أو ک «عضو شرف» في الجهاز الحاکم علما و فکرا، أن لم يکن عملا و نشاطا.و لا ينبغي السوال -بعد ذلک -عن شأن ذکر الأئمه عليهم السلام، في تاريخه، و هو بهذه الصغة!.

و بالرغم من هذه الدواعي الضخمة، الي الحذر و الاختصار، في تاريخ أئمتنا عليهم السلام؛ فقد فرض هولاء القادة انفسهم علي



[ صفحه 38]



المورخين، و تمثلث جملة من مواقفهم و اتجاهاتهم في کلام المورخين. الي حد نستطيع ان نستخلص منه أحد أمرين:

الاول: معرفة مدي رسوخ الذکر الصالح لأئمتنا (ع) في القواعد الشعبية الاسلامية بشکل عام، و تأکد أعمالهم و علومهم في أذهان الناس الي حد کانت المسوولية الأدبية التي يواجبهها المورخ في ترک التعرض لتاريخ الأئمة عليهم السلام، أقوي من ضغط الحکام و من التعصب المذهبي، و من کل سبب رخيص.

الثاني: الاستفادة مما ورد في ما ذکره هولاء المورخون، عن أئمتنا (ع) في التعرف علي بعض حوادث حياتهم و شي ء من علو مقامهم و تأثيرهم السياسي و الاجتماعي مما يکون مورد نفع کبير -بالرغم من اختصاره و وجود الفجورات الکبري فيه -فيما نعتقده فيهم عليهم السلام، و ما نريد ان نورخه من حياتهم.

القسم الثالث

المورخون الاماميون: و هم مورخو الأئمة (ع)، الذين يومنون بامامتهم و يعتقدون بقيادتهم و يستضيئون بافعالهم و أقوالهم. الا ان الحديث في تواريخهم لا يقل في شجونه عن الحديث في القسمين الأولين، و ان کانت شجونا بشکل آخر.

فانه لا يرد عليهم جملة من الاعتراضات التي کانت ترد علي اولئک المورخين، و السر في ذلک واضح: و هو ان الائمة عليهم السلام و تابعيهم، کانوا و لا زالوا يمثلون الجبهة الواعية المعارضة للجهاز الحاکم



[ صفحه 39]



علي طول التاريخ، و قد بذلوا في هذا السبيل کثيرا من التضحيات فمن غير المحتمل في المورخ الامامي اذا کان مخلصا غير منحرف، أن يکون تابعا للجهاز الحاکم الذي يعاديه و يثور عليه، أو أن يکون أجيرا له أو «عضو شرف» يعيش علي موائده. کما أنه من غير المحتمل ان يهمل ذکر الائمة (ع) تحت أي ظرف من الظروف،أو أن يجعل لهم في ذهنه زاوية مهملة أو في تاريخه قسطا قليلا، بعد أن کان يومن بهم أئمة و سادة و قادة و مثلا اسلاميين مبدابين.

الا ان الشجون تتمثل عندهم في عدة جوانب:

الجانب الاول: أخذهم بالتقية التي يومنون بها و يطبقونها في جوانب حياتهم. فان الضغط الذي عاشوه، کان يقلل من نشاطهم و يکفکف من أعمالهم، و يثير ليسهم الحذر و الکتمان. فيحملهم علي التلميح بدل التصريح و الاختصار عوض التطويل.

الجانب الثاني:ما تعرض له المسلمون بشکل عام، و الاماميون بشکل خاص، من القتل و التشريد علي أيدي أشرار خلق الله و أعداء دين الله. و کانت الحروب تنصب فيما تنصب عليه، علي المکتبات الفارهة الزاخرة، فيضاف الي اتلاف النفوس اتلاف الکتب، بالاغراق و الاحراق، لأجل قطع الأجيال المقبلة عن دينها المقدس و عن حديث نبيها و أئمتها و تاريخ أبطالها، وفقههم و عقائدهم.

و کانت أرقام الکتب التالفة، في کل حرب من حروب التتار و المغول و الصليبيين، يرتفع الي مئات الآلاف، فکيف بالمجموع؟!



[ صفحه 40]



و من العلوم أن تلف هذه الکميات الهائلة من الکتب، هو في الواقع، تلف لکميات هائلة من الثروة الفکرية الضخمة التي کان المجتمع المسلم زاخرا بها، من أول ايامه، ولم يبق منها اليوم الا القليل.

ومن هنا نحتمل، بل نستطيع أن نتأکد، انه کان لمورخي الامامية و علمائها، کلام أکثر، ونقل أزيد عن أئمتهم، سواء في الترجمة أو العمل أو غير ذلک من جوانب الحياة. و قد تلف أکثر ذلک و لم يرد الينا شي ء منه. و قد أصبنا نتيجة لذلک بمحل فکري، و حصل في تاريخنا الاسلامي فجوات موسفة، من الصعب علينا التأکد مما يلوها علي وجه التحديد.

و لکن النعمة الالهية و الحکمة الازلية، الثابتة بمقتضي وعد الله تعالي في کتابه الکريم بان بان يتم نوره و لو کره المشرکون، اقتضت بان يبقي من الکتب لسد ما هو الضروري من حاجات العقائد و التاريخ و الفقه و غيرها من الميادين الاسلامية.

الجانب الثالث: و هو ما يعود الي الاسلوب العام الذي مشي عليه مورخونا، في حدودما وصل الينا من الکتب السالمة من التلف.

و نحن بهذا الصدد نستطيع أن نقسم مورخينا الي قسمين:

القسم الاول:

من سار في أسلوبه التاريخي، علي غرار التاريخ العالم الذي مشي عليه الأولون قبلهم. کالمسعودي و اليعقوبي فقد ساروا - علي خلاف



[ صفحه 41]



اعتقادهم - علي ترتيب تسلسل الخلفاء الراشدين و الامويين و العباسيين، واسهبوا في بيان التاريخ السياسي للسطات الحاکمة، ولم يعطوا لتاريخ الأئمة الا القليل، و ان کان أکثر بقليل من کثير من المورخين.

و بذلک حرمنا هولاء المورخون، من التاريخ الامامي العام الذي يشمل سائر جوانب الحياة، الذي يعطي جانب الأئمة عليهم السلام و أصحابهم من الاهتمام و الشرح بقدر مايعطي الجهاز الحاکم، و يذکر للجميع أعمالهم و أقوالهم بتجرد و اخلاص، و يدع الحکم و التحليل للاجيال المقبلة. و لله في خلقه شوون.

القسم الثاني:

من سار في تاريخه، علي طريقة سرد الاحاديث و الروايات الواردة عن الأئمة انفسهم، بالشکل الذي وصلت الهيم علي طريقة الرواية المسندة عنهم عليهم السلام.

و هذا الذي ذکره هولاء المورخون، أمثال الشيخ الطوسي و الشيخ المفيد و الطبرسي و ابن شهر اشوب، هو المورد الوحيد الذي اغنانا بثروة مهمة من أخبار الأئمة (ع) و تراجمهم و أفعالهم و أقوالهم. و هو المصدر الاساسي الذي اذا رکن اليه الباحث، فانما يرکن الي تاريخ الأئمة ماخوذا من تابعيهم و ذويهم، لا من الآخرين الذين لا يعتقدون بهم، ولا يمتون اليهم في العقيدة بصلة.



[ صفحه 42]