بازگشت

الاتجاه العام للدولة


و نريد بالدولة..الجهاز الحاکم..خليفة ووزراء و قضاة و قوادا و محسوبين..يعطف علي ذلک من يسير في رکاب الدولة عقيدة و مصلحه بنحو من الانحاء..من افراد الشعب المسلم..الذي يمثل مع الدولة



[ صفحه 387]



خطا واتجاها واحدا محفوظا علي ترتب الأجيال و تطاول السنين.

و هذا الخط التاريخي الطويل، لا شک انه کان موجودا في هذه الفترة بأوضح صوره، شأنه في ذلک شأن الفترة السابقة. حيث أشرنا الي ان ضعف الخلافة في السياسة العامة، لا يعني بحال تخفيف الوطأة علي خط الأئمة عليهم السلام، لما قلناه من ان اتجاه الدولة العام ليس بيد الخليفة وحده، بل بيد مجموع الجهاز الحاکم.

الا ان الشي ء الذي يظهر من التاريخ الاسلامي العام، و تويده بعض القرائن التاريخية، هو أن الخلافة في هذه الفترة بالذات..کانت متسامحة الي حد ما، و غاضة للنظر عن الشعب المسلم المثل لخط الأئمة عليهم السلام.

فالمعتضد، و هو أقوي خلفاء هذه الفترة، و أکثرهم غلظة و سيطرة و قد تولي الحکم في أوائل هذه الفترة، بعد تسع سنين من وفاة الامام الحسن العسکري عليه السلام..و الجرح لما يندمل و العواطف لما تهدأ فکانت فترة خلافته من اعقد الفترات في الغيبة الصغري.

و لکن المعتضد، مع ذلک، لم يکن -کما سمعنا في الفصل الأول من هذا القسم -شديدا تجاه العلويين، و بالتالي تجاه سائر الخط الذي يمثله الشعب الامامي.فهو الذي رأيناه يعمم کتابا علي الناس في الطعن علي بني امية، حتي قال له بعض القضاة ما قال..و يسمح بتقسيم المال الذي ورد من محمد بن زيد العلوي في بلاد طبرستان، ليوزع علي آل ابي طالب سرا..فانکر المعتضد ذلک، و أمر الرجل باظهار



[ صفحه 388]



ذلک، و قرب آل ابي طالب.

و قد يدل علي هذا الاتجاه، ان المعتضد و من لحقه من الخلفاء في هذه الفترة و من يحف بهم من القواد، کانوا يحاربون العدو المشترک بينهم و بين خط الأئمة عليهم السلام.. وهو کل من القرامطة الذين سمعنا من عقائدهم عزمهم علي قتل کل من يخالف رأيهم في الامامة، أيا کان مذهبه. وهم -في حدود تلک الفترة-العامل الاشد و طأ علي الدولة و أقسي ضراوة علي المجتمع. و الخوارج، و هم أطول مدي و أعمق تاريخا و أرسخ تأثيرا علي المدي البعيد، و کانوا يکبدون الدولة الي جانب القرامطة، الشي ء الکثير.

الا ان الدولة- بالطبع - لم تکن تشعر بحال، عند منازلتها لهولاء الأعداء، انهم العدو المشترک بهذا المعني، و لا يهمهما أن يکونوا کذلک أو لا يکونوا. بل لعل الاتجاه العام للدولة، من هذه الناحية، مرکز حول کونها العدو المشترک للقرامطة و الخوارج من ناحية و لخط الأئمة عليهم السلام من ناحية اخري، و اقصي ما تدرک الدولة من الفرق بينهما، هو ان القرامطة و الخوارج حاقدون دائما، و مستحلون لقتل المسلمين علي طول الخط. في حين ان لخط الائمة روية و حکمة و تقية..لا ينافيها قيام الثورات منهم بين آن و آخر في مختلف البقاع الاسلامية.

علي ان الدولة تعرف بوضوح قرب خط الأئمة عليهم السلام الي قلوب المسلمين، و الي واقع التشريع الاسلامي. کما يبدو واضحا من تصريح القاضي يوسف بن يعقوب السابق. و قد دلت عليه القرائن.



[ صفحه 389]



التاريخية الکثيرة کما سمعنا في غضون البحوث السابقة. علي حين أن القرامطة و الخوارج، بعيدون عن الضمير الاسلامي و عن قناعة الجماهير المسلمة بفکرتهم و صواب رأيهم.

و لکن الدولة، علي أي حال، تدرک بشکل أو بآخر، قيامها بعمل مشترک مع خط الأئمة عليهم السلام أحيانا. وذلک: عند رفضها لعمالة جعفر بن علي، کما سبق أن سمعنا. و عند قتلها لابن ابي العزاقر علي يد الخليفة الراضي عام 322، [1] و عند قلتها للحسين بن منصور الحلاج علي يد المقتدر عام 309. [2] و کلا هذين الاخيرين قد ادعيا السفارة عن المهدي (ع) زورا.و کان لابي ابي العزاقر موقف عدائي کبير، علي ما سنسمعه.

هذا هو الخط العام لاتجاه الدولة، کما ترسمه هذه القرائن التاريخية. و لکننا يجب ان لا نتناسي في هذا الصدد عدة أمور، لا بد أن تدخل في نظر الاعتبار فقد يتغير الميزان حينئذ.

الأمر الأول: تصريح رواياتنا بان الامر کان حادا جدا في زمان المعتضد، و السيف يقطر دما-کما يقال - [3] و ان سنوات تلک الفترة علي وجه العموم (مليئة بالظلم و الجور و سفک الدماء) کما صرح به المستشرق رونلدسن. [4] .



[ صفحه 390]



الامر الثاني: جو التکتم المکهرب الذي کان يعيشه الشعب الامامي بشکل عام، و الخاصة منهم بشکل خاص، و السفراء الاربعة بنحو اخص. اذ کانت السفارة سرا بين الخاص من اهل هذا الشأن، و کان ما يحمل الي ابي جعفر-السفير الثاني -لايقف من يحمله علي خبره و لا حاله و انما يقال: امض الي موضع کذا و کذا فسلم ما معک من غير ان يشعر بشي ء. ولا يدفع اليه کتاب الوصول لئلا يتسرب الي الدولة شي ء من ذلک. [5] .

وقد سمعنا مقدار الخلفاء و التکتم الذي کان يلتزمه السفير الاول عثمان بن سعيد، حين کان ينقل المال في الجراب الدهن.. و مقدار التقيه التي کان يسير عليها السفير الثالث ابن روح، في حياته العامة.

و سياتي التعرض لتفاصيل هذا المسلک فيما يلي من البحث و الذي نريد التوصل اليه الان، هو ان هذا المسلک يدل لامحالة علي سببه. فان هولاء السفراء لو کانوا يشعرون بنسيم من الحرية او غض النظر من الدولة، في اي يوم من ايامهم لم تصل الحال الي هذا التکتم الشديد و الاخفاء المضاعف العميق. فهذا المسلک بنفسه، يدل بکل وضوح علي کل يشعر به هولاء من الضغط و المطاردة و المراقبة و من العقاب الصارم و النتائج الوخيمة لو ظهر منهم امر او حصلت الدولة تجاههم علي مستمسک خطير.

الأمر الثالث: مظاهر الاضطهاد الواسع للقواعد الشعبية الامامية



[ صفحه 391]



و لعدد من کبرائهم أيضا، يکفينا في ذلک العدد الضخم الذي ضبطه أبو الفرج في المقاتل [6] ممن قضت عليه الدولة من العلويين، وفيهم العظماء و الفقهاء. و نحن و ان ذکرنا قلة و جود الثورات الداعية الي الرضا من آل محمد خلال هذه الفترة، الا ان المصروعين تحت يد الدولة، مما لا يمکن احصاؤه.

الأمر الرابع: المطاردة الجادة للامام المهدي عليه السلام، و محاولة القاء القبض عليه مهما کلفها الأمر. و الدولة و ان اعتبرته في ظاهر قانونها شخصا غير معترف بوجوده، الا انها تعرف بوضوح - متمثلة الخليفة و بعض خاصته -کون المهدي عليه السلام هو المثل الحقيقي للحق و العدل الاسلامي المطلق، الذي بهز کيانها المنحرف من الصميم.

و من ثم کانت الدولة تجرد بين الحين و الحين، حملة لکبس داره و نفتيشها، ولم تکن تفلح في أي منها بالوصول الي غرضها المطلوب. وقد ورد في تاريخنا الخاص ثلاث حملات للکبس، نذکرها في مستقبل البحث انشاءالله تعالي، مضافا الي الانتباه المتواصل، و الاصغاء الدائم الي کل کلمة و کل عمل يشير اليه أو يدل عليه من قريب أو من بعيد.

فاذا کان رأي الدولة و مسلکها تجاه الامام القائد هو ذلک، فکيف رأيها و مسلکها تجاه قواعده الشعبية؟. و کم ستشعر هذه القواعد بالضغط و المطادرة، بمجرد ان تعرف -و هي دائما ملتفتة عارفة-



[ صفحه 392]



بمطاردة امامها و غيبة قائدها خوفا و تکتما من السلطات.

فهذه الامور تبرهن بکل وضوح، علي الجو المکهرب الذي کان يعيشه الشعب الموالي للامام عليه السلام، بالرغم من الهدوء و التسامح الظاهري الذي يعکسه التاريخ العام عن الدولة في تلک الفترة.

و من المستطاع القول، ان الدولة انما لم تنکل بهم، و تذيقهم ظلمة السجن و حر السيف بوضوح..لأنهم کانوا أبرع منها في تدبير أمورهم و اخفاء نشاطهم، الي حد لم تستطع عيون الدولة ان تصل الي شي ء صادر منهم يعد خطرا علي الدولة أو يدل من قريب أو بعيد علي وجود المهدي (ع).

و الدولة اذ تعدم ذلک، تکون بطبيعة الحال، أهدأ بالا، مما اذا عثرت علي شي ء من ذاک القبيل. ومن ثم استطاعت الدولة ان تحافظ علي هدوئها النسبي الظاهري خلال فترة الصغري، بفضل جهود السفراء و خواصهم بالاخفاء و التکتم، بحيث لا يظهر منهم ما يثيرها أو ينفرها.

و بعد هذه الجولة الموجزة في الاتجاهات العامة السائدة في المجتمع خلال هذه الفترة..لا بد لنا من الدخول في تفاصيل تاريخ الغيبة الصغري. فنتکلم أولا عن الوکلاء الأربعة في حياتهم الشخصية و وکالتهم و أسلوب نشاطهم، و نحو ذلک من الأمور. ثم نتکلم عن ظاهرة الوکالة المزورة التي أدعاها عدة أشخاص في تلک الفترة، مع الالماع الي اساليبهم



[ صفحه 393]



و طرق دفعهم و محاربتهم من قبل المهدي عليه السلام من ناحية، و من قبل الدولة من ناحية اخري. ثم نبدأ بالتکلم عن المهدي عليه السلام بشخصه، لنتعرف علي حياته و نشاطه و توجيهاته، خلال هذه الفترة. و هذا ما نعتمده خلال الفصول الآتية.



[ صفحه 395]




پاورقي

[1] الکامل ج 6 ص 241.

[2] المصدر ص 167.

[3] انظر الغيبة للشيخ الطوسي ص 179 و البحار ج 13 ص 84.

[4] عقيدة الشيعة ص 257.

[5] البحار ج 13 ص 82. و غيره من المصادر.

[6] راجع ص 487 و ما بعدها ج 3.