الاتجاه العام للامام المهدي
کان الاتجاه العام لسياسة الامام المهدي عليه السلام، في اتصاله بقواعده الشعبية، و قيادته لهم، علي ما يدلنا عليه تاريخنا الخاص..مندرجا في عدة نقاط:
النقطة الثاني: اقامة الحجة علي وجوده بشکل حسي واضح، لکي يکون مستمسکا واضحا أکيدا لدحض ماقد يثار من الشبهات و الاسئلة حول ولادته و وجوده.
[ صفحه 368]
و کانت هذه النقطة مما سار عليه والده الامام العسکري عليه السلام، کما عرفنا في تاريخ الفترة السابقة، حيث رأيناه يعرض ولده المهدي (ع) علي الخاصة من أصحابه، و ينص علي امامته بعده، و انه هو الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا.
و استمر المهدي عليه السلام سائرا علي ما سار عليه أبوه في ذلک لاستمرار الاسئلة و الاشکال عن قصد أو غير قصد، خاصة مع اختفاء الامام و غموض مکانه. و وجود الانحرافات بين أصحابه، کالذي عرفناه من عمه جعفر، و سمعناه و تسمعه عن الشملغاني و غيره.
و کان للمهدي (ع) لاثبات وجوده بالطريق الحسي الواضح عدة طرق:
الطريق الأول: تمکين عدد من الخاصة من مشاهدته عيانا و ايصاوهم بتليغ ما شاهدوه الي الناس، و خاصة القواعد الشعبية الموالية للامام عليه السلام.مع ايصائهم بکتمان المکان و غيره من الخصوصيات التي قد تدل عليه و تيسر للسلطات طريق الوصول اليه.
الطريق الثاني: اقامة المعجزة بطريق غير مباشر لبعض الأشخاص ممن لا يواجهه مباشرة. بارسال رسالة شفوية اليه عن طريق خادم أو غيره تتضمن اسم الشخص «ان کان مما ينبغي عادة ان يکون عادة ان يکون مجهولا.» ووصفه للمال الذي يحمله و البلد جاء منه و نحو ذلک، مما لا يمکن ان يصدر الا عن حجة الله تعالي علي خلقه.
الطريق الثالث: الاجوبة علي المسائل و حل المشکلات و قضاء الحاجات
[ صفحه 369]
عن طريق وکلائه بطريق منطقي حکيم منسجم مع اسلوب آبائه عليهم السلام في مثل هذه المواقف، بنحو يعلم بعدم تمکن السفير من أن يأتي بمثله أو ان يخطر علي باله. و خاصة اذا اقترف ذلک بأمر يجهله السفير أساسا، مما قد اثبته المهدي عليه السلام في توقيعه.
الطريق الرابع: التزام نحو معين من الخط، الذي کان يعرفه الخاصة من مواليه، و موالي عليهما السلام. فان اختلاف الخطوط باختلاف الأشخاص من أوضح الواضحات. و هو يستخدم علي التعرف علي صاحبه في مختلف المجالات، القانونية و الفقهية و غيرها.
فکان لخط الامام المهدي عليه السلام، مميزاته الخاصة التي يعرفها الخاصة، و التي لا يمکن تقليدها، کخط أي شخص آخر، حتي للسفير نفسه، علي انها کانت محفوظة بذاتها و متشاکله علي أيدي السفراء الأربعة، علي اختلاف خطوطهم الشخصية و طبائعهم النفسية. [1] .
فهذه هي العناوين العامة لهذه الطرق، و سيأتي التعرض للتفاصيل التاريخية في مستقبل البحث.
النقطة الثانية: الاختفاء عن السلطات اختفاء تاما، بحيث يتعذر وصولهم اليه، مهما کلفهم الأمر. و يتم ذلک بعدة طرق:
الطريق الاول: عدم تمکين المشاهدة، الا ممن يحرز فيه عمق الاخلاص و عدم افشاء السر الذي قد يودي الي الخطر.
الطريق الثاني: ايصاء الشخص المشاهد-تأکيدا لذلک -بعدم
[ صفحه 370]
الافشاء و الاحتياط من هذه الناحية علي امامه. بحيث يکون الفرد ذو مهمة مزدوجة، فهو يجب عليه التبليغ عن مشاهدة الامام عليه السلام کما يجب عليه الالتزام في اخباره و تبليغه بان لا يزلق الي ما لا يحمد عقباه.
الطريق الثالث: تحريم التصريح بالاسم، و منعه منعا تاما، الي حد يمکن أن يقال: انه کان مجهولا عن الکثير من الخاصة الموالية، فضلا عن سائر المسلمين، و خاصة من يمت الي السلطات بصلة.
و من هنا کان يعبر عنه الخاصة-عند الحاجة- بتعبيرات مختلفة تشير اليه اجمالا، و لا تعينه شخصيا..کالقائم، و الغريم، و الحجة، و الناحية و صاحب الزمان و نحو ذلک، و يتجنبون بالکلية التعرض لأسمه الصريح. فانهم «ان وقفوا علي الاسم اذاعوه و ان وقفوا علي المکان دلوا عليه». [2] .
الطريق الرابع: الاختفاء التام عن السلطات، و عن کل من لا يواليه..اختفاء تاما مطلقا. فلئن کان عليه السلام في غضون الغيبة الصغري، قد يجمتمع ببعض الموالين، فانه لا يجتمع بمن سواهم علي الاطلاق..الا ما کان لاقامة الحجة، و اظهار التحدي للسطات مع عدم امکان القاء القبض عليه، کما حدث لرشيق صاحب المادراي حين أرسلته السلطات للکبس علي دار المهدي عليه السلام في سامراء علي ما سوف نسمع.
[ صفحه 371]
الطريق الخامس: تحويل مکانه بين آونة و اخري، بنحو غير ملفت للانظار.
و هذا هو المستنتج من مجموع الروايات الدالة علي مکانه في الجملة. حيث تدل بعضها علي وجوده في مکان، و تدل بعضها علي وجوده في مکان ثان أو ثالث وهکذا.. و هذا صحيح باختلاف الازمان و تعدد الأيام و السنين خلال الغيبة الصغري..و سنسمع تفصيل ذلک في فصل آت من هذا التاريخ.
الطريق السادس: السکوت التام.. ومن ثم الغموض المطلق، بل الجهل الکامل بطريقة اتصال الوکيل الخاص عليه السلام. هل هو بطريق المواجهة، أو بطريق آخر، و أين تحدث المواجهة و کيف؟. ولو لم تحدث المواجهة فکيف تصل اجوبة المسائل و حلول المشکلات. کل ذلک کان مجهولا تماما لدي کل انسان مهما کان خاصا و مقربا، ما عدا السفير نفسه، الذي يضطلع بهذه المهمة.
ومن الممکن القول بان السفير کان منهيا عن التصريح به أساسا لکل أحد، و من ثم کان الشخص يقدم السوال ثم يأتي بعد يومين أو أکثر ليأخذ جواب سواله. و لم يرد في الروايات أي اشارة لطريقة استحصال الجواب من الامام عليه السلام.
الطريق السابع: ايکال الوکالة الخاصة، أو السفارة، الي اشخاص يتصفون بدرجة من الاخصلاص عظيمة، بحيث يکون من المستحيل عادة ان يشوا بالامام المهدي (ع)، أو ان يخبروا بما يکون خطرا
[ صفحه 372]
عليه و لو مزق لحمهم و دق عظمهم. و لا يتوخي بعد ذلک أن يکون السفير هو الاعمق فقها، أو الأوسع ثقافة. فان السفارة عن الامام عليه السلام لا تعني الا التوسط بينه و بين الآخرين، و لا دخل للافضلية الثقافية فيه. و من هنا قد تسند الوکالة الخاصة الي المفضول من هذه الجهة، توخيا لتلک الدرجة من الاخلاص.
و هذا هو الذي ذکر في بعض الروايات، حيث اعترضوا علي ابي سهل النوبختي، فقيل له: کيف صار هذا الأمر «أي السفارة» الي الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح دونک؟ فقال: هم أعلم و ما اختاروه. و لکن أنا رجل القي الخصوم و اناظرهم، و لو علمت بمکانه کما علم أبوالقاسم، و ضغطتني الحجة، لعلي کنت أدل علي مکانه و أبوالقاسم، فلو کان الحجة تحت ذيله و قرض بالقاريض ما کشف الذيل عنه. [3] .
النقطة الثالثة: قبض المال و توزيعه بواسطة سفرائه أو غيرهم.
و المال المقبوض يکون عادة من الحقوق الشرعية التي يعطيها أصحابها من الموالين للامام عليه السلام، في مختلف البلاد الاسلامية فکان اذا اجتمع عند قوم أموال من هذه الحقوق، أرسلوها بيد أحد امنائهم الي الناحية.
و قد يکون المال المقبوض هبة شخصية للامام عليه السلام، من قبل أحد مواليه، عينا أو ثوبا أو غير ذلک. و قد يکون المال موصي به من قبل أحد الأشخاص للايصال الي الامام (ع) بعد موته، أو غير
[ صفحه 373]
ذلک من الوجوه.
و هذه الأموال منها ما يصل الي الامام مباشرة، و منها ما يبقي في يد الوکيل، يوزعه بحسب نظر الامام و قواعد الاسلام.
کما ان حامل الأموال الي الامام، قد يوفق الي دفعها الي السفير مباشرة. و قد لا يستطيع حتي ذلک، بل يومر بوضع المال في مکان معين، يذهب بعده الي حال سبيله. و ذلک بحسب اختلاف الظروف و الأحوال التي يعيشها السفراء بشکل خاص و القواعد الشعبية الموالية بشکل عام. علي ما سوف نشير اليه في مستقبل البحث.
النقطة الرابعة: اجوبته عليه السلام علي الاسئلة التي کان ايصالها الي الامام (ع) من أهم مهام السفراء. و التي کانت تجتمع عند السفير بکثرة من مختلف طبقات الموالين.
و الجواب قد يکون توقيعا أي جملة مختصرة مکونة من بعض کلمات، و قد يکون مطولا مسهبا، بحسب ما يراه المهدي (ع) من مصلحة السائل و المجتمع.
تندرج في ذلک الاسئلة الفقهية و العقائدية التي کانت توجه اليه و الطلبات الشخصية کاستئذان بالحج و سواله عن ميلاد الولد أو التوفيق بين زوجين متشاکين. کما يندرج في ذلک مناقشاته للشبهات التي کانت قد تنجم بين الموالين، و للدعاوي الکاذبة بالسفارة عنه عليه السلام و لعن المدعي و کشف اتجاهاته المنحرفة.
کما يندرج في ذلک، ما خرج عنه عليه السلام، من الترحم علي
[ صفحه 374]
السفير الأول و تعزية ولده السفير الثاني. و ما خرج في بيان انقطاع السفارة بعد السمري السفير الرابع.. و غير ذلک من التوقيعات.. کما سيأتي التعرض لکل ذلک تفصيلا ان شاء الله تعالي.
النقطة الخامسة: قضاوه عليه السلام لحوائج الناس من قواعده الشعبية، من الناحية الشخصية.
يندرج في ذلک المال الذي يأخذه بعضهم من المهدي (ع) مباشرة اذا وفقوا للقائه. و المال الذي يأخذه الآخرون من السفراء أو غيرهم ممن يمت الي الامام بصلة، و هي بمجموعها، أموال مهمة لا يستهان بها.
کما يندرج في ذلک نصحه عليه السلام لمستنصحيه، بالقيام بعمل معين، کالحج أو غيره، أو الامتناع عنه؛ بحسب ما يري من المصلحة التي يتضح بعد ذلک للمسائل مطابقتها لمقتضي الحال. کما يندرج في ذلک، الاکفان و الحنوط و الأثواب التي کان يعطيها لبعض الخاصة مع الطلب أو بدونه. و ذلک قبل موت ذلک الشخص بقليل و سيأتي التعرض لتفاصيل ذلک فيما يلي من البحث.
النقطة السادسة: عدم التعرض في کلام المهدي عليه السلام، الي شي ء من الحوادث العامة في المجتمع أو في الدولة أو في الخارج، و ما يقوم به الخلفاء أو الوزراء أو الامراء أو القواد أو القضاة، أو غيرهم ممن له شأن أو ممن ليس له شأن.
فانه بالرغم مما عرفناه من وجود الحوادث المهمة في التاريخ العام.. تلک الحوادث التي أقلقت الدولة و کلفت المجتمع الشي ء الکبير.. و منها
[ صفحه 375]
ما حرک ضمير المسلمين، کقلع القرامطة للحجر الأسود و نقله الي هجر.
بالرغم من ذلک، لا نجد في کلامه و توقيعاته و توجيهاته عليه السلام، أي تعرض لهذه الحوادث علي الاطلاق أو أي تعليق عليها.و ذلک لمبررات ثلاثة مجتمعة أو متفرقة:
المبرر الأول:ان هذا الاعراض الکامل، يشکل احتجاجا صامتا و شجبا سلبيا، لمجموع الخط الذي يسير عليه الناس المنحرفون و ذوو المصالح الشخصية الصانعين لتلک الحوادث الممثلين لها علي مسرح التاريخ ابتداء من الدولة و انتهاء بقواعدها الشعبية..ذلک الخط المنفصل عن خطه عليه السلام، و المنهج المغاير لمنهجه..ذلک الخط الذي تشترک الدولة و اعداوها بالسير عليه والانتفاع به، فانهم مهما اختلفوا في شي ء فهم لا يختلفون في معادات الامام عليه السلام و انکار وجوده، و مطاردة قواعده الشعبية.
و المهم لديه، و هو المومل لاقامة الحق المطلق في الأرض، أن يهمل هذا الانحراف اهمالا تاما، و يتسامي عن مسايرته أو القول فيه أو التعليق عليه جملة و تفصيلا، حتي کان شيئا لم يحدث، و کان الموجود في الأرض ليس الا حقه المطلوب و اهدافه المنشودة.
المبرر الثاني: ان ديدن المهدي في بياناته و توقيعاته کان في الغالب مکرسا علي اجوبة الاسئلة التي کانت ترفع اليه من مواليه بواسطة سفرائه، و لم يخرج منه توقيع ابتدائي بدون سوال، الا نادرا فيما
[ صفحه 376]
يخص حال سفرائه، کالتعزية بسفيره الأول، و الاعلان عن انقطاع السفارة بموت الرابع.
و من هنا يصبح من المنطقي، ان نتوقع من المهدي عليه السلام تعليقا علي أحد الحوادث العامة، الا اذا سأله عنه بعض الموالين أو طلب منه التعليق عليه. و هذا مما لم ينقل في رواياتنا حدوثه.
و السبب في اهمال السوال عن هذه الأمور، هو: ان القواعد الشعبية الموالية للامام عليه السلام تنقسم الي قسمين:
القسم الاول:و هم الأکثر و الأغلب.. اناس يقل وعيهم و يتضاءل فهمهم الاجتماعي الي حد کبير. فهم و ان اطلعوا علي أحکامهم الدينية من الناحية الشخصية، علي مذهب أهل بيت عليهم السلام.الا انهم لم يکونوا مدرکين بوضوح، الاتجاه الاجتماعي و السياسي لأئمتهم عليهم السلام خاصة و لاحکام الاسلام عامة.
و خاصة، و ان التاريخ القريب الذي عاشوه، کان يذکي أوار الجهل و يوکد هذا التخلف فيهم. و ذلک لما عرفناه من السياسة العباسية في عزل الأئمة عليهم السلام عن قواعدهم الشعبية، و حجزهم في العاصمة و تقريبهم الي البلاط..لأجل الأغراض التي عرفناها و فصلناها..مما سبب نمو جيل من الشعب الموالي منفصل عن قادته و موجهيه، محروم من علومهم و وعيهم وثقافتهم.
و قد أصبح هذا الجيل، خلال الغيبة الصغري هو الجيل السائد الذي يمثل الأغلبية الکاثرة، الجاهلة..و من ثم لا ينبغي ان نتوقع من
[ صفحه 377]
مثل هذا لاجيل أن يسأل عن رأي الامام عليه السلام أو فتوي الاسلام في أي شي ء من الحوادث الاجتماعية أو الدولية.
القسم الثاني: وهم الأقل.. واعون مثقفون بتعاليم الأئمة السابقين عليهم السلام، و هم العارفون لاتجاهاتهم و طرق تفکيرهم و تدبيرهم..فمثل هولاء..أما أن يکونوا عالمين برأي الامام عليه السلام سلفا بدون حاجة الي سوال، و ذلک لوضوح اتحاد اتجاهه عليه السلام مع اتجاه آبائه. و هم يعرفون القواعد الاسلامية العامة التي يقيسون بها الأحداث الاجتماعية و الدولة، فالفرد منهم يسأل نفسه عن تفسير الاحداث و يجيبها، و يتخذ تجاها مسلکا موزونا بميزان وعيه وفهمه الاسلامي الذي تلقاه عن أئمة عليهم السلام، من دون حاجة الي تجشم موونة السوال.
و أما أن لا يکون الفرد من هولاء الخاصة عالما بالرأي الاسلامي في حادثة أو عدة حوادث..و لکنه مع ذلک لا يمکنه السوال عنها، لأن هولاء الخاصة معروفون للدولة، تراقب أعمالهم، و تحسب عليهم أقوالهم..و هذا يکون من أکبر الموانع عن السوال عن مثل تلک الأمور.
المبرر الثالث: خوف الامام المهدي (ع) علي قواعده الشعبية من عسف الدولة و ضيق الخناق، اذا وجد لديهم رأي الامام في أمر سياسي أو حادث اجتماعي. و ذلک باحد اعتبارين:
احدهما: ان التعليق اذا کان علي ما يمس الدولة من قريب أو بعيد، أو علي ما تويده من أشخاص أو احداث..کان ذلک أعلانا صريحا
[ صفحه 378]
للخلاف علي الدولة..الأمر الذي لا يعرض الفرد الذي وجد عنده أو سمع منه ذلک، للخطر فقط..بل يعرض جماعة کبيرة من متعلقيه بل سائر أفراد الشعب الموالي عليه السلام، الي انحاء من الخطر و أنواع من التهديد هم في غني عنه لو لا ذلک، و هو مما لا يريده لهم الامام المهدي عليه السلام، کما لم يکن يريده لهم آباوه عليهم السلام.
ثانيهما: ان تعليق الامام علي الأحداث سواء کان مما يوافق الدولة أو يخالفها، يدل علي وعي من وجد عنده أو سمع منه، بل يدل علي وعي جماعة ممن يکون بمستواه الثقافي، و الفکري، و هذا معناه -کما تدرکه الدولة بوضوح -کون الفرد و الجماعة، و علي مستوي الأحداث، و علي مستوي تحمل المسوولية، و اجابة نداء الحق و اطاعة تعاليم الامام المهدي (ع) علي أي مستوي من المستويات.
و هذا ما تخافة الدولة و تخشاه، بکل کيانها و طبقاتها، وتقف دونه بکل قوادها. فاذا عطفنا علي ذلک احساس الدولة بما يصدر عنها من ظلم وجهلها بقلة الواعين المخلصين، استطعنا ان نشعر بعظم الخطر و تفاقم الخطب.
و من ثم کان المهدي (ع) يري ضرورة التخلص من هذا الاحساس أساسا، و ذلک: بعدم اشعار الدولة بوعي الواعين من مواليه، تجنيبا لهم عن الاخطار، و تمکينا لهم بالاتصال بالناس بشکل أوسع، من أجل حفظ المصالح الکبري التي يتوخاها الامام المهدي (ع) في المجتمع.
[ صفحه 379]
و ان من أسهل الطرق لذلک، هو ان لا يوجد بينهم أو علي السنتهم أي نعليق «رسمي» علي أي حادث اجتماعي أو سياسي، و اذا وجد شي ء من ذلک فلا بد أن يبقي منحصرا في النطاق الخاص، محروسا عن الوصول الي الدولة أو الي أي عميل من عملائها، و من ثم نسمع أنه حين کان جماعة من الخاصة في مجلس السفير الثاني محمد بن عثمان العمري يتذاکرون شيئا من الروايات و ما قاله الصادقون عليهم السلام، حتي أقبل أبوبکر محمد بن أحمد بن عثمان المعروف بالبغدادي، ابن أخي أبي جعفر العمري (رض).فلما بصر به أبو جعفر، قال للجماعة: امسکوا فان هذا الجائي ليس من أصحابکم. [4] .
و الذي أود الالماع اليه في المقام مختصرا، هو ان ندرة التعليق الاجتماعي الواعي، من الامام المهدي عليه السلام، انما يدل علي وجود مثل هذه المصالح، و لا يدل علي کون الامام المهدي عليه السلام بعيدا عن الأحداث منصرفا عن تطورات المجتمع.
ولا نريد في المقام، ان نستشهد، بما نعتقده في الامام من العصمة و التعليم الالهي، و انه متي ما شاء أن يعلم فانه يعلم، کما لا نريد أن نقول بأن نفس فکرة السفارة و ما يترتب علي ذلک من المصالح لاکبر دليل علي استيعاب المهدي للاحداث، و وعيه الکامل للمشاکل و حلولها الاسلامية علي المستوي القيادي لاعلي المستوي الاعتيادي.
بل غاية ما نذکره هو الاشارة الي الروايات المتعددة الواردة في
[ صفحه 380]
تاريخنا الخاص، الدالة بکل وضوح علي ذلک. کترکه عليه السلام للجواب علي سوال شخص کان قد أصبح قرمطيا. [5] و کالذي قاله لعلي بن مهزيار الأهوازي في شأن أهل العراق [6] و کالبيان الذي صدر منه عليه السلام للشيخ المفيد عليه الرحمة، و قد تضمن جملة من الاخبار و الافکار [7] و قصة شقه لثوب المرجي [8] و غير ذلک من الروايات الدالة علي استعراض الامام المهدي عليه السلام للأحداث و متابعه للمشاکل الاجتماعية، و سيأتي تفصيل ذلک بما يزيده وضوحا و رسوخا.
فهذه هي النقاط الرئيسية للاتجاه العام الذي کان يلتزمه الامام المهدي عليه السلام ابان غيبة الصغري. استعرضناه بنحو الاختصار، و سيأتي تفصيل الحوادث المشار اليها، في الفصول الآتية من الکتاب.
پاورقي
[1] انظر للنموذج البحار ج 13 ص 95 و غيبة الشيخ الطوسي 216 و ص 220.
[2] الغيبة للشيخ الطوسي ص 222.
[3] انظر غيبة الشيخ الطوسي ص 240 و البحار ج 13 ص 98.
[4] الغيبة للشيخ الطوسي ص 256.
[5] الارشاد ص 332.
[6] الغيبة للشيخ الطوسي ص 161.
[7] انظر الاحتجاج ص 322.
[8] انظر منتخب الاثر ص 386. وغيره.