بازگشت

في التاريخ العام لهذه الفترة


تبدأ هذه الفترة التي نورخها: عصر الغيبة الصغري: بوفات الامام العسکري عليه السلام، في الثامن من شهر ربيع الأول عام 260، کما قلنا، و تنتهي بوفاة السفير الرابع ابي الحسن علي بن محمد السمري في النصف من شعبان، عام 329. [1] .

و هي سبعون عاما حافلة بالاحداث الجسام و التقلبات العظام انتقل فيها عمر التاريخ الاسلامي من عقده الثالث الي عقده الرابع. و انتقلت الوکالة الخاصة أو السفارة عن الامام المهدي عليه السلام بين أربعة من خيار خلق الله و خاصته، هم عثمان بن سعيد العمري و ابنه محمد بن عثمان، و الحسين بن روح، و علي بن محمد السمري، رضي الله عنهم و انتقلت الخلافة بين ستة من خلفاء بني العباس، بينهم المعتمد الذي عاصر وفاة الامام العسکري عليه السلام، و مبدأ الغيبة الصغري..



[ صفحه 346]



حتي عام 279، حيث آلت الخلافة الي المعتضد الي عام 289، فاستخلف المکتفي الي عام 295، و بعده المقتدر الي عام 320، ثم القاهر بالله حتي سنة 322، ثم الراضي بالله حتي عام 329 و هو عام وفات النائب الرابع السمري عليه الرحمة. و نهاية العهد الذي نورخ له.

و الخطوط العامة للمجتمع، هي ذاتها التي عرفناها في التاريخ العام السابق الذي عرفناه..فضعف الخلافة يتفاقم بمضي الاعوام، و لئن کان سيطرة الموالي و الأتراک علي دفة الحکم، و تأثيرهم في نصب الخليفة و عزله، في الفترة السابقة، ملفتا للنظر، باعتبار کونهم جديدوا عهد بمثل هذا العمل. فقد أصبح تأثيرهم في هذا التاريخ طبيعيا و أمرا حتميا، فهم القواد و المحاربون و المالکون للأطراف و المتصرفون بشوون الدولة، و خاصة الخلفاء حينا و اعداءهم أحيانا، و الموثرون في عزل الخليفة و نصبه بکل بساطة و وضوح. بل من المستطاع القول..بانهم بالرغم من کونهم شجي من حلق الخلافة، الا انهم الساعد الايمن لها و المستفيد منها، و المتاجر باسمها في طول البلاد و عرضها.

و قلما يموت الخليفة حتف انفه. فالمعتمد يکثر من الأکل في عشاء علي الشط ببغداد، فيموت مبطونا. [2] و المعتضد يموت مسموما من قبل أحدي جواريه أو غيرها. [3] و المقتدر يموت بشر قتله من قبل قوم من المغاربة و البربر، و کان منفردا منقطعا عن أصحابه، فشهروا



[ صفحه 347]



سيوفهم في وجهه، فقال لهم: و يحکم انا الخليفة! فقالوا قد عرفناک يا سفلة..انت خليفة ابليس.. و قتلوه و اخذوا جميع ما عليه حتي سراويله، و ترکوه مکشوف العورة الي ان مر به رجل من الاکرة فستره بحشيش ثم حفر له موضعه و دفن وعفي قبره. [4] .

و القاهر ثار عليه جماعة من القواد الساجية و الحجرية، و اقتحموا عليه قصره، فلما سمع القاهر الأصوات و الجلبة، استيقظ مخمورا و طلب بابا يهرب منه..ولا زال يماطلهم منفردا حتي أدرکوه و قتلوه. [5] .

و هذا القاهر، هو الذي ذاق طعم الخلافة لمدة يومين في غضون أيام سلفه، حيث خلع المقتدر و شهد جماعة علي خلعه، و ذلک بايدي بعض القواد الموالي و الوزراء. و لکن القاهر حين رأي المقتدر راجعا الي دست الخلافة قائلا له: يا أخي قد علمت انه لا ذنب لک، و انک قهرت.. ولو لقبوک بالمقهور لکان أولي من القاهر. بکي القاهر و قال: يا أميرالمومنين نفسي نفسي..اذکر الرحم التي بيني و بينک. [6] .

و أما حال الوزارة و الوزراء، الذين يتناوبون علي دست الحکم، و سرعان ما يبدو فشلهم في معاملة الناس و في توزيع الأموال و تدبير الشوون السياسية، فيعزلون. و قد يذوقون بعد العزل صنوف العذاب و السجن و نهب الأموال.. فحدث عن هذه الحال و لا



[ صفحه 348]



حرج..بما يطول المقام في ذکر تفاصيله.

و الصعوبات و الحروب المتکررة التي تتکبدها الدولة من الخوارج کثيرا، ومن الاکراد [7] و الاعراب [8] أحيانا، و من الخارجين عليها الطامعين في الملک و الغلبة علي الأطراف دائما..قائمة باستمرار علي قدم و ساق.

و الفتح الاسلامي، لا زال تجاريا لا يقصد به الا السلب و النهب و الغارة. و يعتبر بالنسبة الي الدولة موردا ضخما، يصرف اکثره في الخلافات الداخلية و المصالح الشخصية. و لم يکن الفتح محل عناية الدولة أکثر من ذلک، الي حد أصبحنا نسمع انه ضعفت الثغور الجزرية في أيام المقتدر عن دفع الروم عنهم: کملطية و ميافارقين و آمد وارزان و غيرها، و عزموا علي طاعة ملک الروم و التسليم اليه لعجز الخليفة عن نصرهم، و أرسلوا الي بغداد يستأذنون في التسليم و يذکرون عجزهم و يستمدون العساکر لتمنع عنهم..فلم يصغ اليهم أحد. فعادوا خائبين. [9] لأن العاصمة علمت ان هذا الموقف لن يکون تجاريا، و انما هو لاجل انقاذ حقيقي لمنطقة اسلامية من براثن الاستعمار الکافر.

و الحروب في أطراف الدولة الاسلامية، بين الطامعين و المترأسين، قائمة علي قدم و ساق بنحو خارج عن اختيار العاصمة و أمرها، علي الاغلب، و تکون هذه الحروب هي الحکم الفصل في ابراز أمير و فشل



[ صفحه 349]



أمير. يکفيک ما کان يقوم به يعقوب بن الليث الصفار في بلاد فارس و الأهواز الي ان مات عام 265 فآلت قيادة الحروب الي أخيه عمرو [10] و ما يقوم به الجخستاني و خلفه رافع بن هرثمة في هراة حتي قتل عام 279. [11] و ما عمله الخلنجي بمصر [12] عام 292 و ما بعده، و الحسين بن حمدان عام 303. [13] و الحروب الطاحنة التي عملها مرداويج في فارس، حتي ملک طول البلاد و عرضها و هتک المحارم و طغي و عمل له سريرا من ذهب يجلس عليه، و سريرا من فضة يجلس عليه أکابر قواده، و خافه الناس خوفا شديدا. [14] حتي قتله خدمه في الحمام عام 323. [15] .

اذن فالخطوط العامة الرئيسية هي بذاتها موجودة، و الناس هم الناس، و انما المهم ان نتعرض لبعض التفاصيل التاريخية التي يختص بها هذا العصر. و هي عدة أمور:

الأمر الأول: انتقال الخلافة الي بغداد، و اعراضها عن سامراء اعراضا تاما. حيث بويع للمعتضد ابي العباس بن الموفق في بغداد عام 279 [16] و بقيت سامراء لقمة سائغة للاضمحلال و الفناء. و قد حاول



[ صفحه 350]



المکتفي عام 290 الرجوع اليها، فصرفه وزيره عن ذلک لجسمامة الأموال التي يجب أن تصرف فيها قبل انتقاله. فبقيت سامراء علي الخوء و التخلف.

الأمر الثاني: شهد هذا العصر، نهاية صاحب الزنج، علي بن محمد بعد ان عاث في البلاد الفساد و قتل و أحرق و استعبد الشي ء الکثير حيث قتل عام 270. [17] و قد خلف قتله الشعور بالسرور و البهجة في المجتمع، و قيلت في ذلک الأشعار. [18] .

و کان أعظم من بلي في قتاله بلاء حسنا طلحة بن المتوکل الموفق و ابنه المعتضد بالله و لولو غلام أحمد بن طولون الذي انشق علي مولاه. و قد سبق ان ذکرنا ان الحروب التي قام بها المعتضد في هذا المضمار اهلته للخبرة و القوة و الالتفات الي السياسات العامة، و الادارة التي طبقها في اثناء خلافته.

ومن طريف ما ينقل عن المعتضد انه بالرغم من قسوته المظلمة و استهانته بالدماء، و آلام التعذيب خلال خلافته، [19] کان متسامحا مع العلويين، حتي انه ورد من محمد بن زيد من بلاد طبرستان مال ليفرق في آل ابي طالب سرا، فغمز بذلک الي المعتضد، فاحضر الرجل الذي کان يحمل المال اليهم، فانکر عليه اخفاء ذلک، و امره باظهاره



[ صفحه 351]



و قرب آل ابي طالب. [20] .

و انما کان ذلک بسبب رويته في المنام أميرالمومنين عليه السلام، حيث بشره بمصير الخلافة اليه، و اوصاه بولده خيرا، فقال له المعتضد: السمع و الطاعة يا أميرالمومنين. [21] .

و هو الذي عزم علي لعن معاوية بن ابي سفيان علي المنابر، و أمر بانشاء کتاب يقرأ علي الناس [22] يذکر فيه الشي ء الکثير من مثالب بني امية، و الأحاديث النبوية، و الآيات القرآنية في الطعن فيهم، و وجوب البراءة منهم. و بقي مصرا علي کلامه، حتي قال له القاضي يوسف بن يعقوب: فما نصنع بالطالبيين الذين يخرجون من کل ناحية و يميل اليهم خلق کثير من الناس لقرابتهم من رسول الله (ص). فاذا سمع الناس ما في هذا الکتاب من اطرائهم کانوا اليهم اميل و کانوا هم أبسط ألسنة و أظهر حجة منهم اليوم. فامسک المعتضد ولم يأمر في الکتاب بعد ذلک بشي ء. [23] .

و من طريف ما ينقل عن المعتضد [24] انه في عام 284 ظهر له شخص في صور مختلفة في داره. فکان تارة يظهر في صورة راهب ذي لحية بيضاء و عليه لباس الرهبان، و تارة يظهر شابا حسن الوجه ذا لحية



[ صفحه 352]



سوداء بغير تلک البزة. و تارة يظهر شيخا أبيض اللحية ببزة التجار. و تارة يظهر بيده سيف مسلول و ضرب بعض الخدم فقتله!! فکانت الأبواب توخذ و تغلق فيظهر له أين کان في بيت أو صحن أو غيره. و کان يظهر له في أعلي الدار التي بناها. فأکثر الناس القول في ذلک و استفاض الأمر و اشتهر في خواص الناس و عوامهم، و سارت به الرکبان، و انتشرت به الأخبار، و القول في ذلک علي حسب ما کان يقع في ذهن واحد منهم.

و المظنون ان هذه الظاهرة، ليست من الجن، و لا الشياطين، و لا من اختلال في العقل، و انما هو نتيجة للاحساس بوخز الضمير نتيجة للظلم و القسوة التي کان يستعملها تجاه الناس. بنحو کان يشعر انها من مقومات شخصيته و ملکه و لا يمکنه التخلي عنه، اذن فهو مضطر الي عصيان صوت الضمير و تحمل و خزه في کل وقت. و اذا تفاقم الشعور بالاثم فقد يصل الي مثل هذا الخيال. اذ قد يتجسد له بعض الذين قتلهم بين يديه تحت التعذيب، حتي ليحسبهم حقيقة واقعة.

و من المعلوم ان هذا الوهم يتبع شخص المعتضد حيث وجد و لا تحول دونه الأبواب و الأقفال و الحراسة المشددة. و من أجل ذلک کانت تختلف ازياء هذا الشبح و أحواله، بحسب اختلاف اتجاه تفکير المعتضد في خلوته.

و أما أن هذا الشبح قد قتل أحد الخدم بسيفه، فهذا مما لا يمکن تصديقه، و انما هو من النسج الذي اضيف اليه من قبل الناس، حينما



[ صفحه 353]



تداولوا هذه الحادثة و سارت بها الرکبان.

الأمر الثالث: مما اختص به هذا العصر:

انه شهد نهاية الدولة الطولونية في مصر. فانها کانت قد بدأت عام 254 في عهد المعتز باحمد بن طولون الترکي، حيث ولاه عليها بايکبال الترکي، من قبل الخلافة العباسية، علي ما سبق. وبقي مالکا لمصر و سوريا، متحديا للعاصمة أحيانا [25] حتي مات مبطونا عام 270. [26] فخلفه ابنه خمارويه [27] الذي اصهر اليه المعتضد عام 279. [28] و بقي مستمرا علي ملک ابيه الي أن قتله مخمورا بعض خدمه، و منهم من شرح لحمه من افخاذه و عجيزته،وأکله السودان من مماليکه. [29] .

و بقيت الدولة الطولونية حتي عام 292 حيث استولي الخليفة المکتفي علي دولتهم و أموالهم، و ولي علي مصر عيسي النواشري، [30] و انقرضت بذلک دولتهم و زال ملکهم بعد أن لعبت دورا في التاريخ حوالي الأربعين عاما.

الأمر الرابع: ظهور شخص في شمال افريقيا يدعي انه هو المهدي، و انه من ذرية اسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق (ع)، وهو جد الفاطميين في مصر، و قد استولي علي دولة واسعة الارجاء عام



[ صفحه 354]



296، [31] بعد ان مهد له أبو عبدالله بن أحمد بن محمد بن زکريا الشيعي،من أهل صنعاء وقضي علي دولة آل الأغلب في تلک المنطقة، و طرد آخر امرائها زيادة الله بن محمد [32] و ملک قسما کبيرا من الشمال الافريقي بما يقابل ليبيا و تونس و الجزائر من الدول الحاضرة.

و بعد ان استتبت له الأمور و خافته القبائل، اخرج رجلا يدعي بعبيدالله بن الحسن من سجنه في سجلماسة، و اعلنه مهديا و تبرع له بکل ملکه، فاستقامت له البلاد و دانت له العباد، و باشر الأمور بنفسه و کف يد ابي عبدالله الشيعي مما کان عليه، و يد اخيه ابي العباس فسعي أبو العباس الي التشکيک في مهدويته، قائلا: ان هذا ليس الذي کنا نعتقد طاعته و ندعو اليه، لأن المهدي يختم بالحجة و يأتي بالآيات الباهرة، فأخذ قوله بقلوب کثير من الناس، منهم انسان من کتامة يقال له: شيخ المشايخ، فواجه المهدي بذلک و قال: ان کنت المهدي فاظهر لنا آية فقد شککنا فيک. فلم يکن من هذا المهدي!! الا ان قتله. [33] و علي أي حال فقد باشر الفتح الاسلامي مستقلا عن سلطات بغداد، و حاول احتلال مصر مرتين، فلم يفلح، نتيجة لما کانت تبذله الخلافة العباسية في دفعه. کانت اولاهما عام 301، [34] و ثانيهما عام



[ صفحه 355]



307. [35] واحتل قسما من المغرب عام 315. [36] و بني مدينة محصنة سماها المهدية، و جعلها عاصمة لملکه، و جعل لها سورا محکما و ابوابا عظيمة، وزن کل مصراع مئة قنطار. و کان ابتداء بنائها يوم السبت الخامس من ذي العقدة سنة 303. [37] و بقي علي ذلک الي ان توفي عام 322. [38] و خلفه ولده محمد الملقب الي ان توفي عام 333 [39] بعد أن قاتل أبا يزيد الخارجي قتالا مريرا. [40] .

و من الطريف ان تقع دولة هذا المهدي المدعي في غضون الغيبة الصغري للمهدي المنتظر عليه السلام. و قد سبق ان أشرنا في بعض ابحاثنا الي ان هذه الدعوي للمهدوية، و امثالها مما کانت علي مدي التاريخ، انما هي استغلال منحرف لايمان الامة بالمهدي الذي بشر به النبي (ص). و لسنا الآن و نحن في مقام العرض التاريخي، بصدد مناقشة هذه الدعوي و انما نحيلها الي ابحاثنا الأخري.

و انما نقتصر في المقام علي القول: اننا لا نعني بالمهدي الا ذلک القائد الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا و يحکم البشرية جمعاء بالعدل الاسلامي فکل مدع. للمهدوية اذا انقضت حياته و لم يتوفق لهذا الهدف، فليس هو المهدي المقصود.



[ صفحه 356]



الأمر الخامس: ظهور القرامطة، بما کبدوا الشعب المسلم من انحراف و دماء، و ما کبدوا الدولة العباسية من أموال و نفوس.

و يحسن الآن التکلم مجملا في عقائدهم أولا و في أعمالهم ثانيا، لنکون علي خبرة کافية عنهم، تنفعنا في مستقبل البحث.

أما عقائدهم: فالذي يظهر من کتب الفرق کالنوبختي، و سعد بن عبدالله الأشعري، انهم فرقة من الاسماعيلية يومنون بسبعة أئمة هم: علي بن ابي طالب، و الحسن، و الحسين، و علي بن الحسين، و محمد بن علي و جعفر بن محمد، و محمد بن اسماعيل بن جعفر. و هو الامام القائم المهدي و هو رسول. و هو حي لم يمت و انه في بلاد الروم و معني القائم عندهم انه يبعث بالرسالة و بشريعة جديدة ينسخ بها شريعة محمد (ص). و ان محمد بن اسماعيل من أولي العزم من الأنبياء. و هم -عندهم -نوح و ابراهيم و موسي و عيسي و محمد و محمد بن اسماعيل.

و زعموا ان محمد بن اسماعيل هو خاتم النبيين الذي حکاه الله عزوجل في کتابه، و ان الدنيا اثنا عشر جزيرة، في کل جزيرة حجة و ان الحجج اثنا عشر و لکل حجة داعية و لکل داعية (يد). يعنون بذلک ان اليد رجل له دلائل و براهين يقيمها. و يسمي الحجة الأب و الداعية الأم، واليد الابن. يضاهون قول النصاري في ثالث ثلاث.

و هم من الباطنية القائلين بأن جميع الأشياء التي فرضها الله تعالي علي عباده و سنها نبيه (ص) و أمر بها، فلها ظاهر و باطن. وان



[ صفحه 357]



جميع ما استعبدالله به العباد في الظاهر فامثال مضروبة و تحتها معان. هي بطونها، و عليها العمل و فيها النجاة. و ان ما ظهر منها ففي استعماله الهلاک و الشقاء.

قالت المصادر: و هذا أيضا مذهب عامة أصحاب ابي الخطاب و استحلوا اعراض الناس بالسيف و قتلهم..و اعتلوا في ذلک بقول الله عزوجل: اقتلوا المشرکين حيث وجدتموهم. ورأوا سبي النساء و قتل الأطفال، و اعتلوا في ذلک بقول الله تبارک و تعالي: لا تذر علي الأرض من الکافرين ديارا. و زعموا انه يجب عليهم أن يبدأوا بقتل من قال بالامامة من ليس علي قولهم، و خاصة من قال بامامة موسي بن جعفر و ولده من بعده. و تأولوا في ذلک قول الله تعالي: قاتلوا الذين يلونکم من الکفار. [41] .

و ذکر برو کلمان: انهم يومنون بالشرکة بالأموال، و بالتأويل الباطني للشريعة، و يعدون المريد اعدادا ليأخذ بالطاعة العمياء للجماعة و لروسائه، و حرر من جميع القيود العقائدية، و من جميع اغلال القانون في وقت واحد. [42] .

و ذکر لهم ابن الأثير صلاة خاصة تختلف عن صلاة سائر المسلمين، و آذانا يختلف عن آذانهم، يذکرون فيه الانبياء من اولي العزم واحدا واحدا



[ صفحه 358]



و ذکر ان قبلتهم بيت المقدس و عطلتهم يوم الاثنين. [43] .

و لکنه ينقل في موضع آخر [44] عن رجل منهم أعرب عن عقيدته أمام السلطات، فذکر انه لا بد لله من حجة في أرضه، و ان امامهم هو المهدي المقيم ببلاد المغرب. و هو عبيدالله بن الحسن الذي أشرنا اليه فيما سبق. و قد کان معاصرا لهم في ذلک الحين. الا ان حرکة القرامطة أسبق من حرکة هذا المهدي المدعي، فان حرکته کانت عام 296 کما عرفنا. في حين ان ظهور القرامطة في ابتداء أمرهم بسواد الکوفة، کان قبل ذلک بثمانية عشر سنة، عام 278. [45] .

و يدل علي اعتقادهم أيضا بامامة عبيدالله بن الحسن، ما سنسمعه من تعنيفه للقرامطة علي قلعهم للحجر الأسود من الکعبة، بحيث أوجب ارجاعهم له علي أثر ذلک. و قد ينافي في اعتقادهم هذا ما عرفناه من ايمانهم بکون محمد بن اسماعيل بن جعفر بن محمد، هو المهدي. مع العلم انه لا يحتمل وجود مهديين في العالم، و يبعد جدا اعتقادهم بذلک..و الله العالم بحقائق الامور.

و اما اعمالهم: فانه لم يکد المجتمع المسلم يشعر بالراحة، بعد القضاء علي صاحب الزنج، عام 270 کما عرفنا، حتي ابتلي من جديد بحرکة القرامطة بعد ثمانية سنوات من هذا التاريخ.



[ صفحه 359]



و کانوا يتصفون بالصرامة و الشدة و الاستهانة بالدماء، الي حد لم يکن ليقف أمامهم جيش مقاتل، أو تصمد أمامهم مدينة محاربة. و کان مجرد احتمال مهاجمة القرامطة لبعض المناطق يوجب بث الرعب في الناس، وانهيار معنوياتهم الي حد کبير.

و قد کبدوا العراق و سوريا و البحرين، تضحيات جليلة. الي ان قتل قائدهم (صاحب الشامة) بعد القبض عليه و تعذيبه عام 291 [46] و شيخهم زکروية بن مهروية عام 294. [47] و کبيرهم في البحرين أبو سعيد الجنابي عام 301. [48] و معني ذلک ان صاحب الشامة و زکرويه قتلا قبل حرکة المهدي المغربي عام 296.

و لکن ذلک لم يفل من عزمهم، اذ شهد عام 311 مأساة البصرة التي أحدثوها بقيادة ابي طاهر سليمان بن ابي سعيد الهجري القرمطي فقد وضع السيف في أهل البصرة و قتل خلقا کثيرا و طرح الناس انفسهم في الماء فغرق أکثرهم. و أقام أبو طاهر سبعة عشر يوما يحمل ما يقدر عليه من المال والامتعة و النساء و الصبيان [49] ثم هاجم الکوفة هجوما مميتا عام 315. [50] .

و أما هجومهم علي قوافل الحجاج و ابادتهم لهم، أعواما متعددة



[ صفحه 360]



فحدث عنه ولا حرج. بدأت عام 294 بقيادة زکرويه، حيث غدروا بقافلة خراسانية للحجاج و قتلوهم عن آخرهم. و بقي يقاتل القوافل حتي جمع القتلي کالتل. و أرسل خلف المنهزمين من يبذل لهم الامان فلما رجعوا قتلهم و غنموا مليوني دينار. و کان في جملة ما أخذوا فيها أموال الطولوبية و انشابهم. [51] و تکرر عام 312 حين نهب أبو طاهر القرمطي قوافل الحجاج، و أخذ جمال الحجاج جميعها و ما أراد من الامتعة و الأموال و النساء و الصبيان، و عاد الي هجر. و ترک الحجاج في مواضعهم، فمات أکثرهم جوعا و عطشا من حر الشمس. [52] .

فتسببوا في هذا العام الي أن لا يحج من الناس أحد. [53] و في العام الذي يليه 313، جبي القرامطة ضريبة من الحجاج و کفوا عنهم فساروا الي مکة [54] .

و تکللت هذه الجرائم عام 317، بالهجوم المباشر علي مکة المکرمة و قتل الحجاج و نهبهم، و سفک الدماء في المسجد الحرام و طرح القتلي في بئر زمزم، و أخذ أبو طاهر کسوة البيت فقسمها بين أصحابه و نهب دور أهل مکة، و قلع الحجر الأسود و انفذه الي هجر [55] حيث بقي ثلاثين سنة. [56] .



[ صفحه 361]



قالوا: فلما بلغ ذلک المهدي أبا محمد عبيدالله العلوي بافريقية کتب اليه ينکر ذلک و يلويه و يلعنه و يقيم عليه القيامة!. و يقول: قد حققت علي شيعتنا و دعاة دولتنا اسم الکفر و الالحاد بما فعلت و ان لم ترد علي أهل مکة و علي الحجاج و غيرهم ما أخذت منهم و ترد الحجر الأسود الي مکانه و ترد کسوة الکعبة، فأنا بري ء منک في الدنيا و الآخرة.

فلما وصله هذا الکتاب أعاد الحجر الأسود، و استعاد ما أمکنه من الأموال من أهل مکة فرده. و قال: ان الناس اقتسموا کسوة الکعبة و أموال الحجاج و لا أقدر علي منعهم. [57] .

و في هذا دلالة واضحة علي تبعية القرامطة للمهدي الافريقي و کونهم القائمين بنشر دعوته و قتل مخالفيه في الشرق. و من ثم صح له ان ينصب من نفسه قيما علي أعمالهم و مشرفا علي تصرفاتهم. و کأنه لم يجد من أعمالهم شيئا منکرا الا قلع الحجر الأسود. ولله في خلقه شوون.

و علي أي حال، فمن المستطاع القول، ان أکثر هذه الفترة التي نورخ لها، کانت مسرحا لعبث القرامطة بين مد و جزر.

الأمر السادس: من خصائص هذا العصر، انه شهد ميلاد الدولة البويهية، عام 321، [58] حيث اتسعت قيادة و سيطرة عماد الدولة علي بن بويه في فارس، و توسع ملک الدولة البويهية نتيجة ذلک، في ظروف



[ صفحه 362]



لسنا الآن بصدد تفصيلها.

الأمر السابع: قلة عدد الثوار العلويين في هذه الفترة، التاريخية فاننا قد لا حظنا في الفترة السابقة کثرة عدد الثوار منهم، حيث قارب عدد القائمين بالسيف، ممن وصلنا ذکره منهم: العشرون ثائرا في أقل من نصف قرن. بينما نري ان السبعين سنة التالية، وهي الفترة التي نورخ لها الآن، تکاد تکون خالية من ذلک الا في حدود الأفراد القلائل.

و أبو الفرج الاصبهاني، و ان ذکر في المقاتل لهذه الفترة عددا من المقتولين، الا ان من باشر الحرب منهم لا يزيد علي اثنين أو ثلاثة. و الباقون کلهم بين ميت في السجن و بين مقتول بسيف القرامطة أو بسيف الدولة العباسية بدون حرب. [59] .

و يعود السبب في ذلک الي امرين:

الأمر الأول: استغراق أکثر هذه الفترة بحروب القرامطة و تحرکاتهم ضد الدولة. و من الواضح ان کل ثورة تحدث في معارضة الدولة في ذلک العصر، فانها تنسب من قبل دعايات الدولة الي تأييد القرامطة و ممالاتهم و الاشتراک معهم ضد الجهاز الحاکم. و هذا ما لا يريده الثوار لأنفسهم.. کيف لا، و هم يعلمون ان القرامطة مختلفون معهم في العقيدة، و يستحلون دمائهم، بل يبدون بقتلهم قبل غيرهم، لما عرفنا من تأولهم لقوله تعالي: قاتلوا الذين يلونکم من الکفار. و قد



[ صفحه 363]



قتلوا بعضا منهم في طريق مکة. [60] فاتهامهم بتبعية القرامطة، کمات حدث لاثنين منهم [61] أمر غير صحيح.

الأمر الثاني: و هو -بکل تأکيد-أهم من السبب الأول. و هو انتهاء زمن ظهور الأئمة المعصومين عليهم السلام و انقطاع اتصالهم بالناس، بأول يوم من وفاة الامام العسکري عليه السلام و ابتداء الغيبة الصغري التي نعرض الآن لتاريخها.

و قد عرفنا في تاريخ الفترة السابقة، مدي تأثير وجود الأئمة عليهم السلام و توجيههم المباشر و غير المباشر للثورات الداعية الي الرضا من آل محمد (ص). بنحو استطاع الأئمة (ع) ان يخفوه عن السلطات تماما، و من المعلوم ما للأئمة عليهم السلام من مکانة في المجتمع الاسلامي و تأثير معنوي في النفوس. و تأريخ جليل حافل بجلائل الأعمال، مما يوفر لکلامهم و توجيههم و خاصة في نفوس الثائرين الغاضبين علي الظلم و العصيان، طريقا مهيعا للاندفاع و التأثير.

و أما في هذه الفترة، و بعد ان غاب آخر الأئمة المهدي عليه السلام و انقطع عن الاتصال بالناس و الاحتکاک بقواعده الشعبية..فقد تضاءل ذلک الدافع الثوري و التوجيه القوي الي التمرد و القيام بالسيف.

و أما الوکلاء الأربعة، الذين امسکوا بازمة الأمور في هذه الفترة



[ صفحه 364]



و کانوا همزة الوصل بين الامام و قواعده الشعبية، فهم و ان کانوا في غاية الورع و الصلاح، الا انهم علي أي حال لا يتمتعون بمثل مکانة الأئمة عليهم السلام في قلوب المجتمع المسلم. علي انه لم يکن من المصلحة عن الاطلاق ان يصدر منهم الأمر بالتمرد و توجيه الثورات و لو بشکل سري و غير مباشر. و ذلک: لأجل المحافظة علي المصالح التي کانوا يقومون بها بين قواعدهم الشعبية، و هم يعلمون - في حدود الظروف المعاشة يومئذ-ان هذه الثورات لن تکون أحسن حالا من سوابقها التي باءت بالفشل و أخمدت في مهدها. اذن فالتعرض للثورة أو التحريض عليها، لن ينتج الا التغرير بحياة الوکلاء، و التضحية بخيط الاتصال بالامام الغائب (ع)،و التغرير بمصالح القواعد الشعبية الموسعة التي أو کلت اليهم قيادتها، و هي مهام جسام لا تعادل التحريض علي ثورة معلومة الفشل و الخسران.

مضافا الي ان استقلال الوکلاء عن المهدي (ع) بالتحريض أمر غير صحيح بطبيعة الحال، و مناف لوظيفتهم الاجتماعية الاسلامية. و أما تحريضهم علي الثورة بأمر من المهدي عليه السلام، فهو مما لا يحدث، فان المهدي (ع) لن يقوم الا بثورته الکبري حين يملأ الأرض قسطا و عدلا کما ملئت ظلما و جورا. و لن تکون التمردات الصغري مهمة في نظره و لا دخيلة في وظيفته الاسلامية.

و علي أي حال، فالذي أشعر به مليا، أن نوع الثورات الداعية الي الرضا من آل محمد، قد انقطع بانقطاع عهد الظهور، عهد اتصال



[ صفحه 365]



الأئمة عليهم السلام بالناس. و کل الثورات اللاحقة بذلک في التاريخ الاسلامي الي عصرنا الحاضر، انما هو انعکاس صحيح أو منحرف أو تأثر بقليل أو بکثير بتلک الثورات الجليلة المخلصة، التي بدأت بثورة الحسين عليه السلام، و انتهت بانتهاء عصر الظهور.



[ صفحه 367]




پاورقي

[1] غيبة الشيخ الطوسي ص 242.

[2] الکامل ج 6 ص 73.

[3] المروج ج 4 ص 184.

[4] الکامل ج 6 ص 221.

[5] المصدر ص 237.

[6] المصدر ص 202.

[7] المصدر ج 6 ص 113.

[8] المصدر ج 4 ص 175.

[9] الکامل ج 6 ص 206.

[10] المصدر ص 21.

[11] المصدر ص 74.

[12] المصدر ص 111.

[13] المصدر ص 150.

[14] الکامل ج 6 ص 198.

[15] المصدر ص 244 و ما بعدها.

[16] المصدر ص 73 و ما بعدها.

[17] الکامل ج 6 ص 51 و ما بعدها.

[18] المصدر ص 53 و ما بعدها.

[19] انظر المروج ج 4 ص 144 و ص 159.

[20] انظر المروج ج 4 ص 181.

[21] نفس المصدر و الصفحة.

[22] انظره في هامش الکامل ج 6 ص 85. نقلا عن الطبري.

[23] الکامل ج 6 ص 87.

[24] انظر المروج ج 4 ص 171.

[25] الکامل ج 6 ص 13.

[26] الکامل ج 6 ص 55.

[27] الکامل ج 6 ص 55.

[28] المروج ج 4 ص 145.

[29] مروج الذهب ج 4 ص 158.

[30] الکامل ج 6 ص 111.

[31] المصدر ص 133.

[32] المصدر ص 130.

[33] الکامل ج 6 ص 134.

[34] المصدر ص 47.

[35] المصدر ص 161.

[36] المصدر ص 190.

[37] المصدر ص 151.

[38] المصدر ص 238.

[39] المصدر ص 333.

[40] المصدر ص 305 و ما بعدها.

[41] انظر النوبختي ص 74 و ما بعدها و الأشعري ص 26 و ما بعدها، بلفظ و احد في المصدرين تقريبا.

[42] تاريخ الشعوب الاسلامية ج 2 ص 73 و ما بعدها.

[43] الکامل ج 6 ص 70.

[44] المصدر ص 188.

[45] انظر الکامل ج 6 ص 67.

[46] الکامل ج 6 ص 108.

[47] المصدر ص 116.

[48] المصدر ص 147.

[49] الکامل ج 6 ص 175.

[50] المصدر ص 186.

[51] المصدر 116.

[52] الکامل ج 6 ص 177.

[53] المصدر ص 180.

[54] المصدر ص 182.

[55] المصدر ص 204.

[56] تاريخ الشعوب الاسلامية ج 2 ص 75.

[57] الکامل ج 6 ص 204 و ما بعدها.

[58] المصدر ص 230.

[59] المقاتل ج 3 ص 495 و ما بعدها.

[60] المصدر ص 500.

[61] المصدر ص 499.