بازگشت

في تحديد الغيبة الصغري


تبدأ الغيبة الصغري من حين وفاة الامام العسکري عليه السلام و تولي الامام المهدي عليه السلام الامامة. و قد بدأها عليه السلام بالايعاز بنصب وکيله الأول، حين قابله وفد القميين کما سمعنا.

و لذا نجد ان الأمر لا يخلو من المسامحة اذا قلنا ان الغيبة الصغري بدأت باصدار هذا البيان، لا بساعة وفاة ابيه عليه السلام. علي ان الأمر ليس مهما، بعد اتحاد تاريخها، في نفس اليوم الواحد، بل الصباح الواحد، حيث توفي الامام العسکري عليه السلام بعد الفجر من اليوم الثامن من شهر ربيع الأول عام 260، و قابل وفد القميين الامام المهدي عليه السلام قبل الظهر في نفس اليوم.

و من استطاع القول بان الميزات الرئيسية لهذه الفترة ثلاثة:

الميزة الاولي: کونها مبدأ تولي الامام المهدي عليه السلام، للمنصب الالهي الکبير في امامة المسلمين بعد ابيه الراحل عليه السلام. لکي



[ صفحه 342]



يتولي مسووليته الکبري في قيادة قواعده الشعبية خاصة و البشرية کلها عامة، الي القواعد السعادة و السلام.

الميزة الثانية: عدم الاستتار الکلي للمهدي عليه السلام. و انما کان يتصل بعدد مهم من الخاصة، لأجل مصالح کبري سنعرفها فيما بعد. علي حين بدأ الاستتار الکلي -الا فيمن شاءالله عزوجل -بانتهاء هذه الفترة.

الميزة الثالثة: وجود السفراء الأربعة، الموکلين بتبليغ تعاليم الامام المهدي (ع) الي الناس من قواعده الشعبية بحسب الوکالة الخاصة المنصوص عليها من قبل المهدي (ع) نفسه أو من قبل آبائه عليهم السلام.و کان الأسلوب الرئيسي للمهدي (ع) في قيادة قواعده الشعبية و اصدار التعليمات و قبض الأموال، هو مايکون بتوسط هولاء السفراء و ما يتسني لهم القيام به من قول أو عمل.

و قد خسرت الامة الاسلامية هذه الوکالة الخاصة، بوفاة السفير الرابع. و انتقل التکليف الاسلامي، بعده الي الاتکال علي العامة، الثابتة في الکتاب و السنة، کما هو المعروض في محله من کتب البحوث و الاحکام الاسلامية.

و لم تخل هذه الفترة، من تشاويش و صعوبات، عاناها السفراء و المهدي عليه السلام-و هو في غيبته -من اجل ادعاء أفراد متعددين للوکالة الخاصة زورا، و معارضتهم للسفراء الحقيقيين، و اغرائهم للناس بالجهل.غير انه کانت تکتب لهم الخيبة و الفشل،نتيجة للجهود



[ صفحه 343]



الواسعة التي يبذها السفراء في تکذيبهم و عزل الناس عنهم، استشهادا بأقوال الامام المهدي عليه السلام و بياناته فيهم.

و اهم هولاء المدعين، و أکبرهم تأثيرا في جماعات من الناس، هو الشلمغاني ابن ابي العزاقر. و سيأتي التعرض الي موقفه و موقف المهدي عليه السلام منه تفصيلا.

کما ان هذه الفترة، لم تخل من مصاعب بلحاظ المطاردة الحادة التي کانت السلطات توجهها الي الامام المهدي عليه السلام بالخصوص، و قواعده الشعبية علي وجه العموم. و بلحاظ المناقشات وانحاء الکلام و الطعن الذي کان يصدر من القواعد الشعبية غير الموالية للأئمة عليهم السلام، و خاصة اولئک المتملقين للدولة، و المستأکلين علي مائدتها و المنتفعين بسياستها.

و لعل الثغرة التي کان يمکن لهولاء أن يصلوا اليها في مناقشاتهم کانت أوسع بعض الشي ء مما کانت عليه مناقشات امثالهم في زمان ظهور الأئمة عليهم السلام. فان القواعد الشعبية الموالية، کانت في هذه الفترة فاقدة للاتصال المباشر بشخصية الامام عليه السلام، تلک الشخصية الفذة النيرة التي تعطي من توجيهها و تدبيرها في نقض الشبهات و حل المشکلات، الشي ء الکثير، مما يصعب علي الوکلاء و السفراء القيام به الا بشکل يکون أضيق دائرة و اقل درجة.

علي ان الامام المهدي (ع) في بياناته و مقابلاته للآخرين، لم يکن يأل جهدا في المناقشة و التوجيه و التدبير، علي ما سنذکر في مستقبل



[ صفحه 344]



البحث بتوفيق الله عزوجل.

مضافا الي ان فکرة غيبة المهدي (ع) و طول عمره و ما يترتب علي ذلک من فائدة، و نحوها من الاسئلة التي أصبحت تثار من قبل المناقشين، لم يکن لها أي موضوع أو مجال في زمان ظهور الأئمة عليهم السلام. و هذا بنفسه يکلف السفراء، و من ثم الامام المهدي (ع) نفسه الي مناقشة مثل هذه الشبهات و تذليل هذه المشکلات بنحو منطقي مقنع.

و الآن يمکننا ان نستعرض تاريخ الغيبة الصغري، معتمدين عدة فصول:



[ صفحه 345]