بازگشت

طرق تذليل المشاکل التاريخية


يقتضي التحقيق التاريخي تذليل هذه المشکلات بأحد الأساليب الآتيه.

الاسلوب الاول:

الحصول علي التواتر في النقل التاريخي، فاذا اتفق کلام عدد کبير من النافلين علي وصف حادثة معينة، کان ذلک کافيا لاثباته تاريخيا، بل القطع به في کثير من الأحيان.

ولو اتفقوا علي بعض خصائص الحادثة، کان ذلک ثابتا بالتواتر، دون ما زاد عليه.و لو اختلفوا في کل الخصائص مع اتفاقهم علي أصل الحادثة، کان أصل حدوثها متواترا فقط.

الاسلوب الثاني:

اننا اذا لم نستطع أن نحصل علي التواتر المنتج للعلم، فبالامکان الحصول علي الاطمئنان و الظن الراجع بحصول الحادثة ناشئا من جماعة يطمان بعدم اتفاقهم علي الکذب، و هو معني الاستفاضة في النقل؛ فيما



[ صفحه 29]



اذا اتفق أکثر المورخين أو جملة منهم علي شي ء معين، مع سکوت الباقين عن التعرض اليه أو نفيه.

و هذان الأسلوبان، يدفعان، فيما يتحققان فيه، جميع الشبهات الثلاثة التي أوردناها. اذ بعد حصول العلم أو الاطمئان بوقوع الحادثة، لا يضر بذلک، أن يکون الناقل لها متحيزا لمذهب أو لمصلحة أو أن ملاحظته لم تکن منظمة، اذ المفروض، اتفاق الناقلين علي النقل و علي وقوع الحادثة.

الاسلوب الثالث:

اننا بعد اليأس عن حصول العلم أو الاطمئنان، من النقل التاريخي في نفسه، نستطيع الحصول علي الوثوق بقول الناقل، و ان کان منفردا، بحيث لا يبقي للشبهات السابقة أثر ملتفت اليه.

و هذا يتم باحد نحوين:

اولهما:

الاطمئنان، بعد البحث في ترجمة هذا المورخ و الاطلاع علي خصوصياته الشخصية، بانه ثقة مامون عن الکذب و الدس و الخداع، فيطمان بانه لم يتعمد الکذب في نقله التاريخي.

ثانيهما:

الاطمئنان بوجود الروح العلمية الموضوعية في نفس هذا المورخ، باعتبار أن الانسان بعد أن يتمرس في البحوث العلمية، و يتعود علي الاسلوب العلمي، فانه يغلب علي الظن حصول الموضوعية العلمية



[ صفحه 30]



والتجرد في نفسه، جهد الامکان. أو علي الأقل، لايضع خبرا مکذوبا نتيجة لمذهبه أو مصلحته، أو بأي دافع شخصي آخر.

الاسلوب الرابع:

الحصول علي الاطمئنان بوقوع الحادثة نفسها، بقرائن خارجية أو اعتبارات عقلية، توجب الظن بأنه من المناسب وقوع هذه الحادثة أو عدم وقوعها. کما لو کان القول المنسوب الي الشخصية التاريخية، أو الفعل المسند اليه، مناسبا مع سلوکه العام المعروف عنه، أو مع وجهة نظره تجاه الدين و الحياة.

و لکن هذا لا يضر بوثاقه المورخ الناقل، في سائر ما نقله من أخبار التاريخ، اذ قد يکون الکذب غير مستند الي تعمده الشخصي بل هو اما مستند الي السهو منه أو من الرواة السابقين عليه أو اللاحقين له، أو الي عمدهم أحيانا، ولا يتحمل المورخ نفسه، من المسوولية العامة، الا اذا وجدنا في کلامه الکثير من هذه الهفوات، بحيث ينثلم الظن بوثاقته أساسا.

کما أن هذا الاسلوب الرابع، قديوجب قوة النقل التاريخي الضعيف أو الشاذ، بحصول الاطمئنان به بما تقوم عليه من قرائن و ما تحفه من اعتبارات.

و بهذه الأساليب الأربعة، نستطيع أن ندفع الشبهات الثلاثة العامة علي النقل التاريخي، أو نقلل من تأثيرها جهد الامکان. فاحتمال التحيز يرتفع بقليل أو کثير، مع تعدد النقل و قيام القرائن الخارجية



[ صفحه 31]



علي صدقة، کما أن احتمال الکذب بدافع شخصس اخر، يکون مرتفعا لنفس السبب.

کما أننا بعد تأکدنا يقينا أو اطمئنانا، من صدق الکلام، لا يمهنا أن تکون. الملاحظة منظمة أو غير منظمة، علي أن المطلوب في الملاحظة. هو ترسيخ الحادثة في الذهن و تاکيدها في الذاکرة، و هو ما يتوفر في الملاحظات غير المنظمة أيضا، کما في الحوادث التي يعتاد الانسان عليها أو يهتم بها اهتماما کبيرا أو يتعجب منها تعجبا شديدا أو يفرح بها فرحا عظيما أو يخافها خوفا کبيرا.

فان الراوي الذي يعيش الحادثة علي احدي هذه المستويات، يندمج بها الي حد کبير، مما يوجب رسوخها في ذهنه و تعمقها في ذاکرته، مما يفتح للمورخ فرصة کبيرة للاستفادة في هذا السبيل. و يندرج کامثلة لذلک: حوادث الحروب و المناصب السياسية أو الدينية، و الأمور المالية المهمة، سواء منها الخاصة أو العامة، و المعجزات، و الوساطات بين الدول أو بين أهل النفوذ، و غير ذلک.

علي أننا لانعدم الملاحظة المظمة بالنسبة الي جملة من المورخين،فان المورخ، و أن کان يعرض للحوادث السابقة علي عصره، بطريق الرواية، الا أن بالنسبة الي سني حياته، و خاصة بعد عزمه علي تأليف کتابه التاريخي، لاشک أنه سيلاحظ حوادث عصره بالملاحظة المنظمة الناشئة من تعمد التسجيل و عمق التفکير. و هذا يتوفر عادة



[ صفحه 32]



في أواخر جوامع التاريخ، کالطبري و المسعودي و ابن الأثير وغيرهم.

وعلي أي حال، فقد کان التعرض لهذه المشکلات و حلها استطرادا علي ما نحن بصدده، من عرض مشکلات تاريخنا الخاص، و ما هو مورد کلامنا في هذا الکتاب. فلئن کان هناک أساليب تخفف من شبهات التاريخ بشکل عام، و توثر بدورها في تاريخنا الخاص، الا أن تاريخنا يستقل بمشاکل و عقبات، يکون تذليلها أصعب و أعمق الي حد کبير.



[ صفحه 33]