بازگشت

ما بعد المولد


يولد الامام المهدي عليه السلام، شأنه في ذلک شأن آبائه عليهم السلام، مختوما، ولکن والده يقرر امرار الموسي عليه لاصابة السنة. [1] فانه لا ينبغي ان تتخلف السنة الاسلامية عن أحد.

و يأمر الامام العسکري عليه السلام، ابا عمر و عثمان بن سعيد، و هو من اخص أصحابه لديه..بان يعق عن المولود الجديد عددا من الشياه و ان يشتري عشرة آلاف رطل من الخبز و عشرة آلاف رطل لحما و يوزعه علي الفقراء. [2] و ما أکثرهم في ذلک المجتمع المنحرف، و خاصة في القواعد الشعبية للامام المعزولين اجتماعيا و اقتصاديا.

وقد وصلت شاة مذبوحة الي محمد بن ابراهيم الکوفي، باعتبارها عقيقة عن المولود الجديد. [3] .

و يتباشر الأصحاب الخاصون بميلاد الامام المهدي عليه السلام.فيزور أحدهم الامام العسکري (ع) فيهنوه بولادة ابنه القائم [4] و يجتمع اثنان من الأصحاب فيبادر أحدهما الآخر قائلا: البشاره. ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد عليه السلام، و أمر بکتمانه.فيسأله الآخرالسوال المعتاد...يسأله عن أسم المولود الجديد، فيقول له: سمي محمد و کني بجعفر. [5] .



[ صفحه 270]



و يبقي علي الامام العسکري عليه السلام، وظيفة مزدوجة تجاه ولده الجديد، تحتاج کل منهما الي تخطيط خاص، و يحتاج الجمع بينهما الي غاية في الحذر و اللباقة الاجتماعية.

الوظيفة الأولي: اثبات وجود الامام المهدي عليه السلام تجاه التاريخ و تجاه الامة الاسلامية، و تجاه مواليه الذين يعتبرون المولود الجديد أمامهم الثاني عشر بحسب نص النبي (ص) حين قال: يکون بعدي اثنا عشر خليفة کلهم من قريش.فليس من الممکن و لا المنطقي أن يبلغ الحذر و التوفي الي اخفائه الکامل بحيث يودي انطماس اسمه و انکار وجوده. مع کونه عليه السلام الامام الثاني عشر لمواليه و القائد المذخور لدولة الحق.

علي انه لا بد من اقامة الحجة في وجوده علي الموالين خاصة و علي المسلمين عامة، بحيث يکون هناک تواتر في الأخبار عن وجوده و رويته، يدحض به قول من يزعم عدم وجوده أو انه ليس للامام العسکري عليه السلام من ولد.

الوظيفة الثانية:حماية الامام المهدي عليه السلام من السيف العباسي و المطاردة الحکومية، التي عرفناه مناشئها و تخطيط السلطات لها، وتجنيد کل قواها و عيونها من اجلها.

اضف الي ذلک ما اشرنا اليه من ان الجهاز الحاکم، کان يعرف في دخيلة نفسه حق الامام وعدالة قضيته و صدق قوله. و انما کان يمنعهم عن اتباع الحق: الملک العقيم و المصالح العريضة المتعلقة بالخلافة العباسية



[ صفحه 271]



مضافا الي تعصب وراثي قديم. و من هنا کانوا يشعرون ان ولادة المهدي عليه السلام،و هو الشخص الذي ملأ رسول الله (ص) اسماعهم بانه يملأ الأرض قسطا و عدلا کما ملئت ظلما و جورا...ان ولادته يعني الحکم علي نظامهم بالموت المحتم و فضح مخططاتهم المنحرفة و أساليب عصيانهم لأوامر الاسلام و اهمال طاعة الله تعالي و عدم الاهتمام بالأمة الاسلامية. و بعبارة اقرب: انهم کانوا يدرکون ان مجتمعهم الذي يحکمونه قد امتلأ..بفعل انحرافهم و سوء تصرفهم..ظلما و جورا. اذن فمن المنطقي ان يتصدي الامام المهدي عليه السلام لکي يملأه قسطا و عدلا..و هذا ما يخافونه و يرهبونه.

و هم ان لم يحددوا بالضبط تاريخ ميلاد الامام المهدي عليه السلام، لمدي السرية التامة المحاطة فيها تجاههم..الا انهم يعلمون، علي الاجمال ان زمانه قد اظلهم و انه علي شک الوجود. فانه يکفيهم ان يعرفوا ان الامام العسکري عليه السلام يکون في السلسلة التي وعد بها رسول الله (ص) الامام الحادي عشر...لکي يکون ولده هو الثاني عشر..و هو المهدي. ويدل علي ذلک أيضا وعلي جهلهم بتحديد التاريخ ما نعرض له من مراقبتهم للحوامل عند وفاة الامام العسکري (ع) ظنا منهم بوجود الامام المهدي (ع) جنينا في رحم احدي النساء. مع انه کان مولودا قبل خمس سنوات، کما أطلع علي ذلک الخاصة من مواليه.

و اذا کان نشاط الامامين العسکريين عليهما السلام، و هو مقتصر علي حفظ مصالح قواعدهم الشعبية، و مشفوعا بسياسة السلبية و المسالة



[ صفحه 272]



مع الجهاز الحاکم علي ما قلنا.. اذا کان هذا النشاط مثيرا و مغضبا للسلطات..فکيف بالنشاط الموعود للمهدي المنتظر الذي يکون غليظا في الحق لا يتسامح و لا يسالم و لا يعفو عن الانحراف.

و من هنا کان عمل السلطات في تلک الظروف اقرب شبها بالحرکات العصبية التي يقوم بها المخنوق عند خنقه أو الغريق قبل انقاذه..فانها تعلم بوجود شي ء خطر مشرف عليها، شديد الاهمية بالنسبة اليها.. ولکنها تشعر بالعجز تجاهه، و ضيق الباع في الوصول اليه و الوقوف عليه. بالرغم من وجود القوة و المال و الضمائر الاجيرة في جانبها، و ليس في الجانب الآخر الا العزل و الفقراء و المضطهدون...و لعلها تحس تجاه ذلک بالتحدي لقوتها و عزتها فتزيد من نشاطها وتبذل المستحيل في سبيل الحصول علي الامام المهدي (ع) و القبض عليه.

فکانت هاتان الوظيفتان المزدوجتان للامام العسکري عليه السلام، توقفه في موقف غاية من الدقة و الحرج.. و بخاصة و ان کلتا الوظيفتين ضرورية بالنسبة اليه لا يمکنه ان يتخلي عنها.

و يزيد الموقف دقة، ان الامام العسکري يعيش في هذا المجتمع الصاخب، تحت الأضواء المسلطة عليه من کل الجهات و الرقابة الاجتماعية التي تلاحقه، لعدة أسباب: منها: انه الرجل المثالي الاسلامي في عبادته و اخلاقه و علمه ونسبه في نظر الجميع.و منها: انه القائد و الموجه لقواعد شعبية واسعة من المسلمين.و منها: انه يمثل جبهة المعارضة ضد السلطات الحاکمة. و منها: ان الحکومة تستمر في تقريبه من



[ صفحه 273]



البلاط و دمجه في الحاشية. و من المعلوم ان الشخص الذي تکون له بعض هذه الخصائص، فضلا عن جيمعها يکون لولده اهمية کبيرة و خبرا منتشرا واسعا، و خاصة اذا کان للمولود اهمية خاصة..کان مهدي هذه الامة.اذن فمن طبيعة المجتمع ان تتوجه الانظار من کل حدب وصوب الي الميلاد المهدي عليه السلام، و بخاصة من قبل السلطات الذين يعيش في بلاطهم و يزوره في الاسبوع مرتين.

ومن ثم کان أقرب تخطيط للخروج من هذا المأزق، ترک الاعلان الاجتماعي عن ولادة المولود الجديد بالکلية، و کأن شيئا لم يحدث علي الاطلاق، بالنسبة الي الفهم العام، و ترک الأحداث تسير في مجراها الاعتيادي من دون اثارة أي انتباه أو فضول أو شک من أحد في شي ء من النشاط أو القول أو العمل.حتي ان خادمد الباب في بيت الامام العسکري لم ينتبه الي شي ء و لم يفهم شيئا [6] واذا لم يحصل الشک و الانتباه لم يحصل الفحص و السوال.

و مما ساعد الامام العسکري (ع) علي الاخفاء مساعدة کبري، تطبيقه سياسة الاحتجاب علي نفسه، و انقطاعه عن أصحابه و مواليه الا بواسطة المراسلات، کما عرفنا، حيث استطاع عليه السلام بذلک تحقيق نتيجتين اساستين: احداهما: تعويد قواعده الشعبية علي فکرة الاحتجاب و القيادة غير المباشرة، کما سبق ان أوضحنا. و ثانيتهما: استقطاب المهام التي کان يقوم بها، و الحوادث التي کان يعيشها..بشکل



[ صفحه 274]



منفرد بعيد عن الانتباه و تسليط الأضواء و الضوضاء..لا يکاد يعرف بکل مهمة أحد الا أهل الصلاة بها. و حيث کان اخفاء ولده من مهامه الرئيسية، فلم يکن ذلک بممتنع عليه بعد تخطيط الاحتجاب.

و قد ساعد علي الاخفاء أيضا مساعدة کبيرة، تحول انتباه الدولة و المجتمع الي حرب صاحب الزنج الذي بدأ أعماله التخريبية في جنوب العراق و الأهواز في عام ميلاد المهدي عليه السلام..عام 255 علي المشهور في ميلاده. و المتتبع للتاريخ العام يعرف ما أوجده هذا المخرب من الفزع و القلق في اذهان الشعب عامة و الجهاز الحاکم خاصة. ومن المعلوم ان المجتمع الذي يسوده القلق الذهني يکون فکره مرکزا علي ما يخاف منه و من الصعب أن يلتفت الي شي ء آخر.کالفرد الواحد اذا خاف وحشا ترکز نظره و فکره وقوته عليه. فکذلک المجتمع بشکل أو بآخر. فکان وجود صاحب الزنج خير صارف ذهني للفهم العام عن الالتفات الي ميلاد الامام المهدي عليه السلام.

الا ان هذه الفکرة سوف تبقي تجيش بشکل غامض في ذهن السلطات المتمثلة في الخليفة المعتمد نفسه..و تتجلي بأوضح صورها علي ما سوف يقوم به عند وفاة الامام العسکري عليه السلام.اذ يکون المعتمد في ذلک الحين مرتاحا بعض الراحة من الناحيين السياسية و العسکرية..بعد ان أوکل قتال صاحب الزنج الي اخيه ابي أحمد الموفق، قبل عامين..سنة 258 کما عرفنا، و قد استقل الموفق تدريجا بالحرب و غير الحرب من شوون الدولة و عزل الخليفة عن الأمر و النهي



[ صفحه 275]



و عن النشاط السياسي بالکلية. فمن هنا توفر للمعتمد بعض الوقت للتفکير في أمر آخر... هو البحث عن الوريث الشرعي للامام عليه السلام.

و علي أي حال، لم يکن الي حد التاريخ الذي نتکلم عنه، قد ثار حول ولادة المهدي (ع) أي احساس أو التفات أو شک من قبل المجتمع أو السلطات..نتيجة لمجموع هذه الخصائص و الملابسات...فکانه حادث غير موجود!!.

والي هنا استطاع الامام الحسن العسکري عليه السلام أن يضمن بکل بساطة..حماية ولده المهدي عليه السلام من الجهاز الحاکم و من کل من يدور في فلکه..و بذلک قام بالوظيفة الثانية خير قيام.

و اما الوظيفة الأولي له عليه السلام، وهي اثبات وجوده للتاريخ وللامة الاسلامية عامة و لمواليه خاصة...فکان يجب -تحت الظروف التي عاشها الامام -ان تتقلص و ان تضمر، و ان يختص التبليغ بوجوده و رويته، بکل شخص يعلم من قوة ايمانه و اخلاصه في عقيدته ان له من صلابة الارادة ما لا يمکن أن تلين أمام أي ضغط من السلطات بحيث يکون علي استعداد ان يقدم نفسه فداء في سبيل امتثال أمر امامه (ع) بالکتمان. کما انه لا بد ان يعلم من رجاحة عقله واتزانه و لباقته، انه يکتم ذلک في المجتمع کتمانا تاما، ولا يتهور باذاعة السر الي من لاينبغي ان يذيعه له، وله الخبره الکافية بالخاصة الذين يمکن ان يتبادل و اياهم هذا الخبر... و هکذا کان.. و بمقدار هذا التبليغ



[ صفحه 276]



خطط الامام العسکري عليه السلام.

و کان هذا سببا لحجب المولود الجديد، حجبا تاما مطلقا عن الجمهور غير الموالي له. بل حتي عن جمهور الموالين ممن لم يحرز فيه قوة الارادة و عمق الاخلاص.

وکان کل من يطلعه الامام علي المولود الجديد، فيرويه اياه أو يخبره عنه، مکلفا تکليفا الزاميا بامرين لا مناص له منهما، و هو يطبقهما باعتبار اخلاصه و قوة ارادته و ايمانه. وهما:

اولا:وجوب الکتمان. وقد سمعنا فيما سبق ان أحد الأصحاب يقول للآخر: ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد (ع) و أمر بکتمانه و يکتب الامام العسکري عليه السلام لأحمد بن اسحاق: ولد لنا موعود، فليکن عندک مستورا و عن جميع الناس مکتوما. فانا لم نظهر عليه الا الأقرب لقرابته و المولي لولايته.احببنا اعلامک ليسرک الله به، مثل ما سرنا به.و السلام. [7] .

وقد عرفنا، بکل وضوح وجه المصلحة في هذا الکتمان.

ثانيا: حرمة اطلاع أحد علي اسمه عليه السلام. وهو أسلوب في الکتمان ورد التأکيد عليه بشکل خاص و لا يکفي ان اسم المهدي المنتظر أساسا، معلوم لدي الأمة، باخبار نبيها (ص) حين قال: اسمه اسمي. و هذا يعني بکل وضوح ان اسمه محمد. و هذه المعرفة لا يختلف فيها الناس من الموالين و غيرهم.



[ صفحه 277]



و لکن السلطة القائمة، اذ تريد أن تطارد المهدي المنتظر في شخص المولود الجديد، لا بد لها من امرين: أولا: ان تعرف ولادته.اذمع الغفلة عنها، لا يمکنها بطبيعة الحال ان تجرد المطاردة الفعلية الحقيقية ضد المولود. و ثانيا: أن تعرف شخصه باسمه. اذ بدونه لا يمکن ان تحارب فيه المهدي المنتظر.لاحتمال أن يکون المهدي هو ولد آخر للامام العسکري (ع) لعله ولدو لعله لم يولد بعد-فيما تحتمله السلطة- وهي ليس لها غرض معين الا ضد المهدي المنتظر علي وجه التعيين.

مضافا الي وضوح ان الاسم يکسب الفرد شخصيته القانونية و الاجتماعية التي يمکن أن تعين و يشار اليها به. و أما مع الجهل به الي جانب الجهل بشکله أيضا، فيکتسب بذلک نحوا من الغموض و عدم التعيين، في ذهن السلطات، فتحار عند البحث عنه، انها تبحث عن أي شخص علي وجه التحديد. و هذا الغموض -علي أي حال -يعطي المهدي المبحوث عنه رهبة في صدورهم و هالة قدسيه في احساسهم و شعورا بالعجز تجاهه. وفي هذا ما فيه من التسبب الي ضعف معنويات السلطة و خاصة الجنود الفاحصين المطاردين من قبل الدولة.

و طبقا لهذا التکليف الثاني..سمعنا الامام المهدي عليه السلام حين يبشر بحفيدة المهدي (ع) يقول: لانکم لا ترون شخصه ولا يحل لکم ذکره باسمه. قال الراوي فقلت: فکيف نذکره؟ قال: قولوا: الحجة من آل النبي صلي الله عليه و آله و سلم.و نسمع عثمان بن سعيد العمري، و هو الوکيل الأول الحجة (ع) يقول لمن يسأل عن اسمه:



[ صفحه 278]



اياک ان تبحث عن هذا. [8] ويقول لآخر: نهيتم عن هذا. [9] وفي حادثة مشابهة يقول: ابنه الوکيل الثاني محرم عليکم أن تسألوا عن ذلک. و يضيف: و لا أقول هذا من عندي و ليس لي ان احلل و احرم، و لکن عنه عليه السلام يعني الحجة المهدي (ع). و لکننا لا نجد نهيا عن التسمية واردا عن الامام العسکري عليه السلام، و هذا له سبب نقوله في مستقبل البحث ان شاءالله تعالي.

و الذي أود ايضاحه في هذا الصدد،أن هناک احتمالا راجحا توکده الحوادث، هو ان المراد من کتم الاسم کتم الشخص نفسه و اخفاء ولادته عمن لا ينبغي أن يصل اليه الخبر. و عليه فهناک تکليف واحد بالکتمان متعلق بالولادة و الأسم معا، باعتبارهما.

يعبران عن معني أصيل واحد. وليس المراد بکتمان الاسم حرمة التصريح به مع غض النظر عن حرمة التصريح بولادته. بل المراد بالاسم هو شخص المسمي ووجوب الکتمان راجع الي اصل ولادته المحافظة عليه بشکل عام.

و من ثم نري أن من يضطلع ببيان ذلک هو عثمان بن سعيد دون الامام العسکري عليه السلام.و ذلک: لما سنسمعه من ان السلطات بعد ان أيست من العثور علي الوريث الشرعي للامام العسکري، قررت الجزم بعدم وجوده اساسا،و تقسيم ميراث الامام بين الورثة الآخرين.



[ صفحه 279]



و بذلک اسقطت السلطة وجود الحجة المهدي عليه السلام من حساب قانونها و غضت النظر عنه بالکلية. و ان کانت المخاوف تبقي تعتمل في نفسها علي ما سنسمع. و من المعلوم و الحال هذه ان أي تصريح جديد باسم المهدي (ع) أو تلويح بشخصه أو تأکيد علي ولادته، سوف يثير من جديد التفات السلطات و تجديدها للمطاردة و البحث. و هذا هو الخطر الذي کان قد ابتعد عن الامام الي حد کبير بعد يأس الدولة من العثور عليه.

و من هنا تأتي التأکيدات من قبل عثمان بن سعيد في هذا الزمن المتأخر نسبيا بالنهي عن التسمية..فهو تارة يقول: اياک ان تبحث عن هذا. فان عند القوم ان هذا النسل قد انقطع [10] و المراد بالقوم الحکام و بهذا النسل الأئمة عليهم السلام. و يعلله في رواية اخري قائلا:فان الأمر عند السلطان ان ابا محمد (ع) مضي و لم يخلف ولدا و قسم ميراثه، و اخذه من لا حق له. و صبر علي ذلک. [11] الي غير ذلک من التأکيدات التي سنبينها في فترتها التاريخية الخاصة.

ومن الواضح ان اثارة السلطات من جديد لا يفرق فيه بين ذکر اسمه أو ذکر مولده، أو التعرض لأي شأن من شوونه.

و أما الامام الهادي عليه السلام، فالمظنون أنه يشير الي خصوص هذه الفترة التاريخية، أو اليها و الي ما بعدها الي انتهاء زمان الغيبة



[ صفحه 280]



الصغري، فان التصريح باسمه و الأخبار عن ولادته و وجوده، کان خطرا عليه في مثل تلک الأزمنة.

و معه نعرف ان هذا الحکم غير ساري المفعول الي ايامنا هذه؛ اذ من المعلوم عدم وجود أي خطر عليه من التصريح باسمه هذا اليوم..ان لم يکن-بالعکس-متضمنا للدعوة اليه و نشر فکرته العادلة و اهدافه الکبري.

و اما الامام الحسن العسکري عليه السلام، فکان الموقف في ايامه مختلفا عن الموقف في عصر غيبة الصغري الذي يبدأ بوفاته، و يفتتحه عثمان بن سعيد بسفارته عن المهدي (ع). فان السلطات في ذلک العصر المتأخر کانت قد ايست من القاء القبض علي المهدي عليه السلام، حتي قررت الغاء وجوده القانوني کوريث شرعي لأبيه فکان في التصريح باسمه اعادة للشک الي ذهن السلطة. و أما في زمان عليهما السلام..فلم تکن السلطة قد التفتت الي ولادته أو احسست بشي ء يدل عليه. و من المعلوم اختلاف الحالة النفسية عند السلطة بين کونه غافلة أساسا عن الشي ء و بين کونها ملتفتة عاجزة آيسة. فانها في هذه الحالة الثانية تکون أقرب ذهنا و أکثر توجها و أکثر توجها الي تصيد الخبر الشارد و اللفظ الوارد عن الامام المهدي عليه السلام.

الا اننا سنلاحظ من الامام العسکري عليه السلام، انه و ان لم ينه عن التسمية.. الا انه يأخذ الحيطة من هذه الجهة..فلا يصرح باسمه لأحد من خاصته ممن يريهم ولده المهدي، بل يکتفي بقوله لهم: هذا



[ صفحه 281]



صاحبکم..يعني انه الامام بعده عليه السلام. ويقتصر في التصريح باسمه علي اقل القليل.

وفي الحقيقة ان التکليف الشرعي الاسلامي، المتعلق بالام العسکري عليه السلام بالتبليغ و اقامة الحجة علي وجوده ولده و التکليف المتعلق باصحابه بالايمان بامامهم الثاني عشر..يکفي فيه هذا المقدار من الاطلاع و ان کان الاسم مجهولا. اذ يکفيهم بينهم و بين الله أن يومنوا بوجود امام يرجعون اليه في الأحکام و المشاکل. ولا يتوقف ذلک علي معرفة اسمه بعد معرفة شخصه و امکان الاتصال به عن طريق سفرائه.

و اذ يريد الامام العسکري عليه السلام ان يثبت وجوده ولده المهدي (ع)، يختار من مواليه و أصحابه من کان له صلابة في الايمان و عمق في الاخلاص، و بخاصة اولئک الذين يربطون بينه و بين قواعده الشعبية و ينقلون منه و اليه المراسلات و التوقيعات. فانهم خير من يستطيع ان يبلغ خبر ولادة الحجة المهدي الي الجماهير الموالية للامام (ع) فان هذه الجماهير تعرف سلفا وثاقة هولاء الأشخاص و ايمانهم و اخلاصهم و اعتماد الامام عليهم في الربط بينهم و بينه.

و من ثم لن يفرق شيئا علي الفرد من القواعد الشعبية الموالية بين أن يري الامام المهدي بنفسه أو يسمع عنه من ابيه..و بين ان يبلغه وجوده محفوفا بقرائن الأثبات من قبل هولاء الأصحاب الموثوقين..



[ صفحه 282]



يستلم الفرد منهم الخبر کما يستلم الفتوي من الامام عليه السلام.

علي اننا سنعرف ان الکثيرين من الأصحاب، قد تيسرت لهم رويته. کان جملة من حاول الوصول الي الامام المهدي عليه السلام في الغيبة الصغري، تيسر له ذلک. اذن فيکفي الفرد الموالي أن يکثر السوال من کثيرين ممن يعرف فيه القدم و الرسوخ في علاقته مع الامام العسکري عليه السلام، و ممن شاهد ولده المهدي (ع) من غيرهم..ليحصل عنده التواتر الموجب للعلم بوجود امامه الثاني عشر.ولئن کان التواتر قد وصلنا من الطرق الخاصة و العامة الي هذا العصر..فکيف في ذلک الزمن الذي کانت کل القرائن تدل عليه و کل الأيدي تشير اليه، و کان هو ابيه و وکلائه و أصحابه..هو التأکيد علي وجوده و التبليغ عنه الي کل صالح للتبليغ.

و لعل أوسع اعلان يقوم به الامام العسکري بين أصحابه عن ولادة ابنه و امامته من بعده، و وجوب طاعته عليهم، هو انه عليه السلام قبل وفاته بايام، و قد کان مجلسه غاصا باربعين من أصحابه و مخلصيه،منهم محمد بن عثمان العمري و معاوية بن حکيم و محمد بن ايوب بن نوح..يعرض عليهم ابنه عليه السلام و يقول: هذا امامکم من بعدي و خليفتي عليکم. اطيعوه و لا تتفرقوا من بعدي فتهلکوا في اديانکم. و يضيف -منبها لهم الي أن هذه هي فرصتهم الوحيدة في المهدي (ع)-قائلا: أما انکم لا ترونه بعد يومکم هذا. [12] .



[ صفحه 283]



و نجد انه عليه السلام عرض ولده علي أصحابه في اليوم الثالث من ولادته، و أعطاهم المفهوم الصحيح الاساسي الذي أو کله الله تعالي اليه، و عين لهم تکليفهم تجاهه بصفته الامام بعد ابيه. و قال لهم: هذا صاحبکم بعدي و خليفتي عليکم..و هو القائم الذي تمد اليه الأعناق بالانتظار. فاذا امتلأت الأرض جورا و ظلما، خرج، فملأها قسطا و عدلا. [13] .

فهذا و ذاک هو الاعلان الرسمي الکبير الذي قام به الامام العسکري عليه السلام، علي طرفي المدة..بعد الميلاد و قبل الوفاة..لکي يکون هو الاساس الضخم لاقامة الحجة تجاه القواعد الشعبية الموالية. و کان خلال هذه المدة يعرضه علي أشخاص بمفردهم حين يزورونه. فمنهم: عمرو الأهوازي حيث أراه أبو محمد (ع) ولده المهدي (ع) و قال: هذا صاحبکم. [14] .

و منهم: شخص آخر يزور الامام عليه السلام و يريد ان يتأکد من وجود الامام بعده قائلا: يا سيدي من صاحب هذا الأمر. يعني الامامة. فيأمره الامام العسکري (ع) برفع ستر کان مسلا علي باب غرفة الي جنبه. فيرفعه الرجل فيخرج اليهم غلام يقدره الراوي بعشر أو ثمان سنين، واضح الجبين أبيض دري المقلتين شئن الکفين معطوف الرکبتين، في خده الأيمن خال؛و في رأسه ذوابة. فيجلس علي فخذ



[ صفحه 284]



ابي محمد عليه السلام. فيقول الامام للرجل هذا هو صاحبکم. ثم وثب الغلام فقال له أبوه: يا بني ادخل الي الوقت المعلوم [15] يعني وقت ظهوره عجل الله فرجه.

و لا يخفي أن تقدير الراوي لعمر المهدي عليه السلام، لا ينافي ما عرفناه من أن عمره حين وفاه ابيه خمس سنين. فان هذا بحسب عدد السنين هو الصحيح. و أما بحسب النظر الي نمو المهدي عليه السلام و نشاطه البدني،فلا يمکن أن نستبعد ان يبدو في ظرف خمس سنين أو أقل کابن ثمان سنين أو أکثر. و ذلک انطلاقا من أحد اساسين:

الأساس الأول: الميزان الطبي الطبيعي. فانه من المشاهد وجدانا أن کثيرا من الناس لا يمکن تقدير أعمارهم بشکل دقيق، اذ يبدو للناظر انهم أکبر من عمرهم الحقيقي بعدة سنوات أو أصغر بعدة سنوات. فاذا اضفنا الي ذلک نشاطا متزايدا و صحة موفورة لم نستبعد ان يبدو الصبي علي ضعف عمره الحقيقي..حتي علي الموازين الطبية الطبيعية.

الأساس الثاني: ما ورد في بعض رواياتنا من ان نمو الامام المعصوم يکون عادة أسرع من غيره. فمن ذلک ما ورد عن الامام العسکري (ع) نفسه يقول: ان اولاد الانبياء الاوصياء اذا کانوا أئمة ينشأون بخلاف ما ينشأ غيرهم. و ان الصبي منا اذا کان عليه شهر کان کمن أتي عليه سنة. [16] .



[ صفحه 285]



و لعل بالامکان ان نفسر هذا الاساس الثاني بالاساس الأول أيضا، و الله العالم.

و ممن عرضه عليه الامام العسکري عليه السلام، رجل من أهل فارس قصد الامام عليه السلام ليتشرف بخدمته. فاذن له الامام بذلک، فکان مع الخدم يشتري لهم الحوائج لهم الحوائج من السوق. و بقي علي هذه الحال حتي أصبح خاصا و ارتفعت الکلفة بينه و بين الامام..فکان يدخل الدار من دون استئذان اذا لم يکن فيها الا الرجال.

و بينما هو داخل عليه في يوم من الايام، و الرجال عنده، اذ سمع حرکة في البيت -يعني الغرفة -. و ناداه الامام: مکانک لا تبرح. يقول: فلم اجسر اخرج و لا أدخل.فخرجت علي جارية معها شي ء مغطي. ثم ان الامام ناداه و أمره بالدخول فدخل الغرفة.فنادي الجارية فرجعت، فأمرها الامام ان تکشف ما معها. فکشفت عن غلام أبيض حسن الوجه، قدره الراوي بسنتين. و قال الامام: هذا صاحبکم. ثم أمر الجارية فحملته فلم يره بعد ذلک حتي توفي الامام العسکري أبو محمد صلوات الله عليه. [17] .

فنري ان هذا البواب بالرغم من ملازمته للدارود دخوله من دون استئذان أحيانا.. لم يفهم بولادة الامام المهدي عليه السلام و لم يحس بتجدد أي أمر جديد في الدار. و اکتفي الامام العسکري (ع) بعرضه عليه مرة واحدة کما هو الشأن مع جملة من أصحابه و خاصته. بل حتي لو



[ صفحه 286]



فرضنا أن هذا البواب قد ورد الي خدمة الامام (ع) بعد ميلاد ولده عليه السلام، فانه أيضا لم يفهم به الي في اليوم الذي شاء له الامام ذلک.

و هذه الرواية و ان کان المفهوم السطحي منها يدل علي اختصاص الروية بهذا البواب، لکننا لو دققنا النظر نجد ان الرجال الذين کانوا عند الامام و الجارية التي جاءت بالمهدي (ع)، کلهم قد شاهدوه بطبيعة الحال.و ان کان الراوي ناقلا للقصة من زاويته الخاصة.

و ممن عرضه الامام العسکري عليه رجل من أصحابه.. يقول: رأيت صاحب الزمان عليه السلام و وجهه يضي ء کأنه القمر ليلة البدر، و رأيت علي سرته شعر يجري کالخط. و کشفت الثوب عنه.فوجدته مختونا. فسألت أبا محمد (ع) عن ذلک فقال، هکذا ولد و هکذا ولدنا، و لکنا سنمر الموسي عليه لاصابة السنة. [18] يشير بذلک الي ان القانون العام في الأئمة عليهم السلام أن يولدوا مختونين..و لکن السنة الاسلامية في الختان لا ينبغي أن تتخلف عن أحد.فلا بد من امرار الموسي عليه تخفظا علي شکل الختان، و علي التعليم الاسلامي العام.

و من هنا نعرف ان هذه الروية کانت قبل أمرار الموسي، و هو ما يستحب عمله في الاسلام في اليوم الثالث أو السابع من حياة الطفل.

و ممن عرضه الامام العسکري (ع) من أصحابه: أحمد بن اسحاق بن سعد الأشعري، و هو من خاصة الامام و ثقاته. و اعطاه الفکرة الواعية الصحيحه عن غيبة الامام المهدي، وافهمه عدة براهين عن



[ صفحه 287]



امکان الغيبة و صحتها. و مجال البحث و التدقيق في هذه البراهين ليس هو هذا الکتاب، بعد ان کان مقتصرا علي الجهة التاريخية للامام المهدي عليه السلام.ولعلنا نستقصي الکلام فيها في بحث مقبل.

و علي أي حال فان احمد بن اسحاق يقصد زيارة الامام عليه السلام يريد أن يسأله عن الخلف من بعده..و من يتولي الامامة بعد وفاته و يضطلع بشوون الأمة عند ذهابه الي ربه. فيدخل علي الامام، فيقول له الامام مبتدئا: يا أحمد بن اسحاق ان الله تبارک و تعالي لم يخل الأرض منذ خلق آدم عليه السلام و لا يخليها الي ان تقوم الساعة، من حجة علي خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض و به ينزل الغيث و به تخرج برکات الأرض.

قال: فقلت له: يا ابن رسول الله. فمن الامام و الخليفة بعدک؟ فينهض الامام عليه السلام مسرعا و يدخل احدي الغرف، ثم يخرج و علي عاتقه غلام کان وجهه القمر ليلة البدر. من ابناء ثلاث سنين. ثم يقول: يا أحمد بن اسحاق لو لا کرامتک علي الله عزوجل و علي حججه ما عرضت عليک ابني هذا. انه سمي رسول الله صلي الله عليه و آله و کنيه [19] الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا کما ملئت جورا و ظلما.

يا أحمد بن اسحاق، مثله في هذه الأمة مثل الخضر عليه السلام، و مثله مثل ذي القرنين. والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلکة الا من ثبته الله عزوجل علي القول بامامته و وفقه الله للدعاء بتعجيل فرجه.



[ صفحه 288]



قال احمد بن اسحاق: فقلت: يا مولاي فهل من علامة يطمئن بها قلبي. فنطق الغلام عليه السلام بلسان عربي فصيح: انا بقية الله في أرضه و المنتقم من أعدائه. و لا تطلب اثرا بعد عين، يا أحمد بن اسحاق.

قال: احمد بن اسحاق: فخرجت مسرورا. فلما کان الغد عدت اليه، فقلت له:يا ابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت علي فما السنة الجارية من الخضر و ذي القرنين، قال: طول الغيبة يا أحمد قلت: يا ابن رسول الله، و ان غيبته لتطول. قال: أي وربي حتي يرجع عن هذا الأمر أکثر القائلين به، فلا يبقي الا من أخذ الله عزوجل عهده بولايتنا و کتب في قلبه الايمان و أيده بروح منه. يا أحمد بن اسحاق هذا أمر من أمر الله و سر من سر الله و غيب من غيب الله، فخذ ما آتيتک و اکتمه و کن من الشاکرين، تکن معنا في عليين.


پاورقي

[1] انظر اکمال الدين المخطوط.

[2] انظر المصدر.

[3] انظر المصدر.

[4] انظر المصدر.

[5] انظر المصدر.

[6] انظر اکمال الدين. (مخطوط).

[7] انظر اکمال الدين المخطوط.

[8] انظر الاکمال المخطوط.

[9] الغيبة ص 215.

[10] انظر الاکمال المخطوط.

[11] غيبة الشيخ الطوسي ص 147.

[12] انظر اکمال الدين -نسخة المخطوطة.

[13] انظر الاکمال المخطوط.

[14] انظر الارشاد ص 329 و ص 330 مکررا.

[15] انظر اکمال الدين المخطوط.

[16] انظر اکمال الدين المخطوط.

[17] انظر الاکمال المخطوط. و اصول الکافي (مخطوط).

[18] انظر الاکمال المخطوط.

[19] أي انه متحد معه (ص) في الاسم و الکنية.