بازگشت

ولادة الامام المهدي


ولد عليه السلام عند الفجر من يوم النصف من شهر شعبان [1] و حيث يقع الفجر ما بين الليل و النهار، فقد عبر بعضهم ان ولادته کانت في الليل و بعضهم عبر باليوم حيث قال: في يوم الجمعة کالصدوق في اکمال الدين و ابن خلکان في الوفيات.

أما عام ولادته فالمشهور انه عام 255 [2] و ليس علي ذلک اعتراض الا ما يذکره الکليني في الکافي و الصدوق في اکمال الدين. فانهما يرويانها علي وجهين، فتارة قالا: انه ولد عام 255 و تارة اخري قالا: انه ولد عام 256، [3] و تنافيهما في الرواية يوجب الأخذ بالمشهور کما واضح.

و علي ذلک يکون قد ولد عليه السلام بعد وفاة جده الامام الهادي عليه السلام بحوالي عام، و بعد مجي ء المهتدي العباسي الي الحکم باقل من شهر. حيث استخلف المهتدي لليلة بقيت من رجب وولد الامام المهدي في النصف من شعبان في نفس العام. و بقي المهتدي في الحکم حوالي عام واحد حيث ازاله الأتراک و بايعوا المعتمد عام 256.و بقي



[ صفحه 262]



المعتمد في الحکم ثلاثا و عشرين سنة،حتي عام 279 علي ما سمعنا فيما سبق.

و يعاصر الامام عليه السلام من حياة ابيه خمس سنوات، حيث يصعد أبوه الي الرفيق الأعلي عام 260 علي ما سبق ان عرفنا. و قد انصب النشاط الرئيسي خلال ذلک علي امرين رئيسين: احدهما: الحذر التام من السلطة الحاکمة. ثانيهما: تعرف خواص ابيه (ع).

و مهما يکن من أمر، فالمهم الآن ان نحمل فکرة عما تدلنا عليه الروايات من حوادث ولادة الامام المهدي عليه السلام:

ان الامام العسکري عليه السلام تزوره عمته حکيمة في يوم من الأيام، و تبقي عنده الي المساء. و حين تريد ان تنصرف يرجوها الامام عليه السلام ان تبيت في داره هذه الليلة، فانه سيولد فيها المولود الکريم علي الله عزوجل، حجة الله في أرضه. فتسأله العمة: ومن أمه؟.فيقول الامام عليه السلام: نرجس! فتنفي العمة أن يکون بنرجس اثر للحمل. فيوکد لها الامام (ع) ذلک قائلا: هو ما أقول لک فتفحصها العمة جيدا و تقلبها ظهرا لبطن فلا تجد أثر الحمل. فتعود فتخبره تارة اخري. فيبتسم الامام عليه السلام و يعطيها الحجة الواضحة و المبرور الالهي الصحيح في ذلک، قائلا: اذا کان وقت الفجر يظهر لک الحبل..لأن مثلها کمثل أم موسي لم يظهر بها الحبل و لم يعلم بها أحد الي وقت ولادتها، لأن فرعون کان يشق بطون الحبالي في طلب موسي عليه السلام. وهذا نظير موسي عليه السلام.



[ صفحه 263]



و حاصل البرهان الذي يتضمنه کلام الامام عليه السلام بعد ايضاح مقدماته هو: أن الله تبارک و تعالي اقتضت حکمته الازلية ان يستهدف في خلق البشرية هدايتها و ارشادها و اخراجها من الظلمات الي النور.

قال تعالي: و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون. [4] ولا جل هذا الهدف الأعلي کانت بعثات الانبياء و الرسل مبشرين و منذرين. و من هنا کان وعد الله القاطع باقامة دولة الحق علي الأرض. فان الأرض لله يرثها عباده المتقون.

و الهدف الالهي اذا کان لزوما و مهما، توصل الله تعالي اليه بقدرته، بما شاء من الوسائل و الطرق. فانه القادر علي کل شي ء الذي اذا أراد شيئا قال له کن فيکون. فان کان في الامکان تحقق الهدف بالطريق الطبيعي، فهو...و الا توصل الله تعالي الي ايجاده عن طريق خرق النظام الکوني الطبيعي بالمعجزات. کما تحدثنا عنه و فصلنا القول فيه في رسالتنا عن المعجزة ف ي المفهوم الاسلامي و أهون بالجهد البشري أن يکون حائلا أو مانعا بين ارادة الله تعالي و بين تنفيذ ما يريده من الأهداف في خلقه.

و اذ يکون ضغط السلطات الحاکمة عاليا، و يکون لوجود الفرد المطارد أثرا مهم في تحقق الهدف الالهي، و لم يکن حفظه من السلطات بطريق طبيعي، اذن يتعين حفظه بطريق اعجازي..توصلا الي الهدف الکبير و هو هداية البشرية في مستقبل الدهر.



[ صفحه 264]



وبين يدينا الآن مثالان لذلک: احدهما: النبي موسي بن عمران علي نبينا و عليه السلام. فان الله تعالي حين تعلق غرضة المهم الملزم بهداية البشرية به في زمان مستقبل.. و کان ذلک متوقفا علي ولادته صحيحا سالما و لم يکن ذلک ممکنا للضغط العالي المتوجه من قبل سلطات فرعون يومئذ. اذن يتعين حفظه بطريق اعجازي تحفظا علي الغرض الالهي الکبير الذي سيکون موسي عليه السلام المسوول الرئيسي لتنفيذه و تطبيقه في حينه.

المثال الثاني: الامام المهدي عليه السلام الذي تعلق الغرض الالهي المهم الملزم بهداية البشرية به في الزمان المستقبل و تنفيذ وعد الله تعالي بدولة الحق علي يده. و ذلک يتوقف علي ولادته و بقائه سالما. و من هنا افاض الله تعالي عنايته الخاصة و ارادته اللانهائية، تحفظا علي غرضه الکبير و تحديا للجهد البشري المتواضع الذي تبذله السلطات..باقامة المعجز في اخفاء الحمل من ناحية و في بقائه أمدا طويلا من الدهر من ناحية ثانية.

و حيث کان المثال الأول واضحا في اذهان المسلمين، اذن فلا بعد في قدرة الله تعالي أن يقوم بذلک بالنسبة الي المهدي (ع) أيضا.

و المعجزة في اخفاء الحمل يکون -في الأرجح - علي هذا الترتيب: وهو ان النطفة خلال مدة الحمل تنمو ببطء شديد أو لا تنمو علي الاطلاق. ثم انها قبل الولادة بوقت قصير قد لايزيد علي دقائق، تنمو بسرعة حتي يکتمل الجنين، و يکون قابلا للميلاد، في الجو السري



[ صفحه 265]



الخاص البعيد عن أعين السلطات.

و بذلک لا يتمکن أحد من الفاحصين حتي القوابل، خلال المدة الاعتيادية للحمل..من التعرف علي وجوده. فضلا عن مجرد النظر. و ذلک: لأن الطب الي يومنا الحاضر عاجز عن التعرف الي الحمل في شهره الأول، فکيف بالعصور السابقة..عصور الخلافة العباسية. فلو بقي الجنين، بارادة الله تعالي، علي شکله،في الشهر الأول طيلة مدة الحمل، لم يتمکن أحد ان يخمن وجود الحمل علي الاطلاق، في تلک العصور.

و لا يخفانا أيضا، ما في التوقيت في الفجر، من اهمية خاصة في زيادة الحذر و الخفاء، فان هذه العائلة کانت في ذلک الوقت في يقظة. وکل من يتولي السلطة و التجسس يغط في نوم عميق.

ثم ان حکيمة اذ تسع تأکيد الامام عليه السلام، تعود الي نرجس فتخبرها بما قال و تسألها عن حالها. فتقول نرجس: يا مولاتي ما أري بي شيئا من هذا. ثم ان نرجس نامت و اشتغلت حکيمة بالصلاة، لکي تودي صلاة الليل، و جلست للدعاء عقيب الصلاة، وهي في کل ذلک ترقيب نرجس. فلا تجد عليها الا النوم الهادي لا تقلب جنبا عن جنب. و هناک من الأخبار ما يدل علي أن نرجس نفسها قامت من نومتها فأدت صلاة الليل ثم نادمت مرة اخري. و هي لا تحس بشي ء.

حتي اذا کان وقت طلوع الفجر، وثبت نرجس من نومها فزعة، فضمتها حکيمة الي صدرها. و قالت لها: اسم الله عليک، هل تحسين



[ صفحه 266]



بشي ء. قالت: نعم يا عمه. أقول: نعرف من ذلک ان جنينها قد کبر و اکتمل. و تم هذا في دقائق أو أقل. و هذا يفسر لنا و ثوبها من نومها فزعة.

و هنا يأمر الامام عليه السلام حکيمة بأن عليها سورة الدخان التي تبدأ بقوله تعالي: بسم الله الرحمن الرحيم. حم. و الکتاب المبين. انا انزلناه في ليلة مبارکة انا کنا منذرين. فيها يفرق کل أمر حکيم امرا من عندنا أنا کنا مرسلين. ولا يخفي ما في قراءة هذه الآيات من المناسبة لمقتضي الحال.

و حينما يحين وقت الولادة، يحدث نوع من الغموض بين الأمرأتين بحيث لا تطلع حکيمة علي نرجس، و قد عبر عن ذلک في بعض الروايات بالفترة.. وهي نوع من الغفلة أو النعاس..أصابتهما معا. وعبر عنه في رواية اخري، بقول حکيمة: حتي غيبت عني نرجس فلم أرها، کأنه ضرب بيني و بينها حجاب. والمعني المفهوم منها واحد، و الغرض منه هو عدم الاطلاع علي نرجس حين خروج الامام عليه السلام.

و تنتبه حکيمة، فتجد الامام المهدي عليه السلام ساجدا علي الأرض يقول شيئا من الکلام، يعطي به المفهوم الواعي الکبير الذي خلقه الله من اجله و الغرض الذي أو کله و الوعد العظيم الذي اناطه به. لکن الروايات تختلف في اللفظ الذي قاله. ففي احداهما انه قال: اشهد ان لا اله الا الله و ان جدي محمد رسول الله و ان ابي اميرالمومنين.ثم



[ صفحه 267]



عد اماما اماما الي ان بلغ الي نفسه. ثم قال: اللهم انجز لي ما وعدتني واتمم لي امري و ثبت و طأتي، و املأ الأرض بي عدلا. وفي رواية اخري انه قال: الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي سيدنا محمد و آله الطاهرين. زعمت الظلمة ان حجة الله داحضة. و لو اذن لنا في الکلام لزال الشک. وفي رواية ثالثة: انه عليه السلام تلا قوله تعالي شهد الله انه لا اله الا هو و الملائکة و أولو العلم..الي آخر الآية. وفي رواية رابعة: انه تلا قوله تعالي: و نريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين..والي آخر الآية.

و نحن کمسلمين، لا ينبغي ان نستغرب ذلک أو نستنکره، فانه ليس بدعا في الدهر، و ليس شاذا في افعال الله تعالي و قدرته الکبري. وهذا القرآن يصرح بکل وضوح بنطق عيسي بن مريم في المهد: قال اني عبدالله اتاني الکتاب و جعلني نبيا.. اذن فهو نبي في صغره أيضا، و المهدي عليه السلام له الشبه به من کلتا الناحيتين. أما النطق فباعتبار هذا الذي سمعناه. وأما الامامة في الصغر فلانه تولاها و عمره خمس سنوات بعد وفاة ابيه عام 260 للهجرة.

و ينزل الحجة المهدي عليه السلام الي الأرض بدون دماء نظيفا مفروغا منه. فيستدعي به أبوه عليه السلام، فتحمله حکيمة اليه، فيأخذه و يضع لسانه في فيه و يمر يده علي عينيه و سمعه و مفاصله.ثم يقول له: تکلم يا ابني. فقال: اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريک له و اشهد ان محمدا عبده و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم ثم صلي علي



[ صفحه 268]



أميرالمومنين و علي الأئمة الي ان وقف علي ابيه. ثم احجم.

أقول: والروايات تنسب اليه عليه السلام بعد ميلاده کلاما واحدا، ولکنها تختلف في زمانه. فالأکثر انه تکلم عند أول ولادته و واحدة منها تقول انه تکلم بعد حمله الي ابيه-و هو ما نقلناه اخيرا-و يکون مقتضي الجمع بين الروايات انه قد تکلم مرتين، باعتبار ان کل رواية اثبتت شيئا لم تنفه الرواية الاخري. الا ان النتيجة، و هي تکلمه مرتين، يکون منافيا مع فحوي سائر الروايات فالأرجح هو الأخذ بالروايات الاکثر و هو انه تکلم بکلام واحد بعد ولادته مباشرة. فانها بتعددها تکفي للاثبات التاريخي، و ان کان القطع بمثل هذه المسألة مما لا حاجة اليه من الناحية الدينية أو الاجتماعية.

و المفهوم من سياق أکثر الروايات انه لم يکن حال ولادة المهدي الا امه و حکيمة. و کان والده يشتغل بالصلاة و الدعاء في طرف آخر من الدار، مراقبا للوضع عن کثب، الا ان هناک رواية تصرح باستقدام عجوز قابلة من جيرانهم بشکل غامض شديد الکتمان، للقيام بالتوليد [5] و في هذا منافات لأکثر الروايات، و معه فالارجح الأخذ بالأکثر دون هذه الرواية.



[ صفحه 269]




پاورقي

[1] انظر الکافي (مخطوط) و اکمال الدين (مخطوط) و وفيات الاعيان ج 3 ص 316 و الارشاد ص 326 و اعلام الوري ص 393.و نور الابصار ص 170.

[2] انظر الارشاد ص 326 و اعلام الوري ص 293 و ابن خلکان ج 3 ص 316 و ابن الوردي ج 1 ص 232و أبوالفداء ج 1 ص 47و الاتحاف ص 69 و اليواقيت و الجواهر ص 288 والفصول المهمة ص 310 و نور الابصار ص 170.

[3] انظر للمصدرين المخطوطين.

[4] الذاريات 56-51.

[5] انظر الغيبة الشيخ الطوسي ص 145. و اعلم ان ما ذکرناه من قصة الميلاد مستقي من روايات عديدة، موجودة-في الأغلب - في اکمال الدين الشيخ الصدوق. الا ان مما يساعد علي سعة الاطلاع في هذا الصدد مراجعة کتاب الغيبة للشيخ الطوسي و الخرايج و الجرايح للقطب الراوندي و البحار ج 13 العلامة المجلسي و منتخب الأثر للصافي و غيرها.