بازگشت

عرض عام


تميزنا بوضوح خلال سيرنا التاريخي، الظروف التي عاشها الامامين العسکريين عليهما السلام و ولد فيها الامام المهدي (ع).

فالبلد سامراء عاصمة الدولة العباسية يومذاک.و ابوه وجده عليهما السلام، قد قهرا من قبل السلطات علي الاقامة في سامراء تطبيقا لسياسة التقريب الي البلاط..التي عرفناها.

و هما عليهما السلام يتکفلان الاصلاح الاسلامي مهما وسعهما الأمر.و يمثلان جانب المعارضة الصامدة أمام انحراف الحکام عن الخط الرسالي



[ صفحه 238]



الذي جاء به نبي الاسلام (ص)..بالشکل الذي لا يتنافي مع سياسة المدينة التي اتخذاها تجاه الدولة. و هما يقومان في عين الوقت بالرعاية العامة لمصالح أصحابها و مواليهما في شوونهم العامة دائما و الخاصة في کثير من الاحيان. و يکون النشاط في الغالب سريا محاطا بالکتمان و الرمزية قولا و عملا. و يختص الصريح منه بالخاص من الأصحاب الذين تعرف منهم قوة الارادة و الصمود أمام ضغط الحکام.

و الامامين عليهما السلام يقبضان الاموال و يوزعانها بحسب الامکان عن طريق الوکلاء المنتشرين لهم في مختلف بقاع البلاد الاسلامية. والفود ترد بين حين و آخر من الموالين لهم في الأطراف حاملة المال و المسائل من بلادهم لأجل تسليمها و تبليغها للامام عليه السلام.

و اما السلطات، بما فيهم الخليفة نفسه، علي اختلاف شخصه، و بما فيهم الأتراک و الموالي، و خاصة القواد منهم. و کذلک العباسيون بشکل عام و علي رأسهم الموفق طلحة بن المتوکل. و کذلک الوزراء و القضاة کابن ابي دواد و ابن أکثم و ابن ابي الشوارب و غيرهم... کل هولاء يمثل خطا واحدا من الناحية السياسية و الاجتماعية، اساسه الانتفاع المصلحي من الدولة القائمة المتمثلة بالخلافة العباسية. و الحرص عليها أشد الحرص، حفاظا علي مصالحهم و منافعهم. فکان ذلک موجبا لحذر السلطات الدائم و التوجس المستمر من کل قول أو فعل يصدر من الامام عليه السلام أو من اصحابه.. فکان السجن و الأغلال هو النهاية الطبيعية لکل من يفکر في ولاء الامام أو التعامل



[ صفحه 239]



الاجتماعي معه.

بل ان الأمر ليشتد و يتازم أحيانا، فينتهي الامر الي القاء القبض علي الامام نفسه. و من المعلوم ان القاء القبض علي القائد، هو سجن مبادئه و مثله و قواعده الشعبية و تحد لها. و يبقي الامام مسجونا مدة، ثم يخرج ليسجن مرة ثانية.

و کانت السلطات تحاول جاهدة عزل القواعد الشعبية، للامام عن الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، فکان الفرد منهم يعاني الخوف و الفقر و المرض، من دون ان يجد ناصرا أو معينا سوي ادعية امامه عليه السلام و قلوب اخوانه.

علي اننا عرفنا ان الامام لم يکن مريدا الاستيلاء علي السلطة في ذلک المجتمع المنحرف..و انما کان غاية همه رعاية مصالح أصحابه و ادارة شوونهم..و کان هذا النشاط هو الذي يثير السلطات و ينفرها، منظما الي وهمها الخاطي ءباحتمال أخذ الامام بحقه الذي يعتقده مشروعا في الاستيلاء علي السلطة..فکانت تبذل الجهود ضد ذلک.

و قد استطاع الامامان عليهما السلام، بالرغم من کل ذلک و من سياسة المراقبة و التقريب الي البلاط..ان يخفيا نشاطهما ويسترا الاموال و الواردة اليهما و الصادرة عنهما و التعاليم التي تبليغ من قبلهما. و بذلک استطاعا أن يأمنا قسطا کبيرا من العذاب الذي کان يصيبهما و أصحابهما لو لا ذلک، و أن يحققا کثيرا من المصالح التي کانت مما يحال د ونهما بغير ذلک.



[ صفحه 240]



علي ان السلطات بمختلف طبقات حکامها و موظفيها و أهل الأمر النافذ فيها، و علي تفاوتهم في التعصب أو حسن التفکير..کانوا يعرفون في قرار قلوبهم و داخل نفوسهم، حق الامام و يحترمونه بالغ الاحترام و يعتبرونه خير خلق الله في عصره بما له من العبادة و العلم و الاخلاق و النسب.. لايختلف في ذلک الموالون عن غيرهم، و لا الخلفاء عمن سواهم. و بخاصة المعتمد الذي رأيناه-في ابان احساسه بالضعف -يأتي الي الامام العسکري عليه السلام بنفسه و يتوسل اليه ان يدعو له بالبقاء في الخلافة مدة عشرين عام..فيجيبه الامام الي طلبه و يدعو له.

و هذا الخليفة العباسي، هو الذي عاصر ايام المهدي عليه السلام من أولها، و توفي الامام العسکري عليه السلام في أيامه. و هو الذي تصدي للفحص عن ترکه الامام و ورثته و مراقبة الحوال من نسائه علي ما سنذکر.. و کل ذلک يدل علي انه يعرف الحق و يخاف منه.. و يفرق من فکرة المهدي و وجوده..لعلمه انه الامام القائم بالحق الساحق للانحراف و المنحرفين من الحکام و المحکومين.

و قد کانت أفکار المسلمين و بخاصة الموالين للأئمة عليهم السلام، مليئة بالاعتقاد بوجود المهدي (ع) للتبليغ المستمر المتواتر منذ زمان النبي (ص). الي زمان الامام الحسن العسکري (ع). يتعاضد في ذلک سائر المذاهب الاسلامية. ففي عين الوقت الذي يبلغ الامامان العسکريان عليهما السلام عن غيبة ولدهما المهدي (ع)..يکتب البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجه في صحاحهم اخباره



[ صفحه 241]



و کلهم يعيشون في تلک الفترة من الزمن أو متقدمون عليها قليلا.. [1] يروون هذه الأخبار عن النبي (ص) جيلا بعد جيل:

و لم يکن ليفوت الامامين العسکريين (ع) التمهيد المباشر لغيبة الامام المهدي (ع) و تعويد أصحابهم فکرا و سلوکا عليها، و ذلک باتخاذ نظام الوکلاء أولا و تخطيط الاحتجاب عن الناس ثانيا.. وکلا الامرين سوف يکون مطبقا في الغيبة الصغري للمهدي (ع) علي ما سنعرف. وقد کان هذا التمهيد بالنسبة الي الامام الهادي عليه السلام قليلا مجملا لبعده النسبي عن عهد المهدي عليه السلام. وقد تکفل القسط الأکبر من ذلک أبوه الامام العسکري عليه السلام.

فهذه هي الظروف العامة و الخاصة التي ولد فيها الامام المهدي، و قد عرفنا لکل فقرة منها شواهد و دلائل استعرضناها بالتفصيل.


پاورقي

[1] فمن المتقدمين عليها البخاري صاحب الصحيح المتوفي عام 256. و مسلم صاحب الصحيح المتوفي عام 261 و من المعاصرين لهذه الفترة ابن ماجة القزويني المتوفي عام 273 و أبو داود السجستاني المتوفي عام 275 و أبو عيسي الترمذي المتوفي عام 279 (انظر وفيات الأعيان و غيره).