بازگشت

هل مات الامام مقتولا؟


لم يبق لدينا الآن مما يدخل ضمن غرضنا من تاريخ الامام الحسن العسکري، الا التعرض لوفاته. و هذا ما نرجئه الي الفصل القادم، فانه الصق به کما سيأتي.

و انما الذي نود الاشارة اليه، هو انه هل من المستطاع القول أن الأئمة عليهم السلام جميعا ماتوا مستشهدين علي أيدي خلفاء زمانهم و بتسبيب من قبلهم..بحيث ان الامام الهادي عليه السلام قتله المعتز و الامام العسکري عليه السلام قتله المعتمد..أو لا يمکن ذلک. و قد يمکن القول-لو انکرناه -:ان الامام مات حتف انفه.

و ما يمکن به اثبات استشهاد الامام أحد وجوه ثلاثة محتملة:

الوجه الاول: الاستناد الي ما روي عن الامام الصادق عليه السلام: ما منا الا مقتول أو شهيد [1] فجيمع الأئمة عليهم السلام انما يخرجون من الدنيا بالقتل أو الشهادة، و ليس فيهم من يموت حتف انفه.

و القاتل لهم علي طول الخط.. هو الحکام الذين کانوا دائما علي حذر من الأئمة عليهم السلام و من نشاطهم الاسلامي. لأنهم عليهم السلام کانوا يمثلون دائما جبهة المعارضة الصامدة ضد الانحراف الاساسي عن تعاليم الاسلام الذي تمثله الخلافة الاموية و العباسية، و من ثم تنسب وفاة کل امام -مع عدم وجود اثبات تاريخي آخر-الي الخليفة الذي توفي في



[ صفحه 230]



عصره. فالامام الهادي عليه السلام الذي توفي في عصره المعتز، قد قتله المعتز أو تسبب الي موته بالسم بشکل من الاشکال. و الامام العسکري الذي توفي في عصر المعتمد، قد قتله المعتمد و تسبب الي ذلک بالسم من طرف خفي.

و علي هذا الوجه اعتمد جملة من علمائنا قدس الله ارواحهم.قال الطبرسي: [2] و ذهب کثير من أصحابنا الي انه -يعني الامام العسکري عليه السلام -مضي مسموما، و کذلک أبوه وجده و جميع الأئمة عليهم السلام، خرجوا من الدنيا بالشهادة. ثم ذکر الطبرسي استشهادهم بالحديث المنقول عن الامام الصادق (ع). ثم قال: والله أعلم بحقيقة ذلک.

أقول: و هذا يتوقف علي صحة هذا الحديث و ثبوته.و لعل في اعتماد علمائنا عليه ما يرجح ثبوته..والله العالم.

الوجه الثاني: الانطلاق من الفکرة القائلة: بان الامام المعصوم عليه السلام، خلقه الله تعالي کاملا في بنيته الجسمية و ترکيبه البدني معتدلا من جميع الجهات. و لا يمکن ان يصيبه الموت أو التلف الا بعارض خارجي من قتل و نحوه.و أما لو لم يحدث عليه حادث فانه قابل للبقاء أبد الدهر من دون هرم و لاموت.

و استنتجوا من هذه الفکرة ثلاث نتائج.

النتيجة الأولي: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم،لابد و ان



[ صفحه 231]



تکون وفاته مسببة عن القتل، فانه لم يکن قابلا للموت التلقائي و خاصة في مثل العمر الذي مات فيه. واختلفوا في سبب قتله، فقال جمهور اخواننا أهل السنة ان السم الذي اکله في الذراع الذي قدمته له اليهودية، اثر فيه بعد عدة سنوات. و قال بعض الخاصة انه (ص) مات نتيجة لعمل تخريبي مباشر من قبل بعض المنافقين.

النتيجة الثانية: ان الأئمة عليهم السلام جميعا، ماتوا بسبب القتل، ضربا بالسيف أو تناولا للسم. فما کان من تلک الأسباب معروفا و ثابتا تاريخيا، کان مويدا لهذه الفکرة التي انطلقنا منها، و ما لم يکن له اثبات التاريخي، صارت هذه الفکرة اثباتا له.

النتيجة الثالثة: ان الحجة المهدي المنتظر عليه السلام، حيث انه لم يصب بحادث تخريبي يودي بحياته، فهو باق في الحياة. وسوف تستمر حياته ما دام لم يصب بسوء. و اما موته بعد ظهوره و قيامه بدولة الحق، فيکون بالقتل أيضا، علي ما ورد في رواياتنا، علي ما سنذکره في محله من بحوثنا الآتية. [3] .

بل ان بقاء الحجة المهدي، طوال هذه المئات من السنين، يکفي اثباتا لهذه الفکرة، عند من يريد ان يأخذ بمدلولها. فانه عليه السلام امام معصوم، و کل امام معصوم غير قابل للموت و الفناء الا بعارض خارجي کالقتل، و من هنا لا يکون عليه السلام قابلا للموت مهما طال الزمن، بعد احراز عدم طرو شي ء من الحوادث عليه.



[ صفحه 232]



والذي أود ان أشير اليه: ان هذه الفکرة، لاتنافي قوله تعالي: کل نفس ذائقة الموت. و لا تکون هذه الآية دليلا علي بطلانها. لأن الآية تعرب عن موت کل حي، و هو ما يتحقق في الخارج حتي للمعصومين عليهم السلام قبل يوم القيامة علي أي حال. و ليس المدعي فيهم الخلود أو ضرورة الحياة، و انما المدعي هو وجود قابلية الحياة لدي المعصوم ما لم يحدث حادث يوجب الموت. و معه يکون تطبيق هذه الآية بالنسبة الي المعصومين هو طرو الحوادث التي توجب الوفاة.

و علي أي حال، فان هذه الفکرة تحتاج الي اثبات، و لم أجد في حدود تتبعي، نصا في الکتاب أو السنة يدل عليها. لکن قد يستدل لها بالرواية التي ذکرناها في الوجه الأول: ما منا الا مقتول أو شهيد. اذ کان المستفاد منها عدم امکان موتهم الا بطريق الشهادة و القتل.

کماقد يستشهد لهذه الفکرة بما روي عن الامام العسکري عليه السلام من قوله: و لسنا کالناس فنتعب کما يتبعون [4] باعتبار ان ذلک انما هو لأجل توفر القوة البدنية بشکل غير متوفر في سائر الناس.

ولازم ذلک ان الناس بقوادهم العادية يکونون قابلين للموت، و اما اذا کانت هذه القوه العليا موجودة فيکون فيها مقتضي الحياة، و لا تکون قابلة للموت الا بموثر خارجي و حادث طاري ء.

الوجه الثالث: لاستشهاد الأئمة عليهم السلام. و هو وجه خاص بالمتأخرين منهم عليه السلام.



[ صفحه 233]



و ذلک: نظرا الي ان الامام الجواد و الامام الهادي و الامام العسکري عليهم السلام، لم يکتب لهم أن يعمروا، بل وافتهم المنية و هم في آبان شبابهم علي اختلاف اعمارهم. فالامام الجواد کان له يوم قبض خمس و عشرون سنة و اشهر [5] و الامام الهادي له احدي و اربعون سنة [6] و الامام العسکري له ثمان و عشرون سنة [7] علي ما عرفنا من تاريخ ولادته و وفاته. والغالب حتي في الفرد العادي، هو ان يعمر أکثر من ذلک، خاصة في الامامين: الجواد و العسکري عليهما السلام. بل أن في عصرنا الحاضر من الشباب في هذا العمر من يعتبر نفسه غير خارج من دور الطفولة بعد!! و له بالزواج أمل قريب!! و لو سألته عما بقي لديه من العمر لم يشک في کونه خمسون أو ستون سنة علي أقل تقدير.

اذن فلماذا توفي هولاء الأئمة بهذا العمر القصير؟ ليس لذلک الا احد سببين: احدهما: المرض. و الآخر: القتل من قبل السلطات.

أما المرض فهو غير محتمل لأحد أمور ثلاثة:

الأمر الأول: انه غير منقول عن الامام الجواد والامام الهادي عليهما السلام، و انما نقل في الامام العسکري (ع) انه کان معتلا قبل وفاته علي ما سوف نقول في حينه. و لکننا لم نحرز أن هذه العلة مستقلة عن الفعل التخريبي من قبل السلطات. اذ لعلها ناشئة من السم المدفوع اليه، و هذا الاحتمال لا دافع له، و هو المقصود.



[ صفحه 234]



الأمر الثاني: انه اذا کان المرض القاتل في أبان الشباب محتملا في واحد بعينه، فهو غير محتمل في ثلاثة، کلهم يموتون صدفة بسبب مرض يصيبهم في زهرة العمر، من دون سبب مشترک أو علة و رائية و نحو ذلک.

الأمر الثالث: القاعدة التي اعطيت في الوجه الثاني: القائلة بان جسم الامام غير قابل للتلف الا بعارض خارجي. و لا أقل من احتمالهما.فاذا بطل احتمال المرض، غير المستند الي التخريب، بأحد هذه الوجوه أو جميعها، تعين السبب الآخر للموت و هو وفاته شهيدا بيد السلطات الحاکمة يومئذ، اذ ليس هناک سبب آخر محتمل کسقوط شي ء عليه أو وقوعه من شاهق أو قتله بيدلص مثلا، فان کل ذلک مما لم يقل به أحد.

وکلنا يعرف شأن السلطات الحاکمة يومئذ. فاننا بعد ان نحمل فکرة مفصلة عن ذلک، من وقوف الأئمة عليهم السلام موقف المعارضة ضد انحرافات الحکام. و من الحقد الوراثي عند الحکام ضد الخط الذي يمثله الأئمة عليهم السلام.و کانت کل مصادر القوة و السلاح و نفوذ الحکم بيد الخلفاء و لم يکن بيد الأئمة و لا أصحابهم شي ء. و انما کانوا يمثلون دور المعارضة بشکل أعزل لا يراد به الا العدل الاسلامي و رضاء الله عزوجل.

أقول: ولعل هذا الوجه الثالث علي استشهاد الأئمة هو أقرب هذه الوجوه الي الوجدان، فانه يورث القطع بنتيجة وهي استشهاد الأئمة



[ صفحه 235]



عليهم السلام بيد السلطات الحاکمة، سواء کان السبب المباشر لذلک هو الخليفة نفسه، باعتبار کونه المسوول الرئيسي في المحافظة علي کيان الخلافة العباسية، أو غيره من صنائعه أو المسيطرين عليه، کبعض الموالي و الأتراک أو القواد أو القضاة.

و أما اذا لم تتم عند أحد هذه الوجوه، و توخينا الاثبات الخاص علي کل أمام بمفرده انه مقتول أو شهيد. فسوف لن يسعفنا التاريخ بطائل. حتي ان الشيخ المفيد في الارشاد يقول عن الامام الجواد عليه السلام: و قيل انه مضي مسموما ولم يثبت بذلک عندي خبر. [8] .

و اما الامام الهادي عليه السلام، فنجد بعض من تعرض لوفاته يذکر انه: قيل انه مات مسموما، کابن الجوزي في تذکرته [9] و المسعودي في المروج [10] و قال عنه الطبرسي: انه استشهد. [11] و قال ابن شهر اشوب: انه استشهد مسموما. و اضاف: و قال ابن بابويه: وسمه المعتمد. [12] أقول: و هذا المعتز قبل خلافة المعتمد بسنتين و ذلک في عام 254 و استخلف المعتمد عام 256. و عرفنا ان الامام الذي توفي في



[ صفحه 236]



أيام خلافة المعتمد هو الامام العسکري عليه السلام.اذن فهذا النقل سهو أما من ابن بابويه أو من ابن شهر أشوب رضي الله تعالي عنهما.

و اما المفيد في الارشاد و الاربلي في کشف الغمة و ابن خلکان في تاريخه و سائر مولفي التاريخ العام ممن تعرض لوفاة الامام الهادي کابن الأثير و ابي الفداء وابن الوردي و ابن العماد، فلم يذکروا لوفاته سببا.

و نفس هذا الموقف يقفه هولاء جميعا بالنسبة الي الامام الحسن العسکري عليه السلام.يضاف اليهم بن الجوزي فانه أيضا لم يصرح هنا بشي ء. و قال ابن شهر أشوب: و يقال انه استشهد. [13] و أما الطبرسي فقد عرفنا موقفه من ذهاب کثير من الأصحاب الي انه عليه السلام ذهب مسموما للحديث الوارد عن الامام الصادق (ع). و کان تعليق الطبرسي علي ذلک قوله: والله أعلم بحقيقة الحال. مما يدل علي عدم تأکده منه، علي أقل تقدير.

و علي أي حال، فانه ان اعوزنا التاريخ، کفانا ما اثبتناه من القرائن العامة علي ذلک.و الله من وراء القصد.



[ صفحه 237]




پاورقي

[1] اعلام الوري ص 349.

[2] اعلام الوري ص 349.

[3] في الکتاب الثالث من هذه الموسوعة.

[4] المناقب ج 2 ص 534 و رجال الکشي ص 481.

[5] الارشاد ص 307.

[6] المصدر ص 314.

[7] المصدر ص 325.

[8] انظر ص 307.

[9] ص 375.

[10] ص 86 ج 5.

[11] اعلام الوري ص 339.

[12] المناقب ص 506 ج 3.

[13] المناقب ج 3 ص 523.