بازگشت

تعاليمه و بياناته عن المهدي


کحلقة من تبليغات آبائه واجداده عنه عليه السلام. مع زيادة جديدة تخص الامام العسکري (ع) بصفته الوالدالمباشر للمهدي و المخطط الأخير لغيبته.

و تتخذ هذه البيانات علي لسان الامام أشکالا ثلاثة.

الشکل الأول: بيان عام کبيانات آبائه عليهم السلام، في صفات المهدي بعد ظهوره و قيامه في دولة الحق.



[ صفحه 215]



فمن ذلک قول الامام العسکري عليه السلام في جوابه لبعض أصحابه حين سأل عن القائم اذا قام بم يقضي و اين مجلسه الذي يقضي فيه. فکتب عليه السلام: سألت عن القائم. فاذا قام قضي بين الناس بعلمه کقضاء داود، لا يسأل البينة. [1] .

و أود ان اشير في هذه الرواية الي جهتين:

الجهة الاولي: ان السوال و الجواب بين المسائل و الامام (ع) کان بطريق المکاتبة لا المشافهة. وهذا تطبيق لسياسة الامام في الاحتجاب تمهيدا لفکرة الغيبة علي ما سنعرف.

الجهة الثانية: ان المزية الرئيسية لقضاء داود عليه السلام هو عدم المطالبة بالبينة، حيث نراه قال للمدعي: لقد ظلمک بسوال نعجتک الي نعاجه. [2] من دون ان يلتفت الي صاحبه فيسأله عن رأيه ولا ان يطالب المدعي بالبينة المثبتة لدعواه.

و علي أي حال، فتطبيق ذلک من قبل المهدي عليه السلام يتوقف الجزم به علي صحة هذه الروايات التي اعربت عنه. وفي بعضها ما يدل علي انه عليه السلام يقوم بذلک بعد ظهوره مرة واحدة امتحانا لأصحابه و استيثاقا منهم؛ کما کانت نفس الحادثة بالنسبة الي النبي داود عليه السلام امتحانا له (و ظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه و خر راکعا و أناب). و لعلنا نعرض الي تفصيل ذلک في بعض بحوثنا الآتية. [3] .



[ صفحه 216]



الشکل الثاني ان يتخذ بيان الامام (ع) عن المهدي شکل النقد السياسي لبعض الأوضاع القائمة آنئذ، مقترنة بفکرة ان المهدي (ع) حينما يظهر فانه يأمر بتغييرها. و کل ما يأمر المهدي بتغيره فهو باطل للتسالم علي کون حکمه قائما علي العدل الاسلامي، کما جاء به رسول الله صلي الله عليه و آله.

فمن ذلک قوله عليه السلام: اذا خرج القائم يأمر بهدم المنابر و المقاصير التي في المساجد.. و المقاصير غرف معينة بناها الخلفاء في المساجد حتي يصلوا فيها بامامة الجماعة منفصلين عن جماعتهم، لأجل حفظ غرضين من اغراضهم هما الأمن اثناء الصلاة من الاعتداء وزرع الهيبة في نفوس الآخرين. و هذا العمل مما يعتقد الامام بطلانه، و لا زال من واضحات الفقه الامامي فساد الجماعة اذا صليت بانفصال الامام عن المأمومين. و من ثم يکون من الحق ان يأمر المهدي بازالة ذلک عن الوجود.

غير اننا نجد الراوي لم يفهم الوجه في ذلک، و تساءل في نفسه مستغربا: لأي معني هذا، فيقبل عليه الامام و يقول: معني هذا انها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي و لا حجة. [4] .

الشکل الثالث: ان يتخذ بيان الامام شکل الوصية العامة و النصيحة التوجيهية الکبيرة، لقواعده الشعبية. و اعطائهم الفکرة الصحيحة الحقة، فيما هو تکليفهم الاسلامي في سلوکهم النفسي و الاجتماعي، تجاه



[ صفحه 217]



ما سيعانونه، من غيبة امامهم و انقطاعهم عن القيادة المعصومة ردحا من الدهر.

فنراه عليه السلام يکتب الي أحد علمائنا الأبرار ابي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي، رسالة بهذا الشأن يقول فيها: عليک بالصبر و انتظار الفرج. قال النبي (ص) أفضل أعمال امتي انتظار الفرج..و لا يزال شيعتنا في حزن حتي يظهر ولدي الذي بشر به النبي (ص) يملأ الأرض قسطا و عدلا کما ملئت جورا و ظلما. فاصبر يا شيخي يا أبا الحسن علي، و أمر جميع شيعتي بالصبر. فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين. [5] .

فهذا هو أعلي مستوي اسلامي واعي، للسلوک الصحيح للفرد المسلم في اثناء الغيبة، و من هنا نري الامام عليه السلام يوکد في عبارته هذه علي عدة مفاهيم:

المفهوم الأول: الصبر بمعني تحمل المشاق و العقبات و الارتفاع فوق مستوي الآلام التي تنجم عن فعل الظالمين خلال عصر الغيبة، و عن انعدام القيادة الرشيدة الموحدة. فانه يجب ان لا تکون المصاعب مثبطات للعزم و موهنة لقوة الارادة التي يحملها المومن بين جنبيه، تجاه مسالمة الباطل و التعاون مع المبطلين.

المفهوم الثاني: انتظار الفرج..و توقع اليوم الذي ينفذ الله تعالي به وعده الکبير الذي قطعه علي نفسه في کتابه الکريم بقوله تعالي:



[ صفحه 218]



وعد الله الذين آمنوا منکم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض و ليبدلنهم من بعد خوفهم امنا، يعبدونني لا يشرکون بي شيئا؛... [6] الوعد باعطاء القيادة العالمية و التوجيه البشري العام بيد الزمرة المومنة الصالحة، التي کانت في عصور الظلم و الفساد مضطهدة خائفة.. الوعد الذي تظهر به نتائج جهود کل الانبياء و الاوصياء و الشهداء و الصالحين و تتکلل کل متاعبهم بالنجاح..الوعد الذي يتم بتخطيط من الله عزوجل و تنفيذ من قبل القائد الأکبر الحجة المهدي عليه السلام.

و لا يخفي ما في الانتظار المنسجم مع المبادي ء الاسلامية العليا، من الأثر الايجابي علي نفس المومن و سلوکه. اذا تصورنا ما في الياس و القنوط من أثر سلبي عليه، في اضعاف معنوياته و کبح جماعه و الکفکفة من نشاطه..اذا لم يکن لنشاطه أمل يرجي أو نتيجة تقصد. علي حين ان هذا الانتظار أو الأمل يعطيه الدفع الثوري، الکافي ايمانا و سلوکا لکي ينخرط الفرد في سلک الأنبياء و الشهداء و الصالحين..و يشارک بمقدار جهده بتمهيد المقدمات ليوم الله الموعود.

المفهوم الثالث: اعطاء القيادة العامة في زمن الغيبة الي العلماء بالله، الذين يمثلون خط الامام عليه السلام..ذلک المفهوم الذي اعطاه الامام الصادق عليه السلام صيغته التشريعية بقوله: ينظر ان من کان منکم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احکامنا، فليرضوا به حکما فاني قد جعلته عليکم حاکما. فاذا حکم بحکمنا فلم يقبل منه،



[ صفحه 219]



فانما استخف بحکم الله و علينا رد، و الراد علينا راد علي الله و هو علي حد الشرک بالله. [7] .

اوضحه و اعطاه صيغته الاجتماعية الکاملة الامام الهادي عليه السلام حين قال: لو لا من يبقي بعد غيبة قائمکم عليه السلام من العلماء الداعين اليه و الدالين عليه، و الذابين عن دينه بحجج الله، و المنقذين لضعفاء عبادالله من شباک ابليس و مردته، و من فخاخ النواصب، لما بقي أحد الا ارتد عن دين الله..و لکنهم الذين يمسکون ازمة قلوب ضعفاء شيعتنا کما يمسک صاحب السفينة سکانها.اولئک هم الافضلون عند الله عزوجل. [8] .

والاساس العام الذي تقوم عليه هذه البيانات، هو: ان المسلمين الممثلين لخط الأئمة عليهم السلام و قواعدهم الشعبية الکبري يجب ان لا تبقي -في زمن الغيبة و انقطاع القيادة المعصومة و مصدر التشريع -خالية عن المرشد و الموجه و الفکر المدبر..يعطيهم تعاليم دينهم و يرتفع بمستوي ايمانهم و عقيدتهم، و يشرح لهم اسلامهم، و يوجههم في سلوکهم الي العدل و الصلاح و رضاء الله عزوجل. فان من الجماهير -ان لم يکن الأکثر -من يکون ضعيف الايمان و الارادة، و يحتاج في تصعيد مستواه الرواحي و عمله الايماني الي مرشد و موجه، و الا کان لقمة سائغة لمردة ابليس و شباکه من اعداء الدين و المنحرفين و ذوي الأغراض الشخصية و المصالح الظالمة.



[ صفحه 220]



و من هنا نري الامام العسکري عليه السلام أيضا يوکد علي ذلک، فان ابن بابويه حلقة من سلسلة العلماء الصالحين، فهو يريد ان يشجعه أکبر تشجيع و يجعل له بين قواعده الشعبية عنوانا کبيرا و أمرا نافذا فيقول له تارة: يا شيخي يا أبا الحسن. و يقول له تارة اخري: و أمر شيعتي بالصبر. فکأن مراسلته مراسلة للجميع و تبليغه بالتعاليم تبليغ للکل، لأنه هو المشرف علي مصالح هذه الجماهير الموالية للأئمة عليهم في عصره الخاص الذي سيکون من عصور الغيبة في أول وجودها.

المفهرم الرابع: ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده.. والعاقبة للمتقين. فليست الأرض لأي حاکم من البشر، و انما هي بارادة الله و ادارته..انها لله و اذا کانت لله فهو الذي يعطيها لمن يشاء من عباده.. وقد شاء الله تعالي أن يکون ميراث الأرض و الحکم النهائي فيها للمتقين ليکونوا خير خلف لشر سلف، فتملأ الأرض بهم عدلا بعد ان ملئت جورا. و اذا کانت هذه هي ارادة الله، فالمومن لا بد له ان يخضع لها و يقوم بمتطلباتها.

اذن فليست عصور الظلم و الانحراف، التي نعيشها في عصور الغيبة -بالرغم من وضوحها في الاذهان و رسوخها في النفوس -ليست الا نتيجة للامهال الالهي الذي قدره لعمر أي حضارة من الحضارات قال الله تعالي: و ضرب الله مثلا قرية کانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من کل مکان فکفرت بانعم الله.. فاذاقها الله لباس الجوع و الخوف



[ صفحه 221]



بما کانوا يصنعون. [9] و قال عزوجل: و لا يحسبن الذين کفروا انما نملي لهم خيرا لأنفسهم..انما نملي لهم ليزدادوا اثما و لهم عذاب مهين. [10] .

فليس هذا الکفر و الانحراف قدرا اضطراريا أو وضعا جبريا، يجب الاعتراف به و الخضوع لتياره..بل هو مهلة لهم و فسحة في حياة حضارتهم، حتي يستکملوا انحرافهم و يتمرسوا في ظلمهم و تتم الحجة الدامغة عليهم..فاذ اراد الله تعالي تنفيذ وعده العظيم، اخذهم بذنوبهم و البسهم نفس اللباس الذي کانوا يضطهدون به المومنين: لباس الجوع و الخوف، و أورث الأرض لعباده الصالحين يتبوون فيها حيث يشاء، تحت راية المهدي عليه السلام، و لنعم عقبي المتقين.

اقول: و مثل هذا الشکل من البيان بجميع مفاهيمه، مما يختص به الامام العسکري عليه السلام، ولم يکن ليصدر عن أحد من آبائه عليهم السلام لمدي البعد الزمني بين عصورهم و عصر الغيبة، و انما يصدره الامام العسکري بصفته الامام الاخير فيما قبل عصر الغيبة، و المخطط المباشر لها و المسوول الأکبر عن تطبيق مستلزماتها. مما يستدعي التفصيل و التأکيد أکثر من ذي قبل بطبيعة الحال.


پاورقي

[1] انظر الارشاد ص 323.

[2] السورة 24:38.

[3] انظر الکتاب الثالث من هذه الموسوعة.

[4] المناقب ج 3 ص 536.

[5] الصدر السابق ص 527.

[6] النور 55:24.

[7] الوسائل، کتاب القضاء ج 3 ص 424.

[8] الاحتجاج ج 2 ص 260.

[9] السورة 112-16.

[10] السورة 178-2.