بازگشت

موقف الامام من ساجنيه


واقصد بهم من يتولي سجنه و الاشراف عليه من قبل الدولة. فقد کان عليه السلام يقيم عليهم الحجة الواضحة التي يجعلهم بها يومنون به أعمق الايمان، و بالتالي: بجريمة من أمر بسجنه و رضي به.

الا أنه کان يقيم الحجة بطريق غير مباشر، لا يستخدم فيه الوعظ و الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر..و انما يقيمها بافعاله..بعبادته..بزهده..بالآيات التي يتعمد أقامتها أمامهم بکل بساطة و هدوء. ومن ثم



[ صفحه 187]



نري ان السجان حين يومن به، يختص ايمانه بشخص الامام من دون ثقافة تفصيلية، تلک الثقافة التي لم تکن متوفرة عند أمثال هولاء الا باقل القليل. ما لم يفترص ان الامام يستطيع أن يزرق اليه بالکناية ولباقة التعبير بعض التوجيهات، وخاصة بعد أن أصبح السجان -وهو عين الدولة عليه -مواليا له لا يحتمل في شأنه أن يشي به.

فمن ذلک انه حبس أبو محمد عليه السلام عند علي بن اوتامش، و هو أحد أتراک العاصمة العباسية. و کان شديد العداوة لآل محمد عليهم السلام غليظا علي آل ابي طالب.. فما أقام الا يوما حتي وضع خديه له، و کان لا يرفع بصره اجلالا واعظاما. و خرج من عنده و هو احسن الناس بصيره و أحسنهم قولا فيه. [1] .

و هذه الرواية، و التي نذکرها بعدها أيضا، تهملان ذکر الخليفة الذي أمر بسجن الامام. و هذا من فجوات التاريخ التي يصعب الوقوف فيها علي أمر يقين.

و من ذلک انه عندما حبس الامام عليه السلام، دخل العباسيون علي صالح بن وصيف فقالوا له: ضيق عليه. فلم يستنکر ابن وصيف ذلک، الا انه اراد ان يعلن اعتذاره عن عجزه عن التضييق عليه، فقال: وکلت به رجلين من شر من قدرت عليه: علي بن بارمش و اقتامش.. فقد صارا من العبادة و الصلاة الي أمر عظيم يضعان خديهما له. ثم ان ابن وصيف أمر باحضارهما لا ستجوابهما أمام النفر العباسيين عن



[ صفحه 188]



هذا التغير الذي طرأ عليها. فقال لهما: ويحکما! ما شأنکما في شأن هذا الرجل؟ فانظر بماذا اجابا و کيف يکون قولهما دعاية تلقائية صافية للامام (ع) أمام هولاء المتعنتين. فقد قالا: ما نقول في رجل يقوم الليل کله، و يصوم النهار لا يتکلم و لا يتشاغل بغير العبادة. فاذا نظرنا اليه ارتعدت فرائصنا و داخلنا ما لا نملکه من انفسنا. [2] .

ولعلک لا حظت معي معني عجز الدولة عن التضييق عليه في سجنه.فان أمرها تجاه الامام دائر بين شيئين: فأما ان تقتصر في الاشراف عليه علي فرد أو افراد معينين يواکبون کل الأيام التي يقتضيها الامام في السجن. فهولاء سيصبحون بعد قليل من الاندفاع تجاه الامام بحيث يعد من المستحيل اقناعهم بتعذيبه و التضييق عليه. فلربما قدموا نفوسهم دونه أو عذابهم علي راحته، أو اشتغلوا بالعبادة عن تنفيذ ما يوجه اليهم من أمر بهذا الخصوص. و اما ان تري الدولة ضرورة تجنب ذلک فتستعين بکثيرين يقوم کل يوم واحد أو أکثر في الاشراف علي السجن.فهذا يکون انکي عليها، لأن هولاء برمتهم سيومنون بالامام، و يصبحون -بشکل أو بآخر- من قواعده الشعبية و مويديه.

ثم انه من المعتقد ان کلتا الراويتين تعربان عن حادثة واحدة لسجن الامام عليه السلام. الا ان الثانية توسعت في النقل أکثر و اقتصرت الاولي علي بيان حال علي بن اوتامش مع الامام.فاذا تم



[ صفحه 189]



احتمال: ان يکون المراد من علي بن بارمش في الرواية الثانية هو علي بن اوتامش نفسه..مع حصول التحريف في نقله.اذا تم ذلک لم يبق أي تهافت بين الروايتين -أما صالح بن وصيف فلم يکن هو السجان و انما کان بمنزلة مدير السجن، اما الاشراف المباشر فلعلي بن اوتامش و صاحبه.


پاورقي

[1] کشف الغمة ج 3 ص 202.

[2] المناقب ج 3 ص 530.