بازگشت

موقف الامام من صالح الزنج


نستطيع ان نحلل موقف صاحب الزنج نفسه الي ثلاث أمور:



[ صفحه 184]



الأول: خروجه علي الدولة العباسية و خلافتها.

الثاني: زعمه الانتساب الي اميرالمومنين علي بن ابي طالب عليه السلام. حيث زعم انه علي بن محمد بن احمد بن عيسي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب. [1] .

الثالث: خروجه علي القانون الاجتماعي السائد بما فيه تعاليم الدين الاسلامي نفسه، من قتله الرجال و سلبه الأموال و احراقه المدن و سبيه النساء، کل ذلک بالجملة و بلا حساب و باعداد الآلاف لا الآحاد و لاالعشرات.

اما الأمر الثالث: فموقف الامام عليه السلام منه واضح کل الوضوح و هو الاستنکار و الرفض التام القاطع لکل تلک الأعمال، علي أساس منافاتها الفاضحة لعدالة الدين و تعاليم سيد المرسلين، تلک التعاليم التي يمثل الامام قمتها العليا، في نظره -علي الأقل -.

و نحن في غني في معرفة ذلک عن وروده في الروايات. و ستأتي الاشارة الي سبب سکوت الامام عنه، مضافا الي وضوحه و اخذه مسلما و مفروض الصحة بينه و بين أصحابه.

و اما الأمر الثاني: فهو الذي وردنا عن الامام عليه السلام نفيه فانه بصفته أعظم فرد في عصره من الذرية العلوية، يکون هو المسوول عن ايضاح صحة نسبة هذا المدعي و بطلانها. و بخاصة بعد أن توجه السوال اليه في ذلک. فأجاب قائلا:-ضمن کلام له -: و صاحب الزنج



[ صفحه 185]



ليس منا أهل البيت. [2] .

و لا يخفي ما في تجريده عن هذه الصفة من سوق رائجة عندالناس، فان العقل و الشرع و ان حکما بانه «لاتزر وازرة وزر اخري» و انه لا نقص في الاب اذا کان أحد ذريته منحرفا ظالما. کيف و ان ابراهيم الخليل علي نبينا و عليه السلام کان له ذرية ظالمون، أخرجهم الله تعالي عن عهده بقوله عز من قائل «لا ينال عهدي الظالمين». الا ان الجمهور سوف يقول ما يشاء و يلوک العلويين بما هم منه براء. ومن ثم نستطيع ان نتصور أثر ادعاء صاحب الزنج الانتساب اليهم، واثر تکذيب الامام (ع) اياه.

ولم يسأل الامام عن التفاصيل السياسية لثورة الزنج لعدم تحمله مسوولية بيانها باعتباره ليس حاکما ولا في طريق الحکم. وکل من يکون کذلک لا يکون مسوولا عن بيان آرائه السياسية کما أسلفنا. مضافا الي ان نقد صاحب الزنج في تفاصيله يحتوي علي تأييد ضمني للدولة. و بخاصة اذا عرفنا ان المنازل له في حومة القتال هو الموفق الذي خشي عبيدالله بن خاقان ان يجمتمع بالامام في مجلسه -فاستنکار ثورة الزنج يجب ان يعطي من قبل الامام بحذر بالغ بشکل لا يستشعر منه ذلک التأييد. فان الامر الأول الذي ذکرناه لصاحب الزنج و هو خروجه علي الدولة العباسية و وقوفه منها موقف المعارض، أمر ينبغي المحافظة علي معنويته، من حيث کونه موديا الي اضعاف الحکم



[ صفحه 186]



و کسر شوکته. و هذا معني الفکرة القائلة: بان المعارضين -مهما ختلفوا-يشترکون في مناوئة الوضع القائم.

علي ان هناک فائدة اخري قد ينالها الامام و أصحابه من وراء حرکة الزنج. فهي في نظرهم و ان کانت واقعا موسفا الا انها حقيقة واقعة يمکن استغلالها. و ذلک: لأن الدولة لم تکن من القوة بحيث يمکنها أن تحارب في جبهتين،و ان تعطي لکل جبهة ثقلها المطلوب. اذن فاتجاهها لحرب الزنج يعني -الي حد ما-خفة الضغط علي الامام و أصحابه. و لکننا يجب أن لا نبالغ في ذلک فان الدولة کانت تبذل المستحيل في سبيل صد نشاط الامام و الموقوف ضده، بل انها اتراه -في واقعه- أشد خطرا و ابعد أثرا من الزنج. و هي -علي أي حال -لا تتکلف تجاه الامام و أصحابه حربا حقيقية و انما غاية ما تتکلفه هو البذل علي التجسس و السجن و التشريد، و هو أمر لا ينافي القيام بالحرب في جبهة اخري.


پاورقي

[1] الکامل ج 5 ص 346 و غيره.

[2] المناقب ج 3 ص 529.