بازگشت

موقف الامام العسکري من وزراء عصره


نجد للامام عليه السلام موقفا حافلا مع الوزير عبيدالله بن يحيي بن خاقان، الذي استوزره المعتمد في أول تسلمه الحکم عام 256 [1] وله مجلس قصير معه [2] يرويه أبنه احمد. و کان شديد النصب و الانحراف عن أهل البيت عليهم السلام. و مع ذلک نسمعه يقول: ما رأيت و لا



[ صفحه 180]



عرفت بسر من رأي رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا، في هديه و سکونه و عفافه و نبله و کبرته عند أهل بيته و بني هاشم کافة و تقديمهم اياه علي ذوي السن منهم و الخطر. و کذلک کانت حاله عند القواد و الوزراء و عامة الناس.

و نحن اذ نسمع هذا المدح و الاکبار من أحمد بن عبيدالله، نعرف اثر هذا المجلس الذي سيرويه بنفسه، و تغير عقيدته من النصب الي الحب، و لکنه علي أي حال لم يومن بالامامة.

و اذ يفکر الامام العسکري عليه السلام ان يزور عبيدالله بن خاقان ابان وزارته، فانه يتوخي عدة مصالح و مبررات کلها أو بعضها:

احدهما: ان هذه الزيارة امتداد لتلک السياسة القديمة التي سار فيها المتوکل تجاه ابيه، من التقريب الي البلاط، و الدمج بالحاشية. و لم يکن الامام بسلبية، مريدا الخروج علي هذه السياسة أو الاحتجاج ضدها.

ثانيهما: ان الامام کان يستهدف من وراء هذه الزيارة بعض مصالح أصحابه، اما تأليفا لقلب هذا الوزير تجاههم، أو انه کان قاصدا اليه بحاجة مهمة معينة، لم يذکرها له، لانقطاع مجلسه معه بدخول ابي احمد الموفق زائرا للوزير علي ماسنذکر.

ثالثهما: ان هذا الوزير کان يحترم الامام و يعتقد بقدسيته و عظمته و جدارته، کما يدل عليه کلامه الذي سنسمعه عنه. و کان الامام عليه



[ صفحه 181]



السلام يعلم منه ذلک. فذهب لزيارته تأييدا لهذه الجهة في نفسه و اذکاء لهذا النور في قلبه. و کانه يريدان يفهم الدولة بشکل عملي انه عليه السلام الي جنب الوزير في انتقاده للظلم و انحراف الصادر من رجال الحکم، فانه عليه السلام يعطي التأييد لکل حق، اينما وجد الحق. وليس له عداوة شخصية مع أحد، فانها قضية أمة ودين، و هي اعلا و أوسع من الأشخاص و الارقام.

و قد اختار الامام عليه السلام ان تکون زيارته في مجلسه العام لکي يحقق ذلک الهدف، و لئلا تکون زيارة خاصة قد تثير الشکوک. وکان مجلس الوزير محتشما مهيبا باحتشام الوزير و هيبته فکان لا يکني أحد بحضرته و لا يمشي مستقبلا أو مودعا أحدا و لا يجوز الدخول اليه الا بعد اذنه الخاص.

وفي اثناء جلوسه في مجلسه، و ولده احمد يقف خلفه اذ يدخل حجابه قائلين: أبو محمد بن الرضا بالباب. فيأخذ هذا الخبر اهتماما في نفس الوزير و يقول بصوت عال محاولا اسماع الزائر الکريم: أئذنوا له. قال ولده احمد: فتعجبت مما سمعت منهم و من جسارتهم ان يکنوا بحضرة ابي، ولم يکن يکني عنده الا خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يکني.

يقول: فدخل رجل حسن القامة جميل الوجه جيد البدن؛ حديث السن، له جلالة و هيئة حسنه. أقول: کان عمره في أول وزارة عبيدالله بن خاقان أربعا و عشرين سنة. و انما استجلب عمره انتباه احمد، باعتبار



[ صفحه 182]



کثرة ما رأي له من تبجيل و احترام، مما لايکون غالبا للفتي في مثل عمره عليه السلام، بحسب فهم هذا الرجل و تصوره.

قال احمد: فلما نظر اليه ابي، قام فمشي اليه خطا، و لا أعلمه فعل هذا باحد من بني هاشم و القواد. فلما دني منه عانقه و قبل وجهه و صدره، و أخذ بيده و أجلسه علي مصلاه الذي کان عليه و جلس الي جنبه مقبلا عليه بوجهه، و جعل يکلمه و يفديه بنفسه. أقول: و لا يخفي أثر هذا الاحترام علي مجموع الحاضرين،في مثل هذا المجلس المحتشم. و بخاصة في نفس احمد بن عبيدالله، الذي کان متعجبا مما يري من ابيه.

وبعد برهة قصيرة، اذ دخل الحاجب معلنا عن مجي ء الموفق «طلحة بن المتوکل» الذي يکلفه المعتمد يومئذ بقتال صاحب الزنج. وکان الموفق اذا دخل علي هذا الوزير تقدمه حجابه و خاصة قواده، فوقفوا يمين مجلس الوزير و الدار علي شکل صفين من حين دخول الموفق الي حين خروجه.

و کان الوزير لا يزال مقبلا علي ابي محمد عليه السلام يحدثه حين سمع بمجي ء الموفق.و هو يعلم کان العلم بما في عثور الموفق علي الامام في هذا المجلس من الخطر عليه و علي الامام معا. فأراد أن يعرفه. بکل أدب و احترام قبل دخول الموفق. فقال له:اذا شئت، جعلني الله فداک يکني بذلک عن طلب القيام منه. ثم عانقه و أمر حجابه بالأخذ بيد الامام وراء أحد الصفين، ليکون في امکانهم أن يخرجوه خلسة.

و اما احمد بن عبيدالله فقد بقي قلقا متفکرا في أمر ابيه و أمر



[ صفحه 183]



الامام، حتي استغل فرصة سانحة لأبيه فاستأذنه بالسوول و قال: يا ابه! من الرجل الذي رأيتک بالغداة، فعلت به ما فعلت من الاجلال و الکرامة و التبجيل، و فديته بنفسک و ابويک. قال: فقال: يا بني ذاک امام الرافضة الحسن بن علي المعروف بابن الرضا. ثم سکت و أنا ساکت، ثم قال: -وانظر الي ما قال!:-يا بني لو زالت الامامة عن خلفائنا بني العباس ما اسحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله و عفافه و صيانته و زهده و عبادته و جميل اخلاقه و صلاحه. و لو رأيت اباه رأيت رجلا جزلا نبيلا فاضلا.

وهذا يدل بکل وضوح، علي الذي عرفناه في تاريخ الامام الهادي عليه السلام، من ان عظمة الامام و عدالة قضيته قد تمشت في قلوب الناس و افکارهم، نتيجة لجهود الامام المتظافرة، فلم تدع حتي المنتفعين من الدولة و المنخرطين في سلکها، فضلا عن جمهور العامة و سائر الناس.

قال أحمد: فلم تکن لي همة بعد ذلک الا السوال عز خبره والبحث عن أمره. فما سألت أحدا من بني هاشم و القواد و الکتاب و القضاة و الفقهاء و سائر الناس، الا وجدته عندهم في غاية الاجلال و الاعظام و المحل الرفيع و القول الجميل و التقديم له علي جميع أهل بيته و مشايخه. فعظم قدره عندي.اذ لم أر له وليا ولا عدوا الا و هو يحسن القول فيه و الثناء عليه.


پاورقي

[1] انظر الکامل ج 5 ص 358 و المروج ج 4 ص 111.

[2] انظر في الارشاد ص 318 و اعلام الوري ص 357 و غيرها.