بازگشت

موقفه من خلفاء عصره


کانت السياسية العباسية تجاه الأئمة عليهم السلام، تلک السياسية التي سنها المأمون تجاه الامام الجواد و طبقها المتوکل تجاه الامام الهادي، و هي ربط الامام بالبلاط و دمجه بالحاشية توصلا الي دوام مراقبته و دقة الاطلاع علي امره و فصله عن قواعده الشعبية الموالية له..کانت هذه السياسية سارية المفعول تجاه الامام العسکري، فکان کوالده محجوزا في سامراء مسوولا عن الذهاب الي بلاط الخلافة کل اثنين و خميس. [1] .



[ صفحه 170]



الا ان علاقته بالخلفاء کانت باحتراس و حذر مضاعفين، و کانت خالية من الضجيج الذي کان يثار حول والده عليه السلام بل کانت تقام بشکل روتيني رتيب، تمسکا بتلک السياسية العامة بدون ان ينقل خبر في التاريخ عن تفاصيل العلاقات بينه و بين کل واحد من خلفاء عصره.

و انما اقتصر التاريخ علي نقل تنبوات الأمام عليه السلام، بموت من مات في عصره من الخلفاء، وهم اثنان: المعتز و المهتدي.

اما بالنسبة الي المعتز، فنجد الامام عليه السلام يکتب الي أحد أصحابه قبل موت المعتز بنحو من عشرين يوما: الزم بيتک حتي يحدث الحادث. فيتخيل الرجل ان المراد الاشارة الي حادث آخر. فلما قتل بريحة کتب اليه: قد حدث الحادث فما تأمرني. فکتب الامام اليه: ليس هذا الحادث. الحادث آخر، فکان من المعتز ما کان. [2] و کلنا يعرف ما الذي کان، من مقتل المعتز عام 255 بيد الاتراک علي أساس ضيق ذات يده عن دفع الرواتب و الأرزاق، و بخل امه عن امداده بالمال، علي ما سمعنا من التاريخ العام في الفصل الأول.

لاحظ معي قول الراوي: فکان من المعتز ما کان، بما فيه من تعمد الاغماض و بعد الاشارة الي مقتل المعتز. کما ان تعبير الامام عن ذلک أشد غموضا. وقد عرفنا الي الآن تفاصيل الظروف التي أوجبت اغماض العبارتين.



[ صفحه 171]



و مثله في الغموض تنبوه الآخر بقتل المعتز، حيث يروي ان المعتز أمر سعيدا الحاجب بقتل الامام بعيدا عن عيون الناس. قائلا له: اخرج أبا محمد الي الکوفة ثم اضرب عنقه في الطريق. قال الراوي: فجاء توقيعه عليه السلام الينا-يعني الي اصحابه -: الذي سمعتوه تکفونه. فخلع المعتز بعد ثلاث و قتل. [3] .

ولا يخفي ما في هذه العبارة الغامضة تجاه الجهاز الحاکم، من وضوح تجاه أصحابه عليه السلام، و رفع لمعنوياتهم، أن يعلموا ان امامهم و قائدهم المهدد سيبقي علي قيد الحياة. و ان الذي هدده هو الذي سيبوء بالفناء و الدمار. مضافا الي انها ستکون دليلا جديدا علي ايمانهم و صدق مقاعدهم، عند تحقق النبوءة فتزيدهم قوة في العمل و تحملا للتضحية في سبيل الحق.

و اما بالنسبة الي المهتدي العباسي، فما قد يلاحظه التاريخ من کونه متحنثا متدينا، يتشبه بعمر بن عبدالعزيز، و کان يواصل الصيام و کان يرکع و يسجد الي ان يدرکه الصبح [4] و انه بني قبة للمظالم جلس فيها للعام و الخاص و امر به معروف و نهي عن المنکر و حرم الشراب و نهي عن القيان و أظهر العدل.. [5] هذا وان کان تقدما نحو الحق بالنسبة الي اسلافه و تخلصا عن کثير من العثرات و الانحرفات التي و قعوا فيها. الا ان علي أي حال حق بمقدار فهمه و ادراکه..حق مبتور



[ صفحه 172]



ناقص..لا يمکن أن يکون هو التطبيق الصحيح للاسلام. و من ثم وقف الناس منه موقف الرافض المستنکر. و ذلک انطلاقا من احدي وجهتي نظر:

وجهةالنظر الأولي:

وجهة من يجعل آلهه هواه، و يستصعب الحق و العدل و يستکين الي اللهو و اللعب الذي عودهم عليه الخلفاء السابقون. فکان مسلک هذا الرجل ضيقا عليه واحراجا لموقفه. يمثل هذه الوجهة أمثر الشعب و أکثر القواد و الوزراء و المنتفعين. يقول المسعودي: فثقلت و طأته علي العامة و الخاصة، فاستطاعوا خلافته و سئموا ايامه و عملوا الحيلة عليه حتي قتلوه. [6] .

وجهة النظر الثانية:

وجهة الامام عليه السلام الواعية لحقيقة المشکلة الاجتماعية من ناحية و للعدل الاسلامي من ناحية اخري. فليست المشکلة الاساسية في المجتمع، ما أدرکه المهتدي من سوء القضاء أو انصراف الخليفة عن مصالح الناس أو کثرة البذخ في البلاط أو زيادة مکتسبات القواد و رواتبهم..فان کل ذلک و ان کان ظالما خارجا علي حکم الاسلام..الا ان ذلک کله فرع الحقيقة الکبري للمشکلة، وهو انحراف المجتمع اساسا عن العدل الاسلامي و عدم وعيه له استعداده لتطبيقه و التضحية في سبيله. والحل لا بد ان ينطلق من محاولة ايجاد الواعي و تثقيف الناس، حتي يخضعوا للحکم العادل و يکون طيبا علي نفوسهم.



[ صفحه 173]



کما ان العدل الاسلامي ليس هو ما يقضي به المهتدي، فانه علي أي حال ليس جامعا لشرائط القاضي العادل في الاسلام. و بالنتيجة فان هذا الرجل هو ثمرة لخط طويل، منحرف -في نظر الامام (ع)-و غاصب للحق الاولي الذي يومن به الامام لنفسه و لآبائه. و من ثم لم تکن سيرة المهتدي لتشفع تجاه الامام بحيث يخرج بها هذا الرجل عن کونه ظالما الي کونه عادلا.

زد علي ذلک، ان هذا الرجل الذي يدعي العدل، قد مارس سجن الامام عليه السلام، اذن فهو -علي ما هو عليه -ممثل للحقد التقليدي المدولة العباسية تجاه الامام. وقد صرح الامام في سجنه لأحد أصحابه المسجونين معه قائلا: في هذه الليلة يبترالله عمره. قال الراوي: فلما أصبحنا، شغب الأتراک و قتل المهتدي و ولي المعتمد مکانه. [7] و اذا رجعنا الي التاريخ العام نري کيف ان الأتراک بقيادة بابکيال قاتلوه و حاججوه علي سيرته و عزلوه و قتلوه.

و من طريق ما قالوا له: ان الرسول (ص) کان مع قوم قد زهدوا في الدنيا و رغبوا في الآخرة کأبي بکر و عمر و عثمان و علي و غيرهم. و انت انما رجالک ما بين ترکي و خز رجي و فرغاني و مغربي و غير ذلک من أنواع الأعاجم..لا يعلمون ما يجب عليهم من أمر آخرتهم، و انما غرضهم ما استعجلوه من هذه الدنيا، فکيف تحملهم علي ما ذکرت من الواضحة. [8] .



[ صفحه 174]



و من طريف ما فعل يومئذ: انه بعد انهزام جيشه في قتال الأتراک، دخل سامراء وحده مستغيثا بالعامة مستنصرا للناس، و هو ينادي: يا معشر المسلمين أنا أميرالمومنين قاتلوا عن خليفتکم. فلم يجبه أحد من العامة الي ذلک. [9] .

و نسمع للامام تنبأ آخر عن موت المهتدي اسبق من ذلک التنبو بايام مقرونا بتعليق سياسي. و ذلک: ان المهتدي بعد ان استفحل الأمر بينه وبين الموالي، عزم علي استئصالهم [10] و حلف قائلا: لاجلينهم عن جديد الأرض.فخطر في ذهن بعض أصحاب الامام ان انشغال المهتدي بذلک يصرفه عن ملاحقة الامام و تهديده له. فکتب الي الامام: يا سيدي، الحمدلله الذي شغله عنک، فقد بلغني انه يتهددک.

فانظر بماذا اجاب الامام..انه اذ يعيش الجو السياسي آنئذ يري بوضوح ان الموالي أقوي من المهتدي و أکثر عدة و عددا. و اذا فهم الموالي قصده ضدهم.. فما أسهل من قتلهم أياه. ومن ثم يکون تهديده لهم جناية من نفسه علي نفسه و قطعا لعمره، من دون ان يترتب غرضه. فقد وقع الامام بخطه: ذاک أقصر لعمره.عد من يومک هذا خمسة أيام و يقتل في اليوم السادس، بعد هوان و استخفاف يمر به. [11] يشير الي القتال و المناقشات و عدم خروج الناس لنصرته..فکان کما قال [12] .



[ صفحه 175]



موقف المعتمد تجاه الامام

نري للمعتمد موقفا غربيا لم يسبق لأحد من أسلافه ان قام به، و هو موقف التذلل للامام و التضرع اليه.

فانه کان يکفي لهذا الرجل ادني تفکير..ليتوصل الي الشک في بقائه في الخلافة يوما أو بعض يوم فضلا عن العام و الأعوام. اذ يکفي ان يستعرض آجال اسلافه من الخلفاء و کيف کتبها الموالي و الأتراک بسيوفهم و آرائهم، ليدرک ضعف موقف الخلافة بشکل عام لا في السيطرة علي الحکم فقط، بل في السيطرة علي الخلافة نفسها. اذن فهو بصفته سائرا في هذا الخط، فلن يکون أحسن حالا من اسلافه؛ بل قد يکون -في نظره -أسوأ حالا باعتبار کونه مغلوبا علي أمره مسلوبا عن التصرف بالکلية، علي حين کانوا أقوي منه و أکثر حرية وانفذ حکما.

لذا فقد وجد أقرب طريق لدفع الشر المستطير عن نفسه و ضمان طول عمره و امتداد حکمه، و لا زال في أول أعوام خلافته، هو أن يقصد الأمام عليه السلام في داره و يتضرع اليه و يسألع أن يدعواله بالبقاء عشرين سنة في الخلافة، فيجيبه الامام قائلا: مد الله في عمرک. [13] .

انظر الي هذه المدة التي حددها لنفسه.. انها اقصي همة المعتمد وابعد أهدافه!! و مهما يکن رأيک في الدعاء.. فاننا نجد أن مدة



[ صفحه 176]



خلافته زادت علي العشرين بثلاث سنين من عام 256 الي عام 279. کما يطلعنا علي ذلک التاريخ العام.علي حين لم يبق المتوکل - و هو أقوي خلفاء تلک الفترة- في الحکم غير خمسة عشر عاما، من عام 232 الي الي عام 247.

و لعل السر في زيادة الثلاث سنين علي العشرين هو انه عاش بعد دعاء الامام عشرين سنه. و لذلک تشير الرواية قائلة: فاجيب - يعني الامام -و توفي -المعتمد-بعد عشرين سنة [14] مع افتراض ان المعتمد طلب الدعاء من الامام بعد ثلاث سنين من خلافته، يعني عام 259. و هو أول عام لاحساسه بالضعف نتيجة لبدء سيطرة الموفق علي دفة الحکم و الادارة، بعد ان عقد له المعتمد بنفسه و عينه قائدا لحرب صاحب الزنج قبل هذا التاريخ بعام أي سنة 258.

و لکننا نستطيع الآن أن نري بوضوح، السر الطبيعي لاستجابة دعاء الامام عليه السلام. فان المعتمد کان واهما في کون ضعفه وانصرافه عن الحکم موجبا لقلة مدته و قصر عمره. فان القوم من الأتراک و غيرهم انما کانوا يقتلون اسلافه نتيجة لغضبهم من تصرفهاتهم و أقوالهم. و اما اذا کان الخليفة نکرة سلبيا لا قول له و لا فعل..فهو الامل الأساسي لهم لکي تنثني لهم الوسادة و تنفتح أمامهم الفرصة في التصرف التام في شوون البلاد. و لعل المعتمد قد فهم ذلک -لا شعوريا علي الأقل - ففضل بقاءه في الخلافة علي السعي الي تطبيق المصالح الاسلامية العليا.



[ صفحه 177]



و من ثم استکان للذل و الانعزال. و بهذا امکن استجابة الدعاء و بقاء المعتمد في الخلافة هذه المدة المتطاولة التي تزيد علي تاريخ وفاة الامام العسکري بحوالي تسعة أعوام.

ولعلک لا حظت معي أيضا، کيف ان المعتمد يعرف موطن الحق، و يومن في باطن نفسه بصحة موقف الامام (ع) و عدالة قضيته. و ان کانت شوون الملک العباسي قد أخذت بخناق المعتمد و اوجبت غلظته علي الامام (ع) و علي أصحابه. و اما لو لم يکن المعتمد مومنا بذلک لما وجد أي داع في نفسه لمثل هذا الطلب و التضرع، ولاختار شخصا آخر للقيام بمثل هذه المهمة.

فليکن هذا علي ذکر منک، فانه ينفعنا في تفسير جملة من تصرفات المعتمد عند وفاة الامام العسکري عليه السلام.

و اما موقف الامام (ع) في استجابته لطلب المعتمد في الدعاء له. فقد کان واضحا کل الوضوح، فهو:

اولا: لم يرد اعلان التمرد و الخلاف علي الدولة، للذي عرفناه من سياسته و سياسة ابيه عليهما السلام. وکان رفضه لطلب الخليفة بالدعاء له تجسيدا لموقف التمرد و الخلاف علي الدولة، بشکل أو بآخر، و هو ما لا يريده الامام عليه السلام.

ثانيا: کان يريد عليه السلام اثبات الحجة علي هذا الرجل و علي غيره ممن



[ صفحه 178]



يعرف هذه الواقعة. حين يري الناس، و بخاصة الخليفة نفسه، في نهاية حياته، أنه قد استجيب الدعاء و قد استمرت مدة حکمه بالفعل عشرين سنة. فيتأکد بذلک من عدالة قضية الامام و انحراف الخط الحاکم.

و قد يخطر في الذهن: ان هذا الدعاء من الامام (ع) يستوجب طول عمر شخص يعتقده الامام نفسه ظالما منحرفا. و جوابه: ان الامام کان يعلم ان المعتمد متي وافته المنية- سواء طال زمانه أو قصر-فلن يخلفه الا شخص مثله من حيث الفکرة و الاتجاه. و لم يکن الامام علي ما عرفنا يخطط لنيل الحکم لکي يکون موت المعتمد موجبا لفوز الامة الاسلامية بالحکم الاسلامي بقيادة الامام عليه السلام. اذن فيتمحظ الموقف في الحصول علي المصالح التي اشرنا اليها، و هي اقامة الحجة ضد موقف المعتمد، لاثبات عدالة قضية الامام (ع) و أصحابه.

خلط تاريخي:

و الذي نود ان نشير اليه، و نحن في صدد الکلام عن موقف الامام من الخلفاء. انه وقع في هذا الصدد بعض التخليط في الروايات، حيث تذکر موقفا للامام العسکري عليه السلام تجاه المستعين. [15] و هذا لا يمکن ان يکون صحيحا. فان هذا الامام و ان کان معاصرا لعهد المستعين الا ان ذلک کان في زمان حياة ابيه عليه السلام قبل توليه الامامة الفعلية. و نحن نعرف من العقائد الاسلامية ان کل امام يبقي في زمان ابيه صامتا غير ذي نشاط، و انما يبدأ علاقاته ونشاطه کله بعد موت



[ صفحه 179]



ابيه و توليه الامامة الفعلية لمواليه.

فهذه الروايات اما ان تکون مکذوبة، من قبل الرواة أو انها تحتوي علي تحريف و تخليط بين اسماء الخلفاء، فانه قد يحصل مثل هذا الاشتباه لمدي التشابه اللفظي بين القابهم.أو انه حصل الاشتباه في اسم الامام عليه السلام، اذ قد يکون الموقف لابيه وقد نسب اليه. باعتبار ان کليهما عليهم السلام کان يسمي بالامام العسکري، و ان کان هذا اللقب علي الحسن بن علي عليه السلام أشهر.

و مثله ما روي من علاقته عليه السلام بالمتوکل [16] فانه لم يکن معاصرا لعصر امامته عليه السلام.

وقد التفت الاربلي في کشف الغمة [17] الي هذا التخليط، و نسبه الي غلط الرواة و النساخ ثم قال: و للتحقيق حکم. أقول: وعلي أي حال تسقط هذه الروايات عن کونها صالحة للاثبات التاريخي.


پاورقي

[1] المناقب ج 3 ص 533.

[2] المناقب ج 3 ص 536.

[3] المناقب ج 3 ص 531.

[4] المروج ج 4 ص 103.

[5] المصدر ص 96.

[6] المروج ج 4 ص 96.

[7] المناقب ج 3 ص 535.

[8] المروج ج 4 ص 99.

[9] الکامل ج 5 ص 356.

[10] علي ما تقول الرواية-في تاريخنا الخاص-و هو أمر غير معروف من التاريخ العام.

و ان کانت القرائن الاجتماعية قائمة علي صحته.

[11] اعلام الوري ص 356.

[12] الارشاد ص 324.

[13] المناقب ص 530 ج 3.

[14] نفس المصدر و الصفحة.

[15] انظر الارشاد ص 321 و کشف الغمة 220.

[16] انظر المناقب ج 3 ص 220.

[17] انظر ج 3 ص 220.