بازگشت

طبيعة التشريع الإسلامي


لقضية القائد المنتظر دلالة عميقة علي حقيقة أساسية من حقائق هذا الدين.

ولأنّ هذه الحقيقة هي بمثابة القاعدة التي ترتکز عليها طبيعة تعاملنا مع هذا الدين، فقد جهد العدو في تحطيم هذه القاعدة، ورسم صورة معاکسة لها في فکر الإنسان المسلم.

ما هي هذه الحقيقة القاعدة؟ وکيف تؤکّدها وتعمّقها قضية القائد المنتظر؟

هذه الحقيقة هي:

جدارة النظام الإسلامي بحلّ مشاکل البشرية. فالبشرية مهما شهدت من أنحاء التقلبات، اقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً، ونفسياً. مهما امتدّ بها الزمن، وتصرّمت بها القرون. فإنّ الحل الإسلامي يبقي وحده هو القادر علي إشباع حاجاتها، ومنهجة حياتها بالنحو الأکمل والأفضل. إنّه بمقدار ما تظلّ الحلول الوضعية المصطنعة عاجزة عن إنقاذ البشرية، وانتشالها من وديان الطيش، الضلال، الشقاء والبؤس، فإنّ الحل الإسلامي يبقي قادراً، وجديراً، بأن يجهّز البشرية بأروع خريطة لبنائها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والنفسي.

المرحلة دائماً هي مرحلة الحلّ الإسلامي. والإسلام يبقي جاهزاً للتطبيق دوماً، وقادراً علي نقض الرکام الذي خلّفته جاهلية القرن العشرين علي متون البشرية. هذه حقيقة من حقائق الإسلام. وهي طبيعة التشريع الإسلامي. وإنّها حقيقة لم تکن بحاجة إلي برهان، فرسالة الإسلام هي خاتمة الرسالات، ونبوّة محمّد صلي الله عليه وآله هي خاتمة النبوّات، ماذا يعني ذلک؟

أليس يعني أنّ شريعة الإسلام تستقطب عمر البشرية إلي الأخير، دون حاجة إلي تعديل، أو تغيير في بنود هذه الرسالة. لقد ضاعت هذه الحقيقة علي عدد من الناس. من الناس المسلمين بالطبع. حين أراد عدوّنا أن يسلب منّا الإسلام، والعمل للإسلام، بدأ بهذه الحقيقة، لنفقد ثقتنا بالإسلام، وأملنا في أن يبدأ الإسلام يوماً عملية التغيير.

بعض المساکين نجحت معهم عملية غسل الدماغ، وغسل النفس أيضاً، بدأوا يشکّون في قدرة الإسلام علي حلّ مشاکل الإنسانية الضائعة، وفقدوا الأمل في قدرة الإسلام علي تغيير هذا المجتمع المعقّد. ماذا يقولون؟ وما ينظر هؤلاء المساکين؟ البشرية تطوّرت. سبل الحياة تعقّدت. لم يعد المجتمع هو المجتمع الذي عاشه الإسلام قبل قرون. کل شيء تغيّر، حتي نفوس الناس وأمزجتهم.

الحياة صعبة، صعبة. الحياة أصبحت صورة جديدة، لا يوجد بينها وبين الماضي خيط شبه. مشاکل ضخمة، ومعقّدة، وجديدة. الأرض غير الأرض، الناس غير الناس، والحياة غير الحياة، کيف يبقي الحلّ الإسلامي جديراً؟ ولو کان جديراً، فکيف يستطيع أن يغيّر هذا الترکيب البشري المعقّد؟ أم هل سينجح في عملية التغيير؟ يقولون: لا. الخلق الإسلامي لم يعد مقبولاً، ولا مهضوماً. والناس أينما کان الشرّ کانوا معه. إنّهم لا يقبلون الحق. وإذن.. فهم لا يقبلون الإصلاح. ومهما جهدت في تغييرهم فإنّک ستدور في فراغ. تلک مقالة أصحابنا المساکين. لقد أوحيت لهم إيحاءً، وهي نتيجة أراد العدو أن يصلوا إليها.

والحديث مع هؤلاء قد يکون طويلاً لو أردت أن أعرض لهم نظام الإسلام، وأوقفهم علي جوهر التغيّر الذي تعيشه البشرية، کيما نري جدارة الحلّ الإسلامي أم لا! لکنّي لا أستطيع هنا أن أفعل ذلک، فإنّه يکلّفني الخروج عن دائرة بحثي. ولذا فإنّ ما سأفعله الآن هو الإشارة إلي التناقض الذي يتورّط فيه هؤلاء الذين يشکّون في جدارة الإسلام.

کيف يؤمنون بأنّ رسالة الإسلام هي خاتمة الرسالات؟ ولو کان الحل الإسلامي قد استنفذ طاقته. ألسنا بحاجة إلي رسالة جديدة؟

أمّا إذا کنّا نؤمن بأنّ الإسلام هو الشريعة الخاتمة، فذاک يدعونا إلي الاحتفاظ بثقتنا بالإسلام بوصفه الحلّ الجدير لمشاکل البشرية. نحن أمام الخيار التالي: إمّا أن نثق بجدارة الإسلام في حل مشاکل البشرية، وإمّا أن نتّهم السماء التي لم تسعفنا برسالة جديدة، وختمت دورها بالإسلام.

وفي مجري هذا الحديث يکون لقضية القائد المنتظر مشارکة فعّالة. ما تقول لنا هذه القضية؟ وماذا تشرح لنا عن قيمومة هذا الدين الأبدي؟ سأوضّح ذلک: حينما نؤمن بالقائد المنتظر. وحينما ننتظر ثورته المظفّرة. ننتظر الساعة التي يحکم فيها الحق، والإسلام، والسلام. الساعة التي تملأ فيها الأرض بالقسط وتسعد بالعدالة. إنّ ذلک يؤکّد لنا ضرورة الثقة بالإسلام.

فمهما بدت التقلّبات والتطورات البشرية کبيرة ومستوعبة، فإنّ ذلک لا يمنع عن نجاح الإسلام، وإنّ ذلک لا يمنع عن بقاء الحل الإسلامي هو الحل القادر علي معالجة العقدة البشرية. وبناء أفضل مجتمع إنساني. حين نؤمن حقيقة بالقائد المنتظر لا يبقي لنا مجال للشک في الإسلام، وجدارة الإسلام. انزلوا إلي أعماق قضية القائد المنتظر، وانظروا ماذا تعکس لنا من ثقة، ومن مفاهيم. کيف نستطيع أن نصدّق بنهضته الکبري، وانتصار الإسلام، ثمّ يراودنا الشک في قدرة الإسلام علي حل مشاکل العصر.

أليس ذلک تهافتاً في القول، والعقيدة. ونحن حينما نکون علي ترقّب دائم، وانتظار متّصل، لثورة الإمام المهدي عليه السلام، أليس ذلک يعني الثقة بأنّ الإسلام ليس فقط صحيحاً، وإنّما هو قادر علي التغيير، وخلق المجتمع المسلم، وتطبيق أحکامه في الأرض؟! أولئک الذين أذهلتهم التقلّبات البشرية. أولئک الذين قالوا: إنّ الناس غير الناس، والحياة غير الحياة.

وتساءلوا بعجب: کيف سيغيّر الإسلام هذه النفوس التي تعوّدت علي الضلال. هؤلاء ما هو رأيهم في النصر العميم الذي ستظفر به ثورة القائد العظيم. إنّ الأرض ستملأ بالقسط والعدل. إنّ الإسلام سيسود ويحکم، ويغيّر، ويخلق الإنسانية الجديدة التي هو يريدها. وإذا کنّا نشک في قدرة الإسلام علي ذلک، فالأجدر بنا أن لا نؤمن بالقائد المنتظر! سيعود الذين آمنوا بالإسلام، ووثقوا بحکم الإسلام، وعرفوا حقيقة الإسلام، سيعود هؤلاء حکّاماً في الأرض، خلفاء لله علي البرية. (وَعَدَ اللهُ الّذينَ آمنُوُا مِنْکُمْ وَعَمِلُوُا الصّاِلِحاتِ، لَيَسْتَخْلِفَنّهُمْ في الأَرْضِ). [1] .

سوف تتحطّم کل قلاع الکفر والضلال. سوف تتبخّر کل العقبات، وتنسحب أمام تيّار الإسلام. سوف تذوب کما يذوب الجليد تحت وهج الشمس کل الحواجز الموهومة. الإسلام له يوم يثبت للناس کيف سيحقّّق لهم العدالة، والسعادة المنشودة. کيف أنّه جدير وحده بإنقاذ أبناء الأرض من وديان البؤس والشقاء. إنّه الشريعة الخالدة. الشريعة التي ستحکم، وتنتصر. حينما أکّد القرآن أنّ الأرض سيرثها عبادي الصالحون. وحينما رسّخ أهل البيت هذا المفهوم، وعبّروا عنه بقضية القائد المنتظر.

وحينما أضحت هذه القضية أهم قضية في قاموس الفکر الشيعي. لم يکن ذلک عبثاً، وبدون عطاء. لقد کان ذلک من أجل أن لا نفقد الثقة العلمية بإسلامنا. ومن أجل أن لا يغمرنا الشک في قدرة إسلامنا علي التغيير.

إنّ الفکر الشيعي حينما يعمّق فکرة الإمام المنتظر عليه السلام، يکون قد خلق أمنع حصن، وبني أرکز قاعدة، تمنع عن تسرّب الشک في الإسلام إلي الإنسان المسلم.

لقد کان أروع تحصين قدّمه الفکر الشيعي في قضية القائد المنتظر.

حينما نؤمن بهذه القضية، ويکون إيماننا حقاً، وإيماناً واعياً، نکون قد ضبطنا صمّام الأمان، وکسرنا عود الشک، وتجاوزنا أوهام العدو، وعاصفته بسلام.


پاورقي

[1] النور: 55.