بازگشت

تنبيه مهم


لا يخفي علي البصير العارف بفنون الحديث و علومه، أن کتابنا منتخب الاثر في الامام الثاني عشر عليه السلام، قد بلغ بحمد الله تعالي و برکة موضوعه الشريف العالي السامي، مقاما ممتازا رفيعا عند العلماء الاعلام و الاساتذة المهرة في الحديث.

و لذا جددت طبعته مرات، و ذلک لامتيازه بامتيازات علمية و فنية مهمة، بعضها مبتکر و الحمد لله.

اما هذه الطبعة الجديدة فقد توفرت فيها بتوفيقات الله تعالي فوائد عالية، و فرائد غالية، لا تحصل الا بتحقيق و تتبع طويل، و تأمل عميق، و لا يسع المجال لبسط الکلام في ذلک، و لکن نشير اجمالا الي بعض ما تمتاز به عن الاولي:

فمن ذلک: اشتمالها علي زيادات کثيرة من الاحاديث المعتبرة، تجاوز الثلاثمائة و خمسين حديثا.

و منها: اضافة بعض الابواب و الفصول، مثل الفصل الاول من الباب الثالث.

و منها: استخراج الاحاديث من المصادر الکثيرة المعتبرة المعتمدة، فبعض الاحاديث قد يوجد لها عشرات من المصادر المعروفة.



[ صفحه 308]



و منها: تنبهات و تحقيقات علمية حول الاحاديث الشريفة، سندا و لفظا و مضمونا.

و منها: فوائد رجالية و تمييز الرواة و تعيين الطبقات، في بعض الموارد.

و منها: الاشارة و الايعاز الي علو الاسناد، في طائفة کثيرة من الاحاديث و الکتب المؤلفة في القرن الرابع و الثالث، بل في القرن الثاني، و التي هي من مصادر کتب المولفين الاقدمين، کالصدوق، و الشيخ، و النعماني و غيرهم - أعلي الله مقامهم -بحيث اذا بنينا علي تحمل الحديث بالوجادة، لم يکن بيننا و بين المشايخ المذکورين من أصحاب الکتب و الاصول الا واسطة واحدة أو واسطتان... و ذلک کالذي اخرجه الشيخ -قدس سره -في کتبه عن کتب الطبقة الخامسة أو الرابعة و الثالثة، فانه يقول في کتابه الفهرست في أرباب التأليف و التصنيف: «اخبرنا بجميع کتبه فلان» و من المعلوم أن هذا العدد الکبير من أصحاب الحديث الذين اخبروه بکتب اصحاب الاصول و الکتب من الذين يتجاوز عدد مولفاتهم عن العشرة بل المئة، لم يخبروه باملاء الحديث و السماع و القراءة، بل اخبروه بالمناولة.

و ما دامت الکتب بنفسها کانت موجودة عند التلميذ، فيمکن له التحدث عنها بالوجادة، و لکن قد استقر ديدنهم علي الاعتماد بأخبار الشيوخ و اذنهم في الرواية، و الا فالکتاب الذي يجيز روايته لتلميذه کان موجودا عند التلميذ معروفا له.

فعلي هذا، فان مثل هذه الکتب و الاحاديث و ان وجد في اسناد مثل الشيخ او الصدوق او غيرهما الي مؤلفيها ضعف، لا يضر ضعفه بصحة الاعتماد علي الرواية الاحتجاج بها، لأنها کانت في کتب مولفيها موجودة عند المجاز من شيخه في الرواية بل و عند المجيز، و هذه فائدة مهمة.

و بالجملة يستفاد من ذلک أن الاصول و الکتب المصنفة في القرن الاول



[ صفحه 309]



و الثاني و الثالث، التي فيها أحاديث المهدي عليه السلام و أحاديث الائمة الاثني عشر عليهم السلام کان جلها أو کلها موودا عند مصنفي کتب الغيبة، کالصدوق، و الشيخ، و الفضل بن شاذان، و النعماني و غيرهم، و لو شاؤوا الرواية بالوجادة عنها لما احتاجوا الي الاسناد، و لکن ذکروا اسنادهم الي کتب الاولين، لأن دينهم استقر علي أن يکون تحملهم للحديث بالسماع أو القراءة، علي الشيخ، أو المناولة.

و علي هذا لا واسطة مثلا بين الشيخ و مشيخة ابن محبوب بالوجادة، و لا واسطة بيننا و بين ابن محبوب الا الشيخ، فالشيخ يروي بالوجادة عن المشيخة، و نحن نروي بالوجادة عن الشيخ عنه في المشيخة، مع کثرة اسنادنا الي الشيخ في مقام الرواية عن کتبه بالاسناد.

و لذا نري أن الفقية العظيم ابن ادريس المتوفي سنة 598 المتأخر عن الکليني و الصدوق و النعماني و الشيخ، لم يکن ملتزما بنقل أحاديث کتب المتقدمين عليه من معاصري أعصار الائمة عليهم السلام بالاسناد المصطلح بين المحدثين فاکتفي بنقل الروايات عن نفس تلک الکتب التي کانت عنده، فمع کونه من أعلام القرن السادس ينقل بالوجادة عن الأجلاء المشاهير من أعلام القرون السابقة عليه الي القرن الثاني بلا واسطة، کما ننقل نحن بالوجادة عن الکليني و الشيخ والمجلسي بالوجادة بلا واسطة... فيروي هو عن کتب أبان بن تغلب المتوفي سنة 141، و عن موسي بن بکر من مؤلفي القرن الثاني، و من کتب معاوية بن عمار المتوفي سنة 175، و من کتاب جميل بن دراج المتوفي قبل سنة 200، و من نوادر البزنطي المتوفي سنة 221، و جامع البزنطي أيضا، و من کتاب حريز السجستاني من محدثي القرن الثاني، و من مشيخة الحسن بن محبوب السراد المتوفي سنة 224، و نوادر محمد بن علي بن محبوب الاشعري الذي کان عنده بخط الشيخ الطوسي، و يروي من غيرهم حتي ينتهي الي کتاب قرب الاسناد، و کتب الصدوق و الشيخ، و ابن قولويه، و غيرهم. يروي عن



[ صفحه 310]



الجميع بالوجادة عن نفس کتبهم التي کانت عنده وعند غيره.

اذا، فلا يشک الحاذق المتضلع أن النصوص الواردة في الائمة الاثني عشر، و مولانا المهدي عليهم السلام، المخرجة في مثل کمال الدين، و غيبة الشيخ، و غيبة النعماني، کلها مأخوذة من کتب الاصول التي صنفت قبل انتهاء أمر الامامة الي الثاني عشر عليه أفضل الصلاة و السلام، بل الي والده الامام الحادي عشر عليه السلام، و کانت موجودة معروفة عند الصدوق و الشيخ و النعماني، و غيرهم.

هذا، و قد اتضح لک بذلک و بکما الوضوح قوة اعتبار تلک الاحاديث بهذه الملاحظة، و أن مثل الشيخ و ان ذکر في روايته عن کتب ارباب الاصو و الکتب من رجالات الحديث في القرون الاولية اسناده اليهم، الا أن کتبهم کانت عنده، و أنه ان أراد أن يروي عنهم بالوجادة بلا واسطة کما نروي عن الکليني - قدس سره - بلا واسطة... کان له ذلک.

و لکن حيث استقرت سيرتهم علي رواية الکتب بالاسناد بالسماع، أو القراءة، أو المناولة، أتعبوا انفسهم بذلک.

و ان شئت المثال الواضح لذلک فراجع کتاب مقتضب الاثر في النص علي الائمة الاثني عشر عليهم السلام لابن عياش الجوهري المتوفي سنة 401 لتري أنه بعد ما روي الحديث الخامس عشر [1] المشتمل علي أسماء الائمة الاثني عشر عليهم السلام عن ثوابة بن احمد الموصلي الوراق الحافظ، بالاسناد عن سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبيه عبدالله بن عمر، قال: «و قد کنت قبل کتبي هذا الحديث عن ثوابة الموصلي رأيته في نسخة وکيع بن الجراح التي کانت عند أبي بکر محمد بن عبدالله بن عتاب حدثنا



[ صفحه 311]



بها عن ابراهيم بن عيسي القصار الکوفي، عن وکيع بن الجراح [2] رأيتها في اصل کتابه فسألت أن يحدثني به فأبي و قال: لست أحدث بهذا الحديث!! عداوة و نصبا!! و حدثنا بما سواه من کتاب اخرج فيه أحاديث وکيع بن الجراح، ثم حدثني به بعد ذلک ثوابة. و رواية ابن عتاب أعلي لو کان حدثني». انتهي.

فأنت تري يا عزيزي القاري ء ان ابن عياش العالم الجليل المحدث، مع أنه وجد الحديث المشتمل علي أسماء الائمة الاثني عشر عليهم السلام في نسخة وکيع بن الجراح المتوفي قبل ارتحال الامام الرضا عليه السلام، و التي کانت عند محمد بن عبدالله بن عتاب بسند أعلي، لکنه لم يخرجه عنها لأن ابن عتاب الذي کان هو راوي النسخة أبي ان يحدثه به! فرواه عن شيخ آخر هو ثوابة الموصلي! لأنه لم تجر عادة المحدثني علي الاکتفاء بنقل الحديث بالوجادة!!

اذا يعلم من ذلک أن الکتب المؤلفة في أعصار الائمة قبل عصر الامام الثاني عشر منهم عليهم السلام، المتضمنة للنصوص الدالة عليهم بعددهم أو بأسمائهم، و بمولانا المهدي عليه السلام کانت موجودة عندهم، و نسبتها اليهم معلومة الثبوت، کما أن نسبة الکافي الشريف معلومة الثبوت عندنا الي الکليني رحمه الله.

و هذا يکفي في الاعتماد التام علي الروايات الواردة عنهم عليهم السلام المخرجة في کتب المحدثين و أرباب الجوامع الاولية.

و لما سمعته عن ابن عياش تطمئن النفس بأن ما في کتابه منقول عن مؤلفات السابقين، و لا يبقي لنا شک في کون الخبر الذي أشرنا اليه کان موجودا في کتاب وکيع.



[ صفحه 312]



فعليک بالتأمل التام فيما ذکرناه، فانه جدير بذلک، و به تندفع بعض التوهمات و الشبهات، و الله هو الموفق و الهادي الي الصواب.


پاورقي

[1] هو الحديث 122:270 من کتابنا هذا.

[2] من مشاهير المحدثين و الحفاظ، و من معاريف القرن الثاني ولد سنة 128 او 127، و حج سنة 196 و مات في الطريق سنة 197، راجع ترجمته في تهذيب التهذيب ج 11 ص 131 -123.