في بيان امور تستفاد من هذه الاحاديث
الاول: عدد الخلفاء الذين يکون الامر لهم بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم و حصرهم في الاثني عشر لا يزاد عليهم أحد و لا ينقص منهم أحد، و هذا مفاد کل واحد من الاحديث.
الثاني: بقاء الارض و سکونها عن الاضطراب ماداموا باقين عليها.
الثالث: عدم انقضاء هذا الامر (دين الاسلام) قبل انقضائهم عليهم السلام، و استمرار بقائه ببقائهم، و أنه ما بقي واحد منهم يکون الدين باقيا قائما و في هذا دلالة علي طول مدة بقائم علي وجه البسيطة ولو بطول بقاء الثاني عشر منهم.
الرابع: عزة هذا الدين و عدم قدرة الطواغيت علي محوه و درس آثاره الي مدة هؤلاء الاثني عشر، فهو لا يزال عزيزا منيعا لا يقدر أحد علي القضاء عليه کما قضي علي سائر الشرائع و الاديان، فهذه شريعة موسي و عيسي مضافا الي أنهما قد نسختا بشريعة الاسلام فقد حرفت اصولهما و احکامهما بالحوادث و الحروب و سياسات المتغلبين و تحريفات الکهنة
[ صفحه 261]
و غيرهم فما بيد اليهود و النصاري الان من شريعة موسي و عيسي ليس هو الاصل، سيما في الاصول الاعتقادية.
أما الاسلام فقد بقي عزيزا منيعا محفوظا من تحريف الغالين و ابطال الجاحدين، و سيبقي الي ظهور المهدي عليه السلام و حتي تقوم الساعة، لأن الله تعالي جعله في حصن حفظه الحصين، و نصب الائمة الاثني عشر حفظة له و قواما بأمره في جميع الازمنة الي قيام القيامة.
و لا ينافي ذلک ما ربما وقع أو يقع في بعض الازمنة و الامکنة من غلبة الکفار علي المسلمين، لعدم قدرتهم علي ابادة الاسلام، و الدليل علي ذلک بقاء هذا الدين علي مر الاعصار طوال أربعةعشر قرنا مع کثرة الاعداء و قوتهم و عدتهم و و اتفاق کلمتهم علي محو الاسلام و اضعاف المسلمين بکل قواهم المادية و تجهيزاتهم العسکرية و قدراتهم الاقتصادية، فلم ينجح مکرهم لاطفاء نور الله تعالي، بل ربما ظهروا علي المسلمين في الظاهر و استولوا علي بلادهم و ثرواتهم، و لکن لم يتمکنوا من تنفيسذ نواياهم من اجتثاث هذه الشجرة، بل ظهر في مرات کثيرة صدق ما بشر النبي صلي الله عليه و آله و سلم امته في هذه الاحاديث، و ما بشر الله تعالي و وعد نبيه و المسلمين في مثل قوله تعالي:
(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و الله متم نوره و لو کره الکافرون) [1]
و قال تعالي: (و مثل کلمة طيبة کشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء، تؤتي أکلها کلي حين باذن ربها) [2] .
الخامس: ليس مفاد هذه الاحاديث أن عزة الاسلام مطلقا لا تتحقق
[ صفحه 262]
الا اذا ملکوا الامور و کانوا مبسوطي اليد، بل مفادها أن عزة الاسلام تبقي ببقائهم و لا ترتفع بجميع مراتبها، نعم العزة المطلقة لا تتحقق الا في دولتهم و توليهم الامور الظاهرة، و هذه أيضا و ان لم تتحقق في دولة واحد منهم، اذا أردنا من عزة الاسلام حاکمية احکامه في جميع الارض، الا انه تتحقق بالتدريج و تستکمل في دولة آخرهم.
و بالجملة نقول عزة الاسلام ببعض مراتبها الذي يمنع زوال الدين و يجعله مصونا و محفوظا بهولاء الاثني عشر، و اذا توفرت شرائط العزة المطلقة بسبب بسط يدهم في دولة الثاني عشر منهم فانها تتحقق، قال الله تعالي:
(هو الذي أرسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين کله) [3] .
السادس: ان امامة هولاء الائمة عليهم السلام انما تکون علي التوالي دون التفريق، و هذا أمر يستفاد من صراحة هذه الاحاديث بذلک.
و هنا نکات مهمة ترجع الي معني لفظ الخليفة و الامام و الولي، نذکرها اتماما للفائدة:
الاولي
قال الراغب: و الخلافة النيابة عن الغير، اما لغيبة المنوب عنه، و اما لموته، و اما لعجزه، و اما لتشريف المستخلف، و علي هذا الوجه الاخير استخلف الله أولياءه في الارض [4] .
أقول: علي هذا فالخليفة هو النائب عن الغير سواء کان قائما مقام الغائب أو الميت أو العاجز، أو کان قيامه مقام المنوب عنه لتشريف النائب
[ صفحه 263]
و تکريمه، أو کان صدور بعض الافعال و انفاذ ولاية المستنيب و اظهار شؤونه بواسطة النائب أوفق بحکمة المستنب و أغراضه، أو غير ذلک، و سواء کان المنوب عنه و المستنيب هو الله تعالي أو النبي أو غيره من طوائف العباد أو آحادهم.
فلم يوخذ في معناه اللغوي خصوصية غيبة المنوب عنه او عجزه او موته، کما لم يوخذ فيه أن يکون مسبوقا بنبوة نبي أو امامة امام فلذلک صح اطلاق خليفة الله علي نحو الحقيقة علي آدم و داود و سائر الانبياء مثل نوح و ابراهيم و موسي و عيسي و سيدهم محمد صلي الله عليه و آله و سلم و الائمة الاثني عشر الذين بشر النبي صلي الله عليه و آله و سلم امته بخلافتهم.
کما أن لفظ الخليفة المستعمل في القرآن الکريم و الاحاديث الشريفة بدون اضافة الي احد، ظاهر في خليفة الله تعالي فهو مستخلفه و مستنيبه، و الامر المستخلف فيه هو من شؤون الله تعالي و ليس لغيره أن يتصرف فيه الا باذنه واستنابته و استخلافه.
فالخليفة في قوله تعالي: (اني جاعل في الارض خليفة) [5] و في قوله عزوجل: (يا داود انا جعلناک خليفة في الارض) [6] و کذا في هذه الاحاديث هو خليفة الله تعالي، فالخلفاء هم نواب الله علي عباده و قوامه علي خلقه.
اما الامراء فهم الحکام سواء أکانوا خلفاء ام غير خلفاء، فکل خليفة أمير و حاکم و ليس کل أمير و حاکم خليفة.
فألفاظ الحکومة و الامارة والسلطان تقصر عن التعبير عما في مفهوم
[ صفحه 264]
الخليفة. و الخلافة في تعبير الشارع بل و المتشرعة تفيد معني له من الجلال و الجمال و القداسة و الحکم علي أساس الخير و العدل و القيم الانسانية، و معاملة الضعفاء بالرفق، ما لا يفيده غيرها، لأن الخليفة تتصل سلطته بسلطة الله الحکيم العادل الرحمان الرحيم الجبار القاهر الجواد القدوس العطوف الغفار السلام، فالخليفة لا يستبد بالامر و لا يخرج عن المنهاج الذي رسمه الله له، و لا أمر له الا اقامة الحق و دفع الباطل و تهذيب النفوس و العمل بالکتاب و السنة. فمن کان خارجا عن هذا النهج و الهدف لا يکون خليفة بخلاف الامير و الحاکم و السلطان.
و قد ظهرلک أن الخلافة منصب الهي و نيابة عن الله تعالي لا تتم و لا تتحقق الا بالجعل الالهي لا يشرکه في ذلک أحد.
و يدل علي ذلک -مضافا الي حکم العقل بأن تعيين خليفة الله في الارض يلزم أن يکون بنصبه تعالي و جعله - قوله تعالي: «اني جاعل» [7] و «انا جعلناک» [8] فان المستفاد منهما أن جعل الخليفة من شؤون الله تعالي و أفعاله الخاصة به لا شريک له في ذلک فليس لغيره کائنا من کان جعل الخليفة في الارض.
و مما ينبغي الاشارة اليه، أن الخلافة لطف من ألطاف الله تعالي العامة لا تخص زمانا دون زمان، فهو کغيره من ألطافه و عناياته العامة التي تقتضيها ربوبيته المطلقة و رحمته الشاملة و حکمته الکاملة، و هي تشمل عباده في کل عصر و مکان و لا تختص بأهل زمان أو منطقة فقط، فان الجاعل للخليفة هو الله الفياض الجواد الذي لا يبخل بمعروفه و لا تنفد خزائنه و هو الحکيم الخبير، و اذا ثبت صدور هذا اللطف منه في زمان،
[ صفحه 265]
ثبت صدروه منه في جميع الازمنة.
و مما يدل علي أن الخليفة و الخلافة اذا اطلقا في الکتاب و السنة اريد منهما خليفة الله والخلافة الالهية العظمي، احاديث کثيرة من طرق الفريقين مثل ماورد في أحاديث المهدي عليه السلام انه خليفة الله. [9] .
و مثل قوله صلي الله عليه و آله و سلم في حديث حذيفة: ان کان لله خليفة في الارض فضرب ظهرک و أخذ مالک فأطعه [10] و لفظه في بعض طرقه الاخر: فان کان لله يومئذ في الارض خليفة فجلد ظهرک و أخذ مالک فالزمه. [11] .
و في حديث کميل: قال اميرالمومنين علي بن ابي طالب عليه السلام اولئک خلفاء الله في بلاده (في ارضه). [12] .
و في وصية کان يکتبها لم يستعمله علي الصدقات يظهر منها شدة اهتمامه باقامة عماد الحق، و شرع امثلة العدل، في صغير الامور و کبيرها و رفيعها و جليلها يأمر عامله عليها أن يقول: عبادالله ارسلني اليکم ولي الله و خليفته. [13] .
و اقتباسا من هذه الاحاديث يقول النابغة الکبير الامام في الفقه و الحديث و الادب و الفنون الکثيرة شيخنا الشيخ بهاءالدين العاملي في قصيدته المسماة بوسيلة الفوز و الامان في مدح صاحب العصر و الزمان:
خليفة رب العالمين و ظله
علي ساکني الغبراء من کل ديار
[ صفحه 266]
ان قلت: فما وجه اطلاقهم الخليفة علي کل من تولي الامر بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الا آخر الخلافة و زوال اسمها بذهاب الدولة العثمانية، مع أن خلافتهم لم تکن باستخلاف الهي و لا باستخلاف الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و کانت مجرد حکومة و سلطنة لم تکن حاملة رسالة الاسلام و ليست لها نفحات طيبة من صاحب الشريعة و کان المتسمون باسم الخليفة مستبدين بالحکم عاملين بالجور خارجين عن سنن الاسلام في الحکم جعلوا عباد الله خولا و مال الله دولا؟!.
قلت: هذا مجرد اصطلاح منهم ظهر بعد أن اطلق المتقربون الي هولاء الولاة عليهم اسم «خليفة رسول الله» و اطلق غيرهم ذلک عليهم خوفا من بطشهم و مظالمهم الموحشة، ثم اختصروا هذه الجملة بکلمة «الخليفة».
و لا شک أن هذا الاصطلاح و الاطلاق لا يوجب صرف الفاظ الکتاب والسنة عما هي ظاهرة فيه حين الاستعمال، و لا يغيرها الي المعني الموضوع المستحدث کما لا شک في أن هذا الاصطلاح ليس من باب الحقيقة اصلا، لأن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لم يستخلف أبابکر، أما عمر فعلي القول بأن ابابکر استخلفه [14] فهو خليفة ابي بکر.
أما مقام الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و ولايته علي الامور فلم تکن باختيار الناس أو بتغلبه علي الامر و استبداده به بل کان باختيار الله
[ صفحه 267]
تعالي، فاطلاق الامير والسلطان و الحاکم علي هؤلاء المتسمين بالخلفاء اولي و اصح من اسم الخليفة، فضلا عن خليفة الله تعالي او خليفة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.
و الذهن المستقيم و الذوق السليم و ان کان من غير شيعة العترة الطاهرد يأبي ذلک حتي بالتجوز و المسامحة، و يتساءل ما هو المجوز لاطلاق «خليفة الرسول» علي مثل عثمان و معاوية و يزيد و الوليد و امراء بني العباس و آل عثمان وغيرهم من المتسمين بالخليفة في دمشق و بغداد و الاندلس و غيرها.
و بالجملة فان لقب «خليفة الله» لقب رفيع شامخ، و کذا لقب «الخليفة» لا يطلق و لا يصح اطلاقه الا علي صاحب منصب الخلافة الالهية في الاذرض الذي اختاره الله تعالي لاقامة العدل و المثل الانسانية العليا و انفاذ احکامه و عمارة بلاده و افاضة الخير و حفظ کيان الشريعة و معالم الحق.
و لا يصح اطلاقه علي غيره حتي بالتجوز و المسامحة، و لوضوح عدم صحة ذلک قال ابوبکر لما قيل له: يا «خليفة الله» قال: بل خليفة محمد، أو قال: انا خليفة رسول الله، [15] و لکن تلقيبه نفسه ايضا بخليفة محمد او خليفة رسول الله لم يکن علي وجه الحقيقة، لأن الخلافة کما سمعت هي النيابة عن الغير فلا تتم الا باستنابة ذلک الغير و استخلافه، و المتفق عليه أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لم يستخلف ابابکر و لم يوص له، و لم يکن جلوسه مجلسه و استيلاؤه علي منبره و محرابه، و ما کان تحت يده باستنابته.
و علي القول بأن أمر الحکومة و تعيين الحاکم و الوالي راجع الي الامة
[ صفحه 268]
فيجب عليهم نصبه و القيام بتعيينه، و ان الامة اجمعت -و ما أجمعوا - من غير کره و خوف علي نصب ابي بکر، فاطلاق خليفة الامة دون خليفة الرسول عليه اولي و أصح، لأنه صار - بزعمهم - نائبا عن الامة فيما هو تکليف الجميع من اقامة الحدود و حفظ النظام، کل ذلک يظهر بأدني تأمل في تعريف الخلافة بأنها النيابة عن الغير. و في هذا الموضوع کلام طويل... و لا تسال عن الخبر.
الثانية
ما ذکرنا في الخليفة يجري في لفظ الامام و في الولي اذا اطلق الاخير علي غير الله تعالي، فالامام اذا اطلق يراد به صاحب المقام المجعول من الله تعالي سواء کان نبيا او وصي نبي، و لا ينافي ذلک کون معناه بحسب اللغة أعم من ذلک، فيصح بحسب اللغة اطلاق لفظ الامام علي کل من يؤتم به في علم أو خلق أو فن من الفنون، فيقال مثلا خليل بن احمد الامام في اللغة، او الکليني الامام في الحديث، أو الشيخ الطوسي الامام في التفسير و الحديث و الفقه و الاصول، و الشيخ الرئيس ابن سينا الامام في الفلسفة و الطب، الا ان هذا لا ينافي استقرار ظهوره في لسان الشارع و الکتاب و السنة في من نصبه الله تعالي اماما و جعله علما لعباده و منارا في بلاده يرجع اليه الغالي و يفي ء اليه التالي، فکأنه نقل لفظ الامام الموضوع او الظاهر في المؤتم به بسبب کثرة الاستعمال في الکتاب و الحديث عن هذا المعني الکلي الي هذا المصداق و الفرد المعين، فصار ظاهرا فيه اذا استعمل مطلقا و بدون قرينة صارفة عن هذا الظهور.
و لظهور اختصاص هذا اللقب بحجة الله و الامام المنصوب من قبله تعالي تأبي -تأدبا- بعض النفوس الزکية و ذوي القلوب القدسية عن اطلاق هذا اللفظ عليهم، حتي مع وجود قرينة صارفة عما هو ظاهر فيه.
[ صفحه 269]
و لا يخفي عليک ان لفظ الامام و ان کان بحسب هذا النقل يطلق علي النبي و غيره ممن يقوم بالامر باذن الله تعالي، الا أن کثرة استعماله في الائمة القائمين بالامر من اهل البيت عليهماالسلام في الاحاديث الشريفة جعله کأنه نقل بعد نقله الي المعني الثاني الي هذا المعني
و من راجع الکتاب والسنة يجد شواهد کثيرة لذلک. فمما يدل عل استقرار ظهوره في الکتاب علي کل من جعله الله تعالي اماما، نبيا کان أو وصيا قوله تعالي: (و اذ ابتلي ابراهيم ربه بکلمات فأتمهن قال اني جاعلک للناس اماما قال و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) [16] .
فهذه الاية الکريمة دلت علي أن الامامة هي عهد الله الذي لا ينال الظالمين و ان الله هو جاعله و من الواضح أن جعل الامام للناس عامة لا يصح لا من جانب الله تعالي.
و قوله تعالي: (و جعلنا هم ائمة يهدون بأمرنا و اوحينا اليهم فعل الخيرات) [17] و قوله عزوجل (و نريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الارض و نجعلهم ائمة) [18] و قوله عز من قائل: (وجعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا) [19] .
و مما يدل علي ظهوره في الامام بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قوله صلي الله عليه و آله و سلم «من مات و لم يعرف امام زمانه فليمت ان شاء يهوديا و ان شاء نصرانيا» [20] و قال أميرالمؤمنين عليه السلام «بنا يستعطي
[ صفحه 270]
الهدي و يستجلي العمي ان الائمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح علي سواهم و لا تصلح الولاة من غيرهم» [21] و قال: «و انما الائمة قوام الله علي خلقه و عرفاؤه علي عباده و لا يدخل الجنة الا من عرفهم و عرفوه و لا يدخل النار الا من أنکرهم و أنکروه» [22] و الاحاديث في قداسة معني الامامة و أنها منصب الهي و انها اذا استعملت مطلقة يراد بها صاحب هذا المنصب في کتب الفريقين سيما الامامية کثيرة متواترة.
هذا کله في لفظ «الامام».
و اما لفظ «الولي» فهو تارة يستعمل مضافا الي الله تعالي أو الي غيره، و تارة يستعمل بدون الاضافة، و المضاف اليه ايضا تارة يکون مورد ولاية الولي و محلا لاعمال ولايته کلاناس و المومنين في مثل: الله ولي الناس، أو ولي الذين آمنوا، او ولي المؤمنين، او الاب ولي ولده الصغير، أو الحاکم ولي الممتنع او الغائب فالولي في مثل هذه الامثلة في معني الفاعل.
و مثله قوله تعالي: (انما وليکم الله و رسوله و الذين آمنوا) [23] و قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم: علي ولي کل مومن بعدي، و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: هم خلفائي يا جابر و أولياء الامر بعدي.
و تارة يکون في معني المفعول اذا اضيف الي جاعل هذه الولاية و فاعله کقولنا: علي ولي الله، نعني بذلک أنه هو المجعول وليا من جانب الله تعالي.
و المتبادر الي الذهن في جميع هذه الامثلة من الولي اذا اضيف الي الناس أو الذين آمنوا و نحو ذلک، أو اضيف الي الله هو نحو من المعني
[ صفحه 271]
الذي اريد من لفظ الخليفة و الامام، له قدسيته و روحانيته، و استمداده من ولاية الله الکاملة المطلقة، و هذا المعني هو الظاهر منه اذا اطلق علي النبي و الامام مطلقا و بدون الاضافة، کما أن الظاهر من اطلاق لفظ الولي علي الله تعالي هو هذا المعني بمرتبته الکاملة الذاتية غير المعتمدة علي ولاية غيره، دون سائر المعاني کالناصر و الحب.
الثالثة
ألفاظ الخليفة و الامام و الولي و ان کانت ظاهرة في المعاني التي استظهر ناها منها اذا استعملت في الکتاب والسنة و ربما تصدق علي مصداق واحد، بل کل واحد منها دائم الصدق علي ما يصدق عليه الاخر الا أن لکل واحد منها معني يتبادر الي الذهن قبل غيره من المعاني التي تدل عليها بالالتزام.
فالمتبادر من لفظ الخليفة من يقوم بأمر الله تعالي نيابة عنه بالحکم بين عباده بالحق و اقامة العدل والقسط و نظم الامور و بسط الامن و نحو ذلک، و يتبادر من لفظ الولي من له التصرف في الامور التکوينية و الولاية التشريعية من قبل الله تعالي و بتمکينه و تشريعه، کما يتبادر من لفظ الامام المنصوب للائتمام و الاقتداء به والاهتداء بهدايته و أن يکون علما للسالکين، و الدليل علي مرضاة الله و عصمة المعتصمين و عروة المتمسکين. کل هذه الاصطلاحات تشير الي عنايات خاصة و الطاف الهية تشمل عباده المکرمين المأمونين علي سره، المخصوصين بعنايته الذين لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون.
و کل هذه المناصب أعم من الرسالة و النبوة، فهي تجتمع معها کما اجتمع في ابراهيم الخليل النبوة و الامامة، و في آدم و داود النبوة و الخلافة، و في غيرهم من الانبياء الذين اخبرالله تعالي بامامتهم في القرآن المجيد،
[ صفحه 272]
و کما اجتمع في سيدهم و خاتمهم صلي الله عليه و آله و سلم جميع المناصب الالهية.
فکلهم من رسول الله ملتمس
غرف من اليم او رشفا من الديم [24] .
و تفترق عن النبوة فيکون الامام و الخليفة و الولي تابعا للنبي کالائمة الاثني عشر، فان النبوة و الرسالة قد ختمت بجدهم محمد بن عبدالله صلي الله عليه و آله و سلم و بقيت الخلافة و الامامة و الولاية في امته لئلا تبطل حجج الله و بيناته، فهؤلاء الخلفاء هم القائمون بأعباء الخالفة الالهية بعده صلي الله عليه و آله، و لا ينافي ذلک اطلاق خلفاء الرسول عليهم في بعض الروايات کقوله صلي الله عليه و آله و سلم: هم خلفائي يا جابر، و اللهم ارحم خلفائي، و انت خليفتي، و انت الخليفة بعدي، فان ما قلناه من الاستظهار من هذه الالفاظ انما قلناه فيما اذا استعملت مطلقا و بدون اضافتها الي غير الله تعالي، أما مع اضافتها الي غيره تعالي، فلا ريب في انه يستفاد من لفظ الخلافة، الخلافة عن هذا الغير.
و الخلافة عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم التي جاءت في هذه الاحاديث هي الخلافة عنه في ابلاغ الاحکام و ما أنزل الله اليه الي الناس و القيام مقامه في تولي امور الامة و ادارة شؤونهم و هي ايضا لاتتحقق الا باستخلافه بنفسه واحدا من امته، و لا يجوز للامة أن تستخلف احدا له، فالخلافة و النيابة و الوصية و أمثالها امور ليس لأحد تولي نصب من يقوم بها الا من يکون ذلک المنصوب خليفته و نائبا عنه و وصيه و لا ولاية لغيره علي ذلک.
و ليت شعري من أين ثبت للامة هذه الولاية علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و اکرم خلقه؟ و من أين ثبت للامة عليه من الولاية ما
[ صفحه 273]
لم يثبت علي واحد من امته؟ ان هذا الا جرأة و تجاسر علي الله تعالي و رسوله الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم.
[ صفحه 274]
پاورقي
[1] الصف: 8.
[2] ابراهيم: 24، و 25.
[3] التوبة: 33.
[4] المفردات في غريب القرآن: ص 156.
[5] البقرة: 30.
[6] ص: 26.
[7] البقرة: 30.
[8] ص: 26.
[9] سنن ابن ماجة: ج 2، باب خروج المهدي ص 519، مسند احمد: ج 5، ص 277.
[10] سنن أبي داود کتاب الفتن: ج 2، ص 200.
[11] مسند احمد: ج 5، ص 430.
[12] نهج البلاغة: (قسم الحکم) 147؛ تذکرد الحفاظ: ج 1 ص 11 و 12؛ دستور معالم الحکم بسنده المتصل الي کميل ص 84؛ الامالي الخميسية بسنده المتصل اليه ج 1 ص 66.
[13] نهج البلاغة: (قسم الرسائل) 25.
[14] و لم يثبت ذلک لانهم قالوا: لما اشتغل عثمان بکتابة وصية ابي بکر غشي عليه، فزعم عثمان انه مات فکتب اسم عمر من قبل نفسه، فلما أفاق اخبره بذلک و صوبه ابوبکر.
و الذي يغلب علي ظن الباحث انه مات في غشوته هذه و استولي عمر علي الامر بکتابة عثمان، و لم يقل عمر في هذا المقام مع استيلاء المرض علي أبي بکر انه استولي عليه المرض أو ان الرجل ليهجر؟! و لم يمنعه من الوصية کما منع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من وصيته؟! فانا لله و انا اليه راجعون.
[15] مسند احمد: ج 1، ص 10.
[16] البقرة: 124.
[17] الانبياء: 73.
[18] القصص: 5.
[19] السجدة: 24.
[20] المسائل الخمسون للفخر الرازي: المسألة 47، و هذه الرسالة طبعت سنة 1328 في مصر مع عدة رسائل اخري أسماها ناشرها «مجموعة الرسائل» و هذا الحديث في ص 348.
[21] نهج البلاغة: الخطبة 142.
[22] نهج البلاغة: الخطبة 150.
[23] المائدة: 55.
[24] البيت من القصيدة المعروفة بالبردة، لأبي عبدالله محمدبن سعدي البوصيري.