بازگشت

تکاليف عصر الغيبة الکبري


اهتمت الأحاديث الشريفة بقضية تکاليف عصر الغيبة بحکم الأبعاد العملية التي تشتمل عليها فيما يرتبط بتحرک الإنسان في هذه الفترة المتميزة بفتن کثيرة وصعوبات في مواجهتها ناتجة عن عدم الحضور الظاهر لإمام العصر وعدم تيسر الرجوع إليه بسهولة.

في هذا الفصل نذکر علي نحو الإيجاز أبرز هذه التکاليف طبق ما حددته الأحاديث الشريفة مع تفصيل الحديث عن أهمها والذي ينطوي علي تجسيد التکاليف الأخري ألا وهو واجب انتظار ظهور الإمام ـ عجل الله فرجه ـ لأنه عُرّض للکثير من أشکال سوء الفهم.

وأبرز التکاليف الاُخري فکما يلي:

1 ـ ترسيخ المعرفة بإمام العصر ـ عجل الله فرجه ـ وغيبته وحتمية ظهوره وأنه حي يراقب الأمور ويطّلع علي أعمال الناس وأوضاعهم وينتظر توفر الشروط اللازمة لظهوره، وإقامة هذه المعرفة علي أساس الأدلة النقلية الصحيحة والبراهين العقلية السليمة.

وأهمية هذا الواجب واضحة في ظل عدم الحضور الظاهر للإمام في عصر الغيبة والتشکيکات الناتجة عن ذلک، کما أن لهذه المعرفة تأثيراً



[ صفحه 184]



مشهوداً في دفع الإنسان المسلم نحو العمل الإصلاحي البنّاء علي الصعيدين الفردي والاجتماعي، فهي تجعل لعمله حافزاً إضافياً يتمثل بالشعور الوجداني بأن تحرکه يحظي برعاية ومراقبة إمام زمانه الذي يسرّه ما يري من المؤمنين من تقدم ويؤذيه أي تراجع أو تخلف عن العمل الإصلاحي البناء والتمسک بالأحکام والأخلاق والقيم الإسلامية التي ينتظر توفر شروط ظهوره لإقامة حاکميتها في کل الأرض وإنقاذ البشرية بها.

وقد التقينا في الأحاديث الشريفة التي أخبرت عن غيبة المهدي قبل وقوعها بإشارات صريحة الي هذا الواجب وسنلتقي ضمن الحديث عن واجب الانتظار بنماذج أخري. يُضاف الي ذلک معظم الأدعية المندوب تلاوتها في عصر الغيبة تحفز علي القيام بهذا الواجب وترسيخ المعرفة بالإمام، فمثلاً الکليني في «الکافي» عن زرارة أن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «إن للقائم غيبة... وهو المنتظر وهو الذي يشکّ الناس في ولادته...]فقال زرارة[: جُعلت فداک إن أدرکت ذلک الزمان أي شيء أعمل؟ قال: يازرارة متي أدرکت ذلک الزمان فلتدع بهذا الدعاء: اللَّهُمَّ عرّفني نفسک فإنک إن لم تعرفني نفسک لم أعرف نبيک، اللَّهُمَّ عرّفني رسولک فإنک إن لم تعرفني رسولک لم أعرف حجتک، اللَّهُمَّ عرّفني حجتک فإنک إن لم تعرّفني حجتک ضللتُ عن ديني...» [1] وفي الحديث إشارة الي الأسس العقائدية للإيمان بإمام العصر وثمار معرفته.

2 ـ ومن التکاليف المهمة الأخري التي أکدتها الأحاديث الشريفة لمؤمني عصر الغيبة هو تمتين الارتباط الوجداني بالمهدي المنتظر والتفاعل العملي مع أهدافه السامية والدفاع عنها والشعور الوجداني العميق بقيادته وهذا



[ صفحه 185]



هو ما تؤکده أيضاً معظم التکاليف التي تذکرها الأحاديث الشريفة کواجبات للمؤمنين تجاه الإمام مثل الدعاء له بالحفظ والنصرة وتعجيل فرجه وظهوره وکبح أعدائه والتصدق عنه والمواظبة علي زيارته وغير ذلک مما ذکرته الأحاديث الشريفة وقد جمعها آية الله السيد الإصفهاني في کتابه «مکيال المکارم في فوائد الدعاء للقائم» وکتابه «وظائف الأنام في غيبة الإمام».

3 ـ إحياء أمر منهج أهل البيت(عليهم السلام) [2] الذي يمثله ـ عجل الله فرجه ـ بما يعنيه ذلک من العمل بالإسلام النقي الذي دافعوا عنه ونشر أفکارهم والتعريف بمظلوميتهم وموالاتهم والبراءة من أعدائهم والعمل بوصاياهم وتراثهم وما تقدم من تعاليمهم ونبذ الرجوع الي الطاغوت وحکوماته والرجوع الي الفقهاء العدول الذين جعلوهم حجة علي الناس في زمن الغيبة والاستعانة بالله في کل ذلک کما ورد في النص:

«وإن أصبحتم لا ترون منهم [الأئمة(عليهم السلام)] أحداً فاستغيثوا بالله عز وجل وانظروا السنة التي کنتم عليها واتبعوها وأحبوا ما کنتم تحبون وابغضوا مَن کنتم تبغضون فما أسرع ما يأتيکم الفرج» [3] .

4 ـ تقوية الکيان الإيماني والتواصي بالحق الإسلامي النقي والتواصي بالصبر، وهو من التکاليف التي تتأکد في عصر الغيبة بحکم الصعوبات التي يشتمل عليها؛ والثبات علي منهج أهل البيت(عليهم السلام): «يأتي علي الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فياطوبي للثابتين علي أمرنا في ذلک الزمان...» [4] .



[ صفحه 186]



هذه عناوين أبرز التکاليف الخاصة بعصر الغيبة وثمة تکاليف خاصة ببعض الحوادث التي تقع فيه أو بعض علائم الظهور مثل مناصرة حرکة الموطئة ـ الذين يوطّئون للمهدي سلطانه ـ أو اجتناب فتنة السفياني أو تشديد الحذر عند ظهور بعض العلائم القريبة من أوان الظهور وغير ذلک.

وبعد هذا العرض السريع ننتقل للحديث عن واجب الانتظار الذي يمثل أهم هذه التکاليف ويشتمل العمل به علي معظم التکاليف السابقة، ونتناوله ضمن الفقرات التالية.


پاورقي

[1] الکافي: 1/ 337، غيبة النعماني: 166 ـ 167، کمال الدين: 2/ 342، غيبة الطوسي: 202.

[2] المحاسن للبرقي: 173، الکافي: 8/ 80، کمال الدين: 664 وفي الحديث الشريف ثناء جليل من الإمام الباقر(عليه السلام) علي مَن يجند نفسه لأحياء أمر أهل البيت(عليهم السلام).

[3] کمال الدين: 328 وعنه في بحار الأنوار: 51/ 136.

[4] کمال الدين: 330، بحار الأنوار: 52/ 145.