اصدار الرسائل التوقيعات
حفلت المصادر المؤرخة لسيرة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ بنصوص العديد من الرسائل والبيانات التي کان يصدرها(عليه السلام) في فترة الغيبة الصغري والتي عُرفت بالتوقيعات. وهي تشکل أحد الأدلة الوجدانية
[ صفحه 154]
المحسوسة الدالة علي وجوده وقيامه بمهام الإمامة في غيبته [1] .
وتمثل التوقيعات إحدي وسائل اتصال الإمام بالمؤمنين وإيصال توجيهاته إليهم بحکم أوضاع عصر الغيبة التي حددت الاتصالات المباشرة، ومما ساعد علي إتباع هذه الوسيلة وقوّة تأثيرها في المؤمنين تمهيد آبائه(عليهم السلام) لذلک باتباع هذا الاسلوب في وقت مبکر خاصةً في عصر الإمام الکاظم(عليه السلام) الذي قضي شطراً کبيراً من مدة إمامته التي ناهزت خمسة وثلاثين عاماً في سجون العباسيين أو تحت مراقبتهم الشديدة وتعرضهم للأذي الشديد لأصحابه، فکان يتصل بالمؤمنين ويجيب علي اسئلتهم الدينية ويتوددهم ويوصل إليهم توجيهاته عبر الرسائل التي لم تنقطع حتي عندما کان في السجن عبر وسائل مبتکرة واشخاص فشلت السلطات العباسية في التعرف علي ولائهم للإمام الحق(عليه السلام).
وقد اشتدّ العمل بهذا الاسلوب في عهد الامامين الهادي والعسکري(عليهما السلام)، وذلک بسبب ازدياد المراقبة التي فرضتها السلطات العباسية عليهما إذ جعجعت بهما الي (سرّ من رأي) عاصمة الامبراطورية العباسية يومذاک والتي کانت أشبه ما تکون بالقلعة العسکرية، ولذلک کانت تسمي أيضاً «العسکر»، وجعلتهما أشبه ما يکونان بالسجينين في هذه القلعة. وإضافة لذلک فإن تأکيدهما علي استخدام هذا الاسلوب جاء کتمهيد مباشر لغيبة ولدهما المهدي ـ عجل الله فرجه ـ من خلال تعويد المؤمنين علي هذا الاسلوب دفعاً للشبهات وإتماماً للحجة ولکي يتقبلوا العمل بما يرد في الرسائل بتسليم إيماني راسخ، خاصةً وأن الإمام (عليه السلام) کان يستخدم الخط نفسه
[ صفحه 155]
الذي کان يستخدمه أبوه في رسائله وذلک تثبيتاً للايمان في قلوب المؤمنين به؛ وقطعاً للطريق علي المستغلين [2] .
وقد جاء قسم من هذه التوقيعات جواباً علي أسئلة من المؤمنين عبر السفراء الأربعة، والقسم الآخر کان بمبادرة من الإمام نفسه فيما يرتبط ببعض القضايا المهمة کحمايته للمؤمنين والوکلاء کما رأينا، أو فيما يرتبط بالکشف عن انحراف بعض الوکلاء أو زيف ادعاء منتحلي الوکالة، أو فيما يرتبط بالنص علي تعيين السفراء وغير ذلک.
کما اشتملت علي ما يحتاجه المؤمنون من معارف الإسلام الحق وأحکامه في مختلف شؤونهم الحياتية عقائدية وفقهية وتربوية وأخلاقية وأدعية وغير ذلک، وما تحتاجه الأمة في عصر الغيبة کالإرجاع الي الفقهاء العدول، والتأکيد علي استمرار رعايته في غيبته وتحديد علائم ظهوره وغير ذلک مما سنتعرف علي بعض نماذجه في فصل لاحق. کما أن في بعضها نماذج تطبيقية لاستنباط الحکم الشرعي من الأحاديث المروية تعويداً للأمة علي العمل الإجتهادي في عصر الغيبة الکبري [3] ، وبعبارة جامعة يمکن القول إن هذه التوقيعات کانت من جهة وسيلة لقيادة المؤمنين وحفظ کيانهم؛ ومن جهة أخري وسيلة لإکمال ما يحتاجونه في عصر الغيبة الکبري من حقائق الإسلام وأحکامه.
پاورقي
[1] راجع نماذجها في المجلد الثاني من کتاب معادن الحکمة. لمحمد بن الفيض الکاشاني وکتاب الصحيفة المهدية لوالده وغيرها من کتب الغيبة.
[2] الغيبة للطوسي: 220.
[3] راجع مثلاً توقيعاته(عليه السلام) لمحمد بن عبدالله الحميري المروية في کتاب الاحتجاج: 2 / 483 وما بعدها.