بازگشت

تثبيت نظام النيابة


قام الإمام المهدي(عليه السلام) في هذه الفترة بتعيين عدد من الثقات المخلصين في إيمانهم من شيعته وکلاء عنه يتحرکون بإذنه وبأمره ويشکلون جهازاً للارتباط بالمؤمنين، وقد مهد له في ذلک جده الإمام الهادي ومن قبله الإمام الجواد (عليه السلام) ثم تابعه الإمام العسکري (عليه السلام) الذي رسّخ نظام الوکلاء تمهيداً لغيبة ولده. فکان يُعلن توثيق بعض وجوه أصحابه وأنه وکيل عنه، فمثلاً قال(عليه السلام) بشأن عثمان بن سعيد العمري وکيله الذي أصبح فيما بعد وکيلاً لولده الإمام المهدي(عليه السلام)، وکان وکيلاً للإمام الهادي(عليه السلام) أيضاً: «هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لکم فعنّي يقوله، وما أدي إليکم فعنّي يؤديه» [1] .

وقد ذکر الشيخ الصدوق أسماء إثني عشر شخصاً من وکلاء ونواب الإمام المهدي(عليه السلام) في الغيبة الصغري وأضاف اليهم السيد محمد الصدر أسماء ستة آخرين استناداً الي ماورد في المصادر التأريخية وکتب الرجال [2] ، وکان الإمام يتولّي تنصيبهم مباشرة ويصدر بيانات «توقيعات» في ذلک وفي نفي الوکالة عمّن يدّعيها ولم يکن منهم [3] .

وثمة تغيير مهم حدث في نظام الوکلاء في هذه الفترة عما کان عليه في زمن الإمام العسکري(عليه السلام)، وهو استحداث الإمام المهدي(عليه السلام) منصب الوکيل الخاص أو السفير العام بينه وبين المؤمنين وهو منصب لم تکن الحاجة إليه



[ صفحه 150]



قائمة في السابق حيث کان بامکان الوکلاء أو غيرهم الاتصال بالإمام بصورة أو بأخري، وکان الإمام ظاهراً فلا حاجة لوکيل أو نائب خاص ينوب عنه، أما في عهد الغيبة الصغري فقد اقتضي عدم ظهور الإمام ايجاد هذا المنصب ليکون محوراً لرجوع المؤمنين خاصةً وأنهم کانوا قد اعتادوا في السابق أن يکون الإمام واحداً في کل عصر.

وکان تعيين الوکيل الخاص أو السفير من قبل الإمام المهدي(عليه السلام) مباشرة وعادة ما يکون عبر توقيع يصدره ويبلّغه مباشرة کما هو الحال في الوکيل الأول أو عبر الوکيل السابق فيما بعد.

إن الزعماء الشيعة، والأصحاب الأربعة الذين تعاقبوا علي هذا المنصب هم: عثمان بن سعيد العمري الذي کان کما عرفنا وکيلاً للإمامين الهادي والعسکري(عليهما السلام)، ثم خلفه إبنه عمرو بن عثمان ثم الحسين بن روح، وخاتمهم کان علي بن محمد السمري ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ.

وکان توجيه الإمام لعمل هؤلاء السفراء مباشراً ومستمراً في کل ما کانوا ينوبون عنه من مهام الإمامة حتي فيما يرتبط بأجوبتهم علي الأسئلة العقائدية للمؤمنين التي قد يکون من الممکن أن يجيبوا عنها بما يعرفون، إلاّ أنهم ما کانوا يفعلون شيئاً من ذلک إلاّ بتعليم مباشر منه(عليه السلام) الأمر الذي يضفي صبغة الحجة الشرعية علي ما صدر عنهم، وهذا ما تدل عليه عدة روايات منها مثلاً مارواه الشيخ الطوسي في الغيبة ضمن حديث طويل بشأن اجابة السفير الثالث الحسين بن روح علي سؤال عقائدي لأحد المؤمنين بشأن استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، إذ ينقل عن راوي الحديث محمد بن ابراهيم الذي کان قد حضر المجلس الذي اجاب فيه الحسين بن روح علي السؤال: قال محمَّد بن ابراهيم ابن اسحاق (رضي الله عنه) فعدت إلي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس سره) من الغد



[ صفحه 151]



وأنا أقول في نفسي أتراه ذکر لنا يوم أمس من عند نفسه؟ فابتدأني فقال: يا محمَّد بن إبراهيم لَئِن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح من مکان سحيق أحب إليّ من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي، بل ذلک من الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه عليه [4] .

وواضحٌ أن الأوضاع السياسية القائمة التي أوجبت غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) لم تکن تسمح بأن يکون عمل الوکلاء علنياً، لذلک کان الشرط الأول في الوکلاء وخاصة السفراء أن يکونوا علي مرتبة عالية من الالتزام بالکتمان وعدم الکشف عن مکان بل عن وجود الإمام ولذلک کان اختيار الحسين بن روح مثلاً للسفارة رغم وجود مَن هم أعلم منه وأکثر وجاهة بين الأصحاب [5] .

لقد قام الإمام(عليه السلام) بتثبيت نظام الوکالة والنيابة الخاصة في الغيبة الصغري کمقدمة لإرجاع المؤمنين في عصر الغيبة الکبري الي النائب العام الذي حددت النصوص الشرعية الصفات العامة له وأمر الإمام بالرجوع إليه في عصر الغيبة الکبري ومهّد له في الغيبة بتعيين أشخاص تتوفر فيهم هذه الصفات لتتعرف الأمة علي مصاديق من له الأهلية للنيابة العامة عن الإمام وتستعين بها لمعرفة من تتوفر فيه نظائرها في الغيبة الکبري، وبعبارة أخري کانت تجربة السفراء الأربعة نموذجاً معيّناً من قبل الإمام المعصوم(عليه السلام) يبين للاُمة، شرعية الرجوع الي نائب الإمام في غيبته من جهة ومن جهة ثانية تقدم لها نموذجاً تقوّم به من يدعي النيابة عن الإمام في الغيبة الکبري استناداً الي الصفات التي ذکرتها النصوص الشرعية کشروط للنيابة عن الإمام.



[ صفحه 152]




پاورقي

[1] غيبة الطوسي: 215.

[2] تأريخ الغيبة الصغري: 609 ـ 628.

[3] غيبة الطوسي: 172 ـ 257.

[4] غيبة الطوسي: 198 ـ 199.

[5] غيبة الطوسي: 240.