اسباب الغيبة الصغري
جاءت غيبة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ کإجراء تمهيدي لظهوره اقتضته الحکمة الإلهية في تدبير شؤون العباد بهدف تأهيل المجتمع البشري للمهمة الإصلاحية الکبري التي يحققها الله تبارک وتعالي علي يديه (عليه السلام) والتي تتمثل في إظهار الإسلام علي الدين کله وإقامة الدولة الإسلامية العادلة في کل الأرض وتأسيس المجتمع التوحيدي الخالص الذي يعبد الله وحده لا شريک له دونما خوف من کيد منافق أو مشرک کما نصت علي ذلک النصوص الشرعية التي سنتناولها في الفصل الخاص بسيرته (عليه السلام) بعد ظهوره.
إن الانحراف الذي ساد الکيان الإسلامي قد أبعده عن الدور الريادي المطلوب الذي أراده الله سبحانه، له أي لکي يکون کيان خير اُمة أخرجت للناس، وترسّخ الانحراف الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي حتي أفقده أهليّة القيام بهداية المجتمع البشري نحو العدالة الإسلامية التي فقدها المسلمون أنفسهم وفقدوا معها الکثير من القيم الإلهية الأصيلة حتي اختفت مظاهرها من حياتهم.
[ صفحه 136]
والانحراف السياسي ـ الذي سبب انحرافات اُخري ـ کان قد طغي علي کيان المسلمين واستشري الفساد في حکوماتهم التي لم يکن لها هدف سوي التمادي في الملذات المحرمة والتناحر الداخلي بدوافع سلطوية ومطامع استعلائية في الأرض حتي غابت صورة الخليفة الخادم للرعية المدافع عن کرامتهم الإنسانية ومصالحهم الدنيوية والاُخروية وحلت محلها صورة الحاکم المستبد الذي لا همّ له سوي الفساد والإفساد والاستعلاء في الأرض والاحتفاظ بالعرش بما أمکنه ولو کان علي حساب سحق أبسط القيم التي جاء بها مَن يرفعون شعار خلافته أي النبي الأعظم (صلي الله عليه وآله)، ولذلک اجتهدوا في محاربة ائمة الهدي من عترته کما لاحظنا في تعليل الإمام العسکري (عليه السلام) للمطاردة الأموية والعباسية لهم وخاصة للمهدي الموعود.
إذن فالکيان الإسلامي ـ وبالتالي المجتمع البشري ـ لم يکن مؤهلاً بالفعل لتلک المهمة الإصلاحية الکبري التي تحمّلها المهديّ الموعود، ولعل من أوضح مظاهر ذلک موقفه من الثورات العلوية الکثيرة التي کانت تتفجر في أرجاء مختلفة من العالم الإسلامي، لکنها کانت تواجه بقمع وحشي أو خذلان سريع أو انحراف سريع عن أهدافها المعلنة وتحويلها الي حکومة سلطوية کسائر الحکومات الفاسدة المعاصرة لها بعيدة عن الأهداف الإصلاحية الإسلامية الکبري [1] .
في ظل هذه الأوضاع وفي ظل الجهود المستميتة التي کانت تبذلها السلطات العباسية للقضاء علي المهدي کما تقدم، کان لابد من إحاطة الإمام (عليه السلام) بستار يمکنه من المساهمة ـ کحجة لله علي عباده ـ في إعداد
[ صفحه 137]
المقدمات اللازمة لظهوره دون أن يعرّضه لخطر الإبادة وفقدان البشر لحجة الله الموکّل بحفظ الشريعة المحمدية، وهذا الستار هو الذي سمي بـ «الغيبة». والي هذا السبب أشارت مجموعة من الأحاديث الشريفة عن أنّ أحد أسرار الغيبة هو الخشية من القتل، وهذه العلة تنطبق علي الغيبة الصغري وثمة علل أخري ترتبط بتأهيل المجتمع البشري للظهور. سنفصل الحديث عنها في مقدمة الفصل الخاص بالغيبة الکبري.
پاورقي
[1] أجري السيد الشهيد محمد الصدر(رحمه الله) دراسة تحليلية وثائقية قيمة استناداً لمصادر التأريخ الإسلامي، لخصوصيات هذه الحقبة من التأريخ الإسلامي من المفيد الاطلاع عليها في کتابه تأريخ الغيبة الصغري.