اهدافه من الصلاة علي أبيه
حقق قيام الإمام بالصلاة علي أبيه ـ سلام الله عليهما ـ أمرين مهمين، کان من الضروري إنجازهما بعد وفاة الإمام الحادي عشر حيث تتطلّع أنظار الناس لمعرفة هوية الإمام الثاني عشر، بعد أن عرفنا أنّ ولادة الإمام المهدي ـ سلام الله عليه ـ کانت قد اُحيطت بالکتمان الشديد بسبب الترصد العباسي للقضاء علي الوليد المصلح المرتقب، لذلک فإن هذا
[ صفحه 132]
الظرف الخاص هو الظرف الذي کانت تتطلع فيه الأعين لتري من الذي يصلي علي الإمام المتوفي لتتخذ ذلک قرينة کاشفة عن خليفة الإمام السابق. وهکذا کان الظرف يمثل فرصة مناسبة للغاية لتعريف الحاضرين في الدار ـ وکثير منهم من عيون أصحاب الإمام العسکري(عليه السلام) ووکلائه ـ بوجود الإمام المهدي وأنه هو الوصي الحقيقي لأبيه، وأن الرعاية الإلهية قد حفظته من مساعي الإبادة العباسية خاصة وأن الخليفة العباسي المعتمد قد بعث جلاوزته فور وصول خبر وفاة الإمام العسکري لتفتيش داره (عليه السلام) بجميع حجرها بحثاً عن ولده واصطحبوا معهم نساءاً يعرفن الحبل لفحص جواريه (عليه السلام) وکل ذلک کان قبل تهيئة الجسد الطاهر وتکفينه [1] ، لذلک کانت صلاته علي أبيه (عليه السلام) بمثابة إعلان لأولئک الحاضرين ـ وعددهم کان يناهز الأربعين کما في رواية الهاشمي المتقدمة ـ؛ بسلامة الإمام المهدي من الهجوم العباسي السريع الذي باغت أهل دار العسکري المنشغلين بمصيبة فقده (عليه السلام)، الأمر الذي قد يجعل البعض يتصور بأنهم لم يکونوا يتحسبون لهذا الهجوم المباغت.
ولتأکيد هذا الأمر نلاحظ أن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) للصلاة علي أبيه اقترن بالإعلان عن هويته وأنه ابن الحسن العسکري وأنه أحق بالصلاة عليه کما تصرح بذلک رواية أبي الأديان حيث خاطب الإمام عمه جعفر بالقول: «يا عم، أنا أحق بالصلاة علي أبي».
أما الإنجاز الثاني، فهو منع عمه جعفر ـ الذي لُقب بالکذاب ـ من استغلال هذا الموقف المهم للحصول علي ورقة مؤثرة في أذهان الناس تؤيد دعاويه التضليلية بأنه هو الإمام بعد أخيه العسکري (عليه السلام)، وتتضح أهمية هذا
[ صفحه 133]
الإنجاز وضرورته من ملاحظة الجهود المستميتة التي بذلها جعفر بتشجيع من السلطة العباسية لإقناع الناس بأنه خليفة أخيه العسکري (عليه السلام) والقائم مقامه في الإمامة [2] ، وقد بلغت استماتته في ذلک حد الوشاية بابن أخيه المهدي (عليه السلام) ومسارعته لإخبار المعتمد العباسي بحضوره للصلاة بهدف القبض عليه کما رأينا في الرواية المتقدمة، واستنجاده بالبلاط العباسي لمناصرته في جهوده هذه.
وواضح أنّ لمثل هذا النشاط المحموم تأثيراً سلبياً کبيراً في إضلال الناس وإبعادهم عن الإمام الحق خاصة مع الخفاء الذي کان قد أحاط بولادة المهدي (عليه السلام) وکتمان أمره إلا عن خواص أصحابه، فکان لابد للإمام (عليه السلام) من مواجهته وعدم السماح له باستغلال ذلک الموقف الحساس لجهوده التضليلية تلک، وإعلان وجوده (عليه السلام) إکمالاً للحجة علي الرغم من المخاطر التي حفت بالقيام بهذه المهمة.
پاورقي
[1] راجع تفصيلات ذلک في کمال الدين: 43، 473.
[2] إرشاد الشيخ المفيد: 2/336، 337 وعنه في بحار الأنوار: 50/ 334، 231، مناقب آل أبي طالب: 4/ 422، الاحتجاج: 2/ 279.