بازگشت

دور الإمام العسکري في إعلان الولادة


في ظل تلک الأوضاع الإرهابية الصعبة کانت تواجه الإمام العسکري ـ سلام الله عليه ـ مهمة علي درجة کبيرة من الخطورة والحساسية، فکان عليه أن يخفي أمر الولادة عن اعين السلطات العباسية بالکامل والحيلولة دون اهتدائهم الي وجوده وولادته ومکانه حتي لو عرفوا إجمالاً بوقوعها، وذلک حفظاً للوليد من مساعي الإبادة العباسية المتربصة به ولذلک لاحظنا في خبر الولادة حرص الإمام علي خفائها، کما نلاحظ أوامره المشددة لکل مَن أطلعه علي خبر الولادة من أرحامه وخواص شيعته بکتمان الخبر بالکامل فهو يقول مثلاً لأحمد بن إسحاق: «ولد لنا مولود فليکن عندک مستوراً ومن جميع الناس مکتوماً» [1] .

ومن جهة ثانية کان عليه الي جانب ذلک وفي ظل تلک الأوضاع الارهابية وحملات التفتيش العباسية المتواصلة، أن يثبت خبر ولادته (عليه السلام) بما لا يقبل الشک إثباتاً لوجوده ثم إمامته، فکان لابد من شهود علي ذلک يطلعهم علي الأمر لکي ينقلوا شهاداتهم فيما بعد ويسجلها التأريخ للأجيال



[ صفحه 122]



اللاحقة، ولذلک قام(عليه السلام) باخبار عدد من خواص شيعته بالأمر [2] وعرض الوليد عليهم، بعد مضي ثلاثة أيام من ولادته [3] ، کما عرضه علي أربعين من وجوه وخلّص أصحابه بعد مضي بضع سنين والإمام يومئذ غلام صغير وأخبرهم بأنه الإمام من بعده [4] ، کما کان يعرضه علي بعض أصحابه فرادي بين الحين والآخر ويظهر لهم منه من الکرامات بحيث يجعلهم علي يقين من وجوده الشريف [5] ، وقام (عليه السلام) باجراءات اُخري للهدف نفسه مع الالتزام بحفظ حياة الوليد من الإبادة العباسية بما أثبت تأريخياً ولادة خليفته الإمام المهدي(عليه السلام) بأقوي ما تثبت به ولادة انسان کما يصرح بذلک الشيخ المفيد [6] .

ومن جهة ثالثة کانت تواجه الإمام العسکري ـ سلام الله عليه ـ مهمّة التمهيد لغيبة ولده المهدي وتعويد المؤمنين علي التعامل غير المباشر مع الإمام الغائب، وقد قام(عليه السلام) بهذه المهمة عبر سلسلة من الاجراءات کإخبارهم بغيبته وأمرهم بالرجوع الي سفيره العام عثمان بن سعيد، فهو يقول لطائفة من أصحابه بعد أن عرض عليهم الإمام المهدي(عليه السلام) وهو غلام: «هذا إمامکم من بعدي وخليفتي عليکم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلکوا في أديانکم، ألا وأنکم لا ترونه من بعد يومکم هذا حتي يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا الي أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامکم والأمر إليه» [7] .



[ صفحه 123]



ومن إجراءاته (عليه السلام) في هذا المجال ـ تأکيده علي استخدام اسلوب الاحتجاب والتعامل مع المؤمنين بصورة غير مباشرة تعويداً لهم علي مرحلة الغيبة فکان: يکلم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر إلا في الأوقات التي يرکب فيها الي دار السلطان وانما کان منه ومن أبيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان لتألف الشيعة ذلک ولا تنکر الغيبة وتجري العادة بالاحتجاب والإستتار [8] ، ومن هذه الاجراءات تثبيت نظام الوکلاء عن إلامام، وتأييد الکتب الحديثية التي جمع فيها أصحاب الائمة مروياتهم عنهم وعن رسول الله (صلي الله عليه وآله) [9] ، ليرجع إليها المؤمنون في عصر الغيبة [10] .


پاورقي

[1] کمال الدين: 434.

[2] کمال الدين: 431، وراجع معادن الحکمة في مکاتيب الائمة لمحمد بن الفيض الکاشاني: 2/ 275.

[3] کمال الدين: 431.

[4] الغيبة للشيخ الطوسي: 217، اثبات الهداة للحر العاملي: 415، ينابيع المودّة للحافظ سليمان الحنفي: 460.

[5] راجع قصصهم في کتاب تبصرة الولي للسيد البحراني والفصول الخاصة بأحاديث «من رآه في حياة أبيه» من کتب الغيبة.

[6] الفصول العشرة في الغيبة، المطبوع ضمن کتاب عدة رسائل للشيخ المفيد: 353.

[7] غيبة الطوسي: 217.

[8] إثبات الوصية للمسعودي: 262.

[9] راجع رجال الکشي: 481، 451، ورجال ابن داود: 272 ـ 273، ووسائل الشيعة: 18/ 72، فلاح السائل للسيد ابن طاووس: 183 وغيرها.

[10] لمزيد من التفصيلات بشأن دور الإمام الحسن العسکري(عليه السلام) في هذا المجال راجع کتاب تأريخ الغيبة الصغري للسيد الشهيد محمد الصدر(رحمه الله): 269 وما بعدها، وحياة الإمام العسکري(عليه السلام) للشيخ الطبسي: 313 ـ 326.