بازگشت

معني الأمر في الکتاب والسنة


إنّ الحديث الأول قد صرّح ببقاء «الأمر» في قريش ما بقي البشر علي الأرض فلا تخلو الأرض من قرشي يکون له «الأمر»، فما هو المقصود من «الأمر» هنا؟! وهل يمکن تفسيره بالاستلام الفعلي للحکم الظاهري للمسلمين؟!

الجواب: أنّ الواقع التأريخي ينفي هذا التفسير، وعلي الأقل منذ سقوط الخلافة العباسية الي اليوم لم يکن حکم المسلمين لقرشي کما هو معلوم، لذا لا يمکن تفسير «الأمر» بغير القول بمعني الخلافة العامة لرسول الله (صلي الله عليه وآله) في الوصاية علي الدين وحفظه والدفاع عنه وهداية الخلق إليه، الأمر الذي يؤهل صاحبه لقيادة المسلمين والحکم الظاهري، فالأمر هنا هو من نوع «الأمر»



[ صفحه 106]



الوارد في سورة النساء في آية الطاعة، وهي قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واوُولي الأمر منکم) [1] ، وهي الآية الدالة علي عصمة اُولي الأمر لاشتراکهم في الأمر بالطاعة مع الرسول (صلي الله عليه وآله) ولأن: «الله تعالي أمر بطاعة اُولي الأمر علي سبيل الجزم والقطع في هذه الآية، ومَن أمر بطاعته علي سبيل الجزم والقطع لابد وأن يکون معصوماً عن الخطأ... کما قال الفخر الرازي في تفسيره [2] .

فلابد أن يکون في زماننا الحاضر أيضاً قرشي يکون له «الأمر» هذا ويقوم به الدين ويتحلي بالعصمة ويخلف رسول الله (صلي الله عليه وآله) في مهمة حفظ الدين والهداية إليه إذ لا يخلو زمان من مصداق لذلک کما ينص الحديث الشريف المتقدم، وحيث إنه لا يوجد إمام ظاهر يدعي ذلک فلابد من القول بوجوده واستتاره وغيبته وقيامه بمهمة حفظ الدين تصديقاً للحديث الشريف وهذه هي عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي وغيبته.

يُضاف الي ذلک أن أحاديث الخلفاء الإثني عشر قد حصرت عدد خلفاء الرسول بهذا المعني الي يوم القيامة باثني عشر، وقد اتضحت دلالتها علي وجود الإمام المهدي وغيبته، لذلک يکون حديث عدم خلو الزمان من الإمام القرشي مؤکداً لهذه الدلالة.

والدلالة نفسها يمکن التوصل إليها من أحاديث وجوب معرفة إمام الزمان وإتباعه والتي تقدم نموذج لها، حيث تنص علي أن لا حجة يوم القيامة لمن عمي عن معرفته وخرج عن طاعته کما رأينا، لذا فلا مناص من



[ صفحه 107]



القول بحتمية وجوده وإمکانية التعرف عليه والتمسک بعري طاعته وإلا لما کان للاحتجاج الإلهي علي الغافلين عن معرفته وطاعته معني، إذْ کيف يکون الاحتجاج بمن لا وجود له.

وحيث إن أمر الطاعة له مطلق فهو دال علي عصمته ويؤکده صدر الحديث علي أن عدم معرفته والتمسک به يقود الي ميتة الجاهلية، وأن طاعته واجبة لأنه يدعو الي طاعة الله وبه يکون قوام الإسلام کما صرح بذلک ابن حبان فيما نقله عن أبي حاتم من دلالة الحديث الواضحة، ولذلک صرح أبو حاتم بأن طاعة غيره ممن لم يتصف بهذه الصفات تؤدي الي ميتة الجاهلية. وهذا هو المستفاد من الحديث الأول فالدلالة مشترکة وتکون المحصلة: حتمية وجود إمام معصوم قرشي يکون الإسلام به قائماً يدعو الي طاعة الله ويکون له الأمر ويتحمل مسؤولية حفظ الدين الحق، وحيث إنّ مثل هذا الإمام غير ظاهر فلابد من القول بغيبته وقيامه بهذه المهام من خلف أستار الغيبة الي حين زوال الأسباب التي أدت الي غيبته فيظهر حينئذ ليقيم الدولة العادلة علي أساس قيم الدين الذي حفظه.

ولا يمکن القول بتعدد الغائبين لأن أحاديث الائمة الإثني عشر حصرت عدد خلفاء الرسول (صلي الله عليه وآله) بهذا العدد وثبت أن المصداق الوحيد الذي تنطبق عليه الشروط المستفادة من دلالات هذه الأحاديث هم أئمة أهل البيت النبوي، وقد ثبتت وفاة الائمة الأحد عشر ولم يبق إلا خاتمهم المهدي الموعود [3] فلابد من القول باستمرار وجوده الي يوم القيامة استناداً الي



[ صفحه 108]



الأحاديث المتقدمة، ولأن الصحيح من الأقوال هو أن الأرض لا تخلو من حجة کما يقول ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري: وفي صلاة عيسي(عليه السلام) خلف رجل من هذه الأمة مع کونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال: «ان الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة.»، والله أعلم [4] .

ولابدّ من الإشارة هنا الي أن الدلالات المستفادة من هذه الأحاديث الشريفة علي وجود المهدي الإمامي وغيبته هي دلالات واضحة إلا أن مما أثار بعض الغموض عليها وأوجد الحاجة الي الاستدلال عليها والتحليل المفصل لها هو السکوت عنها والتعتيم عليها أو محاولات تأويلها وصرفها عن المصداق الحقيقي بسبب طغيان الخلافات السياسية التي شهدها العالم الإسلامي وانعکاساتها علي الأمور العقائدية وهو السبب نفسه الذي أدي الي إحجام بعض المحدثين عن نقل وتدوين طائفة أخري من الأحاديث التي صحت عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) والتي صرحت بما أشارت إليه هذه الأحاديث وشخصت مصاديقها، لأن المصالح السياسية للحکام الأمويين والعباسيين منعت من اشتهار مثل هذه الأحاديث ومنعت من انتشار الکتب التي تنقلها. کما هو واضح لمن راجع التأريخ الإسلامي.



[ صفحه 111]




پاورقي

[1] النساء (4): 59.

[2] التفسير الکبير: 10/ 144، وراجع البحث المفصل الذي أورده العلاّمة الطباطبائي في تفسير هذه الآية الکريمة ودلالاتها في تفسير الميزان: 4/ 387 ـ 401.

[3] يُلاحظ هنا أن کل المؤرخين من مختلف المذاهب الإسلامية الذين ترجموا للائمة الاثني عشر من أهل البيت(عليهم السلام) ذکروا تواريخ وفيات الائمة الأحد عشر باستثناء المهدي بن الحسن العسکري فقد ذکروا تأريخ ولادته فقط. وهذا الأمر يصدق حتي علي الذين لم يقولوا بأنه هو المهدي الموعود المبشر به في صحاح الأحاديث النبوية.

[4] فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العقسلاني: 6/ 385.