بازگشت

حديث الامة الظاهرة القائمة بأمر الله


وهو من الأحاديث المشهورة المروية في الکتب الستة وغيرها من المجاميع الروائية المعتبرة عند إخواننا أهل السنّة من طرق کثيرة فقد رواه مثلاً أحمد بن حنبل وحده من سبعة وعشرين طريقاً [1] .



[ صفحه 100]



فقد رواه البخاري في صحيحه بلفظ «لا يزال ناس من اُمتي ظاهرين حتي يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون» [2] .

ورواه البخاري في تأريخه ومسلم وأبو داود وابن ماجة والترمذي وأحمد بن حنبل والحاکم وغيرهم بلفظ: «لا تزال طائفة من أُمتي علي الحق حتي يأتي أمر الله عز وجل» [3] .

ورواه البخاري في صحيحه ومسلم وأحمد وابن ماجة بلفظ: «مَن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ولن تزال [من] هذه الاُمة اُمة قائمة علي أمر الله، لا يضرهم مَن خالفهم حتي يأتي أمر الله وهم ظاهرون علي الناس» [4] .

ورواه مسلم وأحمد والحاکم وغيرهم عن جابر بن سمرة: «لا يزال هذا الدين قائماً تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتي تقوم الساعة» [5] وفيه أنه(صلي الله عليه وآله) قال ذلک في حجة الوداع، وجابر هو نفسه راوي حديث الائمة الإثني عشر من قريش.

وفي رواية لمسلم: «لا تزال عصابة من اُمتي يُقاتلون علي أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتي تأتيهم الساعة وهم علي ذلک» [6] .

وفي رواية لأبي داود وأحمد والحاکم وغيرهم بلفظ: «لا تبرح عصابةٌ من اُمتي ظاهرين علي الحقّ لا يبالون من خالفهم حتي يخرج المسيح الدجال فيقاتلونه» [7] .



[ صفحه 101]



وفي رواية للبخاري في تأريخه وأحمد في مسنده ورجاله کلهم ثقات کما قال الکشميري في تصريحه بلفظ: «لا تزال طائفة من اُمتي علي الحق ظاهرين علي مَن ناواهم حتي يأتي أمر الله تبارک وتعالي، وينزل عيسي بن مريم» [8] .

وفي رواية لمسلم وأحمد: «لا تزال طائفةٌ من اُمتي علي الحق ظاهرين الي يوم القيامة، قال: فينزل عيسي بن مريم (عليه السلام)، فيقول أميرهم: تعال صلّ بنا، فيقول: لا، إن بعضکم علي بعض أمير ليکرم الله هذه الاُمة» [9] .

والحديث الشريف جاء في حجة الوداع کما يصرح بذلک جابر بن سمرة فيما رواه عنه مسلم وأحمد والحاکم کما تقدم، وهذه الحجة هي نفسها التي بلّغ فيها رسول الله (صلي الله عليه وآله) أحاديث الثقلين والغدير والائمة الإثني عشر، لذا فهو يأتي في إطار التخطيط النبوي لهداية المسلمين الي ما يحفظ مسيرتهم بعده أو ما ينقذهم من الضلالة وميتة الجاهلية، فهو غير بعيد عن أجواء الأحاديث السابقة.

علي أن من الواضح للمتدبر في هذا الحديث الشريف وحديث الائمة الإثني عشر أن کليهما يتحدثان عن مصداق واحد لا أکثر، کما هو مشهود في اشتراکهما في ذکر صفات تتحدث وتهدي الي مصداق واحد، خاصة ما يصرح بربط قيام الدين وحفظه بوجود هذه الاُمة الظاهرة القائمة بأمر الله في الحديث الثاني وبوجود الأئمة الاثني عشر في الحديث الأول. لأن ذلک يعني امتلاک هذه الجهة للقيمومة علي الدين ومرجعيتها في معرفة حقائق



[ صفحه 102]



الدين الحق وتعريضها بسبب ذلک للمعاداة والخذلان وهذا ما يشترک الحديثان في ذکره وفي التصريح بعدم إضراره في أصل مهمة هذه العصابة وهي الدفاع عن الدين الحق وحفظه.

ويؤکد حديث الأمة الظاهرة صراحة ـ فيما تقدم من نصوصه ـ مادل عليه حديث الائمة الإثني عشر ضمنياً من استمرار وجود هؤلاء الأئمة الي يوم القيامة وکذلک من أن مهمتهم الأساسية خلافة رسول الله (صلي الله عليه وآله) في الدفاع عن الدين الحق وحفظه دون أن يؤثر في إنجاز أصل هذه المهمة استلامهم الفعلي للحکم أو عدم استلامه وإن کانوا هم الأجدر بذلک.

کما أنه يصرح بأن خاتم أمراء هذه الأمة الظاهرة هو الإمام المهدي الموعود ـ کما دل علي ذلک ضمنياً حديث الائمة الإثني عشر ـ، فهو يصرح باستمرار وجودها الي نزول عيسي (عليه السلام) ومناصرته لأميرها وصلاته خلفه وهذه الحادثة ترتبط بالإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ باتفاق المسلمين.

ويصرح حديث الأمة الظاهرة بلزوم أن يکون هؤلاء الائمة الإثنا عشر ائمة حق قائمين بأمر الله کما تصرح بذلک النصوص المتقدمة، فهم يمثلون خطاً واحداً منسجماً في خلافة رسول الله الحقيقيّة والوصاية علي شريعته، خطّاً متصلاً دون انقطاع الي يوم القيامة، وهذا ما لا ينسجم بحال من الأحوال مع تأريخ خلفاء الدولة الاسلامية الذين حکموها فعلاً. لذلک فإنّ جميع الذين غفلوا عن هذه الدلالات في الحديثين المتقدمين وسعوا للعثور علي مصاديق الائمة الإثني عشر في الذين وصلوا للحکم بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأي طريقة کانت، تاهوا في متاهات غريبة ولم يستطيعوا تقديم مصداق معقول ينسجم مع دلالات هذه الأحاديث الشريفة ولا مع الواقع التأريخي. فتعددت آراؤهم وعمدوا الي تأويلات باردة لما صرحت به الأحاديث الشريفة الأمر الذي



[ صفحه 103]



يتعارض بالکامل مع هدف الرسول الأکرم (صلي الله عليه وآله) من إخبار المسلمين بهؤلاء القائمين بأمر الله وهو الهداية إليهم وإرجاعهم ودعوتهم للتمسک بهم.

فأي انسجام في الخط والمنهج وتمثيل الدين الحق والصدق في التعبير عن خلافة رسول الله (صلي الله عليه وآله) بين الإمام علي (عليه السلام) ومعاوية، أو بين الإمام الحسين (عليه السلام) ويزيد بن معاوية لکي يعتبروهم جميعاً من هؤلاء من الخلفاء الإثني عشر الذين يقوم بهم الدين؟! وکيف يمکن القول بأن أمثال يزيد بن معاوية أو الوليد بن عبدالملک يمکن أن يصدق عليهم الوصف النبوي للأمة الظاهرة والائمة الاثني عشر بأنهم علي الحق وقائمين بأمر الله وخلفاء رسوله وکيف ذاک وسيرتهم شاهدة بأنهم أبعد الناس عن العلم بالدين وممثلي نهج رسول الله (صلي الله عليه وآله).

هذا بعض ما يُقال بشأن المصاديق التي عرضها للائمة الإثني عشر العلماء الذين راعوا دلالة الأحاديث علي اتصال سلسلة هؤلاء الائمة وأغفلوا عدم انطباق الصفات الأخري عليهم کما لاحظنا. يُضاف الي ذلک إغفالهم لتصريح الأحاديث باستمرار وجود هؤلاء الائمة الي يوم القيامة؛ إذ إنّ المصاديق التي عرضوها تنتهي بإنتهاء العصر الأموي [10] !

أما الذين سعوا لمراعاة الصفات الأخري فيمن حکموا المسلمين فقد أغفلوا دلالة الحديث علي استمرار وجودهم دون انقطاع إذْ ترکوا الخلفاء الذين أعقبوا معاوية الي عمر بن عبدالعزيز ليجعلوه خامس أو سادس الإثني عشر وترکوا ما بعده الي هذا أو ذاک من الخلفاء العباسيين ممن رأوهم أقرب



[ صفحه 104]



الي الصفات التي يذکرها الحديث ورغم ذلک لم يکتمل العدد حتي قال السيوطي بأن المتبقي اثنان منتظران أحدهما المهدي الموعود والثاني لم يعرفه هو ولا غيره [11] !!

وما کانوا بحاجة الي کل هذه التأويلات الباردة والمتاهات المحيرة لو تدبروا بموضوعية في تلک الأحاديث الشريفة واستندوا الي مدلولاتها الواضحة التي تنطبق بالکامل علي الائمة الإثني عشر من عترة رسول الله(صلي الله عليه وآله) وعلي القول بعدم انقطاع سلسلتهم الي يوم القيامة في ظل القول بوجود الإمام الثاني عشر المهدي الموعود(عليه السلام) وغيبته وقيامه حتي في ظل غيبته عن الأبصار بمهام حفظ الدين ولو بأساليب خفية لکنها کاملة في إتمام حجة الله علي خلقه کما دلت علي ذلک الأحاديث المتقدمة وتدل عليه أيضاً الأحاديث اللاحقة.


پاورقي

[1] راجع کتاب «احاديث المهدي (عليه السلام) من مسند احمد بن حنبل»، اعداد السيد محمد جواد الجلالي: 68 ـ 76.

[2] صحيح البخاري: 4/252.

[3] تاريخ البخاري: 4/12 حديث 1797، صحيح مسلم:3/1523، حديث 1920، وسنن أبي داود: 4/97، حديث 4202 و ابن ماجة: 1/5 باب1 حديث 10، والترمذي: 4/504 حديث 2229 و احمد بن حنبل في مسنده: 2/321.

[4] صحيح البخاري: 9/167، وصحيح مسلم: 3/1524 حديث 1037، ومسند أحمد: 4/101، وابن ماجة: 1/5 باب 1 حديث 7.

[5] صحيح مسلم: 1524 حديث 1922، مسند أحمد: 5/92، 94، ومستدرک الحاکم: 4/449.

[6] صحيح مسلم: 3/1524، 1525 باب 53، حديث 1924.

[7] مسند أحمد: 4/434، سنن أبي داود: 3/4، حديث 2484، ومستدرک الحاکم: 2/71.

[8] تاريخ البخاري: 5/451 حديث 1468، مسند أحمد: 4/429.

[9] معجم أحاديث الإمام المهدي: 1/ 51 ـ 68، وقد ذکر لکل حديث الکثير من المصادر من المجاميع الروائية المعتبرة عند أهل السنة وقد اخترنا بعضها من المتن والبعض الآخر من الهوامش.

[10] وهذا أضعف الآراء وأبعدها عن دلالات الحديث الشريف ورغم ذلک رجحه ابن باز في تعليقه علي محاضرة الشيخ عبدالمحسن العباد عن المهدي الموعود، راجع مجلة الجامعة الاسلامية العدد الثالث، السنة الاُولي، ذو القعدة 1388 هـ.

[11] وهذا من أطرف الآراء، راجع أضواء علي السنة المحمدية للشيخ محمود أبو ريّة: 212، وراجع أيضاً في مناقشة هذه الآراء ما ذکره الشيخ لطف الله الصافي في کتابه منتخب الأثر: في الهامش، ودلائل الصدق للشيخ محمد حسن المظفر، 2: 315 وما بعدها، وما أورده الحکيم صدر الدين الشيرازي في شرح أصول الکافي: 463 ـ 470 من الطبعة الحجرية.