بازگشت

حديث الثقلين


وهو من الأحاديث المتواترة، رواه حفاظ أهل السنة والشيعة بأسانيد صحيحة عن جم غفير من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله)، عدَّ ابن حجر ـ من علماء أهل السنة ـ أکثر من عشرين منهم في کتابه الصواعق المحرقة [1] وعدَّ غيره من حفّاظ أهل السنة أکثر من ثلاثين صحابياً کما في سنن الترمذي [2] ، وألّف الحافظ أبو الفضل المقدسي المعروف بابن القيسراني ـ وهو من کبار حفّاظ أهل السنّة ـ کتاباً خاصاً عن طرق هذا الحديث الشريف. [3] کما أثبتت العديد من الدراسات الحديثية تواتره بما لا يدع أي مجال للنقاش أو التشکيک، نظير ما فعل العلامة المتتبع المير حسين حامد الموسوي في موسوعة عبقات الأنوار وغيره من العلماء [4] .

ويتضح من روايات هذا الحديث الشريف أن النبي المکرم (صلي الله عليه وآله) قد کرر مضمونه بعبارات وألفاظ متقاربة في عدة مناسبات، منها في يوم عرفة من حجة الوداع، وموقف يوم الغدير في طريق عودته منها وبعد انصرافه من الطائف، وفي الجحفة، وفي خطبة له في مسجده بالمدينة بعد عودته من هذه الحجة، وفي حجرته أيام مرضه (صلي الله عليه وآله) وقد امتلأت الحجرة بالصحابة [5] وکل ذلک يکشف عن أهمية الوصية النبوية التي تضمنها الحديث بالنسبة للإسلام



[ صفحه 79]



والمسلمين وإلا لما أولاها ـ وهو الحريص علي المؤمنين الرؤوف الرحيم بهم ـ کل هذا الاهتمام في التکرار والتبليغ في تلک المواطن المهمة التي تجمع أکبر عدد من المسلمين، خاصة وأنه(صلي الله عليه وآله) کان يبادر لإعلان هذه الوصية ويؤکدها علي الملأ العام دون أن ينتظر مَن يسأله عنها.

ويستفاد من بعض الروايات أن مضمون الوصية التي تضمنها هذا الحديث الشريف، هو الذي أراد رسول الله محمد (صلي الله عليه وآله) کتابته للمسلمين في الأيام الأخيرة من حياته المبارکة عندما طلب أن يأتوه بکتف ودواة ليملي عليهم وصية لکي لا يضلوا بعده، کما ورد في نص حديث الکتف والدواة هذا المروي في صحيح البخاري [6] وغيره فمنعوه من ذلک ووقع الاختلاف فصرفهم کما في حديث رزية يوم الخميس المشهور دون أن يدون الوصية، إذْ يُلاحظ أن عبارة «لن تضلوا بعدي» المذکورة في حديث طلبه کتابة الوصية عبارة متکررة في حديث الثقلين أيضاً، کما تکررت وصيته بأهل بيته وعترته خيراً في حديث الثقلين وفي وصاياه في الساعات الأخيرة من حياته المبارکة.

ويظهر من ذلک بوضوح أن النبي الأکرم (صلي الله عليه وآله) أراد تسجيل مضمون الحديث الشريف في وثيقة نبوية حاسمة للجدال مدونة بحضور کبار صحابته قطعاً للجدال وتوکيداً للأمر. وکل ذلک يبيّن أن الموضوع الذي يتضمنه مهم للغاية وإلا لما أکد عليه هادي الأمم (صلي الله عليه وآله) بهذه الدرجة المشددة، وهذا الأمر يکشف عنه نص الحديث نفسه المصرح بأن العمل بالوصية التي يتضمنها هو



[ صفحه 80]



سبيل النجاة من الضلالة بعده (صلي الله عليه وآله)... کما سيتضح أکثر خلال دراسة نصه.

کما أن ثبوت تواتر الحديث الشريف عند المسلمين کافة يجعل من الممکن الاستناد اليه في المسائل الاعتقادية کما هو ثابت في علم الکلام الاسلامي، لذا يمکن الاستناد اليه في قضية الإمامة.


پاورقي

[1] الصواعق المحرقة: 150 من الطبعة المصرية وقد صرح ابن حجر بتواتره.

[2] سنن الترمذي: 5/ 621 ـ 622 ـ مناقب أهل بيت النبي باب 32.

[3] أهل البيت في المکتبة العربية للسيد عبدالعزيز الطباطبائي: 277 ـ 279.

[4] أصدرت دار التقريب الإسلامية في مصر رسالة مفصلة ألفها أحد أعضاء الدار عن هذا الحديث استوفي فيها أسانيد الحديث في الکتب المعتمدة عند أهل السنة.

[5] الصواعق المحرقة لابن حجر: 148، أهل البيت في المکتبة العربية: 279.

[6] صحيح البخاري: 1/ 37، 4/ 31، 4/ 65 ـ 66، 5/ 137،، 7/ 9، 8/ 161 من طبعة دار الفکر المصورة عن طبعة استانبول وفي جميعها وردت عبارة «لن تضلوا بعدي» في الحکاية عن مضمون الکتاب الذي أراد کتابته.