بازگشت

معني الهادي في القرآن


والآية التي ذکرت أعلاه تدل علي أن الأرض لا تخلو من هاد يهدي



[ صفحه 71]



الناس الي الحق، «إما أن يکون نبيّاً وإما أن يکون هادياً غير نبيّ يهدي بأمر الله». [1] وإطلاق الآية الکريمة ينفي حصر مصداق «الهادي» في الآية بالأنبياء(عليهم السلام) کما ذهب لذلک الزمخشري في الکشاف في تفسير الآية. لأن هذا الحصر يخرج الفترات التي لم يکن فيها نبيّ من حکم الآية الکريمة العام وهذا خلاف ظاهرها المصرّح بوجود هاد في کل عصر لا تخلو الأرض منه.

فمَن هو الهادي في عصرنا الحاضر؟ نرجع الي القرآن الکريم للحصول علي الإجابة، فنلاحظ الآيات الکريمة تحصر أمر الهداية الي الحق علي نحو الأصالة بالله تبارک وتعالي، ثم تثبتها للهادين بأمره علي نحو التبعية، يقول عزّ وجلّ: (قُل هل من شرکائکم مَن يهدي الي الحقّ قل الله يهدي للحقّ أفمن يهدي الي الحق أحقُّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يُهدي فمالکم کيف تحکمون) [2] .

تلخّص الآية الکريمة وبلغة إحتجاجية الرؤية القرآنية لموضوع الهداية الي الحق التي فصلتها العديد من الآيات الکريمة، وهي حصر الهداية الي الحق بالله تبارک وتعالي علي نحو الإطلاق: «قل الله يهدي الي الحق».

ثم قررت الآية الکريمة أن الذي يجب اتباعه من الخلق ليس الذي لا يستطيع أن يهدي إلاّ أن يهتدي بغيره من البشر، بل الذي يکون مهتدياً بنفسه دون الحاجة الي غيره من البشر، فإن الکلام في الآية ـ کما يقول العلامة الطباطبائي(رحمه الله) في تفسيرها: «قد قوبل فيه قوله: (يهدي الي الحق)بقوله (مَن لا يهدِّي) مع أن الهداية الي الحق يقابلها عدم الهداية الي الحق، وعدم الاهتداء الي الحق يقابله الاهتداء الي الحق، فلازمُ هذه المقابلة الملازمةُ بين الاهتداء بالغير وعدم الهداية الي الحق، وکذا الملازمة بين



[ صفحه 72]



الهداية الي الحق والاهتداء بالذات فالذي يهدي الي الحق يجب أن يکون مهتدياً بنفسه لا بهداية غيره والذي يهتدي بغيره ليس يهدي الي الحق أبداً.

هذا ما تدل عليه الآية بحسب ظاهرها الذي لا ريب فيه وهو أعدل شاهد علي أن الکلام موضوع فيها علي الحقيقة دون التجوزات المبنية علي المساهلة التي نبني عليها ونتداولها فيما بيننا معاشر أهل العرف فننسب الهداية الي الحق الي کل مَن تکلّم بکلمة حق ودعا إليها وإن لم يعتقد بها أو اعتقد ولم يعمل بها أو عمل ولم يتحقق بمعناها، وسواءٌ اهتدي إليها بنفسه أو هداه إليها غيره.

بل الهداية الي الحق ـ التي هي الإيصال الي صريح الحق ومتن الواقع ـ ليس إلاّ لله سبحانه أو لمن اهتدي بنفسه أي هداه الله سبحانه من غير واسطة تتخلل بينه وبينه، فاهتدي بالله وهدي غيره بأمر الله سبحانه... وقد تبيّن بما قدّمناه في معني الآية أمور:

أحدها: أن المراد بالهداية الي الحق ماهو بمعني الإيصال الي المطلوب دون ماهو بمعني إراءة الطريق المنتمي الي الحق فإن وصف طريق الحق يتأتي من کل أحد سواء اهتدي الي الحق بنفسه أو بغيره أو لم يهتد.

وثانيها: أن المراد بقوله: (من لا يهدِّي إلاّ أن يهدي) هو من لا يهتدي بنفسه، وهذا أعم من أن يکون ممّن يهتدي بغيره أو يکون ممن لا يهتدي أصلاً لا بنفسه ولا بغيره...

وثالثها: أن الهداية الي الحق ـ بمعني الإيصال إليه ـ إنما هي شأن مَن يهتدي بنفسه: أي لا واسطة بينه وبين الله سبحانه في أمر الهداية إما من بادئ أمره أو بعناية خاصة من الله سبحانه کالأنبياء والأوصياء من الأئمة. وأما الهداية بمعني إراءة الطريق ووصف السبيل فلا يختص به تعالي ولا بالأئمة



[ صفحه 73]



من الأنبياء والأوصياء، کما يحکيه الله تعالي عن مؤمن آل فرعون إذ يقول: (وقال الذي آمن يا قوم اتّبعونِ أهدکم سبيل الرّشاد)... [3] .

وأما قوله تعالي خطاباً للنبي(صلي الله عليه وآله) وهو إمام: (إنّک لا تهدي مَنْ أحببت ولکنّ الله يهدي مَنْ يشاء) [4] وغيرها من الآيات فهي مسوقة لبيان الأصالة والتبع کما في آيات التوفي وعلم الغيب ونحو ذلک مما سبقت لبيان أن الله سبحانه هو المالک لها بالذات والحقيقة، وغيره يملکها بتمليک الله ملکاً تبعياً أو عرضياً ويکون سبباً لها بإذن الله، قال تعالي: (وجعلناهم أئمّة يهدون بأمرنا) [5] ، وفي الأحاديث اشارة الي ذلک وأن الهداية الي الحق شأن النبي وأهل بيته ـ صلوات الله عليهم أجمعين. انتهي قول العلاّمة الطباطبائي(رحمه الله) في تفسير الآية ملخصاً وقد عرض الأقوال الاُخري الواردة في تفسير الآية وبيّن عدم انسجامها مع منطوق الآية نفسها [6] .

والمتحصّل من التدبر فيها هو حصر الهداية الي الحق بمعني الايصال الي صريحه بالله تبارک وتعالي بالأصالة وبالتبع بمن کان مهدياً بنفسه من قبل الله تبارک وتعالي إذ يتحلّي بدرجة عالية من الاستعداد الذاتي لتلقي المنح الخاصة بالهداية من الله تبارک وتعالي سواء عن طريق الوحي إذا کان نبيّاً أو عن طريق الإلهام الإلهي الخاص إذا لم يکن نبيّاً؛ وکذلک للحصول علي «أمر الله» للقيام بمهمة الهداية اليه عزّ وجلّ، ومراجعة الآيات التي تتحدث عن «أمر الله» تقودنا ـ وبوضوح ـ الي معرفة أنه يشمل الولاية التکوينية والتصرّف الخاص إذ لا تجد آية في القرآن الکريم تذکر «أمر الله» دون أن يقتصر معناه علي ولايته التکوينية أو يشملها الي جانب الولاية التشريعية «فالإمام هاد يهدي بأمر



[ صفحه 74]



ملکوتي يصاحبه، فإلامامة بحسب الباطن نحو ولاية للناس في أعمالهم» [7] .

وبهذه الولاية التکوينية يستطيع الهادي الي الله بأمره أن يتصرّف بالأسباب ويصل الي حقائق وبواطن العباد فيعطيهم من حقائق الهداية ما يناسبهم، وهذا التصرّف هو الذي ساقنا إليه التدبر في الآيات الناصة علي وجود شهيد في کل زمان علي أهل عصره.


پاورقي

[1] تفسير الميزان: 1/305.

[2] يونس (10): 35.

[3] المؤمن (40): 38.

[4] القصص (28): 56.

[5] الأنبياء (21): 73.

[6] تفسير الميزان: 10/ 56 ـ 61.

[7] تفسير الميزان: 1/272.