صفات الشهيد الإمام
إن الآية (89) من سورة الحج تصرّح بأنه من البشر أنفسهم (شهيداً من أنفسهم) وهو المستفاد من الآيات الاُخري فهي تستخدم «من» التبعيضية في
[ صفحه 65]
قوله تعالي: (من کل اُمّة).
فالشهيد هو کالأنبياء بشرٌ، لا هو من الملائکة ولا من الجن ولا من الکتب السماوية ولا اللوح المحفوظ، وفي هذا تأييد لما تقدم في الحديث عن آيتي سورة الإسراء أن المقصود فيهما من الإمام شخص لا کتاب سماوي، إذ أن الآيتين تتحدثان عن الاحتجاج الإلهي به علي اُمّته وهذا هو دور الشهيد في هذه الآيات أيضاً، فالمقصود واحد في کلتا الحالتين، فالإمام هو أيضاً منهم.
والآيات الکريمة تستخدم صيغة المفرد في وصفه، أي إنّ الشهيد علي قومه واحد في زمانه الذي يعاصره حياً، وهذا ينسجم مع استخدام آية سورة الإسراء المتقدمة لصيغة المفرد في ذکر الإمام (کل اُناس بامامهم). الأمر الذي ينفي التفسير القائل بأن الاُمة الاسلامية جمعاء أو جماعة المؤمنين الآمرة بالمعروف والناهية عن المنکر هي الشهيدة علي أعمال قومها أو الأقوام الاُخري المعاصرة لها، والأمر نفسه يصدق علي نفي القول بأن مصداق هذه الآيات هم «الأبدال» الذين لا يخلو منهم زمان کما ورد في الروايات المروية من طريق الفريقين. [1] بل شهيد الأعمال في زمانه واحدٌ لا أکثر.
وحيث إن دوره هو الشهادة علي أعمال اُمته بالکفر والتکذيب أو الإيمان والتصديق کما تقدم القول عن الزمخشري وهذه حالات قلبية وحيث إن: «من الواضح أن هذه الحواس العادية فينا والقوي المتعلّقة بها منا لا تتحمّل إلاّ صور الأفعال والأعمال فقط، وذلک التحمل أيضاً إنما يکون في شيء يکون موجوداً حاضراً عند الحس لا معدوماً ولا غائباً عنه، وأما حقائق الأعمال والمعاني النفسانية من الکفر والإيمان والفوز والخسران، وبالجملة
[ صفحه 66]
کل خفي عن الحس، ومستبطن عند الإنسان ـ وهي التي تکسب القلوب وعليه يدور حساب رب العالمين يوم تبلي السرائر کما قال تعالي: (ولکن يؤاخذکم بما کسبت قلوبکم) [2] ، فهي مما ليس في وسع الإنسان إحصاؤها والإحاطة بها وتشخيصها من الحاضرين فضلاً عن الغائبين إلاّ رجل يتولي الله أمره ويکشف ذلک له بيده» [3] .
لذلک يجب أن تکون للشهيد علي أُمته إحاطة علمية ربانية بحقائق أعمالهم لأن قيمة الأعمال في الميزان الإلهي هي لحقائقها الباطنية ودوافعها ونواياها کما هو واضح، لذلک لا يمکن أن يکون هذا الشهيد علي أُمته شخصاً عادياً بل من الذين يحظون بنعمة التسديد الإلهي المباشر ومن الذين ارتضاهم الله سبحانه فأطلعهم علي غيبه إذ من مصاديق غيبه معرفة بواطن أعمال الناس.
ومن المعلوم أن هذه الکرامة ليست تنالها جميع الأمة، إذ ليست [هي] إلاّ کرامة خاصة للأولياء الطاهرين منهم، وأما مَن دونهم من المتوسطين في السعادة والعدول من أهل الإيمان فليس لهم ذلک... إن أقل ما يتصف به الشهداء ـ وهم شهداء الأعمال ـ أنهم تحت ولاية الله ونعمته وأصحاب الصراط المستقيم» [4] .
پاورقي
[1] راجع معجم أحاديث الإمام المهدي: 1/274، نقلاً عن مسند أحمد وغيره من المجاميع الروائية لأهل السنة.
[2] البقرة (2): 225.
[3] تفسير الميزان: 1/320 ـ 321.
[4] تفسير الميزان: 1/321.