بازگشت

نتائج البحث


نصل الي القسم الأخير من البحث، وهو تسجيل النتائج الحاصلة منه في النقاط التالية:

1 ـ ان اصل فکرة الايمان بالمصلح العالمي في آخر الزمان وإقامة الدولة العادلة التي تحقق السعادة الحقّة للبشرية جمعاء تستند الي جذور فطرية في الانسان تنبع من فطرة تطلّعه الي الکمال، ولذلک لاحظنا اجماع مختلف التيارات الفکرية الانسانية حتي المادية منها علي حتمية تحقق هذا اليوم الموعود. أما الفکر الديني فهو مجمع عليها لتواتر البشارات السماوية في کتب الأديان المختلفة بذلک. فلا يمکن قبول ما زعمه بعض المستشرقين بأن هذه الفکرة المجمع عليها تستند الي الخرافات والأساطير.

2 ـ إن القول بوجود المهدي الموعود بالفعل وغيبته ـ وهو الذي يؤمن به مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ويتميز عن عقيدة أهل السنّة في المهدي الموعود ـ غير مستبعد لا في الفکر الإنساني الذي يري أن من الضروري أن يکون عمر المصلح العالمي طويلاً، ولا من الفکر الديني الذي اقترن إيمانه بالمصلح العالمي بالإيمان بأنه يعود بعد غيبة. بل إن وقوع الغيبات في تأريخ الأنبياء (عليهم السلام) يدعم هذا القول ويعززه.

3 ـ إن إجماع الأديان السماوية علي الايمان بالمصلح العالمي وغيبته قبل الظهور اقترن بالاختلاف الشديد في تحديد هويته، وهو اختلاف ناشئ من جملة من العوامل، منها: ان البشارات الواردة في الکتب المقدسة بشأنه تتحدث عن قضية غيبية، والانسان بطبعه ميّال لتجسيد الحقائق الغيبية في



[ صفحه 49]



مصاديق محسوسة يعرفها. ومنها: أن التعصب المذهبي والرغبة في الفوز بافتخار الانتماء لصاحب هذا الدور التاريخي المهم دفعت اتباع کل دين الي تأويل تلک البشارات أو خلطها بالبشارات الواردة بشأن نبي أو وصي معين غير المصلح العالمي أو تحريفها لتطبيقها علي الأقرب من المواصفات التي تذکرها من زعمائهم ورموزهم الدينية. فالاختلاف ناشئ من سوء تفسير وتطبيق البشارات السماوية وليس من نصوص البشارات نفسها.

4 ـ إن سبيل حل الاختلاف هو تمييز البشارات الواردة بشأن المصلح العالمي عن غيرها المرتبطة بغيره من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، ثم تحديد الصورة التي ترسمها بنفسها للمصلح العالمي بعيداً عن التأثر بالمصاديق المفترضة سلفاً. ثم عرض المصاديق عليها لمعرفة هويته الحقيقية استناداً الي الواقع التاريخي القابل للإثبات وبعيداً عن حصر هذه المصاديق المفترضة برموز دين معين، بل عرض کل مصداق مرشح من قبل أي دين أو مذهب علي الصورة التي ترسمها نصوص البشارات بصورة تجريدية.

5 ـ إن تلک البشارات السماوية تهدي ـ بناءً علي هذا المنهج العلمي ـ الي معرفة حقيقية هي أن المصلح العالمي الذي بشرت به هو الإمام الثاني عشر من عترة خاتم الأنبياء ـ صلوات الله عليه وآله ـ وهو صاحب الغيبة التي يضطر إليها بسبب تربّص الظلمة به لتصفيته، أي إنها تهدي الي المهدي الإمامي الذي يقول به مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وقد صرحت تلک البشارات بالهداية اليه من خلال ذکر صفات لا تنطبق علي غيره، ومن خلال ذکر خصائص فيه امتاز بها واشتهرت عنه کما لا حظنا.

6 ـ ان الاستناد الي هذه البشارات في إثبات صحة عقيدة



[ صفحه 50]



أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي المنتظر(عليه السلام) يشکل دليلاً آخر في إثبات هذه العقيدة يضاف الي الأدلة العقلية والقرآنية وما صح لدي المسلمين من الأحاديث الشريفة، ولا مانع من الاستدلال بهذه البشارات بعدما ثبت أن التحريف في الديانات السابقة لم يشمل کل نصوصها الموحاة، فيمکن الاستناد الي ما صدقته النصوص الشرعية الاسلامية مما ورد في کتب الديانات السابقة؛ وکذلک ما صدقه الواقع التأريخي الکاشف عن صحة ما أخبرت عنه باعتباره من أنباء الغيب التي لا يعلمها سوي الله تعالي، ومنها أخبار المهدي (عليه السلام).

7 ـ إن في الاستناد الي بشارات الأديان السابقة في اثبات صحة عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي الموعود واضافته الي الأدلة الشرعية والعقلية الاُخري ثماراً عديدة، منها: الکشف عن أهمية هذه العقيدة وترسيخ الايمان بها لدي اتباعها، ومنها: إعانة أتباع الديانات والمذاهب الأخري علي الاهتداء لمعرفة هوية المصلح العالمي الذي بشرت به نصوص کتبهم المقدسة ودعوتهم الي الاسلام من هذا الطريق، والاحتجاج عليهم بالنصوص المعتبرة عندهم وهو احتجاج أبلغ في الدلالة، ومنها: ايجاد محور توحيدي لدعاة الاصلاح الديني من اتباع مختلف الديانات يعزز جهودهم وينسقها، يقوم علي أساس الايمان بهذا المصلح العالمي ووجوده فعلاً ورعايته لجهود المُمهّدين لظهوره طبقاً للعقيدة الاسلامية الأوسع شمولية وتفصيلاً في عرض هذه الفکرة العريقة في الفکر الديني والانساني.

يقول العلامة الشهيد آية الله العظمي السيد محمد باقر الصدر: وإذا کانت فکرة المهدي أقدم من الإسلام وأوسع منه، فإن معالمها التفصيلية التي



[ صفحه 51]



حددها الإسلام جاءت أکثر اشباعاً لکل الطموحات التي انشدّت الي هذه الفکرة منذ فجر التأريخ الديني، وأغني عطاءاً وأقوي إثارة لأحاسيس المظلومين والمعذّبين علي مر التأريخ. وذلک لأن الإسلام حوّل الفکرة من غيب الي واقع، ومن مستقبل الي حاضر، ومن التطلع الي منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول الي الإيمان بوجود المنقذ فعلاً، وتطلعه مع المتطلعين الي اليوم الموعود الي اکتمال کلّ الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم.

فلم يعد المهدي (عليه السلام) فکرة ننتظر ولادتها، ونبوءة نتطلع الي مصداقها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته، وإنساناً معيّناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويراناً، ويعيش آمالنا وآلامنا ويشارکنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد کل ما تزخر به الساحة علي وجه الأرض من عذاب المعذّبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويکتوي بذلک من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يُتاح له فيها أن يمدّ يده الي کل مظلوم وکل محروم وکل بائس ويقطع دابر الظالمين.

وقد قُدّر لهذا القائد أن لا يُعلن عن نفسه ولا يکشف للآخرين هويّته ووجوده علي الرغم من أنه يعيش معهم انتظاراً للحظة الموعودة.

ومن الواضح أن الفکرة بهذه المعالم الإسلامية تقرّب الهوّة الغيبية بين المظلومين کل المظلومين والمنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعور هم النفسي قصيراً مهما طال الانتظار.

ونحن حينما يُراد منّا أن نؤمن بفکرة المهدي بوصفها تعبيراً عن إنسان حي محدد يعيش فعلاً کما نعيش، ويترقب کما نترقب، يُراد الإيحاء إلينا بأن فکرة الرفض المطلق لکل ظلم وجور، والتي يمثلها المهدي،



[ صفحه 52]



تجسدت فعلاً في القائد الرافض المنتظر، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم کما في الحديث، وإنّ الإيمان به إيمان بهذا الرفض الحي القائم فعلاً ومواکبة له» [1] .



[ صفحه 53]




پاورقي

[1] بحث حول المهدي: 12 ـ 14.