الصورة العامة للدولة المهدوية في النصوص الشرعية
ونصل الآن الي خاتمة هذا الفصل فنعرض فيها علي نحو الإجمال أيضاً الصورة التي ترسمها النصوص الشرعية لدولة المهدي الموعود، عجل الله فرجه.
إنّ الدولة المهدوية إنّما تأتي لتحسم عصر المعاناة الذي عاشته البشرية طويلاً وتنهي الظلم والجور الذي ملأ الأرض نتيجة لحکم الطواغيت و حاکمية
[ صفحه 228]
الأهواء والشهوات والنزعات المادية وبظهور الإمام المهدي المنتظر علي مدي القرون. «يفرج الله عن الأمة فطوبي لمن أدرک زمانه» [1] فالله تبارک وتعالي يحقق للأمة المسلمة؛ ولبني الانسان عامة؛ کل الطموحات الفطرية السليمة، ويزيل الشرک ويقيم المجتمع الموحّد العابد الآمر بالمعروف والناهي عن المنکر والمسارع للخيرات السائر في منازل الکمال ومعارج النور.
وتخرج الأرض برکاتها وکذلک السماء، وما يحصل عليه الناس ليس هو الغني المادي فحسب بل هو «الاستغناء» حيث «يملأ الله قلوب اُمة محمد(صلي الله عليه وآله) غنيً ويسعهم عدله» [2] أي يحرّرهم من أسر المتطلبات والحاجات المادية المعيشية المحدودة، فالمهدي المنتظر الذي يحرر المسلمين من ذل التبعية للضالّين والمنحرفين، کما صرّح به النص القائل: «وبه يخرج ذل الرق من أعناقکم» [3] ؛ يحرر البشرية من ذل الحياة البهيمية والخضوع لأسر الشهوات ويفتح أمام الانسان جميع أبواب التکامل والرقي المعنوي والتکامل الروحي فيشهد عصره تطوراً فکرياً وروحياً عالياً کما يشير لذلک الإمام الباقر(عليه السلام) حيث يقول: «إذا قام قائمنا وضع الله يده علي رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم وکملت به أحلامهم» [4] ، ومما يساعد علي ذلک ـ إضافةً الي العامل المهم والرئيسي المتقدم ـ عامل ثانوي هو التطور الهائل الذي يشهده عصره خاصةً في مجال الاتصالات والذي نري بوادره اليوم طبق القوانين العلمية أيضاً کما يشير الي ذلک الإمام الصادق(عليه السلام) بقوله: «إن قائمنا إذا قام مدَّ الله عز وجل لشيعتنا في
[ صفحه 229]
أسماعهم وأبصارهم حتي لا يکون بينهم وبين القائم بريد؛ يکلّمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مکانه» [5] ، ولعل ذلک يکون بوسائل غيبية تمکّنهم منها المراتب الروحية السامية التي يصلون إليها وإن کان ذلک قد أصبح ممکناً بدرجة محدودة اليوم أيضاً عبر وسائل الاتصال الحديثة المتطورة، ولکن من المؤکد ـ استناداً للأحاديث الشريفة ـ أن الکثير من الحقائق والقضايا الغيبية تظهر في عصر الدولة المهدوية ويحظي الکثير من المؤمنين بمراتب عالية من معرفة أسرار الغيب وعلم الکتاب وتجاوز الأسباب والقوانين الطبيعية والکثير من الظواهر التي نعتبرها اليوم من المعجزات غير المألوفة [6] .
ومع توفير الدولة المهدوية لجميع عوامل التکامل المادي والروحي يقام المجتمع الموحّد الذي يعبد الله تبارک وتعالي بإخلاص فتسود العلاقات الإيمانية المحضة وتحکمه قيم من قبيل البراءة ممن «کان بالرهن أوثق منه بأخيه المؤمن» ومثل أن «ربح المؤمن علي المؤمن ربا» [7] فحتّي العمل التجاري يکون يومئذ عبادة خالصة لله عز وجل إذ يکون بهدف خدمة عباد الله فقط.
يقول الإمام علي(عليه السلام) ضمن حديث في وصف جامع لدولة الإمام المهدي العالمية: «... يؤيده الله بملائکته ويعصم أنصاره وينصره بآياته ويظهره علي أهل الأرض حتي يدينوا طوعاً وکرهاً، ويملأ الأرض عدلا وقسطاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها حتي لا يبقي کافرٌ إلاّ آمن ولا طالح إلاّ صلح ويصطلح في ملکه السباع وتخرج الأرض برکاتها وتنزل السماء برکتها وتظهر له الکنوز، يملک مابين الخافقين أربعين
[ صفحه 230]
عاماً، فطوبي لمن أدرک أيامه وسمع کلامه» [8] ، أجل في ظل دولة المهدي المنتظر ـ عجل الله فرجه ـ يتضح للعالمين أن صلاح البشرية وخيرها وتکاملها المادّي والمعنوي إنما يتحقق في ظل رسالة السماء وعلي يدي أولياء الله المعصومين ـ سلام الله عليهم ـ وهذا ما يحققه الله تعالي علي يد خاتمهم وخاتم الأئمة الاثني عشر الأوصياء أي المهدي الذي وعد الله به الاُمم: «ولذلک يرضي عنه ساکن الأرض وساکن السماء» کما أخبر عن ذلک جدّه رسول الله(صلي الله عليه وآله) [9] .
[ صفحه 231]
پاورقي
[1] اثبات الهداة: 3 / 504.
[2] مسند أحمد: 3/ 37.
[3] الغيبة للطوسي: 185، ح 144.
[4] إثبات الهداة: 3 / 448، الکافي: 1 / 25، کمال الدين: 675.
[5] إثبات الهداة: 3/ 450 ـ 451.
[6] راجع مثلاً کمال الدين: 654.
[7] مَن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: 3 / 313، تهذيب الأحکام: 7/ 178.
[8] اثبات الهداة: 3/ 524.
[9] مستدرک الحاکم: 4 / 465، فتن ابن حماد: 99.