بازگشت

الاختلاف في تشخيص هوية المنقذ العالمي


إذن فالإجماع قائم في الأديان السماوية علي حتمية اليوم الموعود، وکما قال العلامة المتتبع آية الله السيد المرعشي النجفي في مقدمة الجزء الثالث عشر من «إحقاق الحق»: «وليعلم أن الأمم والمذاهب والأديان اتفقت کلمتهم ـ إلاّ من شذ وندر ـ علي مجيء مصلح سماوي إلهي ملکوتي لإصلاح ما فسد من العالم وإزاحة ما يري من الظلم والفساد فيه وإنارة ما غشيه من الظلم، غاية الأمر أنه اختلفت کلمتهم بين من يراه عُزيراً، وبين مَن يراه مسيحاً، ومن يراه خليلاً، ومَن يراه ـ من المسلمين ـ من نسل الإمام مولانا أبي محمد الحسن السبط ومَن يراه من نسل الإمام مولانا أبي عبد الله الحسين السبط الشهيد...».



[ صفحه 31]



وإذا اختلفت الأديان بل الفرق والمذاهب المتشعبة عنها في تحديد هوية المصلح العالمي رغم اتفاقهم علي حتمية ظهوره وعلي غيبته قبل عودته الظاهرة، فما هو سر هذا الاختلاف؟

يبدو أن سبب هذا الاختلاف يرجع الي تفسير النصوص والبشارات السماوية وتأويلها استناداً الي عوامل خارجة عنها وليس الي تصريحات أو اشارات في النصوص نفسها، وإلي التأثر العاطفي برموز معروفة لاتباع کل دين أو فرقة وتطبيق النصوص عليها ولو بالتأويل، بمعني أن تحديد هوية المصلح الموعود لا ينطلق من النصوص والبشارات ذاتها بل ينطلق من انتخاب شخصية من الخارج ومحاولة تطبيق النصوص عليها. يُضاف الي ذلک عوامل أخري سياسية کثيرة لسنا هنا بصدد الحديث عنها، ومعظمها واضحٌ معروف فيما يرتبط بالأديان السابقة وفيما يرتبط بالفرق الاسلامية، ومحورها العام هو: إن الإقرار بما تحدده النصوص والبشارات السماوية والنبوة نفسها ينسف قناعات لدي تلک الأديان وهذه الفرق يسلبها مبرر بقائها الاستقلالي، ومسوغ إصرارها علي عقائدها السالفة.

أما بالنسبة للعامل الأول فنقول: إن النصوص والبشارات السماوية وأحاديث الأنبياء وأوصيائهم (عليهم السلام) بشأن المصلح العالمي تتحدث عن قضية ذات طابع غيبي وهو شخصية مستقبلية وعن دور تأريخي کبير يحقق أعظم إنجاز للبشرية علي مدي تأريخها ويحقق في اليوم الموعود أسمي طموحاتها، والإنسان بطبعه ميال لتجسيد القضايا الغيبية في مصاديق ملموسة يحس بها، هذا من جهة. ومن جهة أخري فکل قوم يتعصبون لشريعتهم ورموزهم وما ينتمون إليه ويميلون أن يکون صاحب هذا الدور التأريخي منهم.



[ صفحه 32]



لذا کان من الطبيعي أن يقع الاختلاف في تحديد هوية المصلح العالمي، لأنّ من الطبيعي أن يسعي أتباع کل دين الي اختيار مصداق للشخصية الغيبية المستقبلية التي تتحدث عنها النصوص والبشارات الثابتة في مراجعهم المعتبرة والمعتمدة عندهم ممن يعرفون ويحبون من زعمائهم، يدفعهم لذلک التعصب الشعوري أو اللاشعوري لشريعتهم ورموزها، والرغبة الطبيعية العارمة في أن يکون لهم افتخار تحقق ذاک الدور التأريخي علي يد شخصية تنتمي اليهم أو ينتمون إليها.