بازگشت

حقيقة الانتظار


الانتظار عبارة عن: «کيفية نفسانية ينبعث منها التهيؤ لما تنتظره؛ وضده اليأس؛ فکلما کان الانتظار أشد کان التهيؤ آکد؛ ألا تري أنّه اذا کان لک مسافر تتوقع قدومه ازداد تهيؤک لقدومه کلما قرب حينه، بل ربما تبدل رقادک



[ صفحه 189]



بالسهاد لشدة الانتظار. وکما تتفاوت مراتب الانتظار من هذه الجهة، کذلک تتفاوت مراتبه من حيث حبک لمن تنتظره، فکلما اشتد الحب ازداد التهيؤ للحبيب وأوجع فراقه بحيث يغفل المنتظر عن جميع ما يتعلق بحفظ نفسه ولا يشعر بما يصيبه من الالآم الموجعة والشدائد المفظعة.

فالمؤمن المنتظر مولاه کلما اشتد انتظاره ازداد جهده في التهيؤ لذلک بالورع والاجتهاد وتهذيب نفسه وتجنّب الأخلاق الرذيلة والتحلّي بالأخلاق الحميدة حتي يفوز بزيارة مولاه ومشاهدة جماله في زمان غيبته کما اتفق ذلک لجمع کثير من الصالحين، ولذلک أمر الأئمة الطاهرون(عليهم السلام) فيما سمعت من الروايات وغيرها بتهذيب الصفات وملازمة الطاعات. بل رواية أبي بصير مشعرة أو دالة علي توقف الفوز بذلک الأجر حيث قال]الإمام الصادق[(عليه السلام): «مَن سره أن يکون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده کان له من الأجر مثل مَن أدرکه... ولا ريب أنه کلما اشتد الانتظار ازداد صاحبه مقاماً وثواباً عند الله عز وجل...» [1] .

والانتظار يعني: «ترقب ظهور وقيام الدولة القاهرة والسلطنة الظاهرة لمهدي آل محمد(عليهم السلام). وإمتلائها قسطاً وعدلاً وانتصار الدين القويم علي جميع الأديان کما أخبر به الله تعالي نبيه الأکرم ووعده بذلک، بل بشّر به جميع الأنبياء والأمم؛ أنه يأتي مثل هذا اليوم الذي لا يعبد فيه غير الله تعالي ولا يبقي من الدين شيء مخفي وراء ستر وحجاب مخافة أحد...» [2] .

اذن الانتظار يتضمن حالة قلبية توجدها الأصول العقائدية الثابتة بشأن حتمية ظهور المهدي الموعود وتحقق أهداف الأنبياء ورسالاتهم وآمال



[ صفحه 190]



البشرية وطموحاتها علي يديه(عليه السلام)؛ وهذه الحالة القلبية تؤدي الي انبعاث حرکة عملية تتمحور حول التهيؤ والاستعداد للظهور المنتظر، ولذلک أکدت الأحاديث الشريفة علي لزوم ترسيخ المعرفة الصحيحة المستندة للادلة العقائدية بالإمام المهدي وغيبته وحتمية ظهوره کما أشرنا في الواجب الأول.

وعليه يتضح أن الانتظار لا يکون صادقاً إلاّ اذا توفرت فيه: «عناصر ثلاثة مقترنة: عقائدية ونفسية وسلوکية ولولاها لا يبقي للانتظار أي معني إيماني صحيح سوي التعسف المبني علي المنطق القائل: (فاذهب أنت وربّک فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون...) [3] المنتج لتمني الخير للبشرية من دون أي عمل إيجابي في سبيل ذلک» [4] .

ولذلک نلاحظ في الأحاديث الشريفة المتحدثة عن قضية الانتظار تأکيدها علي معرفة الإمام المهدي ودوره وترسيخ الارتباط المستمر به(عليه السلام) في غيبته کمظهر للانتظار والالتزام العملي بموالاته والتمسک بالشريعة الکاملة کما اشرنا لذلک في التکاليف السابقة وإعداد المؤمن نفسه کنصير للإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ يتحلي بجميع الصفات الجهادية والعقائدية والأخلاقية اللازمة للمساهمة في إنجاز مهمته الإصلاحية الکبري، وإلاّ لن يکون انتظاراً حقيقياً.

«إن انتظار الفرج نوعان: انتظار بنّاء باعث للتحرک والالتزام الرسالي، فهو عبادة وأفضل العبادات، وانتظار مخرّب يشل الإنسان عن العمل البنّاء فهو يعتبر نمطاً من أنماط «الإباحية»... إن نوعي الانتظار هذين هما نتيجة لنوعين من الفهم لماهية الظهور التأريخي العظيم للمهدي الموعود (عليه السلام)... والبعض



[ صفحه 191]



يفسّر القضية المهدوية وثورتها الموعودة بأنها ذات صبغة انفجارية لا غير؛ وأنها نتيجة لانتشار الظلم والتمييز والقمع وغصب الحقوق والفساد... فعندها يقع الانفجار وتظهر يد الغيب لإنقاذ الحق... وعليه فإن أفضل عون يمکن أن يقدمه الإنسان لتعجيل الظهور المهدوي وأفضل أشکال الانتظار هو [السماح بـ] ترويج الفساد...

لکن المستفاد من الآيات أن ظهور المهدي الموعود حلقة من حلقات مجاهدة أنصار الحق لأشياع الباطل التي تکون عاقبتها الانتصار الکامل لأنصار الحق ومشارکة الإنسان في الحصول علي هذه السعادة مرهون بأن يدخل عملياً في صفوف أنصار الحق...

ويُستفاد من الروايات الإسلامية أن ظهور المهدي (عليه السلام) يقترن ببلوغ جبهتي السعداء والأشقياء ذروة عملهم کل حسب أهدافه لا أن ينعدم السعداء ويبلغ الأشقياء ذروة إجرامهم وظلمهم، وتتحدث الأحاديث الشريفة عن صفوة من أنصار الحق تلتحق بالإمام فور ظهوره... فحتي لو فرضنا أنهم قلة من الناحية الکمية إلاّ أنهم من الناحية الکيفية خيرة أهل الإيمان وبمستوي انصار سيد الشهداء(عليه السلام)؛ کما تتحدث عن التمهيد لثورة الإمام المهدي بسلسلة من الانتفاضات التي يقوم بها أنصار الحق... کما تتحدث بعضها عن حکومة يقيمها أنصار الحق وتستمر حتي تفجر ثورة الإمام المهدي» [5] .

إذن يتضح مما تقدم أن للانتظار الشرعي المطلوب جملة من الشروط لا يتحقق بدونها العمل به کأهم تکاليف المؤمنين في عصر الغيبة وقد تحدثت عنها الأحاديث الشريفة وجمعها الإمام السجاد(عليه السلام) حيث قال ضمن حديث



[ صفحه 192]



له عن القضية المهدوية: «إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل کل زمان، لأن الله تبارک وتعالي أعطاهم من العقول والأفهام ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة العيان وجعلهم في ذلک الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالسيف، أولئک المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً والدعاة الي دين الله عز وجل سراً وجهراً» [6] .


پاورقي

[1] مکيال المکارم: 2/ 152 ـ 153.

[2] النجم الثاقب: 2/ 443 من الترجمة العربية.

[3] المائدة (5): 24.

[4] تاريخ الغيبة الکبري: 342.

[5] النهضة والثورة المهدوية للشهيد المطهري(رحمه الله): 61 ـ 81 من الطبعة الفارسية (بتلخيص).

[6] کمال الدين: 319.