بازگشت

الحکاية 38


فيه عن العالم الجليل المحدث السيد نعمة الله الجزايري عمن اعتمد عليه انه کان منزله في بلد علي ساحل البحر و کان بينهم و بين جزيرة من جزاير البحر مسير يوم أو أقل و في تلک الجزيرة مياههم و حطبهم و ثمارهم و ما يحتاجون اليه فاتفق انهم علي عادتهم رکبوا في سفينة قاصدين تلک الجزيرة و حملوا معهم زاد يوم فلما توسطوا البحر أتاهم ريح عدلهم عن ذلک القصد و بقوا علي تلک الحال تسعة أيام حتي أشرفوا علي الهلاک من قلة الماء و الطعام ثم ان الهواء رماهم في ذلک اليوم علي جزيرة في البحر فخرجوا اليها و کان فيها المياه العذبة والثمار الحلوة و أنواع الشجر فبقوا فيها نهارا ثم حملوا منها ما يحتاجون اليه و رکبوا سفينتهم و دفعوا فلما بعدوا عن الساحل نظروا الي رجل منهم بقي في الجزيرة فناداهم و لم يتمکنوا



[ صفحه 73]



من الرجوع فرأوه قد شد حزمة حطب و وضعها تحت صدره و ضرب البحر عليها قاصدا لحوق السفينة فحال الليل بينهم و بينه و بقي في البحر و أما أهل السفينة فما وصلوا الا بعد مضي أشهر فلما بلغوا أهلهم أخبروا أهل ذلک الرجل فاقاموا ما تمه فبقوا علي ذلک عاما أو أکثر ثم رأوا ان ذلک الرجل قدم الي أهله فتباشروا به وجاء اليه أصحابه فقص عليهم قصته قال فلما حال الليل بيني و بينکم بقيت تقلبني الامواج و اذا أنا علي الحزمة يومين حتي أوقعتني علي جبل في الساحل فتعلقت بصخرة منه و لم أطق الصعود الي جوفه لارتفاعه فبقيت في الماء و ماشعرت الا بافعي عظيمة أطول من المنار و أغلظ منها فوقعت علي ذلک الجبل و مدت رأسها تصطاد الحيتان من الماء فوق رأسي فايقنت بالهلاک و تضرعت الي الله تعالي فرأيت عقربا تدب علي ظهر الافعي فلما وصل الي دماغها لسعتها بابرة فاذا لحمها قد تئاتر عن عظامها و بقي عظم ظهرها و أضلاعها کالسلم العظيم الذي له مراقي يسهل الصعود عليها قال فرقيت علي تلک الاضلاع حتي خرجت الي الجزيرة شاکرا لله تعالي علي ما صنع فمشيت في تلک الجزيرة الي قريب العصر فرأيت منازل حسنة مرتفقعة البنيان الا انها خالية لکن فيها آثار الانس قال فاسترحت في موضع منها فلما صار العصر رأيت عبيدا و خدما کل واحد منهم علي بغل فنزلوا و فرشوا فرشا نظيفة و شرعوا في تهيئة الطعام و طبخه فلما فرغوا منه رأيت فرسانا مقبلين عليهم ثياب بيض و خضر و يلوح من وجوههم الانوار فنزلوا و قدم اليهم الطعام فلما شرعوا في الاکل قال أحسنهم هيئة و أعلاهم نورا ارفعو حصة من هذا الطعام لرجل غائب فلما فرغوا ناداني يا فلان ابن فلان أقبل فعجبت منه فأتيت اليهم و رحبوا بي فأکلت ذلک الطعام و ما تحققت الا انه من





[ صفحه 74]



طعام الجنة فلما صار النهار رکبوا باجمعهم و قالوا لي انتظر هنا فرجعوا وقت العصر و بقيت معهم أياما فقال لي يوما ذلک الرجل الانور ان شئت الاقامة معنا في هذه الجزيرة أقمت و ان شئت المضي الي أهلک أرسلنا معک من يبلغک بلدک فاخترت علي شقاوتي بلادي فلما دخل الليل أمر لي بمرکب و أرسل معي عبدا من عبيده فسرنا ساعة من الليل و أنا أعلم ان بيني و بين أهلي مسيرة أشهر و ايام فما مضي من الليل قليل منه الا و قد سمعنا نبح الکلاب فقال لي ذلک الغلام هذا نبح کلابکم فما شعرت الا و انا واقف علي باب داري فقال هذه دارک انزل اليها فلما نزلت قال لي قد خسرت الدنيا و الاخرة ذلک الرجل صاحب الدار فالتفت الي الغلام فلم أره و أنا من ذلک الوقت بينکم نادما علي ما فرطت هذه حکايتي و أمثال هذه الغرائب کثيرة لا نطيل الکلام بها أقول قد نقل صاحب الکتاب حکاية عن کتاب نور العيون تأليف محمد شريف الحسيني تقرب من هذه الا ان بينها اختلافا کثيرا و قد ذکرناها في الخامسة و العشرين من الحکايات و الله أعلم.