علة الغيبة و کيفية انتفاع الناس بالغائب
في العوالم و البحار عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق (ع) ان لصاحب هذا الامر غيبة لابد منها يرتاب فيها کل مبطل فقلت له و لم جعلت فداک قال لامر لم يؤذن لنا فيکشفه لکم قلت فما وجه الحکمة في غيبته
[ صفحه 428]
قال وجه الحکمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالي ذکره ان وجه الحکمة في ذلک لا ينکشف الا بعد ظهوره کما لم ينکشف وجه الحکمة لما أتاه الخضر من خرق السفيه و قتل الغلام و اقامة الجدار لموسي عليه السلام الا وقت افتراقهما يا ابن الفضل ان هذا الامر أمر من امر الله و سر من سر الله و غيب من غيب الله و متي علمنا انه عز و جل حکيم صدقنا بأن افعاله کلها حکمة و ان کان وجهها غير منکشف لنا.
و فيه عن الاعمش عن الصادق عليه السلام قال لم تخل الارض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها ظاهر مشهور او غائب مستور و لا تخلو الي أن تقوم الساعة من حجة لله فيها و لو لا ذلک لم يعبد الله قال سليمان فقلت للصادق عليه السلام فکيف ينتفع بالحجة الغائب المستور قال عليه السلام کما ينتفعون بالشمس اذا سترها السحاب.
و فيه عن اسحق بن يعقوب انه ورد عليه من الناحية المقدسة علي يد محمد بن عثمان و اما علة ما وقع من الغيبة فان الله عز و جل يقول يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن اشياء ان تبدلکم تسؤکم انه لم يکن احد من آبائي الا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه و اني اخرج حين اخرج و لا بيعة لاحد من الطواغيت في عنقي و اما وجه الانتفاع بي في غيبتي فکالانتفاع بالشمس اذا غيبها عن الابصار السحاب و اني لأمان لاهل الارض کما ان النجوم أمان لاهل السماء فاغلقوا ابواب السؤال عما لا يعنيکم و لا تتکلفوا علي ما قد کفيتم و اکثروا الدعاء بتعجيل الفرج فان ذلک فرجکم و السلام عليک يا اسحق بن يعقوب و علي من اتبع الهدي.
و فيه عن ابي عبد الله عليه السلام اقرب ما يکون العبيد الي الله عز و جل
[ صفحه 429]
و ارضي ما يکون عنه اذا افتقدوا حجة الله فلم يظهر لهم و حجب عنهم فلم يعلموا بمکانه و هم في ذلک يعلمون انه لم تبطل حجج الله و لا بيناته فعندها فليتوقعوا الفرج صباحا و مساء و ان أشد ما يکون غضبا علي أعدائه اذا فقدهم حجته فلم يظهر لهم و قد علم ان اوليائه لا يرتابون و لو علم انهم يرتابون ما افقدهم حجته طرفة عين.
و فيه عن جابر الجعفي عن جابر الانصاري انه سئل النبي (ص) هل ينتفع الشيعة بالقائم (عج) في غيبته فقال (ص) اي و الذي بعثني بالنبوة انهم لينتفعون به و يستضيئون بنور ولايته في غيبته کانتفاع الناس بالشمس و ان جللها السحاب.
أقول التشبيه بالشمس المجللة بالسحاب يؤمي الي امور کما يستفاد من کلمات العلامة المجلسي (ره).
الاول ان نور الوجود و العلم و الهداية يصل الي الخلق بتوسطه (ع) اذ ثبت بالاخبار المستفيضة انهم العلل الغائية لا يجاد الخلق فلولاهم لم يصل نور الوجود الي غيرهم و ببرکتهم و الاستشفاع بهم و التوسل اليهم يظهر العلوم و المعارف علي الخلق و يکشف البلايا عنهم فلو لا هم لاستحق الخلق بقبايح اعمالهم أنواع العذاب کما قال الله تعالي و ما کان الله ليعذبهم و انت فيهم و لقد جربنا مرارا لا نحصيها انه عند انفلاق الامور و اعضا المسائل و البعد عن جناب الحق تعالي و انسداد ابواب الفيض لما استشفعنا بهم و توسلنا بأنوارهم فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلک الوقت تنکشف تلک الامور الصعبة و هذا معاين لمن اکحل الله عين قلبه بنور الايمان.
الثاني کما ان الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون
[ صفحه 430]
في کل آن انکشاف السحاب عنها و ظهورها ليکون انتفاعهم بها اکثر فکذلک في أيام غيبته ينتظر المخلصون من شيعته خروجه و ظهوره في کل وقت و زمان و لا ييأسون منه.
الثالث ان منکر وجوده مع وفور ظهور آثاره کمنکر وجود الشمس اذا غيبها السحاب عن الابصار.
الرابع ان الشمس قد تکون غيبتها في السحاب اصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب فکذلک غيبته (عج) أصلح لهم في تلک الازمان فلذا غاب عنهم.
الخامس ان الناظر الي الشمس لا يمکنه النظر اليها بارزة عن السحاب و ربما عمي بالنظر اليها لضعف الباصرة عن الاحاطة بها فکذلک شمس ذاته المقدسة ربما يکون ظهوره اضر لبصايرهم و يکون سببا لعماهم عن الحق و تحتمل بصايرهم الايمان به فيغيبته کما ينظر الانسان الي الشمس من تحت السحاب و لا يتضرر بذلک.
السادس ان الشمس قد تخرج من السحاب و ينظر اليها واحد دون واحد فکذلک يمکن ان يظهر عليه السلام في ايام غيبته لبعض الخلق دون بعض.
السابع انهم کالشمس في عموم النفع و انما لا ينتفع بهم من کان اعمي کما فسر به فيالاخبار قوله تعالي من کان في هذه اعمي فهو في الاخرة أعمي و أضل سبيلا.
الثامن ان الشمس کما ان شعاعها يدخل البيوت بقدر ما فيها من الروازن و الشبابيک و بقدر ما يرتفع عنها من الموانع فکذلک الخلق انما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسهم و مشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانية و العلايق الجسمانية و بقدر ما يدفعون عن
[ صفحه 431]
قلوبهم من الغواشي الکثيفة الهيولانية الي أن ينتهي الامر الي حيث يکون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب فقد فتحت لک من هذه الجنة الروحانية ثمانية أبواب و لقد فتح الله عني بفضله ثمانية اخري تضيق العبارة عن ذکرها عسي الله أن يفتح علينا و عليک في معرفتهم الف باب يفتح من کل باب الف باب عن ابن عمير عمن ذکره عن ابي عبد الله عليه السلام قلت له ما بال اميرالمؤمنين عليه السلام لم يقاتل مخالفيه في الاول قال لاية في کتاب الله عز و جل لو تزيلوا لعذبنا الذين کفروا منهم عذابا اليما قال قلت و ما يعني بتزيلهم قال ودايع مؤمنون في اصلابهم قوم کافرين فکذلک القائم لن يظهر أبدا حتي تخرج ودايع الله عز و جل فاذا خرجت ظهر علي من ظهر من أعداء الله عز و جل جلاله فقتلهم.
و فيه سأل أبو خالد أبا جعفر عليه السلام ان يسمي القائم حتي اعرفه باسمه فقال عليه السلام يا أبا خالد سألتني عن أمر لو ان بني فاطمة عرفوه لحرصوا علي أن يقطعوه بضعة بضعة.
و فيه قال الشيخ (ره) لا علة تمنع من ظهوره الا خوفه علي نفسه من القتل لانه لو کان غير ذلک لما ساغ له الاستتار و کان يتحمل المشاق و الاذي فان منازل الائمة و کذلک الانبياء انما تعظم لتحملهم المشاق العظيمة في ذات الله تعالي.
فان قيل هلا منع الله من قتله بما يحول بينه و بين من يريد قتله.
قلنا المنع الذي لا ينافي التکليف هو النهي عن خلافه و الامر بوجوب اتباعه و نصرته و الزام الانقياد له و کل ذلک فعله تعالي و اما الحيلولة بينهم و بينه فانه ينافي التکليف و ينقض الغرض لان الغرض بالتکليف استحقاق
[ صفحه 432]
الثواب و الحيلولة ينافي ذلک و ربما کان في الحيلولة و المنع من قتله بالقهر مفسدة للخلق فلا يحسن من الله فعلها و ليس هذا کما قال بعض أصحابنا انه لا يمتنع أن يکون في ظهوره مفسدة و في استتاره مصلحة لان الذي قاله يفسد طريق وجوب الرسالة في کل حال و يطرق القول بأنها تجري مجري الالطاف التي تتغير بالازمان و الاوقات و القهر و الحيلولة ليس ذلک و لا يمتنع أن يقال في ذلک مفسدة و لا يؤدي الي فساد وجوب الرياسة.
فان قيل اليس اباؤه کانوا ظاهرين و لم يخافوا و لا صاروا بحيث لا يصل اليهم أحد.
قلنا آباؤه (ع) حالهم بخلاف حاله لانه کان المعلوم من حال آبائه لسلاطين الوقت و غيرهم لا يرون الخروج عليهم و لا يعتقدون انهم يقومون بالسيف و يزيلون الاول بل ان المعلوم من حالهم انهم ينتظرون مهديا و ليس يضر السلطان اعتقاد من يعتقد امامتهم اذا امنوهم علي مملکتهم و ليس کذلک صاحب الزمان لان المعلوم منه انه يقوم بالسيف و يزيل الممالک و يقهر کل سلطان و يبسط العدل و يميت الجور فمن هذه صفته يخاف جانبه و تتقي فورته فيتبع و يوصل و يوضع العيون عليه و يعني به خوفا من وثبته و رهبة من تمکنه فيخاف حينئذ و يخرج الي التحرز و الاستظهار بأن يخفي شخصه عن کل من لا يأمنه من ولي و عدو الي وقت خروجه (و أيضا) فآباؤه انما ظهروا لانه کان المعلوم انه لو حدث بهم حادث لکان هناک من يقوم مقامه و يسد مسده من أولادهم و ليس کذلک صاحب الزمان (عج) لان المعلوم انه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف فلذلک وجب استتاره و غيبته و فارق حاله حال آبائه و هذا واضح بحمد الله.
[ صفحه 433]
فان قيل بأي شي ء يعلم زوال الخوف وقت ظهوره بالوحي من الله فالامام لا يوحي اليه او بعلم ضروري فذلک ينافي التکليف أو بامارة توجب غلبة الظن ففي ذلک تقرير بالنفس.
قلنا عن ذلک جوابان (احدهما) ان الله اعلمه علي لسان نبيه واوقفه عليه من جهة آبائه زمان غيبته المخوفة و زمان زوال الخوف عنه فهو يتبع في ذلک ما شرع له واوقف عليه و انما اخفي ذلک عنا لما فيه من المصلحة فاما هو فعالم به لا يرجع الي الظن (و الثاني) انه لا يمتنع ان يغلب علي ظنه بقوة الامارات بحسب العادة قوة سلطانه فيظهر عند ذلک و يکون قد اعلم انه متي غلب في ظنه کذلک وجب عليه و يکون الظن شرطا و العمل عنده معلوما کما تقوله في تنفيذ الحکم عند شهادة الشهود و العمل علي جهات القبلة بحسب الامارات و الظنون و ان کان وجوب التنفيذ للحکم و التوجه الي القبلة معلومين و هذا واضح بحمد الله.
و اما ما روي من الاخبار من امتحان الشيعة في حال الغيبة و صعوبة الامر عليهم و اخيتارهم للصبر عليه فالوجه فيها الاخبار عما يتفق من ذلک من الصعوبة و المشاق لا ان الله تعالي غيب الامام ليکون ذلک و کيف يريد الله ذلک و ما ينال المؤمنين من جهد الظالمين ظلم منهم لهم و معصية و الله لا يريد ذلک بل سبب الغيبة هو الخوف علي ما قلناه و أخبروا بما يتفق في هذه الحال و ما للمؤمن من الثواب علي الصبر علي ذلک و التمسک الي أن يفرج الله عنهم.
فاکهة اعلم ان بعض المخالفين يشنعونا بأنه اذا لم يمکن التوسل الي امام زمانکم و لا أخذ المسائل الدينية عنه فأي ثمرة تترتب علي مجرد معرفته
[ صفحه 434]
حتي يکون من مات و ليس عارفا به فقد مات ميتة الجاهلية و الامامية يقولون ليست الثمرة منحصرة في مشاهدته و أخذ المسائل عنه بل نفس التصديق بوجوده و انه خليفة الله في الارض امر مطلوب لذاته و رکن من ارکان الايمان کتصديق من کان في عصر النبي (ص) بوجوده و نبوته.
و قد روي عن جابر بن عبد الله ان النبي (ص) ذکر المهدي فقال ذلک الذي يفتح الله عز و جل علي يديه مشارق الارض و مغاربها يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت فيها الا من امتحن الله قلبه للايمان فقلت يا رسول الله هل لشيعته انتفاع به في غيبته فقال (ص) اي و الذي بعثني بالحق انهم يستضيئون بنوره و ينتفعون بولايته في غيبته کانتفاع الناس بالشمس و ان علاها السحاب ثم قالت الامامية ان تشنيعکم علينا مقلوب عليکم لانکم تذهبون الي ان المراد بامام الزمان في هذا الحديث صاحب الشوکة من ملوک الدنيا کائنا من کان عالما أو جاهلا عدلا أو فاسقا واي ثمرة علي معرفة الجاهل الفاسق ليکون من مات و لم يعرفه فقد مات ميتة جاهلية.
فاکهة اخري حکي السيد صاحب المقام رضي الدين علي بن طاووس انه اجتمع يوما في بغداد مع بعض فضلائه فانجر الکلام بينهما الي ذکر الامام محمد ابن الحسن المهدي (عج) و ما تدعيه الامامية من حياته في هذه المدة الطويلة فشنع ذلک الفاضل علي من يصدق بوجوده و يعتقد طول عمره الي ذلک الزمان انکارا بليغا قال السيد (ره) فقلت لله انک تعلم انه لو حضر اليوم رجل و ادعي انه يمشي علي الماء لاجتمع لمشاهدته کل أهل البلد فاذا مشي علي الماء و عاينوه و قضوا تعجبهم منه ثم جاء في اليوم الثاني آخر و قال أنا امشي علي الماء أيضا فشاهدوا مشيه عليه لکان تعجبه أقل من الاول فاذا جاء
[ صفحه 435]
في اليوم الثالث آخر وادعي انه يمشي علي الماء أيضا فربما لا يجتمع للنظر اليه الا القليل ممن شاهد الاولين فاذا مشي سقط التعجب بالکلية فاذا جاء رابع و قال أنا أيضا امشي علي الماء کما مشوا فاجتمع عليه جماعة ممن شاهدوا الثلاثة الاول ثم أخذوا يتعجبون منه تعجبا زائدا علي تعجبهم من الاول و الثاني الثالث لتعجب العقلاء من نقص عقولهم و خاطبوهم بما يکرهون و هذا بعينه حال المهدي (عج) فانکم رويتم ان ادريس حي موجود في السماء من زمانه الي الان و رويتم ان عيسي (ع) حي موجود في السماء و انه سيعود الي الارض اذا ظهر المهدي (عج) و يقتدي به فهذه ثلاثة نفر من البشر قد طالت اعمارهم زيادة علي المهدي (عج) فکيف لا تتعجبون منهم و تتعجبون من ان يکون لرجل من ذرية النبي (ص) اسوة بواحد منهم و تنکرون ان يکون من جملة آياته (ص) ان يعمر واحد من عترته و ذريته زيادة علي المتعارف من الاعمار في هذا الزمان.