بازگشت

الغيبة الصغري تمهيد الائمة لغيبة الامام


من خلال ما تقدّم عرفنا أنّ الائمة صلوات الله عليهم هيأوا الاذهان، أذهان الامة لتقبل قضيّة غيبة الامام سلام الله عليه، أنّکم يا معشر الناس ستواجهون إماماً يغيب عن أنظارکم، يعني أنّکم من عهد أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه إلي عهد الامام العسکري سلام الله عليه إمامکم بين ظهرانيکم وعلي رؤوسکم بمرأي ومسمع منکم، أما أنّکم ستواجهون إماماً هو الامام الثاني عشر سلام لله عليه، وهو إمام مغيّب عن الانظار، باعتبار أنّ هذه التجربة تجربة جديدة، فاجتمعت في الامام المهدي سلام الله عليه عدّة خصوصيات في واقع الامر، وخصوصيات في غاية الخطر، يعني فضلاً عن کونه الامام الثاني عشر.

المسألة الاولي: مسألة مبکرية إمامته (عليه السلام)، وقد يقال إنّها ليست بالتجربة الجديدة، لان المبکرية في الامامة سبقه فيها جدّاه الجواد والهادي سلام لله عليهما، الامام الجواد تولّي الامامة وسنّه قرابة ثمان سنوات أو سبع سنوات، والامام الهادي أيضاً کذلک تولّي الامامة وسنّه



[ صفحه 25]



قرابة ست سنوات، فربما يقال إنّ هذه المسألة أصبحت مأنوسة ومألوفة للامة، وکأن العناية الالهية درّبت الامة علي قبول الامامة المبکّرة تدريجياً، فبدأت بامامة الجواد (عليه السلام) في ما يقارب ثماني سنوات، ثم الهادي (عليه السلام) في قرابة الست سنوات، ثم الامام المهدي (عليه السلام)في الخمس سنوات.

المسألة الثانية: مسألة غيبته (عليه السلام)، إمام غائب بأي معني؟ وکيف؟ ولماذا؟.

والمسألة الثالثة: التي هي في غاية الخطر أيضاً: مسألة ظهوره صلوات الله وسلامه عليه، وإقامة الدولة الاسلامية العالمية التي يملا الله به الارض قسطاً وعدلاً بعد أن تُملا ظلماً وجوراً.

هذه ملامح ثلاثة في غاية الخطر في شخصية صاحب الامر صلوات الله عليه، ومن جملة هذه الملامح نفس موضوع الغيبة:

الغيبة تجربة جديدة للامّة، ربما الامة جرّبت غيبة قصيرة تمتد مثلاً أيام أو شهر لبعض السابقين صلوات الله عليهم، ولکن غيبة في تمام فترة الامام إلي أن يأذن الله في الفرج بهذا الطول وبهذا الشکل، هکذا تجربة لم تمرّ بها الامة الاسلاميّة سابقاً، فالامّة بحاجة إلي أن تألف هذه التجربة، بحاجة إلي أن تقنع بهذه التجربة، بحاجة إلي أن تسمع بها وتکون مأنوسة لها حتي لا تفاجأ بقضيّة غيبته، فلهذا کان الائمة الاطهار سلام الله عليهم [1] ، بل حتي في أحاديث رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم)في ما يرويه علماء



[ صفحه 26]



الفريقين [2] في قضية صاحب الامر (عليه السلام)، هنالک لمحات کثيرة في قضية غيبته (عليه السلام).

الهدف من کل هذا الحشد من أحاديث الاشارة إلي غيبته هو تعبئة النفسية العامة أو الذهنية العامة لتقبل فکرة الامام الغائب سلام الله عليه، وأنّه حقيقة ستقع، لا أنّها مسألة في عالم الافتراض فقط.

ثم الائمة سلام الله عليهم في نفس الوقت أيضاً أشاروا إلي بعض خصوصيات هذه الغيبة، مثلاً الامام العسکري سلام الله عليه في حديث من الاحاديث يقول: «عثمان بن سعيد العمري ـ يخاطب رجلاً ـ وکيلي وأنّ ابنه محمداً وکيل ابني مهديّکم» [3] ، حتي قضية السفير الثاني للامام المهدي سلام الله عليه کان أيضاً يتحدث عنه الامام العسکري (عليه السلام)، فلا يسعنا المجال الان للافاضة في هذه الجزئيات والخصوصيات، لکن من حيث المبدأ الائمة(عليهم السلام)کانوا يتدخلون في هذه المسألة ويخططون لها ويحاولون تحضير الذهنية العامة لفکرة الغيبة الصغري، وحتي فکرة الغيبة الکبري، لئلاّ تفاجأ الامّة.

کما أنّ الغيبة الصغري في نفسها عمليّة تهيئة وإعداد للامّة الاسلامية للتفاعل والاندماج مع الغيبة الکبري، يعني کما أنّ الائمة هيأوا الناس



[ صفحه 27]



لغيبة صغري، کذلک هيأوهم للغيبة الکبري، والغيبة الصغري هي في نفسها وضعيّاً تهيّء الامة للغيبة الکبري، ولهذا بدأت العملية بالتدريج.

لاحظوا أن الامة لم تبدأ فيها بالغيبة الکبري، إنّما بدأت بالغيبة الصغري، يعني ما بدأ الامام يغيب عن الناس بلا سفراء، إنّما بدأ غيبته مع السفراء، لانّ الغيبة مع السفراء لا شک أنّها أقرب إلي أذهان الناس وأشدّ أُنساً لاذهان الناس، لا سيما مع ما سيأتي من أنّ هؤلاء السفراء أوّلهم نصّ عليه الامام الحاضر سابقاً، وهو الامام العسکري سلام الله عليه، وفي نفس الوقت هذا السفير نصّ علي من بعده.

فالامام العسکري (عليه السلام) نص علي سفارة عثمان بن سعيد، وحضر مَن حضر من شيعة الامام من علماء الامة الاسلامية وشهدوا هذا النص من الامام سلام الله عليه، ثم الخواص الذين حضروا وشهدوا، سمعوا الامام المهدي صلوات الله عليه يقرّ نيابة وسفارة عثمان بن سعيد، فحصل اطمئنان حسّي بسفارة عثمان بن سعيد، ثم عثمان بن سعيد الذي قيل في حقه، «اسمعوا له وأطيعوا» ومما يسمع له ويطاع فيه هو نصه علي من بعده، وممّا قال في مَنْ بعده أيضاً: اسمعوا له وأطيعوا، وهو ابنه محمد بن عثمان، ومحمد بن عثمان أيضاً قال: اسمعوا له وأطيعوا لمن يليه وهو الحسين بن روح، والحسين بن روح کذلک.

فاذن هنالک نص بهذه الطريقة بمحضر من علماء الامة.



[ صفحه 28]



فالقضية کانت قضية حسّية، الذين شهدوا الامام سلام الله عليه افرض أنّهم الخواص، وکذلک مسألة النص علي السفير، وأنّ السفير ـ هذه نقطة أخري ـ حينما کان يواجه الامة کان يواجه الامة بتوقيعات الامام سلام الله عليه، وما کان يأتي بشيء من عند نفسه أو من اجتهاداته الشخصية مثلاً، إنّما کان يأتي للامة بکلام الامام سلام الله عليه، بمکتوبات الامام سلام الله عليه، بتوقيعاته.



[ صفحه 30]




پاورقي

[1] راجع کتاب الامام المهدي (عليه السلام) للسيد صدر الدين الصدر.

[2] راجع کتاب الامام المهدي (عليه السلام) في کتب اهل السنة.

[3] الغيبة للطوسي: 356 ح 317.