الدليل علي فساد قول الکيسانية
[أقول] [1] : و أما الذي يدل علي فساد قول الکيسانية القائلين بإمامة محمد بن الحنفية فأشياء.
منها: أنه لو کان إماما مقطوعا علي عصمته لوجب أن يکون منصوصا عليه نصا صريحا لان العصمة لا تعلم إلا بالنص، و هم لا يدعون نصا صريحا [عليه] [2] و إنما يتعلقون بأمور ضعيفة دخلت عليهم فيها شبهة لا تدل علي النص، نحو إعطاء أمير المؤمنين عليه السلام إياه الراية يوم البصرة، و قوله له أنت ابني حقا مع کون الحسن و الحسين عليهما السلام ابنيه و ليس في ذلک دلالة علي إمامته علي وجه، و إنما يدل علي فضيلته [3] و منزلته.
علي أن الشيعة تروي أنه جري بينه و بين علي بن الحسين عليهما السلام کلام في استحقاق الامامة فتحاکما إلي الحجر فشهد الحجر لعلي بن الحسين عليهما السلام بالامامة، فکان ذلک معجزا له فسلم له الامر و قال بإمامته.
1 - و الخبر بذلک مشهور عند الامامية لانهم رووا أن محمد بن الحنفية نازع علي بن الحسين عليهما السلام في الامامة و ادعي أن الامر أفضي إليه بعد أخيه الحسين عليه السلام، فناظره علي بن الحسين عليه السلام و احتج عليه بآي من القرآن کقوله: (و أولوا الارحام بعضهم أولي ببعض) [4] و أن هذه الآية جرت في علي بن الحسين عليهما السلام و ولده ثم قال له: أحاجک إلي الحجر الاسود، فقال له: کيف تحاجني إلي حجر [5] لا يسمع و لا يجيب، فأعلمه أنه يحکم بينهما فمضيا حتي انتهيا إلي الحجر، فقال علي بن الحسين عليه السلام لمحمد بن الحنفية: تقدم فکلمه فتقدم إليه و وقف حياله و تکلم ثم أمسک، ثم تقدم علي بن الحسين عليه السلام فوضع يده عليه ثم قال: أللهم إني أسألک باسمک
[ صفحه 19]
المکتوب في سرادق العظمة ثم دعا بعد ذلک و قال: لما أنطقت هذا الحجر، ثم قال: أسألک بالذي جعل فيک مواثيق العباد و الشهادة لمن وافاک لما أخبرت لمن الامامة و الوصية فتزعزع الحجر حتي کاد أن يزول، ثم أنطقه الله تعالي، فقال: يا محمد سلم الامامة لعلي بن الحسين، فرجع محمد عن منازعته و سلمها إلي علي بن الحسين عليهما السلام [6] .
و منها تواتر الشيعة الامامية بالنص عليه من أبيه وجده و هي موجودة [7] في کتبهم في الاخبار لا نطول بذکرها الکتاب.
و منها الاخبار الواردة عن النبي صلي الله عليه و آله من جهة الخاصة و العامة علي ما سنذکره فيما بعد بالنص علي إمامة الاثني عشر، و کل من قال بإمامتهم قطع علي وفاة محمد بن الحنفية و سياقة الامامة إلي صاحب الزمان عليه السلام.
و منها انقراض هذه الفرقة فإنه لم يبق في الدنيا في وقتنا و لا قبله بزمان طويل قائل يقول به، و لو کان ذلک حقا لما جاز انقراضه.
فإن قيل: کيف يعلم انقراضهم وهلا جاز أن يکون في بعض البلاد البعيدة و جزائر البحر و أطراف الارض أقوام يقولون بهذا القول کما يجوز أن يکون في أطراف الارض من يقول بمذهب الحسن [8] في أن مرتکب الکبيرة منافق فلا يمکن ادعاء انقراض هذه الفرقة و إنما کان يمکن العلم بذلک لو [9] کان المسلمون فيهم
[ صفحه 20]
قلة و العلماء محصورين فأما و قد انتشر الاسلام و کثر العلماء فمن أين يعلم ذلک.
قلنا: هذا يؤدي إلي أن لا يمکن العلم بإجماع الامة علي قول و لا مذهب بأن يقال: لعل في أطراف الارض من يخالف ذلک و يلزم أن يجوز أن يکون في أطراف الارض من يقول: إن البرد [10] لا ينقض الصوم و أنه يجوز للصائم أن يأکل إلي طلوع الشمس، لان الاول کان مذهب أبي طلحة الانصاري، و الثاني مذهب حذيفة و الاعمش، و کذلک مسائل کثيرة من الفقة کان الخلف فيها (واقعا) [11] بين الصحابة و التابعين، ثم زال الخلف فيما بعد، و اجتمع أهل الاعصار علي خلافه، فينبغي أن يشک في ذلک و لا نثق بالاجماع علي مسألة سبق الخلاف فيها، و هذا طعن من يقول إن الاجماع لا يمکن معرفته و لا التوصل إليه، و الکلام في ذلک لا يختص هذه المسألة فلا وجه لايراده هنا.
ثم إنا نعلم أن الانصار طلبت الا مرة و دفعهم المهاجرون عنها ثم رجعت الانصار إلي قول المهاجرين علي قول المخالف، فلو أن قائلا قال [12] : يجوز عقد الامامة لمن کان من الانصار لان الخلاف سبق فيه، و لعل في أطراف الارض من يقول به، فما کان يکون جوابهم فيه [فأي] [13] شيء قالوه فهو جوابنا بعينه فلا نطول بذکره.
فإن قيل: إذا کان الاجماع عندکم إنما يکون حجة بکون المعصوم فيه، فمن أين تعلمون دخول قوله [14] في جملة أقوال الامة؟ (وهلا جاز أن يکون قوله منفردا عنهم فلا تثقون بالاجماع؟) [15] .
قلنا: المعصوم إذا کان من جملة علماء الامة فلا بد [من] [16] أن يکون قوله
[ صفحه 21]
موجودا في جملة أقوال العلماء، لانه لا يجوز أن يکون منفردا مظهرا للکفر فإن ذلک لا يجوز عليه، فإذا لابد [من] [17] أن يکون قوله في جملة الاقوال، و إن شککنا في أنه الامام.
فإذا اعتبرنا أقوال الامة و وجدنا بعض العلماء يخالف فيه، فإن کنا نعرفه و نعرف مولده و منشأه لم نعتد بقوله لعلمنا أنه ليس بإمام، و إن شککنا في نسبه لم تکن المسألة إجماعا.
فعلي هذا أقوال العلماء من الامة اعتبرناها فلم نجد فيهم قائلا بهذا المذهب الذي هو مذهب الکيسانية أو الواقفة، و إن وجدنا فرضا واحدا أو اثنين فإنا نعلم منشأه و مولده فلا يعتد [18] بقوله و اعتبرنا أقوال الباقين الذين نقطع علي کون المعصوم فيهم، فسقطت هذه الشبهة علي هذا التحرير و بان وهنها [19] .
پاورقي
[1] من البحار.
[2] من نسخ أ، ف، م .
[3] في البحار و نسخة ن فضله.
[4] الانفال: 75، الاحزاب: 6.
[5] في نسخة ف الحجر (حجر خ ل).
[6] عنه إثبات الهداة: 3 / 11 ح 14.
و رواه في بصائر الدرجات: 502 ح 3 و مختصر بصائر الدرجات: 14 و الاحتجاج: 316 و أورده في إعلام الوري: 253 و مناقب ابن شهر آشوب: 4 / 147 عن نوادر الحکمة لمحمد بن يحيي مختصرا.
و عنها البحار: 46 / 111 ح 2 - 4.
و العوالم: 18 / 271 ح 2.
و أخرجه في مختصر البصائر: 170 عن الکافي: 1 / 348 ح 5 و أورد نحوه في الخرائج: 1 / 257 ح 3 و له تخريجات أخر ترکناها رعاية للاختصار، من أرادها فليراجع الخرائج.
يأتي الاشارة إلي هذا الحديث في ص 203.
[7] في نسخة ف .
و هو موجود.
[8] أي الحسن البصري.
[9] في نسختي ح، ن و الاصل: لما.
[10] في نسخة ف التبرد (البرد خ ل).
[11] ليس في نسخ أ، ف، م .
[12] في نسخة ن يقول.
[13] من نسختي ف، م و البحار.
[14] في نسخ أ، ف، م أن قوله داخل.
[15] ليس في البحار.
[16] من نسختي ف، م .
[17] من نسختي ف، م .
[18] في نسختي أ، م فلا نعتد.
[19] من قوله و أما الذي علي فساد قول الکيسانية إلي هنا في البحار: 42 / 81 - 84 ح 13.