بازگشت

الکلام في الغيبة


إعلم أن لنا في الکلام في غيبة صاحب الزمان عليه السلام طريقين.

أحدهما: أن نقول: إذا ثبت وجوب الامامة في کل حال، و أن الخلق مع کونهم معصومين لا يجوز أن يخلو من رئيس في وقت من الاوقات، و أن من شرط الرئيس أن يکون مقطوعا علي عصمته، فلا يخلو ذلک الرئيس من أن يکون ظاهرا معلوما، و الضرب فليقم، فإذا علمنا أن کل من يدعي له الامامة ظاهرا ليس بمقطوع علي عصمته، بل ظاهر أفعالهم و أحوالهم ينافي العصمة، علمنا أن من يقطع علي عصمته غائب مستور.

و إذا علمنا أن کل من يدعي له العصمة قطعا من هو غائب من الکيسانية و الناووسية و الفطحية و الواقفة و غيرهم قولهم باطل، علمنا بذلک صحة إمامة ابن الحسن عليه السلام و صحة غيبته و ولايته، و لا نحتاج [1] إلي تکلف الکلام في إثبات ولادته، و سبب غيبته، مع ثبوت ما ذکرناه، لان [2] الحق لا يجوز خروجه عن الامة.

و الطريق الثاني: أن نقول: الکلام في غيبة ابن الحسن عليه السلام فرع علي ثبوت إمامته، و المخالف لنا إما أن يسلم لنا إمامته و يسأل عن سبب غيبته



[ صفحه 4]



عليه السلام فنتکلف [3] جوابه، أو لا يسلم لنا إمامته فلا معني لسؤاله عن غيبة من لم يثبت إمامته، و متي نوزعنا في ثبوت [4] إمامته دللنا عليها بأن نقول: قد ثبت وجوب الامامة مع بقاء التکليف علي من ليس بمعصوم في جميع الاحوال و الاعصار بالادلة القاهرة، و ثبت أيضا أن من شرط الامام أن يکون مقطوعا علي عصمته و علمنا أيضا أن الحق لا يخرج عن الامة.

فإذا ثبت ذلک وجدنا الامة بين أقوال: بين قائل يقول: لا إمام، فما ثبت من وجوب الامامة في کل حال يفسد قوله.

و قائل يقول: بإمامة من ليس بمقطوع علي عصمته، فقوله يبطل بما دللنا عليه من وجوب القطع علي عصمة الامام عليه السلام.

و من ادعي العصمة لبعض من يذهب إلي إمامته، فالشاهد يشهد بخلاف قوله، لان أفعالهم الظاهرة و أحوالهم تنافي العصمة، فلا وجه لتکلف القول فيما نعلم ضرورة خلافه.

و من ادعيت له العصمة و ذهب قوم إلي إمامته کالکيسانية القائلين بإمامة محمد بن الحنفية، و الناووسية القائلين بإمامة جعفر بن محمد عليه السلام، و أنه لم يمت و الواقفية [5] الذين قالوا: إن موسي بن جعفر عليه السلام لم يمت، فقولهم باطل من وجوه سنذکرها.

فصار الطريقان محتاجين إلي فساد قول هذه الفرق ليتم ما قصدناه و يفتقران إلي إثبات الاصول (الثلاثة) [6] التي ذکرناها من وجوب الرئاسة، و وجوب القطع علي العصمة، و أن الحق لا يخرج عن الامة، و نحن ندل علي کل واحد من



[ صفحه 5]



هذه الاقوال بموجز من القول لان استيفاء ذلک موجود في کتبي في الامامة علي وجه لا مزيد عليه.

و الغرض بهذا الکتاب ما يختص الغيبة دون غيرها و الله الموفق لذلک بمنه.

و الذي يدل علي وجوب الرئاسة ما ثبت من کونها لطفا في الواجبات العقلية فصارت واجبة، کالمعرفة التي لا يعري [7] مکلف من وجوبها عليه، ألا تري أن من المعلوم أن من ليس بمعصوم من الخلق متي خلوا من رئيس مهيب يردع المعاند و يؤدب الجاني، و يأخذ علي يد المتغلب، و يمنع القوي من الضعيف، و أمنوا ذلک، وقع الفساد، و انتشر الحيل، و کثر الفساد، و قل الصلاح، و متي کان لهم رئيس هذه صفته کان الامر بالعکس من ذلک، من شمول الصلاح و کثرته، و قلة الفساد و نزارته، و العلم بذلک ضروري لا يخفي علي العقلاء، فمن دفعه لا يحسن مکالمته، و أجبنا عن کل ما يسأل علي [8] ذلک مستوفي في تلخيص الشافي [9] و شرح الجمل لا نطول بذکره ها هنا.

و وجدت لبعض المتأخرين کلاما اعترض به کلام المرتضي (ره) في الغيبة و ظن أنه ظفر بطائل فموه به علي من ليس له قريحة و لا بصر بوجوه النظر و أنا أتکلم عليه.

فقال: الکلام في الغيبة و الاعتراض عليها من ثلاثة أوجه.

أحدها: أنا نلزم [10] الامامية ثبوت وجه قبح فيها أو في التکليف معها فيلزمهم أن يثبوا أن الغيبة ليس فيها وجه قبح، لان مع ثبوت وجه القبح تقبح الغيبة، و إن ثبت فيها وجه حسن کما نقول في قبح تکليف ما لا يطاق (أن فيه وجه قبح) [11] و إن کان فيه وجه حسن بأن يکون لطفا لغيره.



[ صفحه 6]



و الثاني: أن الغيبة تنقض طريق وجوب الامامة في کل زمان، لان کون الناس مع رئيس مهيب متصرف أبعد من القبيح لو اقتضي کونه لطفا واجبا في کل حال، و قبح التکليف مع فقده لانتقض [12] بزمان الغيبة، لانا في زمان الغيبة نکون مع رئيس هذه صفته [13] أبعد من القبيح، و هو دليل وجوب هذه الرئاسة، و لم يجب وجود رئيس هذه صفته [14] في زمان الغيبة و لا قبح التکليف مع فقده، فقد وجد الدليل و لا مدلول و هذا نقض الدليل.

و الثالث: أن يقال: إن الفائدة بالامامة هي کونه مبعدا من القبيح علي قولکم، و ذلک لا يحصل مع وجوده غائبا فلم ينفصل وجوده من عدمه، و إذا لم يختص وجوده غائبا بوجه الوجوب الذي ذکروه لم يقتض دليلکم [15] وجوب وجوده مع الغيبة، فدليلکم مع أنه منتقض حيث وجد مع انبساط اليد، و لم يجب انبساط اليد مع الغيبة، فهو متعلق بوجود إمام منبسط اليد و لا هو حاصل في هذه الحال.

الکلام عليه أن نقول: أما الفصل الاول من قوله: إنا نلزم الامامية أن يکون في الغيبة وجه قبح وعيد منه محض لا يقترن به حجة، فکان ينبغي أن يتبين وجه القبح الذي أراد إلزامه إياهم لننظر [16] فيه و لم يفعل، فلا يتوجه وعيده.

و إن قال ذلک سائلا علي وجه: ما أنکرتم أن يکون فيها وجه قبح .

فإنا نقول: وجوه القبح معقولة من کون الشيء ظلما و عبثا و کذبا و مفسدة و جهلا و ليس شيء من ذلک موجودا ها هنا، فعلمنا بذلک انتفاء وجود [17] القبح.

فإن قيل: وجه القبح أنه لم يزح علة المکلف علي قولکم، لان انبساط يده



[ صفحه 7]



الذي هو لطف في الحقيقة و الخوف من تأديبه لم يحصل، فصار ذلک إخلالا بلطف المکلف فقبح لاجله.

قلنا: (قد) [18] بينا في باب وجوب الامامة بحيث أشرنا إليه أن انبساط يده عليه السلام و الخوف من تأديبه إنما فات المکلفين لما يرجع إليهم، لانهم أحوجوه إلي الاستتار بأن أخافوه و لم يمکنوه فأتوا من قبل نفوسهم.

و جري ذلک مجري أن يقول قائل: من لم يحصل له معرفة الله تعالي في تکليفه وجه قبح لانه لم يحصل ما هو لطف له من المعرفة، فينبغي أن يقبح تکليفه.

فما يقولونه ها هنا من أن الکافر أتي من قبل نفسه، لان الله قد نصب له الدلالة [19] علي معرفة و مکنه من الوصول إليها، فإذا لم ينظر و لم يعرف أتي في ذلک من قبل نفسه و لم يقبح ذلک تکليفه، فکذلک نقول: إنبساط يد الامام و إن فات المکلف فإنما أتي من قبل نفسه، و لو مکنه لظهر و انبسطت يده فحصل لطفه فلم يقبح تکليفه، لان الحجة عليه لا له.

و قد استوفينا نظائر ذلک في الموضع الذي أشرنا إليه، و سنذکر فيما بعد إذا عرض ما يحتاج [20] إلي ذکره.

و أما الکلام في الفصل الثاني: فهو مبني علي المغالطة و لا نقول: إنه لم يفهم ما أورده، لان الرجل کان فوق ذلک لکن أراد التلبيس و التمويه (في قوله) [21] : إن دليل وجوب الرئاسة ينتقض بحال الغيبة، لان کون الناس مع رئيس مهيب [22] متصرف أبعد من القبيح لو اقتضي کونه لطفا واجبا علي کل حال و قبح التکليف مع فقده لانتقض [23] بزمان الغيبة [لانا في زمان الغيبة] [24] فلم يقبح التکليف مع فقده، فقد وجد الدليل و لا مدلول و هذا نقض.



[ صفحه 8]



و إنما قلنا: إنه تمويه لانه ظن أنا نقول: إن في حال الغيبة دليل وجوب الامامة قائم و لا إمام فکان نقضا، و لا نقول ذلک، بل دليلنا في حال وجود الامام بعينه هو دليل حال غيبته، في أن في الحالين الامام لطف فلا نقول: إن زمان الغيبة خلا من وجوب [25] رئيس، بل عندنا أن الرئيس حاصل، و إنما ارتفع انبساط يده لما يرجع إلي المکلفين علي ما بيناه، لا لان انبساط يده خرج من کونه لطفا بل وجه اللطف به قائم، و إنما لم يحصل لما يرجع إلي الله.

فجري مجري أن يقول قائل: کيف يکون معرفة الله تعالي لطفا مع أن الکافر لا يعرف الله، فلما کان التکليف علي الکافر قائما و المعرفة مرتفعة [26] دل علي أن المعرفة ليست لطفا علي کل حال لانها لو کانت کذلک لکان ذلک نقضا.

و جوابنا في الامامة کجوابهم في المعرفة من أن الکافر لطفه قائم بالمعرفة و إنما فوت نفسه بالتفريط في النظر المؤدي إليها فلم يقبح تکليفه، فکذلک نقول: الرئاسة لطف للمکلف في حال الغيبة، و ما يتعلق بالله من إيجاده حاصل، و إنما ارتفع تصرفه و انبساط يده لامر يرجع إلي المکلفين فاستوي الامران، و الکلام في هذه المعني مستوفي أيضا بحيث ذکرناه.

و أما الکلام في الفصل الثالث: من قوله: إن الفائدة بالامامة هي کونه مبعدا من القبيح علي قولکم، و ذلک لم يحصل مع غيبته، فلم ينفصل وجوده من عدمه، فإذا لم يختص وجوده غائبا بوجه الوجوب الذي ذکروه لم يقتض دليلکم وجوب وجوده مع الغيبة، فدليلکم مع أنه منتقض حيث وجد مع انبساط اليد، و لم يجب انبساط اليد مع الغيبة، فهو متعلق بوجود إمام منبسط اليد و لا هو حاصل في هذه الحال.

فإنا نقول: إنه لم يفعل في هذا الفصل أکثر من تعقيد القول علي طريقة المنطقيين من قلب المقدمات ورد بعضها علي بعض، و لا شک أنه قصد بذلک المتويه و المغالطة، و إلا فالأَمر أوضح من أن يخفي.



[ صفحه 9]



و متي قالت الامامية: إن انبساط يد الامام لا يجب في حال الغيبة حتي يقول: دليلکم لا يدل علي وجوب إمام منبسط اليد، لان هذه حال [27] الغيبة، بل الذي صرحنا به دفعة بعد أخري أن انبساط يده واجب في الحالين (في) [28] حال ظهوره و حال غيبته، أن حال ظهوره مکن منه فانبسطت يده و حال الغيبة لم يمکن فانقبضت يده، لا [29] أن انبساط يده خرج من باب الوجوب.

و بينا أن الحجة بذلک قائمة علي المکلفين من حيث منعوه و لم يمکنوه فأتوا [30] من قبل نفوسهم، و شبهنا ذلک بالمعرفة دفعة بعد أخري.

و أيضا فانا نعلم أن نصب الرئيس واجب بعد الشرع لما في نصبه من اللطف لتحمله للقيام [31] بما لا يقوم به غيره، و مع هذا فليس التمکين واقعا لاهل الحل و العقد من نصب من يصلح لها خاصة علي مذهب أهل العدل الذين کلامنا معهم، و مع هذا لا يقول أحد: إن وجوب نصب الرئيس سقط الآن من حيث لم يقع التمکين منه.

فجوابنا في غيبة الامام جوابهم في منع أهل الحل و العقد من اختيار من يصلح للامامة، و لا فرق بينهما فإنما [32] الخلاف بيننا أنا قلنا: علمنا ذلک عقلا، و قالوا ذلک معلوم شرعا، و ذلک فرق من موضع الجمع.

فإن قيل: أهل الحل و العقد إذا لم يمکنوا [33] من اختيار من يصلح للامامة فإن الله يفعل ما يقوم مقام ذلک من الالطاف فلا يجب إسقاط التکليف، و في الشيوخ من قال إن الامام يجب نصبه في الشرع لمصالح دنياوية، و ذلک واجب أن يفعل لها اللطف.

قلنا: أما من قال: نصب الامام لمصالح دنياوية قوله يفسد: لانه لو کان کذلک لما وجب إمامته، و لا خلاف بينهم في أنه يجب اقامة الامام مع الاختيار.



[ صفحه 10]



علي أن ما يقوم به الامام من الجهاد و تولية الامراء و القضاة و قسمة الفئ و استيفاء الحدود و القصاصات أمور دينية لا يجوز ترکها، و لو کان لمصلحة دنياوية لما وجب ذلک، فقوله ساقط بذلک.

و أما من قال: يفعل الله ما يقوم مقامه باطل، لانه لو کان کذلک لما وجب عليه اقامة الامام مطلقا علي کل حال، و لکان يکون ذلک من باب التخيير، کما نقول في فروض الکفايات.

و في علمنا بتعيين ذلک و وجوبه علي کل حال دليل علي فساد ما قالوه.

علي أنه يلزم علي الوجهين جميعا المعرفة.

بأن يقال: الکافر إذا لم يحصل له المعرفة يفعل الله له ما يقوم مقامها، فلا يجب عليه المعرفة علي کل حال.

أو يقال: إن [34] ما يحصل من الانزجار عن [35] فعل الظلم عند المعرفة أمر دنياوي لا يجب لها المعرفة، فيجب من ذلک إسقاط وجوب المعرفة، و متي قيل: إنه لا بدل للمعرفة، قلنا: و کذلک لا بدل للامام علي ما مضي - و ذکرناه في تلخيص الشافي - و کذلک إن بينوا أن الانزجار من القبيح عند المعرفة أمر ديني قلنا: مثل ذلک في وجود الامام سواء.

فإن قيل: لا يخلو وجود رئيس مطاع منبسط اليد من أن يجب علي الله جميع ذلک أو يجب علينا جميعه أو يجب علي الله إيجاده و علينا بسط يده.

فإن قلتم: يجب جميع ذلک علي الله، فإنه ينتقض بحال الغيبة لانه لم يوجد إمام منبسط اليد، و إن وجب علينا جميعه فذلک تکليف ما لا يطاق، لانا لا نقدر علي إيجاده، و إن وجب عليه إيجاده و علينا بسط يده و تمکينه فما دليلکم عليه، مع أن فيه أنه يجب علينا أن نفعل ما هو لطف للغير، و کيف يجب علي زيد بسط يد الامام لتحصيل [36] لطف عمرو، و هل ذلک إلا نقض الاصول.



[ صفحه 11]



قلنا: الذي نقوله أن وجود الامام المنبسط اليد إذا ثبت أنه لطف لنا علي ما دللنا عليه و لم يکن إيجاده في مقدورنا لم يحسن أن نکلف إيجاده لانه تکليف ما لا يطاق، و بسط يده و تقوية سلطانه قد يکون في مقدورنا و في مقدور الله، فإذا لم يفعل الله تعالي علمنا أنه واجب عليه و أنه واجب علينا، لانه لابد من أن يکون منبسط اليد ليتم الغرض بالتکليف، و بينا [37] بذلک أن بسط يده لو کان من فعله تعالي لقهر الخلق عليه، و الحيلولة بينه و بين أعدائه و تقوية أمره بالملائکة ربما [38] أدي إلي سقوط الغرض بالتکليف، و حصول الالجاء، فإذا يجب علينا بسط يده علي کل حال و إذا لم نفعله أتينا من قبل نفوسنا.

فأما قولهم: في ذلک إيجاب اللطف علينا للغير صحيح.

لانا نقول: إن کل من يجب عليه نصرة الامام و تقوية سلطانه له في ذلک مصلحة تخصه، و إن کانت فيه مصلحة يرجع إلي غيره کما نقوله في أن الانبياء يجب عليهم تحمل أعباء النبوة و الاداء إلي الخلق ما هو مصلحة لهم، لان لهم في القيام بذلک مصلحة تخصهم و إن کانت فيها مصلحة لغيرهم.

و يلزم المخالف في أهل الحل و العقد بأن يقال: کيف يجب عليهم اختيار الامام لمصلحة ترجع إلي جميع الامة، و هل ذلک إلا إيجاب الفعل عليهم لما يرجع إلي مصلحة غيرهم، فأي شيء أجابوا به فهو جوابنا بعينه سواء [39] .

فإن قيل: لم زعمتم أنه يجب إيجاده في حال الغيبة وهلا جاز أن يکون معدوما.

قلنا: إنما أوجبنا [ذلک] [40] من حيث إن تصرفه الذي هو لطفنا إذا لم يتم إلا بعد وجوده و إيجاده لم يکن في مقدورنا، قلنا عند ذلک: أنه يجب علي الله ذلک و إلا أدي إلي أن لا نکون مزاحي العلة بفعل اللطف فنکون أتينا من قبله تعالي لا



[ صفحه 12]



من قبلنا، و إذا أوجده و لم نمکنه من انبساط يده أتينا من قبل نفوسنا فحسن التکليف و في الاول لم يحسن.

فإن قيل: ما الذي تريدون بتمکيننا إياه؟ أ تريدون أن نقصده و نشافهه و ذلک لا يتم إلا مع وجوده.

قيل لکم: لا يصح جميع ذلک إلا مع ظهوره و علمنا أو علم بعضنا بمکانه.

و إن قلتم: نريد بتمکيننا أن نبخع [41] لطاعته [42] و الشد علي يده، و نکف عن نصرة الظالمين، و نقوم علي نصرته متي دعانا إلي إمامته و دلنا عليها [43] بمعجزته [44] .

قلنا لکم: فنحن يمکننا ذلک في زمان الغيبة و إن لم يکن الامام موجودا فيه، فکيف قلتم لا يتم ما کلفناه من ذلک إلا مع وجود الامام.

قلنا: الذي نقوله في هذا الباب ما ذکره المرتضي رحمه الله في الذخيرة و ذکرناه في تلخيص الشافي [45] أن الذي هو لطفنا من تصرف الامام و انبساط يده لا يتم إلا بأمور ثلاثة.

أحدها: يتعلق بالله و هو إيجاده.

و الثاني: يتعلق به من تحمل أعباء الامامة و القيام بها.

و الثالث: يتعلق بنا من العزم علي نصرته، و معاضدته، و الانقياد له، فوجوب تحمله عليه فرع علي وجوده، لانه لا يجوز أن يتناول التکليف المعدوم، فصار إيجاد الله إياه أصلا لوجوب قيامه، و صار وجوب نصرته علينا فرعا لهذين الاصلين لانه إنما يجب علينا طاعته إذا وجد، و تحمل أعباء الامامة و قام بها،



[ صفحه 13]



فحينئذ يجب علينا طاعته، فمع هذا التحقيق کيف يقال: لم لا يکون معدوما.

فإن قيل: فما الفرق بين أن يکون موجودا مستترا (حتي إذا علم الله منا تمکينه أظهره، و بين أن يکون) [46] معدوما حتي إذا علم منا العزم علي تمکينه أوجده.

قلنا: لا يحسن من الله تعالي أن يوجب علينا تمکين من ليس بموجود لانه تکليف ما لا يطاق، فإذا لابد من وجوده.

فإن قيل: يوجده الله تعالي إذا علم أنا ننطوي علي تمکينه بزمان واحد کما أنه يظهره عند مثل ذلک.

قلنا: وجوب تمکينه و الانطواء علي طاعته لازم في جميع أحوالنا، فيجب أن يکون التمکين من طاعته و المصير إلي أمره ممکنا في جميع الاحوال و إلا لم يحسن التکليف، و إنما کان يتم ذلک لو لم نکن مکلفين في کل حال لوجوب طاعته و الانقياد لامره، بل کان يجب علينا عند ظهوره و الامر عندنا بخلافه.

ثم يقال لمن خالفنا في ذلک و ألزمنا عدمه علي استتاره: لم لا يجوز أن يکلف الله تعالي المعرفة و لا ينصب عليها دلالة إذا علم أنا لا ننظر فيها، حتي إذا علم من حالنا أنا نقصد إلي النظر و نعزم علي ذلک أوجد الادلة و نصبها، فحينئذ ننظر و نقول ما الفرق بين دلالة منصوبة لا ننظر فيها و بين عدمها حتي إذا عزمنا علي النظر فيها أوجدها الله تعالي.

و متي قالوا: نصب الادلة من جملة التمکين الذي لا يحسن التکليف من دونه کالقدرة و الآلة.

قلنا: و کذلک وجود الامام عليه السلام من جملة التمکين من وجوب طاعته، و متي لم يکن موجودا لم تمکنا طاعته، کما أن الادلة إذا لم تکن موجودة لم يمکنا النظر فيها فاستوي الامران.



[ صفحه 14]



و بهذا التحقيق يسقط جميع ما يورد في هذا الباب من عبارات لا نرتضيها في الجواب و أسئلة المخالف عليها، و هذا المعني مستوفي في کتبي و خاصة في تلخيص الشافي فلا نطول بذکره.

و المثال الذي ذکره من أنه لو أوجب الله علينا أن نتوضأ من ماء بئر معينة لم يکن لها حبل نستقي به، و قال لنا: إن دنوتم من البئر خلقت لکم حبلا تستقون به [من] [47] الماء، فإنه يکون مزيحا لعلتنا، و متي لم ندن من البئر کنا قد أتينا من قبل نفوسنا لا من قبله تعالي.

و کذلک لو قال السيد لعبده و هو بعيد منه: اشتر لي لحما من السوق، فقال: لا أتمکن من ذلک لانه ليس معي ثمنه، فقال: إن دنوت أعطيتک ثمنه، فإنه يکون مزيحا لعلته، و متي لم يدن لاخذ الثمن يکون قد أتي من قبل نفسه لا من قبل سيده، و هذه حال ظهور الامام مع تمکيننا فيجب أن يکون عدم تمکيننا هو السبب في أن لم يظهر في هذه الاحوال لا عدمه، إذ کنا لو مکناه عليه السلام لوجد و ظهر.

قلنا: هذا کلام من يظن أنه يجب علينا تمکينه إذا ظهر و لا يجب علينا ذلک في کل حال، و رضينا بالمثال الذي ذکره، لانه تعالي [48] لو أوجب علينا الاستقاء في الحال لوجب أن يکون الحبل حاصلا في الحال لان به تزاح العلة، لکن إذا قال: متي دنوتم من البئر خلقت لکم الحبل إنما هو مکلف للدنو لا للاستقاء فيکفي القدرة علي الدنو في هذه الحال، لانه ليس بمکلف للاستقاء [49] منها [50] ، فإذا دنا من البئر صار حينئذ مکلفا للاستقاء [51] ، فيجب عند ذلک أن يخلق له الحبل، فنظير ذلک أن لا يجب علينا في کل حال طاعة الامام و تمکينه فلا يجب عند



[ صفحه 15]



ذلک وجوده، فلما کانت طاعته واجبة في الحال و لم نقف علي شرطه [52] و لا وقت منتظر وجب أن يکون موجودا لتزاح العلة في التکليف و يحسن.

و الجواب: عن مثال السيد مع غلامه مثل ذلک لانه إنما کلفه الدنو منه لا الشراء، فإذا دنا منه و کلفه الشراء وجب [53] عليه إعطاء الثمن.

و لهذا قلنا: إن الله تعالي کلف من يأتي إلي يوم القيامة و لا يجب أن يکونوا موجودين مزاحي العلة لانه لم يکلفهم الآن، فإذا أوجدهم و أزاح علتهم في التکليف بالقدرة و الآلة و نصب الادلة حينئذ تناولهم التکليف، فسقط بذلک هذه المغالطة.

علي أن الامام إذا کان مکلفا للقيام بالامر و تحمل أعباء الامامة کيف يجوز أن يکون معدوما و هل يصح تکليف المعدوم عند عاقل، و ليس لتکليفه ذلک تعلق بتمکيننا أصلا، بل وجوب التمکين علينا فرع علي تحمله علي ما مضي القول فيه، و هذا واضح.

ثم يقال لهم: أ ليس النبي صلي الله عليه و آله اختفي في الشعب ثلاث سنين لم يصل إليه أحد، و اختفي في الغار ثلاثة أيام و لم يجز قياسا علي ذلک أن يعدمه الله تعالي تلک المدة مع بقاء التکليف علي الخلق الذين بعثه لطفا لهم.

و متي قالوا: إنما اختفي بعد ما دعا إلي نفسه و أظهر نبوته فلما أخافوه استتر.

قلنا: و کذلک الامام لم يستتر إلا و قد أظهر آباؤه موضعه وصفته، و دلوا عليه، ثم لما خاف عليه أبوه الحسن بن علي عليهم السلام أخفاه و ستره، فالأَمران إذا سواء، ثم يقال لهم: خبرونا لو علم الله من حال شخص أن من مصلحته أن



[ صفحه 16]



يبعث الله إليه نبيا معينا يؤدي إليه مصالحه و علم أنه لو بعثه لقتله هذا الشخص، و لو منع من قتله قهرا کان فيه مفسدة له أو لغيره، هل يحسن أن يکلف هذا الشخص و لا يبعث إليه ذلک النبي، أو لا يکلف.

فإن قالوا: لا يکلف.

قلنا: و ما المانع منه، و له طريق إلي معرفة مصالحه بأن يمکن النبي من الاداء إليه.

و إن قلتم: يکلفه و لا يبعث إليه.

قلنا: و کيف يجوز أن يکلفه و لم يفعل به ما هو لطف له مقدور.

فإن قالوا: أتي في ذلک من قبل نفسه.

قلنا: هو لم يفعل شيئا و إنما علم أنه لا يمکنه، و بالعلم لا يحسن تکليفه مع ارتفاع اللطف، و لو جاز ذلک لجاز أن يکلف ما لا دليل عليه إذا علم أنه لا ينظر فيه، و ذلک باطل، و لا بد أن يقال: إنه يبعث إلي [54] ذلک الشخص و يوجب عليه الانقياد له ليکون مزيحا لعلته، فإما أن يمنع منه بما لا ينافي التکليف، أو يجعله بحيث لا يتمکن من قتله، فيکون قد أتي من قبل نفسه في عدم الوصول إليه، و هذه حالنا مع الامام في حال الغيبة سواء.

فإن قال: لابد أن يعلمه أن له مصلحة في بعثة هذا الشخص إليه علي لسان غيره ليعلم أنه قد أتي من قبل نفسه.

قلنا: و کذلک أعلمنا الله علي لسان نبيه صلي الله عليه و آله و الائمة من آبائه عليهم السلام موضعه، و أوجب علينا طاعته، فإذا لم يظهر لنا علمنا أنا أتينا من قبل نفوسنا فاستوي الامران.


پاورقي

[1] في نسخة ن يحتاج.

[2] في الاصل و نسخة ح و لان.

[3] في البحار و نسخة ف فنکلف.

[4] في نسخة ن إثبات.

[5] في نسختي ح، ن الواقفة.

[6] ليس في نسخة ف .

[7] في نسخة ن لا يعرف.

[8] في نسخة ف عن.

[9] تلخيص الشافي: 1 / 59 الطريقة الاولي.

[10] في نسخة ن أن تلزم، و في البحار: أن نلزم.

[11] في نسختي ف، م أنه وجه قبح.

و في نسخة ن أنه وجه أقبح.

[12] في نسخة ن لا ينقص و في نسختي أ، م لا ينقض.

[13] في نسخ أ، ن، م سبيله و في نسخة ف سبيله (صفته خ ل).

[14] في نسخة ف صفته (سبيله خ ل).

[15] في نسخ أ، ح، ف، م، ن دليلهم.

[16] في نسخة ن ننظر.

[17] في نسخ أ، ف، م وجوه.

[18] ليس في نسخة ن .

[19] في نسخة ن الدلالات.

[20] في نسخ أ، ف، م نحتاج.

[21] بدل ما بين القوسين في نسخ أ، ف، م، ح و هو قوله.

[22] في نسخة ن موجب.

[23] في نسختي ف، ح ينتقض (لانتقض ظ)، و في البحار ينتقض.

[24] من نسخ أ، م، ف .

[25] في البحار: وجود.

[26] في نسخة ن من نفعته.

[27] في نسخة ن حالة.

[28] ليس في نسختي أ، ف .

[29] في الاصل: إلا.

[30] في نسخة ن فأتموا.

[31] في نسخة ف و البحار: القيام.

[32] في نسخ م، ف، ن و إنما.

[33] في البحار: لم يتمکنوا.

[34] في نسخة ح إنه.

[35] في نسخة ن علي.

[36] في نسخة ف و البحار: ليحصل و کذا في نسختي أ، م .

[37] في نسختي أ، ف تبينا.

[38] في نسخة ف و بما (ربما ظ) و في البحار و نسخة أ و بما.

[39] في الاصل و نسخة ح سواه.

[40] من نسخ أ، ف، م و في البحار: أوجبناه.

[41] في نسخ أ، م، ف، ح ننجع.

[42] في البحار: بطاعته.

[43] في نسخة ف عليه.

[44] في نسختي أ، م بمعجزاته.

[45] تلخيص الشافي: 1 / 79 - 80.

[46] ليس في البحار، و فيه: أو معدوما.

[47] من نسخ أ، م، ف، ن و البحار.

[48] في نسخ أ، ف، م لان الله تعالي.

[49] في نسخة ن للاستسقاء.

[50] في نسخة أ، ف، م فيما.

[51] في نسخة ن للاستسقاء.

[52] في نسخ أ، ف، م شرط.

[53] في نسخة ف أوجب.

[54] في نسخ أ، ف، م إليه.