بازگشت

ذکر ما يمکن ان يکون حکمة و سببا للغيبة


فإن قيل: بينوا علي (کل) [1] حال - و إن لم يجب عليکم - وجه علة الاستتار و ما يمکن أن يکون علة علي وجه ليکون أظهر في الحجة و أبلغ في باب البرهان.

قلنا: مما يقطع [2] علي أنه سبب لغيبة الامام هو خوفه علي نفسه بالقتل بإخافة الظالمين إياه، و منعهم إياه من التصرف فيما جعل إليه التدبير و التصرف فيه فإذا حيل بينه و بين مراده، سقط فرض القيام بالامامة، و إذا خاف علي نفسه وجبت غيبته [3] ، و لزم استتاره کما استتر النبي صلي الله عليه و آله و سلم تارة في الشعب، و أخري في الغار و لا وجه لذلک إلا الخوف من المضار الواصلة إليه.

و ليس لاحد أن يقول: إن النبي صلي الله عليه و آله ما استتر عن قومه إلا بعد أدائه إليهم ما وجب عليه أداؤه و لم يتعلق بهم إليه حاجة، و قولکم في



[ صفحه 91]



الامام بخلاف ذلک، و أيضا فإن استتار النبي صلي الله عليه و آله ما طال و لا تمادي، و استتار الامام قد مضت عليه الدهور، و انقرضت عليه العصور.

و ذلک أنه ليس الامر علي ما قالوه، لان النبي صلي الله عليه و آله إنما استتر في الشعب و الغار بمکة قبل الهجرة و ما کان أدي جميع الشريعة، فإن أکثر الاحکام و معظم القرآن نزل بالمدينة، فکيف أوجبتم أنه کان بعد الاداء، و لو کان الامر علي ما قالوه من تکامل الاداء قبل الاستتار، لما کان ذلک رافعا للحاجة إلي تدبيره و سياسته و أمره و نهيه، فإن أحدا لا يقول إن النبي صلي الله عليه و آله بعد أداء الشرع محتاج إليه و لا مفتقر إلي تدبيره، و لا يقول ذلک معاند.

و هو الجواب: عن قول من قال: إن النبي صلي الله عليه و آله ما يتعلق من مصلحتنا قد أداه و ما يؤدي في المستقبل لم يکن في الحال مصلحة للخلق، فجاز ذلک الاستتار و ليس کذلک الامام عندکم لان تصرفه في کل حال لطف للخلق، فلا يجوز له الاستتار علي وجه، و وجب تقويته و المنع منه ليظهر و يزاح [4] علة المکلف.

لانا قد بينا أن النبي صلي الله عليه و آله مع أنه أدي المصلحة التي تعلقت بتلک الحال فلم [5] يستغن عن أمره و نهيه و تدبيره بلا خلاف بين المحصلين، و مع هذا جاز له الاستتار، فکذلک الامام.

علي أن أمر الله تعالي له بالاستتار بالشعب [6] تارة و في الغار أخري ضرب [7] من المنع منه، لانه ليس کل المنع أن يحول بينهم و بينه بالعجز أو بتقويته بالملائکة، لانه لا يمتنع أن يفرض [8] في تقويته بذلک مفسدة في الدين فلا يحسن من الله تعالي فعله، و لو کان خاليا من وجوه الفساد و علم الله تعالي أنه تقتضيه المصلحة لقواه



[ صفحه 92]



بالملائکة، و حال بينهم و بينه، فلما لم يفعل ذلک مع ثبوت حکمته و وجوب إزاحة علة المکلفين، علمنا أنه لم يتعلق به مصلحة بل مفسدة.

و کذلک نقول في الامام عليه السلام: إن الله تعالي منع من قتله بأمره بالاستتار و الغيبة، و لو علم أن المصلحة تتعلق بتقويته بالملائکة لفعل، فلما لم يفعل مع ثبوت حکمته و وجوه [9] إزاحة علة المکلفين في التکليف، علمنا أنه لم يتعلق به مصلحة، بل ربما کان فيه مفسدة.

بل الذي نقول: إن في الجملة يجب علي الله تعالي تقوية يد الامام بما يتمکن معه من القيام، و يبسط يده، و يمکن ذلک بالملائکة و بالبشر، فإذا لم يفعله بالملائکة علمنا أنه لاجل أنه تعلق به مفسدة، فوجب أن يکون متعلقا بالبشر فإذا لم يفعلوه أتوا من قبل نفوسهم لا من قبله تعالي، فيبطل بهذا التحرير جميع ما يورد من هذا الجنس، و إذا جاز في النبي صلي الله عليه و آله أن يستتر مع الحاجة إليه لخوف الضرر و کانت التبعة في ذلک لازمة لمخيفية [10] و محوجية إلي الغيبة، فکذلک غيبة الامام عليه السلام سواء.

فأما التفرقة بطول الغيبة و قصرها فغير صحيحة، لانه لا فرق في ذلک بين القصير المنقطع و الطويل الممتد، لانه إذا لم يکن في الاستتار لائمة علي المستتر إذا أحوج إليه، بل اللائمة علي من أحوجه إليها، جاز أن يتطاول سبب الاستتار کما جاز أن يقصر زمانه.

فإن قيل: إذا کان الخوف أحوجه إلي الاستتار فقد کان آباؤه عليهم السلام عندکم علي تقية و خوف من أعدائهم، فکيف لم يستتروا؟.

قلنا: ما کان علي آبائه عليهم السلام خوف من أعدائهم، مع لزوم التقية و العدول عن التظاهر بالامامة و نفيها عن نفوسهم، و إمام الزمان عليه السلام کل الخوف عليه، لانه يظهر بالسيف، و يدعو إلي نفسه، و يجاهد من خالفه عليه،



[ صفحه 93]



فأي نسبة [11] بين خوفه من الاعداء و خوف آبائه عليهم السلام لو لا قلة التأمل.

علي أن آباءه عليهم السلام متي قتلوا أو ماتوا کان هناک من يقوم مقامهم و يسد مسدهم يصلح للامامة من أولاده، و صاحب الامر عليه السلام بالعکس من ذلک لان من المعلوم أنه لا يقوم أحد مقامه، و لا يسد مسده، فبان الفرق بين الامرين.

و قد بينا فيما تقدم الفرق بين وجوده غائبا لا يصل إليه أحد أو أکثرهم [12] و بين عدمه حتي إذا کان المعلوم التمکن بالامر يوجده.

و کذلک قولهم: ما الفرق بين وجوده بحيث لا يصل إليه أحد و بين وجوده في السماء.

بأن قلنا: إذا کان موجودا في السماء بحيث لا يخفي عليه أخبار أهل الارض فالسماء کالارض، و إن کان يخفي عليه أمرهم، فذلک يجري مجري عدمه ثم نقلب [13] عليهم في النبي صلي الله عليه و آله بأن يقال: أي فرق بين وجوده مستترا و بين عدمه و کونه في السماء، فأي شيء قالوه قلنا مثله علي ما مضي القول فيه.

و ليس لهم أن يفرقوا بين الامرين بأن النبي صلي الله عليه و آله ما استتر من کل أحد و إنما استتر من أعدائه، و إمام الزمان مستتر عن الجميع.

لانا أولا لا نقطع علي أنه مستتر عن جميع أوليائه و التجويز في هذا الباب کاف.

علي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لما استتر في الغار کان مستترا من أوليائه و أعدائه و لم يکن معه إلا أبو بکر وحده، و قد کان يجوز أن يستتر بحيث لا يکون معه أحد من ولي و لا عدو إذا اقتضت المصلحة ذلک.



[ صفحه 94]




پاورقي

[1] ليس في نسخ أ، ف، م .

[2] في نسخة ف نقطع.

[3] في نسخ أ، ف، م غيبة الامام.

[4] في البحار: ينزاح.

[5] في البحار: و لم.

[6] في البحار: في الشعب.

[7] في نسخ أ، ف، م و البحار: فضرب.

[8] في نسخة ف أن يعرض.

[9] في البحار: وجوب.

[10] في نسخ أ، ف، م لمختفية.

[11] في البحار: فأي تشبه.

[12] في البحار: أکثر.

[13] في نسخ أ، ف، م و البحار: يقلب.